المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

موضوع أصول الفقه
10-8-2016
طرق جباية الضريبة من غير المقيم
12-4-2016
الاسمنت واهميته
3-2-2023
يقوم المونتاج التليفزيوني على عدة أسس
26/9/2022
Coordinating Conjunction
4-11-2021
قاعدة القرعة
6-7-2019


عموم علم الله تعالى  
  
6854   02:03 صباحاً   التاريخ: 24-10-2014
المؤلف : محمّد آصف المحسني
الكتاب أو المصدر : صراط الحق في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية
الجزء والصفحة : ج1- ص147-157
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / العلم و الحكمة /

 في بيان عموم علمه :

وهو إن فسّرناه بتعلّق علمه بكلّ شيء موجود أو كان موجوداً ... فأنّه تعالى عالم بجميع مخلوقاته ، سواء كانت ذواتاً ، أو معاني ، أو غير ذلك ، فهو عالم بالموجودات وبالمحالات التي يعلمها العلماء ، فإنّ الصور المرتسمة في أذهان العلماء مخلوقة لله تعالى ، فهو عالم بها بطريق أَولى ، بل يمكن الاستدلال عليه بالوجه الأَوّل والخامس والسابع أيضاً كما لا يخفى .

وهنا وجه آخر دالّ على المراد ذَكَره غير واحد ، وهو أنّ الموجب للعلم هو ذاته تعالى ، والمقتضي للمعلومية هو ذات الممكن ، ونسبة ذاته تعالى إلى جميع الممكنات نسبة متساوية ، فإذا علم بعضها فقد علم الجميع ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح وهو باطل .

أقول : الظاهر أنّ الدليل تامّ لا بأس به ، غير أنّه يجب أن يقال في تقريبه : إنّه قد ثبت له العلم في الجملة ، بدل قولهم : الموجب للعلم هو ذاته ، فإنّه ناظر إلى زيادة الصفات على ذاته تعالى ، وهي باطلة عندنا ، وما ذكرنا يشمل كلا المذهبين .

قال الله تعالى : {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وقال: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: 3] وقال : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] ... وإلى غير ذلك من الآيات الشريفة ، وعن نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (1) : ( يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ ، وَمَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ ، وَاخْتِلافَ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ ، وَتَلاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ ). ومِثله كثير .

وإن فسّرناه بأنّه تعالى عالم من الأزل ، بجميع الأشياء والأحوال والتقادير إلى الأبد ، فهذا هو البحث الغامض المعضل ، الذي لا نظير له في الصعوبة في علم الكلام ، والإنصاف أنّ إثبات هذه المسألة عقلاً مشكل جداً ، ولم أرَ له أثراً في كتب الكلام أصلاً ، وكيفما كان فهنا أمران :

الأَوّل : إنّ الله عالم بجميع الأشياء من الأزل ، وعلمه كذاته أزلي ، كما اتّفق عليه الفلاسفة والمتكلّمون سوى قوم شاذّ ونفر قليل منهما ، وهذا هو الثابت من الديانة الإسلامية ثبوتاً قطعياً .

الأمر الثاني : إنّ العلم إمّا صفة حقيقية ذات إضافة ، أو صفة إضافية محضة فلا يمكن إلاّ بمتعلّق ، وإن شئت فقل : إنّه إمّا نفس انكشاف الواقع أو ما يستلزمه ، وعلى كل تقدير لابدّ له من معلوم ، فإذا قلنا : إنّه تعالى عالم بجميع الأشياء أزلاً ، لابدّ أن نلتزم بوجود جميع الأشياء خارجاً أو ذهناً في الأزل ، مع أنّه لا يلتزم به أحد ، فإنّ العالَم أو حوادثه غير موجودة في الأزل ، والواجب تعالى لا ذهن له حتى تنطبع فيه الصور ، هذا مع أنّ صورة الشيء لا تتولّد إلاّ من إدراك الشيء ولو بوجه ، وهو هاهنا ( أي في القِدم ) أَوّل الكلام ، فإذن لا يتعقلّ معنى أنّه تعالى عالم بالأشياء أزلاً ، فظهر أنّ الجمع بين الأمرين صعب أو غير ممكن عقلاً ؛ فلذا اختلفت الأنظار ، وتشتّت الأفكار ، وكثرت الأقوال ، ومع ذلك لم تنجلِ المسألة ولم تنحل المشكلة ، بل ازدادت مصاعبها .

وأحسن ما قيل في المقام بحيث يمكن أن يعوّل عليه في المقال مسلكان :

المسلك الأَوّل : ما ذكره أرسطو في أثولوجيا (2) ، من أنّ الأشياء عند الباري جلّ ذكره كاملة تامّة ، زمانيةً كانت أو غير زمانية ، وهي عنده كانت أَوّلاً كما تكون عنده أخيراً ، وقال : الأشياء هناك دائمة لا تتغيّر بل على حال واحد ... إلخ .

أقول : وتوضيح ذلك : أنّ نسبة جميع الأزمنة إليه تعالى كانت واحدة ، كما أنّ نسبة جميع الأمكنة إليه تكون واحدة ، بمعنى أنّ أعيان الموجودات الزمانية ـ قديمة أو حادثة حاضرة عنده تعالى دفعةً واحدة ، بلا اختلاف في القبلية ، والمعية ، والبعدية والمضي ، والحال ، والاستقبال ؛ لكونه تعالى بريئاً عن الوقوع في شيء من الأزمنة ، كبراءته عن الوقوع في شيء من الأمكنة ، بل هو محيط بقاطبة الزمانيات والمكانيات إحاطةً واحدة ، وإنّما ذلك الاختلاف لها بقياس بعضها إلى بعض وفيما بينها ، لا بالقياس إلى الحضور عنده تعالى والمعية عنه .

وقد نسبه اللاهيجي في شوارقه إلى ظنّ جماعة منهم الدواني في بعض رسائله ، وصاحب القبسات ، بل نسبه المجلسي (3) إلى محقّقي الحكماء ، بل نقله بعض عن جميع الحكماء، ومثّلوا ذلك بخيط مختلف الأجزاء بالسود والبيض ، فإنّه إذا نظر إليه الإنسان مثلاً يلاحظ مجموع تلك الأجزاء المختلفة الألوان دفعةً واحدة ، ويرى الجزء الأسود في موضعه والأبيض في موضعه ، كليهما معاً وفي آن واحد ، بخلاف الحيوان الضيّق الحدقة كالنملة ، فإنّه يرى كل جزء يوصل إليه في آن وصوله إليه ، ولا يرى الجزء الذي بعده أو قبله في هذا الآن ، بل في آن هو بعد ذلك الآن أو قبله .

وقد ارتضاه اللاهيجي في كتابه المسمّى بـ ( گوهر مراد ) (4) وقال : إنّ هذا التحقيق منقول من الحكماء السالفين ، وإنّ المحقّق الطوسي قدّس سره قرّره في شرح رسالة العلم بأتمّ الوجوه ، وذكره غيره من المحقّقين أيضاً ، وجعل تصحيح العلم الحضوري في الواجب معلّقاً على هذا التحقيق ، وقال : إنّا بيّنا هذا المعنى في حواشي إلهيات التجريد ، بحيث لم يبقَ للتأمّل فيه مجال . هذا ولكن المذكور في شوارقه عدم ارتضائه ذلك .

وأمّا نسبته إلى المحقّق الطوسي فهي في محلها ، كما يظهر من عبارته المحكية في الشوارق (5).

وممّن اختار هذا الطريق ، المحدّث الكاشاني في كتابه الوافي (6) ، فإنّه ذكر في باب نفي الزمان والمكان والكيف عنه كلاماً طويلاً نذكر شطراً منه ، قال : إنّ المخلوقات ، وإن لم تكن موجودةً في الأزل لا نفسها وبقياس بعضها إلى بعض ، على أن يكون الأزل ظرفاً لوجوداتها كذلك ، إلاّ أنّه موجودة في الأزل لله سبحانه وجوداً جمعياً وحدانياً غير متغيّر ، بمعنى أنّ وجوداتها اللايزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الأزل كذلك ، وهذا كما أنّ الموجودات الذهنية موجودة في الخارج إذا قيّدت قيامها بالذهن ، وإذا أطلقت من هذا القيد فلا وجود لها إلاّ في الذهن، فالأزل يتّسع القديم والحادث والأزمنة وما فيها وما خرج عنها ... إلخ .

فهو وإن لم يصرّح هنا بأنّ هذا هو طريق تعلّق علمه بالأشياء أزلاً ، لكنّه سلّم وأصرّ على أنّ نسبة الأزمنة إليه كالأمكنة واحدة ، وإنّما الاختلاف بالقياس إلى الحوادث نفسها ، فيسهل استنتاج المطلوب منه ، بل صرّح به في موضع آخر من ذلك الكتاب (7) .

أقول : قياس الأزمنة على الأمكنة ، واضح الفساد ولائح الفرقان ، فإنّ الأُولى غير قارّة لا يمكن وجودها بجميع أفرادها دفعةً واحدة ، وإن قايسناها إلى مَن هو خارج عن سجن المكان والزمان ، فإنّ القصور راجع إلى الزمان نفسه لا إلى غيره حتى يفرّق بين الزماني وغيره ، وهذا بخلاف الأمكنة فإنّها غير تدريجية الحصول بل هي من الأُمور القارّة ، وكذا الخيط المختلف الألوان ، وبالجملة : هذا الوجه وإن كان له صورة في بدء النظر ، ويرتضيه العقل والنقل من نتيجته على تقدير تماميته ، لكنّه ضعيف الأساس عند التأمل ، بل لم أجد دليلاً عليه في كلمات مَن ذكره غير ذكر المثال المذكور .

المسلك الثاني : ما سلكه صاحب الأسفار ومَن تبعه ، وقد نسبه في أسفاره إلى طريقة قدماء الحكماء ، وهو أنّ الواجب تعالى هو المبدأ الفيّاض لجميع الحقائق والماهيات ، فيجب أن يكون ذاته تعالى مع بساطته وأحديته كلّ الأشياء ، وقال : نحن قد أقمنا البرهان على أنّ البسيط الحقيقي من الوجود ، يجب أن يكون كلّ الأشياء ، فإذن لمّا كان وجوده تعالى وجود كلّ الأشياء ، فمَن عقل ذلك الوجود عقل جميع الأشياء ، وذلك الوجود هو بعينه عقل لذاته وعاقل ، فواجب الوجود عاقل لذاته بذاته ، فعقله لذاته عقل لجميع ما سواه، وعقله لذاته مقدّم على وجود جميع ما سواه ، فعقله لجميع ما سواه سابق على جميع ما سواه ، فثبت أنّ علمه تعالى بجميع الأشياء حاصل في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه، سواء كانت صوراً عقلية قائمة بذاته ، أو خارجة منفصلة عنها ، فهذا هو العلم الكمالي التفصيلي بوجه ، والإجمالي بوجه ؛ وذلك لأنّ المعلومات على كثرتها وتفصيلها بحسب المعنى ، موجودة بوجود واحد بسيط ، ففي هذا المشهد الإلهي والمجلي الأَوّلي ينكشف ويتجلّى الكلّ من حيث لا كثرة فيها ، فهو الكلّ في وحدة .

ثمّ قال بعد كلام طويل : فإن قلت فإذا ثبت كون الأشياء كلّها معقولةً له تعالى ـ كما هي عليها ـ بعقل واحد بسيط فما الحاجة في علمه تعالى إلى إثبات الصور العقلية الزائدة مقارنةً كانت أو مباينة ؟ وأيضاً إذا كان ذاته تعالى بحيث ينكشف له الحقائق المتخالفة في وجودها الخارجي ، فما الحجّة على إثبات العقل من طريق أحدية المبدأ الأعلى ؟ إذ مبناه على أنّه واحد من كل وجه بلا اختلاف حيثية ، وأنتم أثبتم في ذاته معاني كثيرة .

قلت : أمّا إثبات الصور فهو لازم من تعقّله لذاته المستلزم لتعقّل ما هو معلوله القريب ، ومَن تعقّل معلوله تعقّل معلول معلوله الثالث ، وهكذا الرابع والخامس إلى الآخر المعلولات على الترتيب العلّي والمعلولي ؛ فإنّ ذاته لمّا كان علّةً للأشياء بحسب وجودها ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بمعلولها على الوجه الذي هو معلولها ، فتعقّلها من هذه الجهة لابدّ أن يكون على ترتيب صدورها واحداً بعد واحد ، وهذا غير تعقّلها على وجه لا يكون هو بحسبه معلولة .

وأمّا وجوب كون المعلول الأَوّل واحداً لا متعدّداً وبسيطاً لا مركّباً ، مع كون المبدأ الأعلى مصداقاً ومظهراً لماهيّات الممكنات كلها ، فذلك ؛ لأجل أنّ تكثّر العنوانات لا يقدح في أحدية ذات الموضوع ؛ فإنّ الحيثيات المختلفة التي توجب كثرة في الذات ، هي الحيثيات التي اختلافها بحسب الوجود ، لا التي تعدّدها واختلافها بحسب الآثار .

فمثال الأَوّل كالاختلاف في القوّة والفعل ، والتقدّم والتأخّر ، والعلّية والمعلولية ، والتحريك والتحرّك .

ومثال القسم الثاني كالعلم والقدرة ، وكالعاقلية والمعقولية ، وكالوجود والتشخّص وغيرها . انتهى كلامه .

أقول : هذه النظرية وإن كان مبنيّة على أصالة الوجود ووحدته ، إلاّ أنّ العمدة في طريقها هي القاعدة القائلة ، بأنّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء ، كما صرّح به نفسه ؛ وحيث إنّ القاعدة المذكورة عندنا ضعيفة الأركان منهدمة الأساس ، فقد سقط هذا المسلك أيضاً بلا كلام ...

ثمّ إنّا لو أغمضنا النظر عن هذه الناحية ، وفرضنا المقدمات صحيحةً لَما ترتّبت عليها هذه النتيجة ؛ وذلك لأنّ اندكاك الأشياء فيه تعالى ليس بنحو التعيين والتمييز ، وإلاّ للزم الكثرة فيه ، كما صرّح هو به أيضاً ، بل بنحو حذف حدودها وتشخّصاتها ، ومن الواضح أنّ العلم بمثل هذا الوجود الجمعي الفاقد للميزات ، لا يستلزم العلم بالأشياء تفصيلاً ، كما تخيّله المستدل ، بل لا يُستشمّ منه رائحة التفصيل ، فإنّه علم إجمالي تعلّق بأُصول الموجودات ، تعلّقاً في غاية الإجمال،

وشدّة الإبهام ، ونهاية الإهمال ، كما اعترف به اللاهيجي أيضاً حيث قال : بعد ما اختار هذا المسلك وبيّنه تحت عنوان ( تكميل عرشي ) : وهذا هو المراد من كون ذاته تعالى علماً إجمالياً بالأشياء ، وعقلاً بسيطاً لها على ما حصّلناه من كلام الشيخ ... إلى أن قال: فبالاضطرار لزم القول بالعقل التفصيلي المحقّق بحصول صور المهيات في العاقل ، متميّزةً بعضها عن بعض ، وعن الوجود في علمه تعالى بالأشياء ، وهذا العِلمان هما المشار إليهما بالكلّ الأَوّل والكلّ الثاني في كلام الفارابي في الفصوص(8) ... إلخ فهذا المسلك أيضاً غير مفيد .

هداية :

بعد ما بطل هذان المسلكان ولم يتمّا ، فلا تتمنّ الوصول إلى الواقع عن بقيّة المسالك الدائرة في بيان علمه بالأشياء أزلاً ، وكيفية تعلّقه بها : ( چون نديدند حقيقت ره افسانه زدند ) ، فالذي ينبغي أن يقال في هذا المقام : إنّا قد برهنّا سابقاً على أنّ فعل الفاعل المختار مسبوق بالعلم بالضرورة ، فإذن نعلم أنّ الذي خلق هذه الكائنات المختلفة المتعدّدة المتكثرة عالم قطعاً ، وإمّا خلق ما خلق عن علم سابق على خلقته بالضرورة العقلية ، فقد ثبت أنّه تعالى كان عالماً قبل فعله وخلقه بما يفعله ويخلقه ، ولو بلحظة ثبوتاً بتّياً ضرورياً عقلاً ، بحيث لا يمسّه شك ، فإذا أمكن العلم قبل المعلوم ولو بلحظة فقد أمكن قبله ولو بملايين السنين ؛ بداهة عدم تأثير قصر المدّة وطولها في الحكم العقلي من الإمكان والامتناع ؛ لأنّ الشيء إن كان ممكناً فهو ممكن أزلاً وأبداً ، وإن كان ممتنعاً فهو ممتنع كذلك ، ولا يعقل انقلاب الجهات الثلاث عقلاً واتّفاقاً ، فإذن نستيقن أنّ العلم بالأشياء قبل كونها ولو بقليل ثابت ، وبكثير ممكن ، وقد دريت أنّ ما أمكن في حقّه ، ولم يمتنع عليه ، فهو واجب له ، فنستنتج أنّه تعالى عالم بجميع الأشياء تفصيلاً في الأزل.

ولك أن تحصّل النتيجة المذكورة من دون توسيط قاعدة الملازمة المزبورة ، بأن تقول : حيث إنّه تعالى فاعل مختار ، فهو عالم بفعله قبل فعله كما مرّ ، وحينئذٍ نسأل عن حين حدوث هذا العلم ؟ وأنّه في أي جزء من الزمان أو غيره حدث ؟ فأي جزء اختير فيه حدوث علمه فهو ترجيح بلا مرجّح ، بل ترجّح بلا مرجّح ، وهو ضروري الاستحالة ؛ أو يقال : إنّ العلم عين ذاته ... ، فلا يمكن القول بحدوثه فيما لا يزال ، بل وجب الإذعان بثبوته فيما لم يزل .

وحاصل هذه الطرق الثلاثة ـ أي قاعدة الملازمة ، وحديث الترجّح بلا مرجّح ، وقانون العينية ـ أنّ جميع ما يصدر عن الخلاّق الحكيم المختار ، وما سيصدر عنه تعالى إلى الأبد فهو معلوم ومنكشف له تعالى من الأزل .

وأمّا كيفية هذا العلم ونحو تعلّقه بالأشياء فهي خارجة عن طاقة البشر ؛ وذلك لأنّ الممكن محدود والواجب غير محدود ، وهيهات أن يحيط المحدود بمَن هو خارج عن الحد والتناهي اتّفاقاً وبرهاناً  ... ، فالممكن لا يدرك حقيقة الواجب الوجود باتّفاق الفلاسفة والمتكلّمين (9) ، وبدلالة العقل وهداية الشرع، والمفروض أنّ علمه عين ذاته ، فلا يمكن لنا الوصول إلى كيفية تعلّقه بالأشياء ، فالذي يمكن للعقل هو الإذعان بأنّه تعالى عالم بالأشياء أزلاً ... ، وأمّا أنّه كيف علم الأشياء مع أنّه لا وجود لها ؟ فهو أمر خارج عن وِسعنا ؛ لأنّا ما أُوتينا من العلم إلاّ قليلاً، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

نعم كلّ دون صفاته تعبير اللغات ، وضلّ هنالك تصاريف الصفات ، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير ، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير .

ثمّ إنّ هذا الدليل لا يثبت لنا تعلّق علمه بالممكنات التي لا تقع إلى الأبد كما في قوله تعالى : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]، ولا بالملازمات الواقعية كما في قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، ولا بامتناع الممتنعات التي لم يعلم غيره ، وأمّا ما علمه غيره فهو يعلمه ؛ لأنّه الخالق للصور المذكورة في مشعر غيره ، وليس عدم إثبات تعلّق علمه تعالى بهذه الموارد الثلاثة من قصور طريقنا وحده ، بل المسلكان المتقدّمان أيضاً لا يثبتانه أيضاً كما هو ظاهر ، بل ما اخترعوه من العلم التفصيلي حضورياً كان ـ كما عليه الإشراقيون ـ أو حصولياً ـ كما عليه المشّاؤون ـ أيضاً لا يشمل هذه الموارد ، فلابدّ لإثبات ذلك من التماس قاعدة الملازمة ابتداءً ، أو الاعتماد على دلالة الشرع وحدها .

وهنا طريق آخر يمكن أن يفضي بنا إلى المطلوب ، وهو ما تقدّم من عدم اقتضاء الممكن للوجود والعدم ، واستواء ماهيّته بالنسبة إليهما وفقر وجوده ، فهو محتاج في عدمه إلى غيره ، كما يحتاج إليه في وجوده ، ومن هذا ينقدح أنّ الله المختار عالم بالأشياء الممكنة، سواء وقعت في الخارج أم لم تقع ، فإنّه هو الذي اختار عدمها على وجودها ، ولم يرد طرف وجودها في أَوّل ظروف إمكانها .

وبالجملة : عدم الأشياء مستند إلى عدم إرادته تعالى لوجوداتها ، وإرادة إيجادها تابعة لعلمه بالمصلحة ، فيكون عدم إرادته من جهة علمه بعدم المصلحة ، فهو عالم بكل شيء أزلاً .

وهذا الدليل أخصر وأعم ، أمّا الأخصرية فهي ظاهرة (10) ، وأمّا الأعميّة ؛ فلشموله الممكنات غير الواقعة في دار الوجود أصلاً فتأمّل فيه .

هذا كله من ناحية حكم العقل ، وأمّا من جهة الشرع فإليك نبذة ممّا ورد منه في الكتاب والسُنة :

أمّا الكتاب العزيز ففيه آيات بيّنات :

فمنها قوله تعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [الأنعام: 73] بناءً على تفسير الغيب بما لم يكن كما في الرواية ، لا بما هو الموجود الحاضر ، الغايب عن مشاعرنا .

ومنها قوله : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34].

ومنها قوله : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22].

ومنها قوله : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28].

ومنها قوله : {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].

ومنها قوله : {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 2، 3] ومثلها غيرها .

وأمّا الروايات فنُقل بعضها المذكور في الكافي ، وتوحيد الصدوق رحمه الله ، وقد نقلها المجلسي رحمه الله أيضاً .

1 ـ صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : ( كان الله ولا شيء غيره ، ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه ) .

2 ـ رواية الحسين بن بشّار عن الرضا ( عليه السلام ) قال : سألته أيعلم الله الشيء الذي لم يكن، أن لو كان كيف يكون ، أو لا يعلم إلاّ ما يكون ؟ فقال : ( إنّ الله تعالى هو العالِم بالأشياء قبل كون الأشياء ، قال عزّ وجل : {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] وقال لأهل النار : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا} [الأنعام: 28] فقد علم الله عزّ وجل أنّه لو ردّهم لعادوا لِما نهوا عنه ، وقال للملائكة لمّا قالوا : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] فلم يزل الله عزّ وجل علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها ، فتبارك ربّنا وتعالى علوّاً كبيراً ، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء ، كذلك لم يزل ربّنا عليماً سميعاً بصيراً ) (11) .

3 ـ رواية فتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : يعلم القديم الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟ قال : ( ويحك أنّ مسألتك لصعبة أَما سمعت الله يقول : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وقوله : {وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91]وقال يحكي قول أهل النار {ارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] وقال : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28] فقد علم الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ... ) إلخ .

4 ـ رواية ابن حازم عن الصادق ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، أليس كان في علم الله ؟ قال : ( بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض ) .

5 ـ روايته الأخرى عنه (عليه السلام ) ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) : هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله عزّ وجل ؟ قال : ( لا ، بل كان في علمه قبل أن يُنشئ السماوات والأرض ) .

6 ـ رواية صفوان بن مسكان ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الله تعالى : أَكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان ، أم علمه عندما خلقه وبعد ما خلقه ؟ فقال : ( تعالى الله ، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه ، كعلمه به بعدما كوّنه ، وكذلك علمه بجميع الأشياء كعلمه بالمكان ) .

7 ـ رواية الهروي عن الرضا ، قال ( عليه السلام ) في جواب المأمون السائل عن قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]: ( إنّه عزّ وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته ، لا على سبيل الامتحان والتجربة ؛ لأنّه لم يزل عليماً بكل شيء ) .

8 ـ رواية فضيل بن سكرة ، حيث قال أبو جعفر ( عليه السلام ) في جواب مَن سأله عن علمه بذاته قبل خلقه : ( ما زال الله عالماً تبارك وتعالى ذِكره ) .

9 ـ مكاتبة أيوب بن نوح ، أنّه كتب إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) يسأله عن الله عزّ وجل : أكان يعلم الأشياء قبل أن يخلق الأشياء وكونها ، أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عندما خلق وما كوّن عندما كوّن ؟ فوقع بخطه ( عليه السلام ) : ( لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء ) .

10 ـ رواية ابن حازم قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) : هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس ؟ قال : ( لا ، مَن قال هذا فأخزاه الله . قلت : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله ؟ قال : بلى قبل أن يخلق الخلق ) .

11 ـ رواية أبي هشام الجعفري المروية عن الخرائج حيث قال أبو محمد ( عليه السلام ): ( تعالى الجبّار الحاكم العالم بالأشياء قبل كونها ) .

12 ـ ما رواه الشيخ الطوسي قدّس سره في كتاب الغيبة ، عن سعد عن عيسى عن البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : ( قال : علي بن الحسين ، وعلي بن أبي طالب قبله ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ( عليهم السلام ) : كيف لنا بالحديث مع هذه الآية { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] فأمّا مَن قال بأنّ الله لا يعلم الشيء إلاّ بعد كونه ، فقد كفر وخرج عن التوحيد ) .

13 ـ رواية أبي بصير وسماعة عن الصادق ( عليه السلام ) ، كما عن إكمال الدين ، قال : ( مَن زعم أنّ الله عزّ وجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس ، فابرؤوا منه ) .

14 ـ رواية هشام بن الحكم ، كما في الاحتجاج ، سأل الزنديق عن الصادق ( عليه السلام ) فقال : فلم يزل صانع العالم عالماً بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها ؟ قال : ( لم يزل يعلم فخلق ) (12) .

هذه جملة من الأخبار الواردة من أصحاب الحكمة والعصمة ، في هذه المسألة ممّا ذكرته لك ، ومن المعلوم أنّ مثل هذه الروايات أكثر من ذلك كما يجدها المتتبع ، ثمّ إنّ هنا روايات أُخر تدلّ على المطلوب ، وإليك فهرسها مجملاً :

الطائفة الأُولى : بعض ما ورد في موضوع البداء ، فلاحظ الجزء الرابع من بحار الأنوار وغيرها .

الطائفة الثانية : ما ورد من أنّ علمه عين ذاته ، وأنّه علم لا جهل فيه ، كما ستقف عليها في المقصد الرابع .

الطائفة الثالثة : ما دلّ على علم الأئمة بالأُمور الآتية ، وهي لعلّها بنفسها متواترة ...

الطائفة الرابعة : ما ورد في اللوح المحفوظ ، وأنّ الله كتب جميع الوقايع فيه أَوّلاً .

الطائفة الخامسة : ما ورد في الشقاوة والسعادة ، وما يكتب عند ولوج الروح في الجنين .

فقد ثبت من جميع ذلك ثبوتاً قطعياً بتيّاً ، أنّ السُنّة تنطق بعلمه تعالى بالأشياء أزلاً (13)، ثمّ إنّ من وراء العقل ، والقرآن ، والسنة ، الضرورة المذهبية أو الإسلامية ، قال الشيخ المفيد (14): أقول : إنّ الله عالم بكلّ ما يكون قبل كونه ، وأنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه ، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلاّ وهو عالم بحقيقته ... وبهذا قضت دلائل العقول ، والكتاب المسطور ، والأخبار المتواترة عن آل الرسول ، وهو مذهب جميع الإمامية ... ومعنا فيما ذهبنا إليه في هذا الباب جميع المنتسبين إلى التوحيد ، سوى الجهم بن صفوان من المجبّرة ، وهشام بن عمر القوطي من المعتزلة ، فإنّهما كانا يزعمان أنّ العلم لا يتعلّق بالمعدوم ، ولا يقع إلاّ على موجود ، وأنّ الله تعالى لو علم الأشياء قبل كونها لَما حسن منه الامتحان .

وقال العلاّمة المجلسي : (15) ثمّ اعلم أنّ من ضروريات المذهب كونه تعالى عالماً أزلاً وأبداً ، بجميع الأشياء كليّاتها وجزئياتها ، من غير تغيّر في علمه تعالى ، ثمّ نقل بعض مذاهب الفلاسفة في علمه تعالى ، فأعقبه بقوله : وجميع هذه المذاهب الباطلة كفر صريح مخالف لضرورة العقل والدين ... إلخ .

فإذن ، لا دغدغة في المسألة ، فإنّها ممّا توافق عليه العقل والشرع ، كما قرّرناه بأوضح التقرير.

 

_______________________

(1) البحار 4 / 92.

(2) نقله العلاّمة المجلسي قدّس سره في بحار الأنوار 14 / 59.

(3) البحار 4 / 72.

(4) گوهر مراد / 195.

(5) الشوارق ، أواخر المجلد الثاني .

(6) الوافي 1 / 77.

(7) الوافي 1 / 98.               

(8) الشوارق 2 / 251.

(9) وما نُسب إلى القوم الثاني أو جمع منهم ـ من إمكان معرفة ذاته ـ غير ثابت .

(10) هذا بناءً على إمكان أزلية الممكن ، وأمّا بناءً على عدمه فالدليل يحتاج إلى أحد الطرق الثلاثة المتقدمة كما لا يخفى .

(11) لاحظ البحار 4 / 78.

(12) البحار 4 / 67.

(13) قال بعض مَن في قلبه مرض في مختصر تحفة الاثني عشرية : قالت الشيطانية ـ وهم أتباع شيطان الطاق ـ : إنّه تعالى لا يعلم الأشياء قبل كونها ، وجماعة من الاثنا عشرية ، من متقدّميهم ومتأخّريهم منهم المقداد صاحب كنز العرفان قالوا : إنّ الله لا يعرف الجزئيات قبل وقوعها .

أقول : وقد عرفت مذهب الإمامية بأسرهم في عموم تعلّق علمه بالأشياء أزلاً ، ولا قائل من الإمامية بما افتراه أحد ، وإنّما هو قول غيرنا من العامّة وغيرهم ، فلعنة الله على الكاذبين .

ومؤمن الطاق رجل حاذق ، من أجلاّء متكلّمي الإمامية ، وأصحاب الصادق ( عليه السلام ) ، وليس له فِرقة وحزب خاصّ ، كما تخيّله هذا القائل تقليداً للشهرستاني وغيرها .

(14) أوائل المقالات / 21.

(15) بحار الأنوار 4 / 87.

 

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.