أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
1100
التاريخ: 23-8-2016
2805
التاريخ: 23-8-2016
705
التاريخ:
1071
|
لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا شكّ في أصل حدوث الحادث، حكماً كان أو موضوعاً، وأمّا إذا شكّ في تقدّمه وتأخّره بعد العلم بتحقّق أصله كما إذا علمنا بموت زيد ولا نعلم هل هو مات يوم الخميس أو يوم الجمعة؟ وفرضنا ترتّب أثر شرعي على موته في يوم الجمعة أو يوم الخميس بنذر وشبهه فهل يجري استصحاب عدم موته إلى يوم الجمعة، أي عدم تقدّمه على يوم الجمعة، أو عدم تأخّره عن يوم الخميس، أو لا؟
وقع الكلام في مقامين:
المقام الأوّل: فيما إذا لوحظ تقدّمه وتأخّره بالنسبة إلى أجزاء الزمان كما في المثال المذكور.
المقام الثاني: فيما إذا لوحظ تقدّمه وتأخّره بالنسبة إلى حادث آخر قد علم بحدوثه أيضاً، كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ولم يعرف المتقدّم منهما على المتأخّر، أو علم بحصول ملاقاة اليد المتنجّسة بالماء وحصول الكرّية على التعاقب ولم يعلم المتقدّم منهما، أو علم بموت الأب المسلم وإسلام الولد الكافر ولم يعرف المتقدّم منهما أيضاً.
أمّا المقام الأوّل: فلا شكّ في جريان استصحاب عدم تحقّق الحادث في الزمان الأوّل وترتيب آثار عدمه فقط، وأمّا آثار تأخّره عن الزمان الأوّل وآثار حدوثه في الزمان الثاني (يوم الجمعة في المثال) فلا، لكونه مثبتاً بالنسبة إلى عنوان التأخّر والحدوث، فلابدّ في التخلّص عنه إمّا دعوى خفاء الواسطة، أو دعوى أنّه من باب المتضايفين، أو دعوى أنّ الحدوث أمر مركّب من عدم الحادث في زمان ووجوده في زمان بعده، والقيد الثاني حاصل بالوجدان لأنّ المفروض حصول الموت في الحال (أي يوم الجمعة في المثال) والقيد الأوّل ثابت بالأصل، فحدوث الموت يوم الجمعة يثبت بضميمة أصل إلى وجدان.
ولكن الإنصاف أنّ كلا من هذه الدعاوي في غير محلّه، أمّا الاُولى فواضحة كالثانية، وأمّا الثالثة فلأنّ الحدوث أمر بسيط ينتزع من الوجود في زمان وعدم الوجود في زمان آخر، نظير الفوقية التي تنتزع من كون هذا في هذا المكان وذاك في ذاك المكان لا إنّه أمر مركّب حتّى يمكن إثبات أحد جزئيه بالوجدان والآخر بالأصل.
أمّا المقام الثاني: فالبحث فيه بنفسه يقع في موضعين:
الموضع الأوّل: ما إذا كان كلّ من الحادثين مجهول التاريخ.
الموضع الثاني: ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ.
أمّا الموضع الأوّل فله أربعة أقسام:
1 ـ ما إذا كان الأثر الشرعي لتقدّم أحدهما أو لتأخّره أو لتقارنه بنحو مفاد كان التامّة.
2 ـ ما إذا كان الأثر الشرعي للحادث المتّصف بالتقدّم أو التأخّر أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة.
3 ـ ما إذا كان الأثر الشرعي لعدم تقدّم أحدهما على الآخر أو لتأخّره أو لتقارنه بنحو مفاد ليس التامّة.
4 ـ ما إذا كان الأثر الشرعي لعدم الحادث المتّصف بالتقدّم أو التأخّر أو التقارن بنحو مفاد ليس الناقصة، كما إذا قيل: لم يكن الإبن متّصفاً بالإسلام في زمن موت الأب.
وهيهنا قسم خامس ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) في بعض كلماته، وهو ما إذا كان الأثر للعدم النعتي، أي للحادث المتّصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد كان الناقصة، ولكن يعلم حاله بالدقّة في أبحاث الأربعة المزبورة.
أمّا القسم الأوّل: فلا إشكال في جريان استصحاب العدم (أي عدم التقدّم إذا كان الأثر لتقدّم أحدهما، وهكذا بالنسبة إلى التأخّر والتقارن) بلا معارض، لتمامية أركان الاستصحاب فيه، نعم إذا كان الأثر لتقدّم كلّ منهما أو لتقارن كلّ منهما أو لتأخّر كلّ منهما أو كان الأثر لأحد الحادثين بجميع أنحائه من التقدّم والتأخّر والتقارن كان الاستصحاب معارضاً كما لا يخفى.
أمّا القسم الثاني: فلا يجري فيه الاستصحاب لعدم يقين سابق بقضيّة «كان الإبن كافراً عند موت أبيه المسلم». مثلا كما هو واضح.
وأمّا القسم الثالث فيظهر حكمه من القسم الأوّل، لأنّ الأثر مترتّب على عدم التقدّم والتأخّر والتقارن، كما أنّ العدم النعتي أيضاً يظهر حكمه من القسم الثاني، لكون الأثر فيه أيضاً مترتّباً بنحو مفاد كان الناقصة، فلا يقين سابق فيه فلا يجري الاستصحاب.
إنّما الإشكال والكلام في القسم الرابع، وهو مفاد ليس الناقصة، والمراد منه أن يكون الأثر مترتّباً مثلا على عدم كون الماء كرّاً في زمن الملاقاة وعلى عدم كون النجس ملاقياً للماء حتّى صار كرّاً، فوقع الخلاف فيه بين الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني(رحمه الله)، فقال الشيخ الأعظم(رحمه الله) بأنّ الاستصحاب جار فيه ولكنّه يتساقط للمعارضة فيما إذا كان الأثر موجوداً في كلا الطرفين، أمّا إذا كان الأثر مفروضاً في أحدهما فلا يتساقط، والمحقّق الخراساني ذهب إلى عدم جريانه رأساً لعدم إندراجه تحت أدلّة الاستصحاب ولو كان الأثر مفروضاً في طرف واحد دون الآخر، وذلك لعدم إحراز إتّصال زمان شكّه بزمان يقينه.
توضيح ذلك: إنّه لا ريب في أنّ المستفاد من قول الشارع «لا تنقض اليقين بالشكّ» لزوم إتّصال زمان اليقين بالشكّ، فلو انفصل أحدهما عن الآخر لم يشمله هذا الاطلاق، وإذ قد عرفت ذلك فلنرجع إلى ما نحن بصدده فنقول: المفروض أنّ الماء لم يكن كرّاً يوم الجمعة ولم يلاق نجساً، ثمّ علمنا بحدوث أحدهما إجمالا في يوم السبت والآخر في يوم الأحد واجتمعا في نهاية ذاك اليوم، فلو قلنا أنّ الماء لم يكن كرّاً في زمن الملاقاة احتمل في ذلك احتمالين: أحدهما أن يكون زمن الملاقاة في متن الواقع يوم السبت، والثاني، أن يكون يوم الأحد، فلو كان زمن الملاقاة في الواقع يوم السبت كان متّصلا بيوم الجمعة فتمّ إتّصال زمان اليقين بالشكّ، وأمّا لو كان زمن الملاقاة في الواقع يوم الأحد كان منفصلا عن زمن اليقين، لانفصال يوم الأحد عن يوم الجمعة، وحيث لا نعلم أنّ الواقع أي واحد من الاحتمالين فتكون المسألة من الشبهات المصداقيّة لحديث «لا تنقض».
وقد إستشكل المحقّق الخراساني(رحمه الله) على نفسه بأنّه لا شبهة في إتّصال مجموع الزمانين وفي مثالنا يوم السبت والأحد بذلك الآن الذي هو قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما، وأنّ مجموع الزمانين هو زمان الشكّ في حدوث الكرّية مثلا فكيف يقال بعدم إحراز اتّصال زمان شكّه بزمان يقينه؟
وأجاب عنه بما حاصله: أنّ هذا صحيح إذا لوحظت الكرّية بالنسبة إلى أجزاء الزمان فيستصحب عدم الكرّية من زمان اليقين به وهو يوم الجمعة إلى آخر الأحد بلا مانع عنه، وأمّا إذا لوحظ بالنسبة إلى الملاقاة وكان ظرف وجودها أحد الزمانين (السبت أو الأحد، لا كليهما) فلا شبهة في عدم إحراز إتّصال زمانه بزمان اليقين.
أقول: الحقّ مع ذلك كلّه مع الشيخ الأعظم(رحمه الله) كما اعترف به كثير من المحقّقين الذين جاؤوا بعد المحقّق الخراساني(رحمه الله)، وذلك لوقوع الخلط في كلامه بين عدم ترتّب الأثر في زمان وبين عدم الشكّ في ذلك الزمان، حيث لا ريب في المقام في أنّ كلا من السبت والأحد يوم الشكّ، إلاّ أنّ في أحدهما وهو يوم السبت لا يترتّب أثر شرعي على عدم الكرّية في فرض كون الملاقاة يوم الأحد في الواقع، بل الأثر يترتّب على عدم الكرّية حين الملاقاة فقط.
وببيان آخر: أنّ زمان الملاقاة ظرف للمستصحب (عدم وقوع الكرّية حين الملاقاة) وليس قيداً له، كما أنّه مقتضى اعتبار وحدة القضيّة المشكوكة والقضيّة المتيقّنة، لأنّه لا ريب في أنّ الزمان في القضية المتيقّنة ظرف لا قيد، فلتكن في المشكوكة أيضاً كذلك.
وبعبارة اُخرى: كما أنّا نقول: لم يكن الماء كرّاً قطعاً يوم الجمعة (ويوم الجمعة ظرف له) كذلك نقول: وقع الشكّ في أنّه هل صار كرّاً يوم السبت ويوم الأحد أو لا؟ غاية الأمر أنّ يوم الأحد في مفروض الكلام يوم الملاقاة فهو أيضاً ظرف فاتّحدت القضيتان واتّصلتا.
وأجاب المحقّق النائيني(رحمه الله) عن إشكال المحقّق الخراساني(رحمه الله) بوجه آخر وحاصله: أنّ الشكّ واليقين من الصفات النفسانيّة الوجدانيّة، لا يتطرّق إليها الشكّ، فإنّه لا معنى للشكّ في أنّ له يقين أم لا، أو في أنّ له شكّ أم لا، ونحن نجد بوجداننا أنّه لا انفصال بين الشكّ واليقين في المقام لأنّ انفصال الشكّ عن اليقين لا يمكن إلاّ بتخلّل يقين يضادّه، وهو مفقود في المقام(1)(انتهى ملخّصاً).
ولكن يرد عليه: أنّ الظاهر أنّ مراد المحقّق الخراساني من الشكّ واليقين إنّما هو المشكوك والمتيقّن الخارجيين، ولا شبهة في تخلّل يوم السبت مثلا بين الجمعة والأحد في المثال المذكور، ومن الواضح أنّه يمكن تصوّر الشبهة المصداقيّة في الاُمور الخارجيّة.
بقي هنا شيء:
وهو ذكر المثال لما إذا انفصل زمان الشكّ عن زمان اليقين وكان المورد من قبيل الشبهة المصداقيّة للمخصّص، فنذكر هنا مثالين:
أحدهما: ما جاء في كلمات المحقّق النراقي(رحمه الله) وأشار إليه المحقّق النائيني(رحمه الله)في بعض كلماته في المقام، وهو ما إذا علمنا بعدم وجوب الجلوس قبل الظهر، ثمّ علمنا بوجوبه بعد الظهر، ثمّ شككنا في وجوبه عند غروب الشمس، فلا يمكن إجراء استصحاب عدم وجوب الجلوس الثابت قبل الظهر، لانفصال زمان الشكّ في الوجوب عن زومان اليقين بعدمه، بتخلّل زمان اليقين بالوجوب، وقد ذكر هذا المثال المحقّق النراقي(رحمه الله)في كلامه عند الاستدلال لعدم جواز إجراء الاستصحاب في الشبهات الحكميّة.
ثانيهما: ما قد يكون في أطراف العلم الإجمالي بعد العلم التفصيلي، كما إذا كانت في البين ذبيحة وميتة، ثمّ اختلطا واشتبه الأمر علينا فلا نعلم أيّتهما ذبيحة وأيّتهما ميتة؟ فلا يمكن إجراء استصحاب عدم التذكية في كلّ واحد منهما، لا لوجود العلم الإجمالي بأنّ أحدهما مذكّى، لأنّ العلم الإجمالي يمنع عن جريان الأصل في أطرافه إذا استلزم مخالفة عمليّة، ولا يخفى أنّه لا يلزم من إجراء استصحاب عدم التذكية في كلا الطرفين مخالفة عملية، بل الإشكال في انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين، حيث إنّ زمان اليقين بعدم التذكية في كليهما إنّما هو زمان حياتهما، وزمان الشكّ هو بعد الاختلاط وبعد فصل اليقين بصيرورة أحدهما مذكّى وصيرورة الآخر ميتة.
هذا كلّه في المقام الأوّل، وهو ما إذا كان كلّ من الحادثين مجهول التاريخ.
أمّا الموضع الثاني: (وهو ما إذا كان أحدهما مجهول التاريخ والآخر معلوم التاريخ، كما إذا علمنا في المثال السابق بوقوع الملاقاة في يوم الأحد، ولا نعلم أنّ الكرّية هل وقعت يوم السبت حتّى لا تؤثّر الملاقاة في نجاسة الماء أو وقعت بعد الأحد حتّى يكون الماء نجساً؟) فيجري فيه أيضاً الأقسام الخمسة المذكورة في المقام الأوّل، كما لا كلام في أربعة منها هنا أيضاً، بل إنّما الكلام والإشكال في مفاد ليس الناقصة (والمراد منه ـ كما أشرنا سابقاً ـ ما إذا كان الأثر مترتّباً مثلا على عدم كون الماء كرّاً في زمن الملاقاة وعلى عدم كون النجس ملاقياً للماء إلى أن صار كرّاً). فقد حكم الشيخ الأعظم(رحمه الله) فيه بجريان استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ دون معلوم التاريخ، ومقتضى ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) عدم جريانه فيهما لما عرفت من شبهة انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين فيه أيضاً، كما أشار إليه في بعض كلماته في المقام، لأنّ المفروض أنّ زمان الشكّ بالنسبة إلى مجهول التاريخ هو يوم الأحد (فإنّه يوم الملاقاة) وزمان اليقين بعدم الكرّية هو يوم الجمعة، ولكن الجواب هو الجواب فلا نعيد.
هذا بالنسبة إلى مجهول التاريخ.
وأمّا معلوم التاريخ فذهب الشيخ الأعظم(رحمه الله) إلى عدم جريان استصحاب العدم فيه كما مرّ، آنفاً وتبعه عليه جماعة آخرون.
وقد يتوهّم أنّه يجري الاستصحاب فيه أيضاً، لأنّ الكرّية مثلا وإن كان وجودها معلوماً لنا بالنسبة إلى اجزاء الزمان ولكنّه مجهول بالنسبة إلى زمان الملاقاة، فالأصل عدم وجودها حين الملاقاة ومقتضاه النجاسة.
وقد اُجيب عنه بوجوه:
أولها: (وهو العمدة) أنّ مفاد الاستصحاب هو الحكم ببقاء ما كان متيقّناً في عمود الزمان وجرّه إلى زمان الشكّ في الارتفاع، وفي المقام لا شكّ لنا في معلوم التاريخ باعتبار عمود الزمان حتّى نجرّه بالتعبّد الإستصحابي.
وبعبارة اُخرى: لا شكّ لنا في معلوم التاريخ في زمان أصلا، فإنّه قبل حدوثه (المعلوم لنا وقته تفصيلا) لا شكّ في انتفائه، وبعد حدوثه لا شكّ في وجوده، بل الشكّ فيه إنّما هو بالقياس إلى الآخر.
ثانيها: سلّمنا بجريان استصحاب العدم فيه أيضاً، ولكنّه محكوم للاستصحاب الجاري في مجهول التاريخ، لأنّه مسببي والاستصحاب الجاري في مجهول التاريخ سببي، لأنّ الشكّ في أنّ الملاقاة هل وقعت قبل الكرّية أو بعدها (مع أنّ زمان الملاقاة معلوم) ينشأ في الحقيقة من الشكّ في زمان الكرّية، فحيث أنّا لا نعلم أنّ الكرّية هل وقعت يوم السبت بعد الأحد نشكّ في أنّ الملاقاة الواقعة يوم الأحد هل وقعت حين وجود الكرّية أو وقعت حين عدمها.
ولكن يرد عليه: أنّ السببيّة وإن كانت هنا معلومة ولكن التسبّب فيه ليس شرعيّاً، وقد ذكر في محلّه لزوم ذلك في حكومة الأصل السببي على المسبّبي.
ثالثها: ما عرفت من حديث إنفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين فإنّه صادق في معلوم التاريخ أيضاً.
ولكن قد عرفت الجواب عنه بما لا مزيد عليه.
وقد ظهر إلى هنا أنّ الحقّ عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ تبعاً للشيخ الأعظم(رحمه الله) فيجري في مجهول التاريخ من دون معارض.
بقي هنا شيء:
وهو توارد الحالتين المتعاقبتين (المتضادّتين كالوضوء والحدث) في محلّ واحد، والفرق بينه وبين ما سبق (وهو توارد الحادثتين) أنّ الحالتين في المقام لمكان تضادّهما لا يتصوّر فيهما التقارن، بخلاف الحادثتين كالملاقاة واحد كموت المتوارثين ونحوه، بينما الحالتان المتعاقبتان تعرضان لمحلّ واحد كما في مثل الوضوء والحدث، هذا مضافاً إلى أنّ الكلام فيما سبق وقع في استصحاب عدم أحدهما إلى حال حدوث الآخر، وهيهنا يقع في استصحاب وجود أحدهما أو عدمه إلى زمان خاصّ.
وكيف كان فالأقوال في المسألة أربعة:
1 ـ ما يظهر من كلمات الشيخ الأعظم(رحمه الله) من التفصيل بين ما إذا كانا مجهولي التاريخ فيجري الاستصحاب في كليهما ويتعارضان فيتساقطان، وما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ فيجري فيه دون مجهول التاريخ، على عكس ما سبق في الحادثتين.
2 ـ ما قد يظهر من كلمات المحقّق الخراساني من عدم جريان الاستصحاب فيه مطلقاً.
3 ـ جريان الاستصحاب في كلتا الصورتين، وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني(رحمه الله) في أجود التقريرات.
4 ـ الأخذ بضدّ الحالة السابقة على الحالتين إن كانت معلومة لنا، وهو منسوب إلى المحقّق الثاني(رحمه الله)وجماعة، بل وإلى المحقّق الأوّل(رحمه الله) أيضاً في المعتبر.
أمّا القول الأوّل: الذي هو المختار فيمكن أن يستدلّ له بأنّه إذا كانا مجهولي التاريخ فحيث إنّ أركان الاستصحاب في كليهما تامّة فيجري في كليهما ويتساقطان، كما أنّ الأركان تامّة في خصوص معلوم التاريخ فيما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ، دون مجهول التاريخ، وذلك ببيانين:
أحدهما: أنّ مراده دائر بين ما هو معلوم الارتفاع وما هو مشكوك الحدوث، فإذا علم بأنّه توضّأ عند الزوال مثلا وعلم أيضاً بحدوث الحدث، ولا يعلم أنّه وقع قبل الزوال أو بعده فلا يجري استصحاب بقاء الحدث، لأنّه بالنسبة إلى قبل الزوال معلوم ارتفاعه فلا شكّ فيه، وبالنسبة إلى بعد الزوال مشكوك حدوثه فلا يقين به.
ثانيهما: أنّه من أوضح مصاديق احتمال انفصال زمان اليقين عن زمان الشكّ، أي أنه من مصاديق الشبهة المصداقيّة لدليل «لا تنقض» لأنّ الحدث إن وقع قبل الزوال حصل الإنفصال قطعاً ودخل في قوله: «انقضه بيقين آخر» فلا يكون الإتّصال محرزاً في عمود الزمان، مع أنّ الاستصحاب استمرار لعمر المستصحب في عمود الزمان كما مرّ.
وأمّا القول الثاني: وهو مختار المحقّق الخراساني (عدم جريان الاستصحاب مطلقاً) فدليله نفس ما مرّ في البحث السابق من عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين حتّى في معلوم التاريخ، لأنّه وإن كان تاريخ حدوثه معلوماً لنا ولكن اتّصاله بزمان الشكّ الحاضر غير معلوم لنا، لاحتمال انفصاله عنه وتخلّل ما هو المجهول تاريخ والمعلوم تحقّقه إجمالا، بينهما.
ولكن الجواب أيضاً هو الجواب فلا نعيده وهو الجواب الذي سبق في مسألة تعاقب الحادثتين أيضاً.
وأمّا القول الثالث: (مختار المحقّق النائيني(رحمه الله)) وهو الجريان مطلقاً فالوجه فيه بالنسبة إلى مجهولي التاريخ ما مرّ، وأمّا بالنسبة إلى مجهول التاريخ في مقابل معلوم التاريخ فيقول: «وأمّا بالنسبة إلى المجهول تاريخه وهو الحدث في المثال فربّما يقال بعدم جريان الاستصحاب فيه تارةً من جهة عدم إحراز إتّصال زمان اليقين بالشكّ فيه، واُخرى من جهة أنّ أمره مردّد بين ما هو مقطوع الإرتفاع كما إذا كان قبل الطهارة، وما هو مشكوك الحدوث من جهة احتمال حدوثه بعدها المحكوم بالعدم بالأصل، ولذلك قد عرفت حديث شرطيّة إحراز إتّصال زمان اليقين بالشكّ وأنّ دوران أمر الحادث بين كونه مقطوع الارتفاع أو مشكوك الحدوث إنّما يضرّ باستصحاب الفرد دون الكلّي، فلا مانع من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ أيضاً بنحو استصحاب الكلّي»(2).
ولكن يرد عليه:
أوّلا: ما مرّ سابقاً بأنّ المستصحب في مثل هذا المورد ليس كلّياً لأنّ المتيقّن إنّما هو ذلك الفرد المبهم الواقع في الخارج وما نشير إليه في الاستصحاب، فهو جزئي حقيقي، وتسميته كلّياً مجاز ناش عن إبهام صفاته.
وثانياً: سلّمنا، ولكنّه يتمّ بالنسبة إلى خصوص البيان الأوّل، ويبقى البيان الثاني (أعني شبهة انفصال زمان اليقين عن زمان الشكّ) على تماميته، وقد عرفت أنّ ما ذهب إليه المحقّق النائيني(رحمه الله) من عدم الانفصال (من جهة أنّ اليقين والشكّ من الصفات الوجدانيّة التي لا
يتطرّق إليها الشكّ) وأنّ الإتّصال في أمثال المقام حاصل بالوجدان، مدفوع بما مرّ أيضاً من أنّ الاعتبار بوجود المتيقّن والمشكوك، وبملاحظة زمانهما تحصل شبهة الانفصال، فراجع ما مرّ منّا في تعاقب الحادثتين.
أمّا القول الرابع: وهو الأخذ بضدّ الحالة السابقة فالوجه فيه هو القطع بارتفاع الحالة السابقة بوجود ما هو ضدّها قطعاً، والشكّ في ارتفاعه لاحتمال وجوده بعد وجود الحادث الآخر الموافق للحالة السابقة، فيكون مجرى للاستصحاب.
ولكن يرد عليه: أنّه أشبه بالمغالطة، لأنّه كما أنّ ضدّ الحالة السابقة وجد قطعاً وهو مشكوك الارتفاع، كذلك الحادث الآخر الموافق للحالة السابقة، فإنّه أيضاً قطعي الوجود ومشكوك الارتفاع فيستصحب. ويقع التعارض ويتساقطان.
ثمّ إنّ بعض الأعاظم اختار هذا المذهب (أي الأخذ بضدّ الحالة السابقة) في جميع صور المسألة إلاّ فيما إذا لم يكن معلوم التاريخ ضدّ الحالة السابقة، حيث قال: «والتحقيق عندي هو قول المحقّق(رحمه الله) في مجهولي التاريخ والتفصيل في معلومه بأنّه إن كان معلوم التاريخ هو ضدّ الحالة السابقة فكالمحقّق(رحمه الله)(3)، وإلاّ فكالمشهور، وإن ينطبق المسلكان نتيجة أحياناً.
أمّا في مجهولي التاريخ فلأنّ الحدث أمر واحد له أسباب كثيرة، وتكون سببيّة الأسباب الكثيرة للشيء الواحد سببيّة اقتضائيّة، بمعنى أنّ كلّ سبب يتقدّم في الوجود الخارجي صار سبباً فعليّاً مؤثّراً في حصول المسبّب، وإذا وجد سائر الأسباب بعده لم تتّصف بالسببية الفعلية ... فإذا كان المكلّف متيقّناً بكونه محدثاً في أوّل النهار فعلم بحدوث طهارة وحدث بين النهار، وشكّ في المتقدّم والمتأخّر، يكون استصحاب الطهارة المتيقّنة ممّا لا إشكال فيه، ولا يجري استصحاب الحدث، لعدم تيقّن الحالة السابقة لا تفصيلا ولا إجمالا، فإنّ الحدث المعلوم بالتفصيل الذي كان متحقّقاً أوّل النهار قد زال يقيناً، وليس له علم إجمالي بوجود الحدث إمّا قبل الوضوء أو بعده لأنّ الحدث قبل الوضوء معلوم تفصيلي، وبعده مشكوك بالشكّ البدوي ... هذا حال مجهولي التاريخ، وأمّا إذا جهل تاريخ الحدث وعلم تاريخ الطهارة مع كون الحالة السابقة هو الحدث فاستصحاب الحدث لا يجري، لعين ما ذكرنا في مجهولي التاريخ من عدم العلم الإجمالي بالحدث فلا تكون حالة سابقة متيقّنة للحدث، ولكن استصحاب الطهارة لا مانع منه ... وإذا جهل تاريخ الطهارة مع العلم بالحدث سابقاً وعلم تاريخ الحدث فاستصحاب المعلوم التاريخ يعارض استصحاب الطهارة المعلومة بالإجمال ونحكم بلزوم التطهّر عقلا لقاعدة الاشتغال»(4).
أقول: وكأنّ منشأ الإشتباه في هذا الكلام هو مسألة فعليّة تأثير سبب الحدث وشأنية سببيته، والحال أنّه لا أثر لها في المقام فإنّا نعلم علماً قطعيّاً أنّ المكلّف كان محدثاً مقارناً للحدث الثاني بأي سبب كان (الحدث السابق أو الحدث اللاحق) والكلام إنّما هو في أصل وجود المسبّب، وهو قطعي في تلك الحالة، ثمّ نشكّ في إرتفاع هذا الحدث، فأركان الاستصحاب فيه تامّة.
وإن شئت قلت: التردّد في سبب وجود الشيء بعد القطع بوجوده لا يوجب تعدّد وجود الشيء أو الشكّ في أصل وجود المسبّب.
بقي هنا اُمور:
الأوّل: في مقتضى الأصل العملي بعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما.
وهو مختلف باختلاف المقامات، فإذا كانت الحالتان الطهارة والحدث، فالمرجع هو أصالة الاشتغال لأنّ الواجب إتيان الصّلاة مع الطهارة، والمفروض عدم وجودها لا بالوجدان ولا بالأصل لسقوطه بالمعارضة، وإذا كانت الطهارة، عن الخبث والنجاسة فيكون المرجع أصالة الطهارة (قاعدة الطهارة المأخوذة من قوله (عليه السلام)كلّ شيء طاهر ...) ولا يخفى أنّ أصالة الطهارة غير استصحابها، وإن كانتا الكرّية والقلّة فالمرجع بعد تعارض أصالة عدم الكرّية وأصالة عدم القلّة إنّما هو استصحاب الطهارة الثابتة قبل الملاقاة بالنسبة إلى الملاقي (بالفتح) واستصحاب النجاسة الثابتة قبل الملاقاة بالنسبة إلى الملاقي (بالكسر).
الثاني: أنّ ما ذكرنا من جريان الاستصحاب أو عدم جريانه في المقام كان مختصّاً بمفاد كان التامّة، أو ليس التامّة، أي أصل وجود الحدث أو الوضوء أو عدمهما، ولا يجري بالنسبة إلى مفاد كان الناقصة (كان النوم متقدّماً على الوضوء أو بالعكس مثلا) أو مفاد ليس الناقصة (لم تكن الطهارة متقدّمة على الحدث أو بالعكس مثلا) لأنّه ليس له حالة سابقة متيقّنة كما لا يخفى.
الثالث: في كلام للمحقّق النائيني(رحمه الله) حيث يرجع إلى مسألة فقهية في باب الطهارة، وهى ما إذا كان هناك ماءان مشتبهان قليلان وكان الماء منحصراً بهما، فجاء في الحديث: «ويهريقهما ويتيمّم» سواء كان للإهراق موضوعيّة أو لم تكن فوقع البحث في أنّه هل هو حكم على القاعدة، أو يكون من التعبّد المحض؟
فيمكن أن يقال: أنّه تعبّد محض لأنّ مقتضى القاعدة الاحتياط بالتوضّي بكلّ واحد منهما، ثمّ إتيان الصّلاة به نظير إتيان الصّلاة في أربع جهات في مشتبه القبلة.
وقال بعض أنّه حكم على القاعدة في الجملة لأنّه بمجرّد وقوع القطرة الاُولى من الماء الثاني موضع إصابة الماء الأوّل قبل انفصال الغسالة يحصل له العلم التفصيلي بنجاسة اليد ثمّ يشكّ في زوال النجاسة وحصول الطهارة بعد انفصالها (لأنّه إن كان النجس هو الماء الأوّل كانت الغسالة طاهرة وإن كان النجس هو الماء الثاني كانت الغسالة نجسة) فيستصحب بقاء النجاسة فتبقى يده نجسة لا يمكن معها إتيان كلّ ما يشترط فيه الطهارة، والشارع المقدّس حذراً من وقوع المكلّف في هذه المحاذير أمر بإهراقهما والتيمّم.
المحقّق النائيني (رحمه الله) تصدّى لدفع هذه المشكلة وإثبات عدم تنجّس اليد في صورة عدم الإهراق، وبالمآل إثبات أنّ هذا الحكم ليس على القاعدة بل هو تعبّد محض، وذلك بتطبيق ما تبنّاه في مسألة توارد الحالتين على هذه المسألة فقال: «ومن هنا يظهر الحال في المغسول بمائين مشتبهين بالنجاسة ولو كان الغسل ثانياً بماء قليل، فإنّ نجاسة المغسول عند ملاقاة الماء الثاني وإن كانت معلومة تفصيلا إمّا من جهة تنجّسه بملاقاته أو من جهة بقاء نجاسته السابقة من جهة ملاقاة الماء الأوّل، ومشكوك الارتفاع بانفصال الغسالة عنه، إلاّ أنّ غاية ذلك هو جريان الاستصحاب في طرف النجاسة شخصياً، وهذا لا ينافي جريان الاستصحاب في طرف الطهارة كلّياً، ضرورة أنّ وجود الطهارة مع قطع النظر عن خصوصية كونه بعد الغسل بالماء الثاني أو قبله معلوم تفصيلا ومشكوك بقاؤه وجداناً، فغاية الأمر هو وقوع المعارضة بين استصحاب الكلّي والشخصي (فيتعارضان ويتساقطان والمرجع أصالة الطهارة فيكون الحكم بالإهراق تعبّد من الشارع)»(5).
أقول: يرد عليه ما مرّ آنفاً من أنّ تسمية هذا باسم استصحاب الكلّي لا يدفع المحذور، أي شبهة انفصال زمان اليقين عن زمان الشكّ بسبب القطع بوجود آن معيّن في عمود الزمان محكوم بالنجاسة قطعاً.
_____________
1. راجع فوائد الاُصول: ج4، ص510 ـ 511، طبع جماعة المدرّسين.
2. أجود التقريرات: ج2، ص434، طبع مؤسسة مطبوعات ديني.
3. ونسب في بعض الكلمات إلى العلاّمة في المختلف بل في أكثر كتبه لزوم الأخذ بوفق الحالة السابقة على الحالتين إن كانت معلومة لنا، ولكنّه لا يعلم له وجه وجيه.
4. الرسائل: ج1، ص200 ـ 203.
5. أجود التقريرات: ج2، ص434، طبع مؤسسة مطبوعات ديني.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|