أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-5-2020
1437
التاريخ: 24-5-2020
1147
التاريخ: 23-8-2016
891
التاريخ: 22-5-2020
1338
|
هو نزاع وقع بين السيّد محمّد باقر القزويني(رحمه الله) (حينما قدم إلى قرية ذي الكفل من القرى الواقعة بين النجف وكربلاء وفي مسير زيارته) والعالم اليهودي بعد أن ادّعى جريان استصحاب نبوّة موسى وأجاب عنه القزويني بجواب اقتبسه ممّا روي عن الإمام الرضا (عليه السلام)(1)في جواب جاثليق العالم المسيحي، وهو «أنا مقرّ بنبوّة كلّ موسى أخبر بنبوّة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)وكافر بنبوّة كلّ موسى لم يقرّ بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) وكتابه». ولم يرتضه اليهود نظراً إلى أنّ موسى جزئي حقيقي لا كلّي يكون له مصاديق مختلفة.
أقول: لابدّ قبل الورود في أصل البحث من بيان مقدّمة، وهى أنّ هذا النزاع متفرّع على كون الإيمان أمراً وراء العلم واليقين، أي يمكن التفكيك بينهما، وإلاّ لو كان الإيمان عين اليقين ولا يمكن التفكيك بينهما فلا فائدة في هذا النزاع، لأنّه لا يترتّب حينئذ على هذا الاستصحاب أثر علمي، نعم لو كان الإيمان أمراً وراء اليقين وهو فعل القلب أمكن جريان الاستصحاب فيه من جهة هذا الأثر لأنّه لا فرق هنا بين فعل الجوانح والجوارح.
والحقّ أنّ النسبة بين الإيمان واليقين العموم من وجه، فقد يحصل اليقين بشيء من دون حصول الإيمان به، كما صرّح به في قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14] ، وقد ورد في اُصول الكافي في ذيل هذه الآية عن الصادق (عليه السلام) في تفسير كفر الجحود (بعد أن قسّم الكفر على خمسة وجوه) «هو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده»(2).
وكذا العكس، كما يشهد به قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] وقوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23] ، وقد ورد عن ابن أبي محمود عن الرضا (عليه السلام): «فإنّ أدنى ما يخرج به الرجل عن الإيمان أن يقول للحصاة: هذه نواة. ثمّ يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه»(3).
وبالجملة أنّ حقيقة الإيمان هى الإقرار في القلب والتسليم القلبي (عقد القلب) وهو ممّا يمكن إنفكاكه عن العلم واليقين، فقد يحصل التسليم بشيء في القلب مع أنّه لا يقين له به، كما في قضية الإيمان بالجبت والطاغوت في الآية، بل قد يكون اليقين بضدّه، كما في قضية الحصاة الواردة في الرواية، وقد يكون بالعكس كما في قضية فرعون وقومه.
إذا عرفت هذا فنقول: أنّ استصحاب الكتابي نبوّة موسى(عليه السلام) أو عيسى(عليه السلام)مختلّ من جهات شتّى:
1 ـ إنّ منشأ حجّية الاستصحاب إن كان هو الأخبار الواردة من ناحية أئمّتنا(عليهم السلام) التي ترجع بالمآل إلى نبيّنا(صلى الله عليه وآله) فحجّية الاستصحاب تكون متوقّفة على قبول رسالته(صلى الله عليه وآله) فكيف يمكن أن يكون الاستصحاب دليلا على عدم نبوّته؟ فليس هذا إلاّ من قبيل ما يلزم من وجوده عدمه، وهو محال، وإن كان هو بناء العقلاء فكذلك، لأنّ حجّية هذا النبأ متوقّف على امضائه من جانب الأئمّة(عليهم السلام)فيعود المحذور، أو من جانب موسى(عليه السلام) ولا دليل عليه، أي لا دليل على عدم ردع هذا البناء في شريعة موسى (عليه السلام) لأنّها ليست مضبوطة، بل دخلت أيادي التحريف فيها، فلا يمكن أن يقال: أنّه لو صدر من جانب موسى (عليه السلام) ردع بالنسبة إلى هذا البناء لبان ولوصل إلينا.
2 ـ نّ جريان الاستصحاب فرع لوجود يقين سابق بنبوّة موسى (عليه السلام) ولا يقين لنا بها إلاّ من طريق أخبار أئمّتنا أو الآيات الواردة في القرآن الكريم، وكلتاهما تلازم ثبوت نبوّة نبيّنا ونسخ شريعة موسى (عليه السلام)وعيسى(عليه السلام).
إن قلت: إنّ شريعة موسى أو عيسى (عليه السلام) ثابتة بالتواتر من التاريخ الموجب لليقين.
قلنا: كلاّ، هذا غير ثابت، وإن كان مشهوراً في كثير من الأعصار لأنّ مجرّد الشهرة غير كافية، وإن هو إلاّ مثل ما ادّعي من نبوّة زردشت مع أنّها مشكوكة، ومعاملة المجوس معاملة أهل الكتاب (كما ورد في رواياتنا) لا يدلّ على كون زردشت نبيّاً لولا تلك الروايات، بل ومع تلك الروايات أيضاً لأنّ زردشت لم يثبت كونه نبي المجوس.
3 ـ من شرائط جريان الاستصحاب في مثل المقام هو الفحص إلى حدّ اليأس لأنّه وإن كان من الشبهات الموضوعيّة ولكنّه من الاُمور الإعتقاديّة بل هو أساس الأحكام ومنشأها ومبناها، فإذا كان الاستصحاب في حكم واحد مشروطاً بالفحص فما ظنّك بأساس الأحكام الإلهيّة كلّها؟
وبعبارة اُخرى: يعتبر الفحص أيضاً في الموضوعات الإعتقاديّة كالشبهات الحكميّة كما صرّح به المحقّق الأصفهاني(رحمه الله) في تعليقته، وحينئذ نقول: إنّا بعد الفحص عن نبوّة نبيّنا لم يبق لنا شكّ في ثبوتها ونسخ شريعة موسى وعيسى(عليهما السلام)فليس الاستصحاب جارياً بالنسبة إلينا.
وبعبارة اُخرى: إن كان المراد من الشكّ في كلام الكتابي هو الشكّ قبل الفحص فلا اعتبار به، وإن كان المراد به الشكّ بعد الفحص فهو منتف.
4 ـ لابدّ في المسائل الإعتقاديّة واُصول الدين (كما أشرنا إليه في طليعة البحث) من تحصيل الجزم واليقين، وهو لا يحصل من طريق الاستصحاب ولو سلّمنا حجّيته.
5 ـ إنّ ما ورد في كلام الإمام الرضا(عليه السلام) جواب صحيح في محلّه، ولكنّه وقع في مناظرة اليهودي مورداً للمناقشة، لإشكال وقع في نقل السيّد القزويني(رحمه الله)، حيث إنّ المتيقّن المستصحب في نقله هو نبوّة كلّ عيسى(عليه السلام) أو موسى(عليه السلام) الذي أخبر عن نبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله)، فأجابه الكتابي بأنّ المتيقّن هو وجود موسى(عليه السلام) وهو جزئي حقيقي لا يصدق على غير واحد، وهو معلوم لكم ولنا، وجعله كلّياً خلاف التحقيق، مع أنّ الوارد في كلام الرضا (عليه السلام): «أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به اُمّته وأقرّت به الحواريون»(4) أي نبوّة شخص عيسى(عليه السلام)وكتابه وما بشّر به، لا نبوّة كلّ عيسى، فهو (عليه السلام) يقول: «إنّ المتيقّن لنا ليس هو خصوص نبوّة عيسى فحسب، بل هى وما بشّر به اُمّته، أي كما إنّا نعلم بنبوّة عيسى(عليه السلام) نعلم أيضاً بأنّه بشّر بنبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله)، وحينئذ لا يبقى لنا شكّ بالنسبة إلى نبوّة نبيّنا إذا لاحظنا العلامات التي ذكرها عيسى(عليه السلام) لتشخيص نبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله)، فلا يمكن التفكيك بين نبوّة عيسى(عليه السلام)ونبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله)ودعوى اليقين بأحدهما دون الآخر.
نعم، قد ورد في ذيل الكلام المزبور: «وكافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد وكتابه» ولكنّه محمول على صدره ويفسّر به، فالمراد من هذه العبارة كون الاعتراف بنبوّة عيسى(عليه السلام)(وهو وجود شخصي) مقيّداً بإخباره عن نبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله)ولا يمكن العكس بأن يجعل الذيل تفسيراً للصدر لما هو المعلوم من الخارج أنّ عيسى(عليه السلام) كان جزئياً حقيقياً.
بقي هنا شيء:
وهو تحقيق في كلام المحقّق الخراساني(رحمه الله) في المقام، الذي يتلخّص في ثلاث مقامات:
الأوّل: في أنّه لا فرق في جريان الاستصحاب وحجّيته بين أن يكون المستصحب من الأحكام الفرعيّة أو الموضوعات الخارجيّة أو اللغويّة (إذا كانت ذات أحكام شرعيّة) وبين أن يكون من الاُمور الإعتقاديّة التي كان المهمّ فيها شرعاً هو الانقياد والتسليم والإعتقاد (بمعنى عقد القلب عليها) أي من الأعمال القلبيّة الاختياريّة، لأنّ ذاك من أعمال الجوارح وهذا من أعمال الجوانح، فلا إشكال في جريان استصحاب في كليهما موضوعاً وحكماً فيما إذا كان هناك يقين سابق وشكّ لاحق.
إن قلت: إنّ الاستصحاب أصل عملي فيجب إجراءه في الفروع العمليّة ولا معنى لإجرائه في الاُمور الإعتقاديّة.
قلنا: أنّ معنى كونه أصلا عملياً أنّه وظيفة للشاكّ تعبّداً في ظرف شكّه وتحيّره في قبال الأمارات الحاكيّة عن الواقع الرافعة للشكّ ولو تعبّداً لا أنّه يختصّ بالفروع العمليّة المطلوب فيها عمل الجوارح، بل يعمّ عمل الجوانح أيضاً إذا تمّ فيها أركانه.
نعم، في الاُمور الإعتقاديّة التي كان المهمّ فيها شرعاً وعقلا هو القطع بها ومعرفتها (لا خصوص الانقياد والتسليم القلبي) فلا مجال للاستصحاب موضوعاً بل يجري حكماً، فلو كان متيقّناً بوجوب تحصيل القطع بشيء (كتفاصيل القيامة) في زمان وشكّ في بقاء وجوبه، يستصحب بقاء الوجوب، وأمّا لو شكّ في حياة إمام زمانه مثلا فلا يستصحب، لأنّ الواجب
فيه تحصيل القطع والمعرفة به، ومن المعلوم أنّ الاستصحاب ممّا لا يجدي في حصولها. وحينئذ لابدّ لجريانه في هذا القسم من ترتّب أثر شرعي عليه، فهذا القسم من الاُمور الإعتقاديّة كسائر الموضوعات لابدّ في جريانه فيها من أن يكون في المورد أثر شرعي.
الثاني: فيما ينقدح ممّا ذكر في المقام الأوّل، وهو أنّه لا مجال للاستصحاب في نفس النبوّة إذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها، لعدم الشكّ في بقائها، لكونها ممّا لا تزول بعد اتّصاف النفس بها لعدم كونها مجعولة شرعاً بل إنّها من الصفات الخارجيّة التكوينيّة، ولو فرضنا إمكان زوالها وعروض الشكّ عليها فلا يترتّب عليها أثر شرعي مهمّ حتّى نستصحبها، نعم لو كانت من المناصب المجعولة كالوكالة كانت بنفسها مورداً للاستصحاب، ولكن يحتاج الاستصحاب حينئذ إلى دليل غير منوط بتلك النبوّة وغير مأخوذ من ذلك الشرع، وإلاّ لزم الدور كما لا يخفى، وهكذا إذا كان المراد من استصحابها استصحاب بعض أحكام شريعة من اتّصف بالنبوّة السابقة فلا إشكال في جريانه أيضاً.
الثالث: فيما يترتّب على المقامين الأوّلين، وهو أنّه لا موقع لتشبّث الكتابي باستصحاب نبوّة موسى (عليه السلام)أو عيسى(عليه السلام) أصلا، لا الزاماً للمسلم ولا إقناعاً به.
أمّا إلزاماً للمسلم فلعدم شكّه في بقاء نبوّة موسى(عليه السلام) أو عيسى(عليه السلام) بل هو متيقّن بنسخها وإلاّ فليس بمسلم، وبعبارة اُخرى: أنّ المسلم ما لم يعترف بأنّه كان على يقين سابق فشكّ لم يلزم به.
وأمّا إقناعاً فلوجهين: أحدهما: لزوم معرفة النبي عقلا بالفحص والنظر في حالاته ومعجزاته، لما عرفت من أنّ النبوّة هى من الاُمور الإعتقاديّة التي يجب فيها بحكم العقل تحصيل القطع والمعرفه به يقيناً، ومن المعلوم أنّ استصحاب النبوّة هو ممّا لا يجدي في حصولها.
ثانيهما: أنّه لا دليل على التعبّد ببقائها عند الشكّ فيه لا عقلا ولا شرعاً، أمّا عقلا فواضح، إذ ليس الحكم بالبقاء عند اليقين بالحدوث من مستقلاّت العقل، وأمّا شرعاً فلأنّ الدليل الشرعي إن كان هو من الشريعة السابقة فاستصحاب النبوّة السابقة بسببه ممّا يستلزم الدور، وإن كان من الشريعة اللاحقة فيستلزم الخلف (انتهى كلامه بتوضيح منّا).
أقول: أوّلا: كان ينبغي أن يشير المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى الوجه الصحيح من بين الوجوه الثلاثة التي ذكر في تفسير النبوّة، وحيث إنّه لم يذكر مختاره فيه فنقول: أمّا المعنى الأوّل (وهو أن تكون النبوّة ناشئة من كمال النفس) فلا ريب في عدم صحّته لما سيأتي في بيان وجه المختار، وهكذا الوجه الثالث (وهو أن يكون المراد من النبوّة أحكام شريعة من اتّصف بها واستصحابها هو استصحاب بعض أحكامها) لما سيأتي أيضاً بل الصحيح إنّما هو المعنى الثاني (وهو كون النبوّة من المناصب المجعولة) كما يشهد عليه قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] حيث إنّ النبوّة والإمامة فيما يهمّنا في المقام على وزان واحد، وقوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] ، وقوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13] فإنّ هذه الآيات ونظائرها صريحة أو كالصريحة في كون النبوّة منصباً من المناصب المجعولة من ناحية الشارع فإنّ التعبير بالجعل والاختيار كالصريح في هذا المعنى، نعم هذا مقام لا يعطيه الحكيم إلاّ لمن تمّت القابلية فيه.
ثانياً: هيهنا وجه رابع في المراد من النبوّة وهو أن يكون المراد منها مجموع الأحكام والتعاليم الموجودة في تلك الشريعة السابقة، وهذا هو الصحيح المختار لأنّ من المسلّم أنّ انقضاء شريعة موسى وعيسى(عليهما السلام)ليست بمعنى عزلهما عن ذلك المنصب الإلهي أو بمعنى تنزّلهما عن تلك المرتبة من كمال النفس، بل إنّها بمعنى إنقضاء أمد شريعتهما وخروجها عن كونها ديناً رسميّاً للعباد، ولا يخفى أنّ هذا المعنى أيضاً لا يمكن استصحاب بقائه عند الشكّ فيه، لما مرّ من عدم وجود الدليل على الاستصحاب من غير ناحية الشريعة الإسلاميّة ولغيّره ممّا مرّ ذكره، ولو فرضنا وجود الدليل على الاستصحاب في نفس الشريعة السابقة فأيضاً لا يمكن التمسّك به لإثبات بقاء أحكام تلك الشريعة، لما أفاده بعض الأعلام من «أنّ حجّية الاستصحاب من جملة تلك الأحكام فيلزم التمسّك به لإثبات بقاء نفسه وهو دور ظاهر»(5).
ثالثاً: لو فرضنا كون النبوّة أمراً تكوينياً فلا يمكن الإيراد على جريان الاستصحاب فيه بعدم ترتّب أثر عملي شرعي عليه لأنّ وجوب الإعتقاد القلبي به وعقد القلب عليه أثر عملي جانحي شرعي، وإن كان الكاشف عنه هو العقل، نظير وجوب المقدّمة.
_____________
1. راجع بحار الأنوار: ج10، ص302 ح1.
2. اُصول الكافي: ج2، ص389.
3. وسائل الشيعة: ج18، الباب10، من أبواب صفات القاضي، ح13.
4. بحار الأنوار: ج10 ص302.
5. مصباح الاُصول: ج3، ص214، طبع مطبعة النجف.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|