أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
811
التاريخ: 1-8-2016
1098
التاريخ: 23-8-2016
753
التاريخ: 30-5-2020
1106
|
[استصحاب أحكام الشرائع السابقة] غير استصحاب الكتابي...، فهل يجوز أن يكون المستصحب حكماً من أحكام الشريعة السابقة كحجّية القرعة الثابت وجودها في الشرائع السابقة كما وردت في قصّة زكريا وقصّة يونس في كتاب الله العزيز، أو يعتبر في المستصحب أن يكون حكماً ثابتاً في هذه الشريعة؟
قد يقال: إنّ أركان الاستصحاب فيها مختلّة من جهتين:
الاُولى: من ناحية عدم اليقين بثبوتها في حقّ المكلّف الذي أراد أن يستصحب بالنسبة إلى نفسه وإن علم بثبوتها في حقّ آخرين، فإنّ الحكم الثابت في حقّ جماعة لا يمكن إثباته في حقّ جماعة اُخرى لتغاير الموضوع، ولذا يتمسّك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو المعدومين بالإجماع والأخبار الدالّة على إشتراك جميع الاُمّة في الحكم، لا بالإستصحاب.
واُجيب عنها: بأنّ الحكم الثابت في الشريعة السابقة لم يكن ثابتاً لخصوص الافراد الموجودين في الخارج بنحو القضية الخارجية، بل الحكم كان ثابتاً لعامّة المكلّفين بنحو القضية الحقيقيّة، فإذا شكّ في بقائه لهم لاحتمال نسخه في هذه الشريعة استصحب.
الثانية: من ناحية الشكّ اللاحق، فإنّا نتيقّن بإرتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة فلا شكّ في بقائها حينئذ حتّى يكون من قبيل نقض اليقين بالشكّ فيستصحب، بل إنّه من قبيل نقض اليقين باليقين.
واُجيب عنها أيضاً: أوّلا: بأنّ نسخ الشريعة السابقة ليس بمعنى نسخ جميع أحكامها فإنّ كثيراً من أحكام الشرائع السابقة باقية في هذه الشريعة أيضاً كحرمة الزنا والغيبة وغيرهما.
وإن شئت قلت: إن اُريد من النسخ نسخ كلّ حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع، وإن اُريد نسخ البعض فالمتيقّن من المنسوخ ما علم بالدليل، فيبقى غيره على ما كان عليه ولو بحكم الاستصحاب.
إن قلت: إذا علمنا بنسخ بعضها إجمالا صار جميعها من أطراف العلم الإجمالي فلا يمكن الاستصحاب فيها.
قلنا: إنّ العلم الإجمالي هذا ينحلّ إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي، فإنّ مقدار المعلوم بالتفصيل ينطبق على مقدار المعلوم بالإجمال.
وثانياً: إنّا نفرض الشخص الواحد مُدركاً للشريعتين، فإذا استصحب هو بالنسبة إلى نفسه تمّ الأمر في حقّ غيره من المعدومين بقيام الضرورة على إشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة، وقد اُجيب عن هذا الجواب بأنّ ذلك غير مجد في تسرية الحكم من المدرك للشريعتين إلى غيره من المعدومين، فإنّ قضيّة الإشتراك ليس إلاّ أنّ الاستصحاب حكم كلّ من كان على يقين فشكّ، لا حكم الكلّ ولو من لم يكن كذلك.
وإن شئت قلت: قاعدة الاشتراك تجري بالنسبة إلى موارد الوحدة في الموضوع لا ما إذا اختلف الموضوع، فإذا كانت أركان الاستصحاب الذي هو حكم ظاهري تامّة في حقّ أحد دون آخر يجري الاستصحاب في حقّه فقط دون غيره.
أقول : التحقيق في المسألة يستدعي تحليل ماهية نسخ الشريعة ، فنقول : لا إشكال في أنّ نسخ الشريعة ليس بمعنى نسخ الاصول الإعتقادية فيها ، كما لا إشكال في أنّه ليس عبارة عن تغيير جميع الأحكام بل يدور النسخ مدار معنيين :
أحدهما : رفع بعض الأحكام الفرعية وجزئيات الفروع ككيفية الزكاة والصّلاة ، وثانيهما : إتمام أمد رسالة النبي السابق وانقضاء عمرها ، ولازمه تشريع جميع الأحكام من جديد ، وحينئذٍ ليس هو من قبيل تغيير الدولة في حكومة خاصّة وتبديلها إلى دولة اخرى ، بل هو في الواقع من قبيل تبديل أصل الحكومة إلى حكومة جديدة ونظام آخر بحيث لابدّ فيه من تقنين قانون أساسي جديد ، وبالجملة أنّه بمعنى تدوين جميع القوانين العمليّة والأحكام الفرعية من أصلها ، وإن اشتركت الشريعتان في كثير من أحكامهما.
الصحيح في ما نحن فيه هو المعنى الثاني ، فإنّ هذا هو حقيقة نسخ الشرائع والديانات وظهور شريعة اخرى جديدة ، ويشهد على هذا المعنى أوّلاً : تكرار تشريع بعض الأحكام في الإسلام مع وجوده في الشريعة السابقة كحرمة شرب الخمر وحرمة الزنا ووجوب الصيام والصّلاة وكثير من المحرّمات والواجبات ، كما يدلّ عليه بالصراحة التعبير بالكتابة في مثل قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ).
وثانياً : جريان أصالة الإباحة بالنسبة إلى الشبهات الوجوبيّة عند الأخباري والاصولي معاً ، وفي الشبهات التحريميّة عند الاصولي فقط ، فإنّه أيضاً شاهد على نسخ جميع الأحكام السابقة ورجوع الأشياء إلى الإباحة ، وعلى عدم وجود حكم إلزامي إلاّبعد ثبوت تدوينه وكتابته ثانياً.
والذي يستنتج من هذا المعنى للنسخ هو عدم جواز استصحاب الشرائع السابقة فإنّه فرع احتمال بقاء بعض أحكام الشريعة السابقة ، مع أنّك قد عرفت إنّا نعلم بنسخ جميع أحكامها وتشريع أحكام جديدة ، وافقها أو خالفها.
كما يظهر منه عدم تمامية ما اجيب به عن الإشكال الأوّل الذي أورد على استصحاب الشرائع السابقة ( وهو جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة ) فإنّا لا نقبل جعل أحكام شريعة موسى عليه السلام مثلاً على نحو تشمل الأفراد بعد انقضاء شريعته ، بل إنّما شرّعت لُامّة موسى عليه السلام فقط.
وكذا الجواب الثاني عن الإشكال الثاني ( وهو قضيّة المدرك للشريعتين ) فهو أيضاً فاسد لأنّه بعد العلم بنسخ جميع أحكام الشريعة السابقة لا يبقى شكّ لمُدرك الشريعتين في عدم بقاء تلك الأحكام ، حتّى تتمّ أركان الاستصحاب بالنسبة إليه فيستصحبها.
هذا تمام الكلام في أصل جريان استصحاب أحكام الشريعة السابقة ، وقد ظهر من جميع ما ذكرنا عدم جريانه حتّى بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فضلاً عن عدم جريانه فيها كما هو المختار.
ثمرة هذا البحث:
ثمّ إنّه بناءً على جريان استصحاب الشرائع السابقة قد يقال : أنّ ثمرته تظهرفي موارد شتّى في الفقه :
1 ـ مسألة القرعة ، حيث يظهر من قصّة مريم في قوله تعالى : {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44] ومن قصّة يونس في قوله تعالى : {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] حجّية القرعة في خصوص موارد التشاحّ والمخاصمة والتنازع في شريعة زكريّا وشريعة يونس ، فيمكن إثباتها في هذه الشريعة بالإستصحاب.
نعم لا حاجة إلى هذا الاستصحاب لو فهمنا من مجرّد نقل القضيتين في كتاب الله إمضاء الشارع لحجّية القرعة ، ولكن أنّى لنا بإثبات ذلك؟
2 ـ مسألة اعتبار قصد القربة في الأوامر وعدمه ، حيث يظهر من قوله تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة: 5] اعتبار قصد القربة في جميع أوامر الشرائع السابقة ، فإنّ الضمير في « امروا » راجع إلى أهل الكتاب ، فيستفاد منه أنّ الأصل في دوران الأمر بين التعبّديّة والتوصّليّة هو التعبّديّة ، فيجري هذا الحكم بمؤونة الاستصحاب في شريعتنا.
ولكن أورد عليه بإشكالات عديدة :
منها : أنّه متوقّف على كون المراد من كلمة « مخلصين » اعتبار قصد القربة ، مع أنّ المراد منها التوحيد في مقابل الشرك.
واجيب عنه : بأنّ الشاهد على المقصود في الآية إنّما هو قوله تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} فإنّه ظاهر في أنّ جميع أوامر الشرائع السابقة صدرت لعبادة الله ، فلا حاجة إلى ظهور كلمة « مخلصين » في قصد القربة.
ومنها : أنّه متوقّف على صدور أوامرها على نهج القضايا الحقيقيّة ، مع أنّ نزول كلمة «امروا» بصيغة الماضي ظاهر في أنّها صدرت على نهج القضايا الخارجية فلا يمكن استصحابها.
ويمكن الجواب عنه : بأنّه لا دلالة في صيغة الماضي على خارجية القضايا ، حيث إنّها ناظرة إلى القوانين التي شرّعت في الشرائع السابقة ، ولا إشكال في أنّ القانون يكون غالباً على نحو القضية الحقيقيّة.
ومنها : أنّه لا حاجة إلى الاستصحاب في المقام ، حيث إنّ قوله تعالى في ذيل الآية : {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} بنفسه ظاهر في الدوام والبقاء.
واجيب عنه : بأنّ مرجع اسم الإشارة « ذلك » لعلّه هو قوله « مخلصين » ، أي التوحيد في مقابل الشرك لا ما قبله ، خصوصاً بقرينة الأقربية.
ومنها : أنّه مبنيّ على كون الغاية في الآية وهى قوله تعالى « ليعبدوا » غاية لفعل الناس حتّى يكون المعنى : وما امروا إلاّ لأن يقصد الناس القربة ويكونوا عابدين لله تعالى ، مع أنّه يحتمل كونها غاية لفعل الله تعالى فتكون الآية حينئذٍ ناظرة إلى بيان حكمة أوامره تعالى ، والمعنى : أنّ فلسفة الأحكام الإلهيّة وحكمة الأوامر الشرعيّة الأعمّ من التعبّدي والتوصّلي إنّما هو تربية الله عباده لأن يكونوا عابدين مخلصين ، فتكون الآية حينئذٍ قريبة الافق من قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، ومن الواضح أنّها عندئذٍ لا ربط لها بالمقام ، حيث إنّها صادقة حتّى بالنسبة إلى الأوامر التوصّلية.
ومنها : أنّ لازم هذا المعنى التخصيص بالأكثر ، فإنّ من المعلوم أنّ أكثر الأوامر الواردة في الشرائع السابقة كالتي وردت في جميع أبواب المعاملات ، أوامر توصّلية ، كما أنّه كذلك في شريعتنا ، فإنّ العبادات معدودة محدودة في مقابل غيرها.
ومنها : أنّ الآية صدراً وذيلاً وردت في التوحيد مقابل الشرك ، ولا ربط لهما بمسألة قصد القربة ، والشاهد عليه ما ورد في ذيلها : {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وهكذا التعبير بـ « حنفاء » ( فإنّ الحنيف بمعنى المائل عن الشرك إلى التوحيد ) وكذلك الآيات الواردة في ما قبلها وما بعدها فإنّها جميعاً وردت في أهل الكتاب والمشركين فراجع ، فإنّ التأمّل في الآية نفسها وفي ما قبلها وما بعدها ممّا يوجب القطع بأنّها في مقام نفي الشرك وإثبات التوحيد من دون نظر لها إلى مسألة قصد القربة في الأوامر.
والعمدة في الإشكال على الاستدلال بالآية هو الإشكال الأخير.
3 ـ ما يستفاد من قصّة يوسف عليه السلام من قوله تعالى : {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } [يوسف: 72] حيث إنّ التعبير بـ « حمل » يدلّ على عدم اعتبار معلوميّة المقدار في الجعالة ( لأنّ مقدار حمل بعير أمر مجهول ) وبالإستصحاب نثبته في شريعتنا ، هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ قوله تعالى : {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } [يوسف: 72] يدل على جواز ضمان ما لم يجب ( ما لم يكن فعليّاً ) حيث إنّه يثبت الضمان في الجعالة قبل أن يتحقّق في الخارج عمل ، ومقتضى استصحاب بقائه جواز ضمان ما لم يجب في شريعتنا أيضاً.
واجيب عنه : أوّلاً : بأنّه لا دليل على عدم كون حمل البعير معلوم المقدار ، بل لعلّه كان معلوماً، كما أنّه كذلك اليوم في بعض البلاد ، فيكون مقدار حمل الحمار ( خروار ) في بعض البلاد مائة منّ ، وفي بعض آخر 75 منّاً ، وفي بعض ثالث 45 منّاً.
وثانياً : لا دليل على أنّ ما وقع في تلك القضيّة كان بصيغة الجعالة ، بل لعلّه كان مجرّد وعد بإعطاء حمل بعير بعنوان الجزاء والجائزة ، كما نشاهده في يومنا هذا في بعض الإعلانات لكشف الضالّة.
وثالثاً : لا دليل على أنّ القصّة بتمامها كان بمحضر من يوسف حتّى يستفاد منها الامضاء والمشروعيّة.
ورابعاً : ظاهر قوله تعالى : {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: 76] إنّ كلّ ذلك كان أمراً صورياً وتوطئة لإبقاء يوسف أخاه عنده ، لا أمراً واقعياً حتّى يستفاد منه حكم فقهي.
وخامساً : أنّ قول المؤذّن : {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } ليس من قبيل ضمان ما لم يجب الذي ثبت عدم جوازه ، فالمختار كما ذكرنا في محلّه أنّ الدين الذي لم يتحقّق بعد ولكن تحقّقت مقتضياته جائز ضمانه ، وليس هو من باب ضمان ما لم يجب ، وذلك نظير ما هو رائج في زماننا عند العقلاء من مطالبة الضامن للأجير أو الخادم لأجل الخسارات التي يحتمل تحقّقه في المستقبل ، ونظير عقد التأمين لو أدخلناه في باب الضمان فإنّ الضمان في مثل هذه الموارد جائز وغير داخل تحت الإجماع القائم على عدم جواز ضمان ما لم يجب ، لحصول مقتضى الضمان فيها ، ولا إجماع على البطلان في مثله.
4 ـ ما يستفاد من قصّة يحيى في قوله تعالى : {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } [آل عمران: 39] من جواز ترك النكاح واستحبابه ، لأنّ الحصور في اللغة بمعنى تارك النكاح.
واجيب عنه أيضاً : أوّلاً : بأنّه من قبيل المدح على المنكشف لا الكاشف ، كما إذا مدحنا من ردّ بعض الهدايا لكونه كاشفاً عن علوّ طبعه وغنى نفسه ، مع أنّ الكاشف وهو ردّ الهدية مذموم ، فمدح يحيى لكونه حصوراً وتاركاً للنكاح لعلّه كان من باب إنّه كاشف عن شدّة ورعه وكفّ نفسه عن الشهوات ، كما احتمله بعض المفسّرين فتأمّل.
وثانياً : لا دليل على كون الحصور بمعنى تارك النكاح فإنّه في اللغة من مادّة الحصر بمعنى المنع عن المعصية وكفّ النفس عن الشهوات فيكون بمعنى المتّقي والوَرع.
وثالثاً : لعلّ هذا كان حكماً خاصّاً لشخص يحيى عليه السلام وكذلك عيسى عليه السلام ، وذلك لما كان لهما من شرائط خاصّة فإنّ عيسى عليه السلام لا يزال كان مشتغلاً بالتبليغ عن مذهبه والتردّد من بلد إلى بلد وكذلك يحيى ، حيث إنّه كان مبلّغاً لشريعة عيسى عليه السلام ، ولا إشكال في جواز ترك النكاح لمصلحة أهمّ.
ورابعاً : من أركان الاستصحاب الشكّ اللاحق ، ولا شكّ لنا في استحباب النكاح كما يدلّ عليه ما ورد في مذمّة ترك النكاح بل في استحباب الإنكاح.
5 ـ ما يستفاد من قصّة أيّوب في قوله تعالى : {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 44] من عدم لزوم الحنث بالعدول عن الضرب بالسوط إلى الضرب بالضغث في باب النذور والأيمان.
ويمكن المناقشة فيه أيضاً : بأنّ العدول إلى الضغث لعلّه لم يكن من باب الوفاء باليمين أو النذر، بل من باب إنكشاف عدم استحقاق زوجة أيّوب للضرب بعد الرجوع ، فانكشف أنّ تأخيرها كان عن عذر ، فينكشف أنّ اليمين أو النذر لم ينعقد لاعتبار الإباحة أو الرجحان فيهما.
إن قلت : فكيف أمر بالضرب بالضغث مع أنّ لازم ما ذكر سقوط الضرب من رأسه.
قلنا : لعلّه كان من باب رعاية حرمة إسمه تعالى ، وحفظ ظاهر اليمين ، كما يرى نظيره من حيث حفظ الظاهر والإحترام بالحدود الإلهية في الأخبار في أبواب الحدود والأيمان.
6 ـ ما يستفاد من قوله تعالى : {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] من اعتبار أصل المساواة في باب القصاص ، فيستصحب هو في شريعتنا.
إن قلت : إنّه لا حاجة في اعتبار المساواة إلى الاستصحاب لأنّ أصل القصاص من مسلّمات شريعة الإسلام ،
والمساواة من لوازم ماهية القصاص كما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّه يمكن إستفادتها من قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178].
قلنا : يجوز الاستدلال بالآية الاولى في موارد الشكّ ، كما في ذي العين الواحدة ، حيث إنّ المحتملات فيه ثلاثة : جواز القصاص فقط ، وعدم جواز القصاص بل وجوب الديّة فقط ، وجواز القصاص مع نصف الديّة ، فيستدلّ بإطلاق قوله تعالى « والعين بالعين » على جواز خصوص القصاص في شريعة موسى عليه السلام ثمّ يستصحب في شريعتنا.
نعم أنّه فرع وجود الاطلاق للآية وكونها في مقام البيان من هذه الجهة ، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال بعدم الحاجة إلى هذا الاستصحاب أيضاً ، لإمكان استفادة ذلك من نفس الآية الثانية بقرينة ما ورد فيما قبلها وهو قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ...} [المائدة: 44] فإن ظاهرها ـ على الأقل ـ هو الإمضاء لهذا الحكم الذي انزل في التوراة.
7 ـ ما يستفاد من قصّة موسى وشعيب في قوله تعالى : {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: 27] أوّلاً من جواز الترديد في الزوجة حين إجراء عقد النكاح حيث قال : ( إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ ) وثانياً من جواز الترديد في المهر أيضاً لقوله تعالى : ( فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) وثالثاً من جواز إعطاء المهر بأب الزوجة لقوله تعالى ( تَأْجُرَنِي) فكان المهر عبارة عن عمل موسى لشعيب ، ورابعاً من جواز وقوع عمل الحرّ مهراً في النكاح.
ولكن يرد على الأوّل والثاني بأنّهما مبنيّان على صدور هذا القول من شعيب في مجلس إجراء الصيغة لا مجلس المقاولة للنكاح ومقدار المهر ، وأنّى لنا بإثبات ذلك.
وعلى الثالث بأنّ الإنتفاع باستيجار موسى عليه السلام كان لجميع أهل البيت ولم يكن حياتهم إلاّ على المشاركة القريبة جدّاً فكان استيجار أبيها كاستيجارها بنفسها.
وعلى الرابع بأنّه لا حاجة إلى هذا الاستصحاب بعد وضوح المسألة في شريعتنا ، فإنّه لا شكّ في الجواز.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|