أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-5-2020
1387
التاريخ: 23-8-2016
1086
التاريخ: 28-5-2020
1233
التاريخ: 23-8-2016
788
|
ينقسم الاستصحاب باعتبار اختلاف المستصحب والدليل الدال عليه وباعتبار الشك المأخوذ فيه إلى اقسام (اما اقسامه) بالاعتبار الاول، فلان المستصحب تارة يكون وجوديا، واخرى عدميا (وعلى التقديرين) تارة يكون حكما شرعيا، واخرى موضوعا ذا حكم شرعي (وعلى الاول) تارة يكون حكما كليا، واخرى حكما جزئيا (وعلى التقديرين) فتارة يكون من الاحكام التكليفية، واخرى من الاحكام الوضعية.
(واما اقسامه) بالاعتبار الثاني فلان الدليل الدال على ثبوت المستصحب، تارة يكون عقليا واخرى شرعيا (وعلى الثاني) فتارة يكون لفظي كالكتاب والسنة ،واخرى لبيا كالأجماع.
(واما اقسامه) بالاعتبار الثالث فلان الشك في بقاء المستصحب تارة يكون من جهة الشك في المقتضى وقابلية المستصحب في نفسه للبقاء، واخرى يكون من جهة الشك في الرافع مع القطع باستعداد المستصحب للبقاء وعلى الثاني تارة يكون الشك في وجود الرافع، واخرى في رافعية الموجود اما من جهة عدم تعين المستصحب لتردده بين ما يكون الموجود رافعا له ومالا يكون كذلك، كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا للاشتغال بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة لتردده بين كونها هي الظهر أو الجمعة، وكالوضوء المشكوك كونه رافعا للحدث المردد بين الاصغر والاكبر وام للجهل بصفة كون الموجود رافعا كالمذي، أو الجهل بكونه مصداقا للرافع كالرطوبة المرددة بين البول والوذى فهذه اقسام متصورة للاستصحاب بالاعتبارات الثلاثة المتقدمة والظاهر هو وقوع الخلاف بين الاعلام في كل واحد من هذه الاقسام حيث انهم بين قائل بحجيته مطلقا، وقائل بعدم حجيته كذلك وثالث بالتفصيل بين الوجودي والعدمي باعتباره في الاول دون الثاني (ورابع) عكس ذلك (وخامس) بالتفصيل بين الاحكام التكليفية والوضعية وسادس مفصل بين الامور الخارجية والاحكام الشرعية وسابع بالتفصيل بين الاحكام الجزئية والكلية وثامن بين الشك في المقتضى والشك في الرافع وتاسع مفصل بين كون الدليل المستصحب عقليا أو شرعي وعاشر بين ثبوت المستصحب بدليل لفظي كالكتاب والسنة، وثبوته بدليل لبي كالأجماع إلى غير ذلك من التفاصيل التي استقصاها الشيخ (قدس سره) في فرائده ولكن الاقوى هو حجية الاستصحاب في جميع هذه الاقسام باعتبار المستصحب والدليل الدال عليه والشك المأخوذ فيه، وسيتضح تحقيق ذلك ان شاء الله تعالى عند التعرض لذكر ادلة الاستصحاب.
وقبل الخوض فيها لا بأس بالتعرض لما افاده الشيخ (قدس سره) من التفصيل في جريان الاستصحاب بين ان يكون دليل المستصحب عقليا أو شرعيا بجريانه في الثاني دون الاول حيث قال الثاني من حيث انه اي المستصحب قد يثبت بالدليل الشرعي وقد يثبت بالدليل العقلي، ولم اجد من فصل بينهما الا ان في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي وهو حكم العقل المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا، نظر إلى ان الاحكام العقلية كلها مبينة ومفصلة من حيث مناط الحكم الشرعي، والشك في بقاء الحكم المستصحب وعدمه لا بد وان يرجع إلى الشك في موضوع حكم العقل لان الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع، فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون الا للشك في موضوعه، الموضوع لابد ان يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كم سيجئ ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع وبين ان يكون لأجل الشك في استعداد الحكم، لان ارتفاع الحكم العقلي لا يكون الا بارتفاع موضوعه، فيرجع الامر بالأخرة إلى تبدل العنوان، الا ترى إذا حكم العقل بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع إلى ان الضار من حيث انه ضار حرام، ومعلوم ان هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحققه سابقا، لان قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه ابدا ولا ينفع في اثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر، ولا يجوز ان يقال ان هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه، لان الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق، بل عنوان المضر، والحكم له مقطوع البقاء (وهذا) بخلاف الاحكام الشرعية فانه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ولا يعلم ان المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع فيستصحب الحكم الشرعي، انتهى كلامه (قدس سره) (اقول):
ولا يخفى ما فيه، فان الاشكال المزبور ان كان راجعا إلى شبهة عدم احراز بقاء الموضوع في استصحاب الاحكام المستكشفة من الاحكام العقلية، بدعوى ان القيود في الاحكام العقلية بأجمعها راجعة إلى نفس الموضوع الذي هو فعل المكلف، فالشك في بقاء الحكم المستكشف من الحكم العقلي حتى لأجل الشك في وجود الرافع يرجع إلى الشك في بقاء موضوعه، كما لعله هو الظاهر بل الصريح من بعض كلامه
(ففيه) (اولا) منع الكلية المزبورة، لا مكان دخل بعض القيود في الاحكام العقلية بكونه من الجهات التعليلية لطرو الحسن أو القبح على نفس الذات، كما لعله من هذا القبيل عنوان المضرية للصدق والنافعية للكذب في الحكم عليهما بالقبح والحسن (فان الظاهر) من مثل هذه العناوين كونها من الجهات التعليلية لطرو الحسن والقبح على نفس الذات، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في الموضوع، نظير عنوان المؤثرية في الاضرار والانتفاع الذي هو من الجهات التعليلية لطرو الحسن والقبح على ما هو المؤثر وهو الذات، وعنوان المقدمية التي هي جهة تعليلية لطرو الوجوب على ما هو مصداق المقدمة من دون ان يكون لعنوان المقدمية دخل في موضوع الحكم (وعليه) فلا قصور في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي لان موضوع الحكم حينئذ عبارة عن نفس الذات ومثله مما يقطع ببقائه في الزمان الثاني حتى مع القطع بانتقاء قيد حكمه فضلا عن صورة الشك فيه.
(وثانيا) على فرض تسلم الكلية المزبورة في القيود المأخوذة في الاحكام العقلية
(نقول) انه يتوجه الاشكال المزبور بناءا على اعتبار وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة بالأنظار العقلية الدقية (ولكن) يلزمه المنع عن جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الدليل الشرعي ايضا، لقيام احتمال تغاير الموضوع في كل مورد يكون الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في انتفاء ماله الدخل في موضوع الحكم قطعا أو احتمالا سواء في الشبهة الحكمية أو الموضوعية، فإذ حكم الشارع على الصدق الضار بكونه حراما واحتمل مدخلية الوصف المزبور في موضع الحكم فعند الشك في بقائه على مضريته لا يجري فيه الاستصحاب لعدم احراز بقاء الموضوع في الزمان الثاني (بل يلزمه) سد باب الاستصحاب في الاحكام رأسا الا في الموارد النادرة لانه ما من مورد يشك في بقاء الحكم الشرعي لأجل الشك في انتفاء بعض الخصوصيات حتى الشك في وجود الرافع أو رافعية الموجود الا ويحتمل مدخلية الخصوصية المشكوكة وجود أو عدما في موضوع الحكم الشرعي ومناطه ولو بحسب لب الارادة، ومع قيام احتمال تغاير الموضوع لا يجري فيه الاستصحاب.
(واما) على ما هو التحقيق من كفاية الوحدة بالأنظار العرفية حسب ما هو المرتكز في اذهانهم في نظائره من احكامهم العرفية بمناسبات الحكم والموضوع كما هو مختاره قده ايضا فلا قصور في جريان الاستصحاب، فانه كما يجرى الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الدليل الشرعي حتى فيما كان الموضوع مأخوذا في لسان الدليل على نحو التقييد كالماء المتغير والصدق الضار والكذب النافع ونحو ذلك لعدهم الخصوصيات المأخوذة فيه في لسان الدليل من الحالات غير المقومة للموضوع (كذلك) يجرى في الحكم المستكشف من الدليل العقلي.
(واما الجزم) بانتفاء الحكم العقلي حينئذ لعدم دركه فعلا مع الشك في مناط حكمه، فغير ضائر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه، لما سيجئ من ان استتباع الحكم الشرعي للحكم العقلي انما هو في مقام الكشف والاثبات لا الثبوت، وانما هو في هذا المقام تابع تحقق مناطه واقعا فيمكن بقاء الحكم الشرعي ثبوتا ببقاء مناطه وان انتفى كاشفه الذي هو الحكم العقلي .
(فعلى كل تقدير) لا مجال للتفرقة في جريان الاستصحاب بين كون دليل الحكم شرعيا وكونه عقليا (نعم) بناء على ان عموم لا تنقض مسوق بلحاظ ما يستفاد من لسان الدليل حسب فهم العرف في تشخيص موضوعات الاحكام وتحديد مفاهيم الالفاظ ومداليلها، لا بلحاظ ما ارتكز في اذهانهما العرفية بما تخيلوه من الجهات والمناسبات، لا بأس بالتفرقة في جريان الاستصحاب بين الاحكام بلحاظ اختلاف ادلتها، فيفصل بين الثابت بالدليل اللفظي الظاهر في كون القيد من قيود الحكم كقوله: الماء إذا تغير ينجس والصدق إذا كان ضارا حرام، وبين الثابت بالدليل العقلي المثبت للحكم لعنوان خاص كالصدق الضار والكذب النافع بجريان الاستصحاب في الاول عند الشك في انتفاء قيده المعلوم قيديته أو الشك في قيديته ما يعلم انتفائه، لعدم تطرق الشك في امثال ذلك إلى موضوع المستصحب، وعدم جريانه في الثاني لعدم انفكاك الشك في بقاء الحكم المستكشف منه عن الشك في بقاء موضوعه (ولكن) لازم ذلك هو تعميم الاشكال المزبور من هذه الجهة في الاحكام المستكشفة من الاجماع والسيرة ايضا، بداهة انه لا خصوصية لهذه الشبهة بالأحكام المستكشفة من الادلة العقلية، بل هي تجرى في كل حكم شرعي يكون طريق كشفه غير الادلة اللفظية من اللبيات عقلا كان أو اجماعا أو سيرة، فإذا ثبت حكم شرعي لموضوع خاص في حال من الاحوال بأجماع أو سيرة قطعيه، فعند الشك في زوال ما يقطع بدخله في المناط أو القطع بزوال ما يحتمل دخله فيه تجرى فيه الشبهة المزبورة في الدليل العقلي، لعدم انفكاك الشك في بقاء الحكم حينئذ عن الشك في بقاء موضوعه، فلا وجه حينئذ للتفصيل بين الدليل الشرعي والعقلي وتخصيص الاشكال بخصوص الحكم المستكشف من الدليل العقلي (هذا كله) إذا كان مبنى المنع عن استصحاب الاحكام المستكشفة من الادلة العقلية شبهة عدم احراز بقاء الموضوع (واما إذا كان) مبنى المنع المزبور شبهة عدم تطرق الشك فيها من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية كم يقتضيه ظاهر بعض كلامه الاخر، من ان الاحكام العقلية كلها من حيث المناط والموضوع تكون مبينة ومفصلة، لانه لا يحكم بشيء بالحسن أو القبح الا بعد درك موضوعه وتشخيصه بخصوصياته وتميز ماله الدخل في مناط حكمه مما لا دخل له فيه، فلا يتطرق إليه الاهمال والاجمال، وإذا كان مناط الحكم الشرعي وموضوعه هو المناط والموضوع في الحكم العقلي، فلا يتصور فيه الشك ايضا حتى يجرى فيه الاستصحاب (ففيه) اولا منع لزوم كون حكم العقل بالحسن والقبح عن مناط محرز تفصيلي عنده، بل كما يكون ذلك، كذلك قد يكون عن مناط محرز اجمالي ايضا (بداهة) انه قد لا يدرك العقل دخل بعض الخصوصيات في مناط حكمه وموضوعه تفصيلا لعجزة عن تمييز ماله الدخل فيه واقعا مما لا دخل له فيه، وانما يحكم بشيء واجد لبعض الخصوصيات بالحسن أو القبح كحكمه بقبح الكذب الضار وحسن الصدق النافع لمكان ان المشتمل على تلك الخصوصيات هو المتيقن في قيام مناط القبح والحسن به مع احتمال ان لا يكون لبعض الخصوصيات دخل في مناط الحسن والقبح (ومن الواضح) حينئذ امكان تحقق الشك في بقاء المناط ولو مع العلم بانتفاء بعض ماله الدخل في العلم بوجوده اجمالا فضلا عن الشك في انتفائه (وفي مثله) وان ارتفع الحكم العقلي فيه بالحسن أو القبح ويجزم بانتفائه فعلا، لانه فرع دركه المنوط بوجود جميع ماله الدخل في العلم بوجوده اجمالا (ولكن) ليس المقصود من الاستصحاب هو استصحاب الحكم العقلي كي ينافيه الجزم المزبور، بل المقصود منه استصحاب الحكم الشرعي المستكشف منه بقاعدة الملازمة، والجزم بانتفاء الحكم العقلي لا يضر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه (لان بقاء) الحكم الشرعي ثبوتا تابع بقاء مناط القبح واقعا، لا تابع بقاء نفس الحكم العقلي، والملازمة المزبورة بينهم انما تكون في مقام الكشف والاثبات لافي مقام الثبوت ايضا بحيث يدور الحكم الشرعي حدوثا وبقاء مدار الحكم للعقلي بالحسن والقبح (وحينئذ) فإذا كان الشك في بقاء المناط العقلي مستتبعا للشك في بقاء الحكم الشرعي واقعا فلا محالة يجرى فيه الاستصحاب .
(وثانيا) على فرض لزوم كون الاحكام العقلية عن مناط محرز تفصيلي بخصوصياته (نقول): ان غاية، ما يقتضيه ذلك هو المنع عن تطرق الشك في المناط العقلي من جهة الشك في قيدية شيء فيه (واما الشك فيه) من جهة الشك في بقاء ما هو معلوم القيدية كالشك في بقاء الكذب على نافعيته والصدق على مضريته، فهو امر ممكن، بل كثيرا ما يقع مثل هذا الشك في المناطات العقلية، وفى مثله وان يرتفع الحكم العقلي بالحكم العقلي بالحسن أو القبح فعلا، ولكنه بالنسبة إلى الحكم الشرعي المستكشف منه لا محذور من استصحابه بعد استتباع الشك في بقاء المناط العقلي للشك في بقاء الحكم الشرعي (مع امكان) دعوى تطرق الشك في الحكم الشرعي في الاول ايضا، نظرا إلى احتمال اوسعية مناط الحكم الشرعي من مناط الحكم العقلي بقيامه بالأعم من الواجد لبعض الخصوصيات والفاقد لها، أو احتمال قيام مناط آخر مقام المناط الاول عند انتفائه الموجب لبقاء شخص الحكم الاول بلا اقتضاء تغيير المناط تغييرا لشخص الارادة، نظير تبدل عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها الموجودة الشخصية، فان حال المصالح والمناطات بالنسبة إلى الاحكام كحال عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها الشخصية القائمة، فكما ل يوجب تبدل عمود الخيمة تغييرا في شخص هيئتها القائمة، كذلك تبدل المصالح والمناطات (ومع) امكان تطرق الشك في بقاء الحكم الشرعي المستكشف بأحد الوجهين يجري فيه الاستصحاب ولو مع القطع بزوال بعض ماله الدخل في الحكم العقلي فتدبر.
(هذا كله) في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بالحسن أو القبح بقاعدة الملازمة.
( واما ) استصحاب نفس الحكم العقلي بالحسن أو القبح عند الشك في بقاء مناطه لشبهة حكميه أو موضوعيه ، فلا شبهة في أنه لا سبيل إلى استصحابه ، وذلك لا من جهة ما قيل من عدم ترتب اثر عملي على استصحابه الا باعتبار إرادة اثبات الحكم الشرعي من استصحابه وهو غير ممكن لكونه من أوضح افراد الأصل المثبت ، لأنه من استصحاب أحد المتلازمين لإثبات الملازم الآخر ( بل من جهة ) الجزم بانتفائه حينئذ وعدم امكان تطرق الشك في الاحكام العقلية الوجدانية التي منها باب التحسين والتقبيح العقليين ، فان حقيقة الحسن العقلي ليس الا عبارة عن ملائمة الشيء لدى القوة العاقلة كسائر ملائمات الشيء لدى سائر قواه من الذائقة والسامعة ونحوهما مما هو في الحقيقة من الآت درك النفس ، قبال ما ينافر لدى القوة العاقلة المسمى بالقبح ( ومن الواضح ) امتناع تطرق الشك في مثل هذه الادراكيات الوجدانية ، إذ هي تدور مدار حصول صفة الانبساط والاشمئزاز ، نظير سائر الحالات الوجدانية كالفرح والحزن ، فإذا انبسط العقل من شيء لكونه ملائما لديه يحكم بحسنه ، كما أنه باشمئزازه عنه لمنافرته لديه يحكم بقبحه ولا يمكن فيه تطرق الشك والاحتمال لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان ( نعم) ما هو المشكوك انما هو مناط حكمه من المصالح والمفاسد النفس الأمرية ولكنه أجنبي عن الاحكام العقلية الوجدانية ( كما أن ) ما هو القابل لتطرق الشك والاحتمال فيه في العقليات هو الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها من الأمور الواقعية كحكمه بثبوت الملازمة بين الشيئين وحكمه باستحالة اجتماع النقيضين والضدين وامتناع التكليف بغير المقدور ( فان درك ) العقل فيها لما كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه ، كأحكامه الوجدانية التي منها باب التحسين والتقبيح كان المجال لتطرق الشك والاحتمال فيها ، كالشك في استحالة الشيء أو الشك في الملازمة بين الشيئين ، بخلافه في احكامه الوجدانية التي يكون دركه وتصديقه مقوم حكمه ، فإنه يمنع تطرق الشك والاحتمال لاستحالة خفاء الوجدانيات على الوجدان ( وبهذه ) الجهة نفرق بين سنخي الحكم العقلي في باب التخطئة والتصويب أيضا ، حيث نقول ان باب التحسين والتقبيح العقليين الناشئين من ادراك العقل لما يلائمه وينبسط منه وما ينافره ويشمئز منه ليس مما يتطرق إليه التخطئة كالأحكام العقلية الاستكشافية ، بل لابد فيه من الالتزام بالتصويب المحض ، بخلاف الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها ، فان درك العقل وتصديقه فيها لما كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه كان لتطرق التخطئة إليها مجال ( بل لا محيص ) من القول بها ، لان الملازمة الواقعية بين الشيئين وكذا الاستحالة الواقعية للشيء قد يدركها العقل فيحكم بها وقد لا يدركها أو يدرك عدمها ، وكذا المصلحة والمفسدة الواقعية والحسن والقبح الواقعيان قد يدركها العقل وقد لا يدركها أو يخطئ عنها فيحكم بعدمها ( وبالجملة ) المقصود من هذا التطويل بيان الفرق بين سنخي الحكم العقلي وان عدم جريان الاستصحاب في نفس الحكم العقلي بالحسن أو القبح انما هو من جهة الجزم بانتفائه عند الشك في المناط لعدم امكان تطرق الشك في الاحكام العقلية الوجدانية ، لا انه من جهة كونه من الأصول المثبتة كي يبتنى جريانه فيه على القول بالأصل المثبت ( نعم ) ما هو المشكوك حينئذ هو مناط حكمه من المصالح والمفاسد الواقعية ، ولكنه غير مرتبط بنفس الحكم العقلي بالحسن والقبح ( كما أن ) ما هو القابل لطرو الشك فيه هو الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها من مثل استحالة اجتماع الضدين والنقيضين واستحالة التكليف بغير المقدور من الحكيم تعالى مما يكون درك العقل وتصديقه طريقا لفهمه الاستحالة الواقعية لا مقوما لاستحالة الشيء ( وحينئذ ) فتسليم تطرق الشك في الحكم العقلي بالحسن أو القبح لا يكون الا من جهة الخلط بين سنخي الحكم العقلي وجعلهما على منوال واحد.
( ومن التأمل فيما ذكرنا ) يظهر أيضا فساد ما توهم من ثبوت ايجاب الاحتياط العقلي عند الشك في المناط من المصالح والمفاسد المقتضية لحكم العقل بالحسن والقبح عند دركها ، بخيال انه لا يمكن ان يكون للعقل في موارد الشك في الموضوع حكم على خلاف حكمه على الموضوع الواقعي بالحسن أو القبح ، بل لا بد وأن يكون له عند الشك حكم طريقي آخر بقبح الاقدام على ما لا يؤمن ان يكون هو الموضوع للقبح ، ( بخلاف ) الأحكام الشرعية فان للشارع ان يجعل في رتبة الشك في الموضوع حكما مخالفا لما رتب على الموضوع الواقعي ( إذ فيه ) ان حكم العقل بإيجاب الاحتياط في رتبة الشك في الموضوع الذي حكم بقبحه فرع امكان تطرق الشك في حكمه الوجداني بالحسن أو القبح ، وعلى ما بينا من امتناع ذلك لاستحالة خفاء الوجدانيات على الوجدان أين يتصور الشك في الحكم كي يبقى المجال لحكمه الطريقي بإيجاب الاحتياط (واما ) توهم كفاية مجرد الشك في الموضوع والمناط في حكمه بإيجاب الاحتياط ( فمدفوع ) بان لازمه حكمه به في كل شبهة بدوية حكمية أو موضوعية ، وهو كما ترى ، فان مرجعه إلى القول بأصالة الحذر في الأشياء لدى العقل ( هذا ) في الاحكام العقلية الوجدانية ( واما احكامه ) الاستكشافية من مثل استحالة التكليف بغير المقدور وبما لا يطاق فتصور الشك فيها وان كان صحيحا ، ولكن لا يلزم ان يكون له عند الشك في الاستحالة حكم طريقي على وفق حكمه بالموضوع الواقعي ، والا يلزم حكمه بعدم التكليف مع الشك في القدرة ( مع أنه ) ليس كذلك قطعا ، بل العقل في مثله يحكم عند الشك بوجوب الاحتياط كما هو واضح ( وكيف كان ) فهذا كله في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بالحسن أو القبح بقاعدة الملازمة ، واستصحاب نفس الحسن والقبح العقليين.
( واما استصحاب ) الموضوع الذي حكم العقل بحسنه أو قبحه الشارع بوجوبه أو حرمته ( فإن كان ) الشك فيه لبعض الأمور الخارجية ، كالشك في بقاء وصف الاضرار في الكذب الذي حكم بقبحه ، فلا شبهة في جريان الاستصحاب فيه ( وان كان ) الشك فيه لأجل انتفاء بعض الخصوصيات التي يحتمل دخله في موضوعية الموضوع ، فالذي يظهر من بعض الاعلام نفى الاشكال عن جريان الاستصحاب فيه أيضا ( ولكن ) دقيق النظر وفاقا للشيخ 1 يقتضى المنع عن جريانه فيه ( فان ) الغرض من استصحاب الموضوع في مثل المقام الذي هو من الشبهات الحكمية ، ان كان استصحابه بوصف موضوعية للحكم ، فهو يرجع إلى استصحاب حكمه لان وصف الموضوعية منتزع عن حكمه فيغني استصحاب الحكم عن استصحابه ( وان كان ) الغرض استصحاب ذات الموضوع التي عرض عليها الحكم لا هي بوصف معروضيتها للحكم، فمثل هذا الاستصحاب غير جار في كلية موضوعات الاحكام في الشبهات الحكمية ( لان ) مرجع الشك فيها إلى أن الموضوع خصوص الواجد للقيد المحتمل دخله أو هو الأعم من الواجد والفاقد ، وبذلك يدور امره بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ، ومن المعلوم انه لا يجري فيه الاستصحاب لانتفاء الشك في البقاء على كل تقدير فيكون استصحابه كاستصحاب الفرد المردد ( نعم ) ما هو مشكوك البقاء حينئذ انما هو عنوان ما هو المعروض للحكم بنحو الاجمال ، ولكنه بهذا العنوان الاجمالي لم يترتب عليه اثر شرعي حتى يجرى فيه الاستصحاب وإذا الأثر الشرعي انما رتب على ما هو معروض الحكم واقعا ومثله مما لا شك في بقائه لتردده بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع فتدبر.
( ثم انك عرفت ) وقوع الخلاف في حجية الاستصحاب بين الاعلام في جميع ما له من الأقسام باعتبار المستصحب ، وباعتبار الدليل الدال عليه ، وباعتبار الشك المأخوذ فيه ( الا انه يظهر ) من بعضهم كصاحب الرياض وغيره فيما حكى عنهم تخصيص النزاع في حجية الاستصحاب بالأمور الوجودية ، حيث نفي الخلاف في الاستصحابات العدمية وجعل الاستصحاب فيها مورد وفاق الجميع ( ولعل ) منشأ ذلك ملاحظة تسالمهم على بعض الأصول العدمية كأصالة عدم القرنية وأصالة عدم النقل وأصالة عدم المعارض والمزاحم ونحوها مما جرت السيرة على الاخذ بها ، فتخيل ان ذلك من جهة وفاقهم على حجية الاستصحاب في مطلق الأمور العدمية وان المذكورات من موارد الاستصحابات العدمية وصغرياتها ( ولكنه كما ترى ) لا ترتبط تلك الأصول العدمية بالاستصحاب المصطلح ، وانما هي أصول عقلائية برأسها جارية في الموارد الخاصة ( اما ) أصالة عدم القرينة فظاهرة ، إذ هي بناء على عدم ارجاعها إلى أصل وجودي تكون برأسها أصلا عقلائيا قد استقرت سيرة العقلاء على الاخذ بها في خصوص باب الألفاظ في مقام اثبات ظهور الكلام واستفادة مراد المتكلم منه عند احتمال احتفافه حين صدوره بما يوجب عدم ظهوره في معناه الموضوع له ، ولذا ترى بنائهم طرا على الاخذ بالأصل المزبور لإثبات ظهور اللفظ في معناه الموضوع له واستفادة مراد المتكلم من ظاهر لفظه حتى من لا يعتمد على الاستصحاب أصلا ومن لا يرى حجية مثبتات الأصول وينكرها أشد الانكار ( مع وضوح ) ان انعقاد ظهور الكلام واستقراره انما هو من اللوازم العادية لعدم احتفافه بالقرينة الصارفة ، ومثل هذه الجهة لا يكاد تثبت باستصحاب عدم القرينة الا على القول بالمثبت (فاتفاقهم ) على الاخذ بالأصل المزبور لإثبات ظهور اللفظ مع مصير أكثرهم إلى رفض مثبتات الأصول وذهاب بعضهم إلى انكار حجية الاستصحاب مطلقا ، يكشف عن صدق ما ادعيناه من كونها أصلا عقلائيا برأسها غير مرتبطة بالاستصحاب ( نعم ) بناء على حجية الاستصحاب من باب الا مارية لا الأصلية ، يمكن دعوى اندراج الأصل المزبور في الاستصحاب المصطلح ، ولكن المبنى سخيف جدا ( هذا ) في القرائن المتصلة المانعة عن انعقاد ظهور اللفظ.
( واما القرائن المنفصلة ) المانعة عن حجية ظهور اللفظ بعد انعقاده واستقراره ( فان قلنا ) بإناطة موضوع الحجية في الظهورات الصادرة بعدم قيام القرينة على إرادة خلاف الظاهر منها، فلا باس بدعوى اندراج الأصل المزبور في الاستصحاب ، ولو بناء على اخذه من مضامين الاخبار : لكونه حينئذ من قبيل الموضوعات المركبة أو المقيدة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ، حيث إن أصل ظهور اللفظ تكون محرزا بالوجدان وقيده وهو عدم القرينة على الخلاف محرز بالأصل ، فيترتب عليه وجوب الاخذ بالظاهر ، مع امكان منع كون ذلك أيضا من باب الاستصحاب وانه أصل عقلائي استقرت على التمسك به سيرة العقلاء في باب الا لفاظ ( وان قلنا ) كما هو التحقيق ان موضوع الحجية فيها نفس ظهور اللفظ في المعنى، وان رفع اليد عن الحقيقة والعموم والاطلاق عند قيام دليل منفصل على التجوز والتخصيص والتقييد انما هو بمناط الاخذ بأقوى الحجيتين ، لا بمناط خروج العموم والاطلاق عن موضوع الحجية ( بشهادة ) انه قد يقدم العام على الخاص والمطلق على المقيد إذا كان ظهورهما في العموم والاطلاق أقوى من ظهور دليل الخاص والمقيد في التخصيص والتقييد ، فيخرج مفروض البحث عن مجرى أصالة العدم رأسا فلا يتأتى الكلام فيه بأنه من باب الاستصحاب أو من باب كونه أصلا عقلائيا برأسه ( إذ ليس ) وجوب رفع اليد عن العموم والاطلاق حينئذ من لوازم قيام القرنية الواقعية على التخصيص أو التقييد وانما هو من لوازم وصول حجة أقوى على خلافه ، فمع عدم العلم بذلك يكون المتبع هو العموم والاطلاق بلا احتياج إلى احراز عدمها بالأصل ( ولذلك ) ترى بنائهم على الاخذ بظهور الخطابات في العموم الاطلاق عند اجمال القرينة المنفصلة ، والا كان اللازم هو التوقف وعدم الاخذ بالعموم والاطلاق مع الشك في قرينية الموجود لعدم أصل في البين يحرز به حال الموجود ( ومن هذا البيان ) يظهر الكلام في المعارض والمزاحم عند الشك في وجودهما ، فان حالهما حال القرائن المنفصلة في أن مانعيتهما انما هي بوجودهما الواصل إلى المكلف ، لا بوجودهما الواقعي النفس الأمري كي يحتاج إلى احراز عدمهما بالأصل.
( واما أصالة ) عدم النقل عند الشك في أصل النقل عن وضعه الأول ، أو الشك في تقدمه على الاستعمال وتأخره عنه مع العلم بأصل النقل وتاريخ الاستعمال ، فهي أيضا قاعدة برأسها مختصة بموردها غير مرتبطة بالاستصحاب ( والا ) فلا تخلو عن اشكال المثبتية : لان حمل اللفظ على المعنى المعلوم وضعة له في الأول ، وعلى المعنى المنقول منه في الثاني انما هو من لوازم ظهور اللفظ ، وظهوره في معناه الموضوع له أولا ، يكون من اللوازم العادية لعدم نقله إلى معنى آخر : والاستصحاب بناء على الأصلية والتعبد من الاخبار لا يثبت تلك اللوازم (نعم ) لو قيل برجوعها إلى أصالة بقاء ظهور اللفظ في معناه الأول ، أمكن دعوى كونها من باب الاستصحاب على تأمل فيه واشكال ( ولكن ) على ذلك تخرج عن مفروض كلام القائل المزبور ، لكونها حينئذ من الاستصحاب الوجودي لا العدمي ، كخروجها أيضا عن مفروض كلامه في فرض ارجاعها إلى أصالة تشابه الأزمان بنحو الاستصحاب القهقري إلى زمان الاستعمال ( ولكن التحقيق ) فيها وفي غيرها هو ما ذكرناه من كونها أصولا عقلائية مخصوصة بباب الألفاظ.
( واما أصالة ) عدم الحائل التي تمسكوا بها في باب الوضوء والغسل عند الشك في وجود ما يمنع عن وصول الماء إلى البشرة من جص أو قير أو دم برغوث ونحوه ، فيمكن ان يقال : بعدم كونها أيضا من باب الاستصحاب ، بل ولا من باب قاعدة المقتضى والمانع ( وانها ) برأسها أصل عقلائي مدركها الغلبة من حيث إن الغالب هو خلو البشرة عن مثل هذه الموانع ، فعند الشك يلحق المشكوك بالغالب ، ولذلك يمنع عن جريان الأصل المزبور وتسالمهم عليه في الموارد التي تكون الغلبة على الخلاف ، كما في بعض ذي الصنائع المباشر للجص ونحو كالبناء ونحو ( والا ) فلو كان ذلك من باب الاستصحاب والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك، توجه إليه اشكال عدم اثباته وصول الماء إلى البشرة الا على المثبت الذي هو مرفوض عندهم (واما توهم ) حجية المثبت بالخصوص في تلك الموارد بدليل اتفاقهم على الاخذ بالأصل المزبور عند الشك في وجود ما يمنع عن وصول الماء إلى البشرة ، فبعيد جدا ، لكونه خلاف اطلاق القول منهم بالمنع في مثبتات الأصول وعدم تعرضهم لخروج هذه الموارد عن عموم الحكم بالمنع (كما أن دعوى ) كونه من باب خفاء الواسطة أبعد ، إذ عهدة اثباته على مدعيه (وان أبيت ) الا عن كون ذلك من باب الاستصحاب ، فليكن من الاستصحاب الجاري في المسبب وهو أصالة بقاء الماء المصبوب على جريانه في محال الوضوء والغسل ، نظير الأصل الجاري في الأمور التدريجية ( حيث إنه ) بصب الماء على المرفق مثلا يعلم باتصافه بالجريان على البشرة ، ومن جهة الشك في وجود الحائل في عضو خاص يشك في بقاء جريانه على البشرة ، فيستصحب بقائه ، وبذلك يتم الحكم المزبور ويندفع اشكال المثبتية أيضا ( ولكن ) يدخل حينئذ في الاستصحاب الوجودي لا العدمي الذي هو فرض كلام القائل المزبور ( نعم ) لازم ذلك هو الالتزام بجريان الأصل المزبور حتى في موارد غلبة وجود الحاجب على البشرة وهو أيضا مشكل ( وبالجملة ) المقصود من هذا التطويل مجرد ابطال ما زعمه المستدل في تشبثه بهذه الأصول العدمية لا ثبات اتفاق الأصحاب على اعتبار الأصحاب في مطلق الأمور العدمية ، بإبداء الاشكال في كون تلك الأصول المسلمة من باب الاستصحاب ، لا ان المقصود نفى هذه الأصول برمتها عن كونها من باب الاستصحاب بنحو السلب الكلى (ومن الواضح ) انه يكفي هذا المقدار من التشكيك في المنع عن التشبث بهذه الأصول العدمية لإثبات الاتفاق المزبور ، مضافا إلى وجدان الخلاف منهم في اعتبار الاستصحابات العدمية.
( ثم إن في قبال ذلك ) توهم آخر ، وهو دعوى مفروغية عدم جريان الاستصحاب في الأمور العدمية والاعدام الأزلية الناشئة من عدم تحقق علل وجودها ( بتقريب ) انه لا بد في جريان الاستصحاب من كون المستصحب اثرا شرعيا أو موضوعا لأثر شرعي حتى يكون التعبد بالبقاء بلحاظ ذلك الأثر ، والا فلا يجرى الاستصحاب بمحض كون الشيء متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا ، والاعدام الأزلية كعدم الوجوب والحرمة وعدم الجعل كلها من هذا القبيل ، لان العدم بما هو عدم ليس اثرا شرعيا تناله يد الجعل والرفع فلا يجرى فيه الاستصحاب ، ومن غير فرق بين القول برجوع مفاد حرمة النقض إلى جعل المماثل أو إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك أو الشك معاملة الواقع أو اليقين به ، فعلى كل تقدير يحتاج التعبد بالبقاء إلى اثر شرعي وبدونه لا يجرى الاستصحاب ( ولكنه توهم فاسد ) فان العدم بما هو وان لم يكن اثرا شرعيا ، الا انه بقاء واستمرارا يكون من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي ( لان ) للشارع ابقاء ذلك العدم وله رفعه وقبله بالنقيض ولو يجعل ما يقتضى الوجود ( ومن الواضح ) انه يكفي هذا المقدار من الشرعية في جريان الاستصحاب ، إذا لا نعني من شرعية الأثر في باب الاستصحاب وغيره الا ما يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو ابقاء واستمرارا ، فإذا كان عدم الجعل وعدم الوجوب والحرمة بهذا الاعتبار أمرا شرعيا يجرى فيه الاستصحاب لا محالة.
( وقد يظهر من بعض الاعلام ) التفصيل في الاعدام بين ان يكون المستصحب هو عدم الجعل الأزلي السابق على تشريع الاحكام ، وبين ان يكون غيره ، فمنع عن جريان الاستصحاب في الأول دون الثاني ( وأفاد ) في وجه التفصيل المزبور بما محصله ان عدم الجعل وان كان من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي فيكون المستصحب شرعيا بهذا الاعتبار ، الا انه لا يكفي مجرد شرعية المستصحب في جريان الاستصحاب ما لم ينته إلى اثر عملي ، فان الأثر العملي مما لا بد منه في صحة التنزيل والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، ولا اثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يستتبعه من عدم المجعول واثبات عدمه باستصحاب عدم الجعل يكون من المثبت المرفوض عند المحققين ، إذ ليس ترتب المجعول على الجعل ترتبا شرعيا وانما هو ترتب عقلي محض ، فمن هذه الجهة لا يجرى الاستصحاب في عدم الجعل ( بخلاف غيره ) من الاعدام كعدم المجعول ، فإنه يجرى فيه الاستصحاب عند احراز الجعل والشك في تحقق ما أنيط به المجعول ( وفيه ) مضافا إلى عدم ثمرة عملية لهذا التفصيل بعد جريان الأصل باعترافه في المجعول الذي هو المسبب ، لأنه ما من مورد يشك فيه في الجعل الا ويشك فيه في تحقق المجعول فيجرى استصحاب عدمه ( والى ) ما يأتي من اباء الأحكام التكليفية بمراتبها عن تطرق الجعل التشريعي إليها ( ان الجعل والمجعول ليسا في الخارج الا أمرا وجدانيا ، فان مرجع الجعل بعد أن كان إلى لحاظ الشيء وجعله واجبا أم جزء أو شرطا لواجب فلا محالة يكون التغاير بينهما ممحضا بصرف الاعتبار نظير الايجاد والوجود ، فباعتبار اضافته إلى الجاعل جعل وباعتبار لحاظ نفسه مجعول ، وفي مثله لا محذور من استصحاب عدم الجعل وترتيب ما للمجعول عليه من الآثار ( وعلى فرض ) تسلم المغايرة الخارجية بينهما ولو بدعوى ان الجعل عبارة عن انشاء الوجوب والحرمة والمجعول عبارة عن المنشأ بهذا الانشاء ، نظير الانشاء في الاحكام الوضيعة والحقائق الاعتبارية في أبواب العقود والايقاعات ( نقول ) : ان الاشكال انما يرد إذا كان نسبة الجعل إلى المجعول من قبيل العلية والمعلولية نظير العلل الخارجية بالنسبة إلى معاليها ، والا فبناء على كون النسبة بينهما من قبيل نسبة مناشيء الاعتبار للأمور الاعتبارية كالإنشاء في أبواب العقود والايقاعات « فلا قصور في استصحاب عدم الجعل ولا يرتبط المقام بالأصول المثبتة ، إذا عدم جعل الوجوب حينئذ واقعيا أو ظاهريا مستتبع لعدم الوجوب كذلك ، فكان عدم الوجوب الظاهري من لوازم عدم الجعل الظاهري وهو الاستصحاب لا من لوازم نفس المستصحب واقعا حتى ، يتوجه محذور المثبتية ، فإذا كان عدم الجعل مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويكتفى في شرعية الأثر في باب الاستصحاب وغيره بهذا المقدار من الشرعية ، فلا محالة يجرى فيه الاستصحاب ، ويترتب باستصحاب عدمه عدم الوجوب الظاهري فتدبر .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|