المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
آثار رعمسيس في أرمنت
2024-11-28
آثار رعمسيس السادس في طيبة
2024-11-28
تخزين البطاطس
2024-11-28
العيوب الفسيولوجية التي تصيب البطاطس
2024-11-28
العوامل الجوية المناسبة لزراعة البطاطس
2024-11-28
السيادة القمية Apical Dominance في البطاطس
2024-11-28

دودة الزانثودس Xanthodes Moth, Xanthodes graellsii (Feisth)
17-10-2016
مكانة سنموت في التاريخ.
2024-04-04
أهـداف نـظـام الـتـكاليـف
2024-02-03
القسم في الآيات الاُولى من سورة النازعات بـ «الواو»
27-11-2014
The Riemann hypothesis
28-2-2016
الإضلال والإهلاك منتفيان عنه تعالى
1-07-2015


احتجاج الامام الرضا على اصطفاء العترة  
  
4411   10:59 صباحاً   التاريخ: 30-7-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : حياة الإمام الرضا (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ج‏1،ص166-177.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / التراث الرضوي الشريف /

من بين احتجاجات الامام الرضا (عليه السّلام) هذا الاحتجاج الذي دلل فيه على اصطفاء العترة الطاهرة و أقام على ذلك أوثق الأدلة و كان ذلك بحضور المأمون و جماعة من علماء العراق و خراسان فقد سأل المأمون العلماء عن معنى هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] , و بادر العلماء فقالوا: ان الذين اصطفاهم اللّه هم المسلمون كلهم و التفت المأمون الى الامام فقال له: ما تقول يا أبا الحسن؟.

- لا أقول كما قالوا و لكن أقول اراد اللّه تبارك و تعالى العترة الطاهرة (عليهم السّلام).

و سارع المأمون و قد استفزه قول الامام فقال: كيف عنى العترة دون الأمة؟.

و انبرى الامام فأقام الدليل القاطع على ما ذهب إليه قائلا: لو اراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة و اللّه تعالى يقول: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32] .

و اضاف الامام يقول: فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم , هم الذين وصفهم اللّه في كتابه فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] و هم الذين قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): إني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض انظروا كيف تخلفوني فيهما أيها الناس لا تعلموهم فانهم أعلم منكم .

و سارع العلماء قائلين بصوت واحد: اخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل؟.

فقال (عليه السّلام): هم الآل ...

و اعترضوا على الامام قائلين: هذا رسول اللّه (صلى الله عليه واله) يؤثر عنه أنه قال: أمتي آلي و هؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته ...

و أخذ الامام يرد على افتعال الحديث و عدم صحته قائلا: اخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد ...

- نعم ...

- هل تحرم- أي الصدقة- على الأمة؟.

- لا ...

و سارع الامام بعد اقامة الحجة عليهم قائلا: هذا فرق بين الآل و بين الأمة ويحكم أين يذهب بكم!! أ صرفتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون؟ أ ما علمتم انما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم.

و قالوا جميعا: من أين قلت يا أبا الحسن؟.

و أخذ الامام يتلو عليهم فضل العترة الطاهرة قائلا: من قول اللّه : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 26] فصارت وراثة النبوة و الكتاب في المهتدين دون الفاسقين أ ما علمتم أنّ نوحا سأل ربه فقال: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: 45] ‏ و ذلك ان اللّه وعده أن ينجيه و أهله فقال له تبارك و تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].

و تميز المأمون غضبا و غيظا قائلا: هل فضل اللّه العترة على سائر الناس؟.

و بادر الامام قائلا: إن اللّه العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه ....

و راح المأمون يقول: اين ذلك من كتاب اللّه.

و انبرى الامام يتلو عليه كوكبة من الآيات الكريمة التي أشادت بفضل أهل البيت (عليهم السّلام) قائلا:

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 33، 34] , و قال اللّه في موضع آخر: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54] , ثم رد المخاطبة في أثر هذا الى سائر المسلمين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ‏ يعني الذين أورثهم الكتاب و الحكمة و حسدوا عليهما بقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54] يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين و الملك هاهنا الطاعة لهم ....

و انبرى العلماء قائلين: هل فسر اللّه تعالى الاصطفاء في الكتاب؟.

و اجابهم الامام: فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا فأول ذلك قول اللّه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] , و رهطك المخلصين - هكذا في قراءة أبي بن كعب و هي ثابتة في مصحف عبد اللّه بن مسعود فلما أمر عثمان زيد بن ثابت أن يجمع القرآن خنس هذه الآية و هذه منزلة رفيعة و فضل عظيم و شرف عال حين عنى اللّه عزّ و جلّ بذلك الآل فهذه واحدة.

و الآية الثانية: في الاصطفاء قول اللّه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] و هذا الفضل الذي لا يجحده معاند لأنه فضل بين.

الآية الثالثة: حين ميز اللّه الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الابتهال فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61] فأبرز النبي (صلى الله عليه واله) عليا و الحسن و الحسين و فاطمة (عليهم السّلام) فقرن أنفسهم بنفسه.

ثم التفت الامام الى العلماء فقال لهم: هل تدرون ما معنى قوله: وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ‏؟

و أجاب العلماء: عنى به نفسه.

فقال (عليه السّلام): غلطتم انما عنى به عليا و مما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه واله): حين قال: لينتهي بنو وليعة لأبعثن إليهم رجلا كنفسي , يعني عليا (عليه السّلام) فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد و فضل لا يختلف فيه بشر و شرف لا يسبقه إليه خلق اذ جعل نفس علي كنفسه فهذه الثالثة ؛ و أما الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة حين تكلم الناس في ذلك و تكلم العباس فقال: يا رسول اللّه تركت عليا و أخرجتنا فقال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): ما أنا تركته و أخرجتكم و لكن اللّه تركه و أخرجكم و في هذا بيان قوله لعلي (عليه السّلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

و قال العلماء: فأين هذا من القرآن؟.

فأجابهم الامام: ان ذلك موجود في القرآن الكريم فقالوا له: هات فتلا عليهم قول اللّه تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى و فيها أيضا منزلة علي (عليه السّلام) من رسول اللّه (صلى الله عليه واله) و مع هذا دليل ظاهر في قول رسول اللّه (صلى الله عليه واله): إن هذا المسجد لا يحل لجنب و لا لحائض إلّا لمحمد و آل محمد.

و أنكرت العلماء معرفة ذلك و قالوا للامام: هذا الشرح و هذا البيان لا يوجد أ عندكم معشر أهل بيت رسول اللّه (صلى الله عليه واله)؟.

فأجابهم الامام: و من ينكر لنا ذلك؟ و رسول اللّه (صلى الله عليه واله) يقول: أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها ففيما أوضحنا و شرحنا من الفضل و الشرف و التقدمة و الاصطفاء و الطهارة ما لا ينكره إلّا معاند و للّه عزّ و جلّ الحمد على ذلك فهذه الرابعة ؛ و أما الخامسة: فقول اللّه عزّ و جلّ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] خصوصية خصّهم اللّه العزيز الجبار بها و اصطفاهم على الأمة فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: أدعو لي فاطمة فدعوها له فقال : يا فاطمة فقالت : لبيك يا رسول اللّه فقال : إن فدكا لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و هي لي خاصة دون المسلمين و قد جعلتها لك لما أمرني اللّه به فخذيها لك و لولدك فهذه الخامسة ؛ و أما السادسة: فقول اللّه عزّ و جلّ : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فهذه خصوصية للنبي (صلّى اللّه عليه و آله) دون الأنبياء و خصوصية للآل دون غيرهم و ذلك أنّ اللّه حكى عن الأنبياء في ذكر نوح (عليه السّلام): وَ يا قَوْمِ! لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 29].

و حكى عن هود قال: {يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [هود: 51]  و قال لنبيه: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} و لم يفرض اللّه مودتهم الا و قد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا و لا يرجعون الى ضلالة أبدا ؛ و أخرى: أن يكون الرجل وادا للرجل فيكون بعض أهل بيته عدوا له فلا يسلم قلب فأحب اللّه أن لا يكون في قلب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) على المؤمنين شي‏ء إذ فرض عليهم مودة ذوي القربى فمن أخذ بها و أحبّ رسول اللّه (صلى الله عليه واله) و أحبّ أهل بيته (عليهم السّلام) لم يستطع رسول اللّه (صلى الله عليه واله) أن يبغضه. و من تركها و لم يأخذ بها و أبغض أهل بيت نبيه (صلى الله عليه واله) فعلى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض اللّه و أي فضيلة و أي شرف يتقدم هذا؟

و لما أنزل اللّه على نبيه (صلى الله عليه واله): {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قام رسول اللّه (صلى الله عليه واله) في أصحابه فحمد اللّه و أثنى عليه و قال: أيها الناس! إنّ اللّه قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه؟ فلم يجبه أحد فقام فيهم‏ يوما ثانيا فقال مثل ذلك فلم يجبه أحد فقام فيهم اليوم الثالث فقال: أيها الناس! إنّ اللّه قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه؟ فلم يجبه أحد.

فقال: أيها الناس إنه ليس ذهبا و لا فضة و لا مأكولا و لا مشروبا قالوا: فهات إذا فتلا عليهم هذه الآية فقالوا: اما هذا فنعم فما وفى به اكثرهم.

و اضاف الامام قائلا: حدثني أبي عن جدي عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم السّلام) قال: اجتمع المهاجرون و الأنصار الى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قالوا: إن لك يا رسول اللّه مؤونة في نفقتك و فيمن يأتيك من الوفود و هذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارا مأجورا اعط ما شئت و امسك ما شئت من غير حرج فأنزل اللّه عزّ و جلّ عليه الروح الأمين فقال: يا محمد {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} لا تؤذوا قرابتي من بعدي فخرجوا فقال أناس منهم: ما حمل رسول اللّه على ترك ما عرضنا عليه إلّا ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلّا شي‏ء افتراه في مجلسه و كان ذلك من قولهم عظيما فأنزل اللّه هذه الآية {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الأحقاف: 8] فبعث إليهم النبي (صلى الله عليه واله) فقال: هل من حدث؟ فقالوا: أي و اللّه يا رسول اللّه لقد تكلم بعضنا كلاما عظيما فكرهناه فتلا عليهم رسول اللّه (صلى الله عليه واله) فبكوا و اشتد بكاؤهم فانزل اللّه تعالى‏ { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25] فهذه السادسة.

و أما السابعة: فيقول اللّه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] و قد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول اللّه قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال: تقولون: اللهم صلّ على محمد و آل محمد كما صليت على ابراهيم و آل ابراهيم انك حميد مجيد.

و التفت الامام الى العلماء فقال لهم: هل في هذا اختلاف؟.

فقالوا جميعا بصوت واحد .

- لا .

و أنبرى المأمون فقال: هذا ما لا اختلاف فيه و عليه الاجماع فهل عندك في الآل شي‏ء أوضح من هذا في القرآن.

و أخذ الامام يدلي بمزيد من الأدلة الحاسمة على فضل آل البيت (عليهم السّلام) قائلا: اخبروني عن قول اللّه: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس: 1 - 4] فمن عنى بقوله: يس ؟.

فقالت العلماء: عنى بذلك محمدا (صلّى اللّه عليه و آله) ما في ذلك شك.

و التفت الامام للحاضرين فقال لهم: اعطى اللّه محمدا و آل محمد من ذلك فضلا لم يبلغ أحد كنه وصفه لمن عقله و ذلك ان اللّه لم يسلم على أحد إلّا على الأنبياء (صلوات اللّه عليهم) فقال تبارك و تعالى:

{ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ } [الصافات: 79] ,‏ و قال: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 109] ‏ و قال: {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات: 120] ‏ و لم يقل: سلام على آل نوح و لم يقل: سلام على آل ابراهيم و لا قال: سلام على آل موسى و هارون و قال عزّ و جلّ: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130] ‏, يعني آل محمد .

و التفت المأمون الى الامام فقال له: لقد علمت ان في معدن النبوة شرح هذا و بيانه.

و اما الثامنة: فقول اللّه عزّ و جلّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] فقرن سهم ذي القربى مع سهمه و سهم رسول اللّه (صلى الله عليه واله) فهذا فصل بين الآل و الأمة لأن اللّه جعلهم في حيز و جعل الناس كلهم في حيز دون ذلك و رضي لهم ما رضي لنفسه و اصطفاهم فيه و ابتدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء و الغنيمة و غير ذلك مما رضيه عزّ و جلّ لنفسه و رضيه لهم فقال: و قوله الحق {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} فهذا توكيد مؤكد و أمر دائم لهم الى يوم القيامة في كتاب اللّه الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و أما قوله: وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينِ‏ فان اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من المغانم و لم يكن له نصيب في المغنم و لا يحل له أخذه و سهم ذي القربى الى يوم القيامة قائم للغني و الفقير لأنه لا أحد أغنى من اللّه و لا من رسوله (صلى الله عليه واله) فجعل لنفسه منها سهما و لرسوله سهما فما رضي له و لرسوله رضيه لهم و كذلك الفيء ما رضيه لنفسه و لنبيه (صلى الله عليه واله) رضيه لذي القربى كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه ثم برسوله (صلى الله عليه واله) ثم بهم و قرن سهمهم بسهم اللّه و سهم رسوله (صلى الله عليه واله) و كذلك في الطاعة قال عزّ و جلّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏} فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بأهل بيته و كذلك آية الولاية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55] فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقرونا بأسهمهم في هذا البيت فلما جاءت قصة الصدقة نزه نفسه عزّ ذكره و نزه رسوله (صلى الله عليه واله) و نزه أهل بيته عنها فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 60] فهل تجد في شي‏ء من ذلك انه جعل لنفسه سهما أو لرسوله (صلى الله عليه واله) أو لذي القربى لأنه لما نزههم عن الصدقة نزه نفسه و نزه رسوله و نزه أهل بيته لا بل حرم عليهم لأن الصدقة محرمة على محمد و أهل بيته و هي أوساخ الناس لا تحل لهم لأنهم طهروا من كل دنس و وسخ فلما طهرهم و اصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه و كره لهم ما كره لنفسه.

و أما التاسعة: فنحن أهل الذكر الذين قال اللّه في محكم كتابه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .. و اعترض العلماء على الامام فقالوا له: إنما عنى بذلك اليهود و النصارى.

و أبطل الامام ما ذهبوا إليه فقال: و هل يجوز ذلك اذا يدعونا الى دينهم؟ و يقولون: انه أفضل من دين الاسلام؟.

و التفت المأمون الى الامام يطلب منه المزيد من الايضاح فيما قاله قائلا: هل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا؟.

- نعم . الذكر رسول اللّه (صلى الله عليه واله) و نحن أهله و ذلك يبين في سورة الطلاق:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ} [الطلاق: 10، 11] فالذكر رسول اللّه و نحن أهله فهذه التاسعة.

و أما العاشرة: فقول اللّه عزّ و جلّ في آية التحريم: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23].

و خاطب الامام العلماء فقال لهم: اخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول اللّه (صلى الله عليه واله) أن يتزوجها لو كان حيا؟.

فقالوا مجمعين: لا ....

و سألهم الامام ثانيا فقال لهم: اخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها؟.

- بلى ....

ففي هذا بيان أنا من آله و لستم من آله و لو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم كما حرمت عليه بناتي لأنا من آله و أنتم من أمته فهذا فرق بين الآل و الأمة لأن الآل منه و الأمة اذا لم تكن الآل فليست منه فهذه العاشرة.

و أما الحادية عشرة: فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] و كان ابن خال فرعون فنسبه الى فرعون بنسبه و لم يضيفه إليه مدينه و كذلك حصصنا نحن إذ كنا من آل رسول اللّه (صلى الله عليه واله) بولادتنا منه و عممنا الناس بدينه فهذا فرق بين الآل و الأمة فهذه الحادية عشرة.

و أما الثانية عشرة فقوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] فخصنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره ثم خصنا دون الأمة فكان رسول اللّه (صلى الله عليه واله) يجيء الى باب علي و فاطمة (عليهما السّلام) بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول : الصلاة يرحمكم اللّه و ما اكرم اللّه أحدا من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي اكرمنا بها و خصنا من جميع أهل بيته فهذا فرق ما بين الآل و الأمة و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد نبيه .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.