ما هي الفيزياء ؟

لدينا نحن البشر ردود فعل متباينة تجاه العالم الذي  نعيش فيه جميعاً . فالفنان فينا يعجب أيما إجاب بغروب الشمس ويتمنى لو أمكننا التعبير عن جماله في ابداعاتنا الفنية , والشاعر فينا يحاول ان يجد الكلمات المناسبة لوصف ذلك الجمال في شعره. وهناك جانب آخر قد يتميز به الفيزيائي , فهو يهتم بمدى بعد  الشمس عن الأرض. ومدى كبرها , وكيف تولد كل هذا الضوء والحرارة . وبمجرد طرح هذه الأسئلة سيكون من الصعب ان نتوقف . وقد يدفعنا الجانب الفلسفي أو الديني فينا أن نسأل : " ما معنى الغروب؟" لكن الحقيقة ان لدينا نحن البشر القدرة على ممارسة جميع ردود الفعال هذه الدرجات مختلفة في نفس الوقت , فعندما نقول ان هذا فنان وذلك شاعر أو فيلسوف أو فيزيائي فإننا نوضح ونؤكد موهبته في أحد هذه الاتجاهات .

فالفيزيائيون ببساطة إذن هم هؤلاء الناس الذين تثيرهم الأسئلة عن كيفية عمل وأداء العالم الطبيعي من حولنا ويحاولون بالتالي البحث عن إجابات لها .

الفيزياء إذن هي ذلك الفرع من المعرفة الذي يعطي إجابات منظمة عن اسئلتنا حول العالم الطبيعي , كما أنها تمثل عملية الحصول على هذه الإجابات والتي تعرف عادة بالطريقة العلمية . والأداتان الأساسيتان في الفيزياء هما المنطق والتجريب . وما مختلف الاختراعات الحديثة من الليزر إلى رقائق الراديو المتكاملة. ومن المولد الكهربائي إلى المحرك النفاث . ومن أجهزة الراديو والتلفزيون إلى الأدوية والأجهزة المستخدمة لإنقاذ الحياة وغيرها, إلا إنجازات قد تحققت بفضل الفضول العلمي الذي نعيش في ظلاله كل لحظة من لحظات حياتنا .

إن جهودنا لفهم العمليات الطبيعية عن طريق الجمع بين التفكير المنطقي والتجريب المحكم فيما يسمى بالطريقة العلمية تمثل فصلاً جديداً في التاريخ الإنساني . فقبل حوال عام 1600م كانت الإجابات المتعلقة بالحقيقة والزيف تتحدد غالباً بأمور تعليمها اعتبارات سياسية أو دينية. وقد كان لجهود أولئك العلماء العظام أمثال جاليليو جاليلي وروبرت بويل وإسحاق نيوتن وغيرهم الفضل في تقديم هذه الطريقة العلمية إلى العالم , هذا بالغرم من الأخطاء الشخصية الكبيرة الناتجة عن صدامهم مع السلطات الدينية والسياسية في ذلك الوقت .

هناك افتراضان أساسيان خلف إيماننا بالطريقة  العلمية كأسلوب لفهم الطبيعة: الأول أن النتائج العلمية قابلة للاستعادة . وقابلية الاستعادة تعنى أن نفس الظروف تعطى دائماً نفس النتائج العلمية في نفس التجربة بصرف النظر عن الذي يقوم بإجرائها . الافتراض الثاني هو ان الطبيعة خاضعة لمبدأ السببية , أي ان العلاقات الارتباطية بين السبب والنتيجة تحدد ما يحدث نتيجة لظروف أو شروط ابتدائية معينة . وبدون هذين المبدأين ستكون الملاحظة العلمية عديمة الفائدة لأن النتائج لن يمكن تعميمها للتنبؤ بالأنماط الاساسية للسلوك , وعندئذ سنحيا في كون مشوش غير منتظم , بل أنه سيكون غير قابل للفهم من ناحية المبدأ .

تعتبر الفيزياء أكثر العلوم أساسية . فالفيزياء علم كمي هدفه وصف جميع الظواهر في العالم الطبيعي بدلالة عدد قليل من العلاقات الأساسية بين خواص المادة القابلة للقياس والطاقة. هذه العلاقات الأساسية تسمى قوانين الفيزياء , وهي صيغ تتميز بدرجة عالية من العمومية ، كما أنها مشتقة من عدد هائل من الظواهر وتنطبق عليها.  ولاستنباط القوانين الكمية يتحتم تعريف الخواص المتضمنة فيها بطريقة تسمح بقياسها . هدف الفيزياء إذن هو التعبير عن العلاقات الأساسية ــ أي هذه القوانين ــ في صورة رياضية . هذا يمكن الفزيائيين من استخدام القواعد المنطقية لعلم الرياضيات لتطبيق القوانين على حالات محددة , والحصول بالتالي على نتائج كمية.