صغ من مصوغ منه للتعجب ... أفعل للتفضيل وأب اللذ أبى
يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها للدلالة على التفضيل وصف على وزن أفعل فتقول زيد أفضل من عمرو وأكرم من خالد كما تقول ما أفضل زيدا وما أكرم خالدا
وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه فلا يبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف كدحرج واستخرج ولا من فعل غير متصرف
كنعم وبئس ولا من فعل
ص174
لا يقبل المفاضلة كمات وفنى ولا من فعل ناقص ككان وأخواتها ولا من فعل منفى نحو ما عاج بالدواء وما ضرب ولا من فعل يأتى الوصف منه على أفعل نحو حمر وعور ولا من فعل مبنى للمفعول نحو ضرب وجن وشذ منه قولهم هو أخصر من كذا فبنوا أفعل التفضيل من اختصر وهو زائد على ثلاثة أحرف ومبني للمفعول وقالوا أسود من حلك الغراب وأبيض من اللبن فبنوا أفعل التفضيل شذوذا من فعل الوصف منه على أفعل .
وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به إلى التفضيل صل
تقدم في باب التعجب أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشد ونحوها وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب فكما تقول ما أشد استخراجه تقول هو أشد استخراجا من زيد وكما تقول ما أشد حمرته تقول هو أشد حمرة من زيد لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد أشد مفعولا وههنا ينتصب تمييزا.
ص175
وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا أو لفظا بمن إن جردا
لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال:
الأول: أن يكون مجردا
الثاني: أن يكون مضافا
الثالث: أن يكون بالألف واللام.
فإن كان مجردا فلا بد أن يتصل به من لفظا أو تقديرا جارة للمفضل نحو زيد أفضل من عمرو وقد تحذف من ومجرورها للدلالة عليهما كقوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أي وأعز منك نفرا وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان بأل أو مضافا لا تصحبه من فلا تقول زيد الأفضل من عمرو ولا زيد أفضل الناس من عمرو.
ص176
وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا كالآية الكريمة ونحوها وهو كثير في القرآن وقد تحذف منه وهو غير خبر كقوله:
دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا ... فظل فؤادي في هواك مضللا
فـ "أجمل" أفعل تفضيل وهو منصوب على الحال من التاء في دنوت وحذفت منه من والتقدير دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر.
ص177
ويلزم أفعل التفضيل المجرد الإفراد والتذكير وكذلك المضاف إلى نكرة وإلى هذا أشار بقوله:
وإن لمنكور يضف أو جردا ... ألزم تذكيرا وأن يوحدا
فتقول زيد أفضل من عمرو وأفضل رجل وهند أفضل من عمرو وأفضل امرأة والزيدان أفضل من عمرو وأفضل رجلين والهندان أفضل من عمرو وأفضل امرأتين والزيدون أفضل من عمرو وأفضل رجال والهندات أفضل من عمرو وأفضل نساء فيكون أفعل في هاتين الحالتين مذكرا ومفردا ولا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع .
وتلو أل طبق وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه
ص178
هذا إذا نويت معنى من وإن ... لم تنو فهو طبق ما به قرن
إذا كان أفعل التفضيل بـأل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير وغيرهما فتقول زيد الأفضل والزيدان الأفضلان والزيدون الأفضلون وهند الفضلى والهندان الفضليان والهندات الفضل أو الفضليات ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله فلا تقول الزيدون الأفضل ولا الزيدان الأفضل ولا هند الأفضل ولا الهندان الأفضل ولا الهندات الأفضل ولا يجوز أن تقترن به من فلا تقول زيد الأفضل من عمرو.
فأما قوله:
ص179
ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر
فيخرج على زيادة الالف واللام، والاصل: ولست بأكثر منهم، أو جعل " منهم " متعلقا بمحذوف مجرد عن الالف واللام، لا بما دخلت عليه الالف واللام، والتقدير " ولست بالاكثر أكثر منهم ".
ص180
وأشار بقوله وما لمعرفة أضيف إلخ إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة وقصد به التفضيل جاز فيه وجهان:
أحدهما : استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله فتقول الزيدان أفضل القوم والزيدون أفضل القوم وهند أفضل النساء والهندان أفضل النساء والهندات أفضل النساء.
والثاني: استعماله كالمقرون بالألف واللام فتجب مطابقته لما قبله فتقول الزيدان أفضلا القوم والزيدون أفضلوا القوم وأفاضل القوم وهند فضلى النساء والهندان فضليا النساء والهندات فضل النساء أو فضليات النساء ولا يتعين الاستعمال الأول خلافا لابن السراج وقد ورد الاستعمالان في القرآن فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} ومن استعماله مطابقا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} وقد اجتمع الاستعمالان في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون".
والذين أجازوا الوجهين قالوا الأفصح المطابقة ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله فاخترنا أفصحهن قالوا فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى فيقول فصحاهن فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة كقولهم الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي عادلا بني مروان
وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله هذا إذا نويت معنى من البيت أي جواز الوجهين أعني المطابقة وعدمها
ص181
مشروط بما إذا نوى بالإضافة معنى من أي إذا نوى التفضيل وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به قيل ومن استعمال صيغة أفعل التفضيل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وقوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} أي وهو هين عليه وربكم عالم بكم وقول الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
أي لم أكن بعجلهم وقوله:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول
ص182
أي دعائمه عزيزة طويلة وهل ينقاس ذلك أم لا قال المبرد ينقاس وقال غيره لا ينقاس وهو الصحيح وذكر صاحب الواضح أن النحويين لا يرون ذلك وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} إنه بمعنى هين وفي بيت الفرزدق وهو الثاني إن المعنى عزيزة طويلة وإن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك وقالوا لا حجة في ذلك له .
وإن تكن بتلو من مستفهما ... فلهما كن أبدا مقدما
كمثل ممن أنت خير ولدى ... إخبار التقديم نزرا وردا
ص183
تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا جيء بعده بمن جارة للمفضل عليه نحو زيد أفضل من عمرو ومن ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف فلا يجوز تقديمهما عليه كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام أو مضافا إلى اسم استفهام فإنه يجب حينئذ تقديم من ومجرورها نحو ممن أنت خير ومن أيهم أنت أفضل ومن غلام أيهم أنت أفضل وقد ورد التقديم شذوذا في غير الاستفهام وإليه أشار بقوله: ولدى إخبار التقديم نزرا وردا ومن ذلك قوله:
فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت ... جنى النحل بل ما زودت منه أطيب
ص184
والتقدير بل ما زودت أطيب منه وقول ذي الرمة يصف نسوة بالسمن والكسل:
ولا عيب فيها غير أن سريعها ... قطوف وأن لا شيء منهن أكسل
ص185
التقدير وأن لا شيء أكسل منهن وقوله:
إذا سايرت أسماء يوما ظعينة ... فأسماء من تلك الظعينة أملح
التقدير فأسماء أصلح من تلك الظعينة.
ص186
ورفعه الظاهر نزر ومتى ... عاقب فعلا فكثيرا ثبتا
كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق
لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه أولا فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهرا وإنما يرفع ضميرا مستترا نحو زيد أفضل من عمرو ففي أفضل ضمير مستتر عائد على
ص187
زيد فلا تقول مررت برجل أفضل منه أبوه فترفع أبوه ب أفضل إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهرا قياسا مطردا وذلك في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفي أو شبهه وكان مرفوعه أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبارين نحو ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ف الكحل مرفوع ب أحسن لصحة وقوع فعل بمعناه موقعه نحو ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كزيد ومثله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة وقول الشاعر أنشده سيبويه:
مررت على وادي السباع ولا أرى ... كوادي السباع حين يظلم واديا
ص188
أقل به ركب أتوه تئية ... وأخوف إلا ما وقى الله ساريا
فـ "ركب" مرفوع بأقل فقول المصنف ورفعه الظاهر نزر إشارة إلى الحالة الأولى وقوله ومتى عاقب فعلا إشارة إلى الحالة الثانية.
ص189