أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-5-2017
6162
التاريخ: 8-5-2017
9074
التاريخ: 21-4-2019
10794
التاريخ: 4-2-2016
3247
|
ان المولى عليه بحكم تكوينه العضوي والذهني، لا يملك في السنوات الأولى من عمره القدرة على حماية نفسه من الخطر، أو دفعه في حالة الوقوع فيه. كما لا يملك القدرة على ادراك ما يحيق به من المخاطر التي يتعرض لها غيره من الأفراد الكبار. لذا كان واجب على الولي رعايته وحفظه وابعاده عن كل ما يتلف جسمه ونفسه وعقله، فان أهمل في شيء من ذلك، كان لولي الامر نزعه من يده، أو تعزيره على تقصيره. لان هذه الولاية للمصلحة، فان ترتبت عليها مضرة، فان يده تنزع منها. فلو ترك الولي المولى عليه هملاً، بلا رقابة وتوجيه، وبلا عناية وتهذيب، فانه سيكون عرضة للمخاطر وبالتالي الانزلاق في مهاوي الشر. وقد تصدت القوانين الخاصة لمثل هذه الحالات، ففي مصر صدر القانون الخاص بأحكام سلب الولاية على النفس ذي الرقم 118 لسنة 1952، حيث أشار الى حالات معينة تسلب فيها الولاية من الولي نتيجة إهماله المولى عليه وتعريضه للخطر. فقد جاء في المادة (3) من هذا القانون الآتي: (يجوز ان تسلب أو توقف كل أو بعض حقوق الولاية بالنسبة الى كل أو بعض من تشملهم الولاية في الأحوال الآتية:....4- إذا حكم بإيداع أحد المشمولين بالولاية داراً من دور الاستصلاح وفقا للمادة 67 من قانون العقوبات أو طبقا لنصوص قانون الأحداث المتشردين. 5- إذا عرض الولي للخطر صحة أحد من تشملهم الولاية أو سلامته أو أخلاقه أو تربيته بسبب سوء المعاملة أو سوء القدوة نتيجة الاشتهار بفساد السيرة أو الإدمان على الشراب أو المخدرات أو بسبب عدم العناية أو التوجيه ولا يشترط في هذه الحالة ان يصدر ضد الولي حكم بسبب تلك الأفعال)(1). وعليه إذا وجد الولي في واحدة من الحالات المشار اليها في النص المذكور، فإنه سوف يتعرض لسلب الولاية منه أو وقفها. ويلاحظ هنا ان الحكم بسلب الولاية من الولي، يكون جوازياً، كما يجوز ان يتناول كل أو بعض حقوق الولاية بالنسبة لكل أو بعض من تشملهم الولاية. أي إن الحكم بسلب الولاية قد يكون قاصراً على أحد المشمولين بها دون غيره، أو يشملهم جميعا، حسب الأحوال. أما السلب الجزئي للولاية، فيقصد به إسقاط بعض صلاحيات الولي في مباشرة ولايته. كما إذا حظر الحكم على الولي استخدام الصغير في اعمال لا تتلاءم مع مقدرته البدنية أو فئته العمرية. وقد يكون الحكم الصادر ضد الولي قاصراً على وقف الولاية دون سلبها، كما لو قررت المحكمة هذا الوقف خلال المدة اللازمة لعلاج الولي من الادمان على السكر أو تعاطي المخدرات، أو خلال المدة التي يقضيها المولى عليه في الإصلاحية، وغير ذلك من الحالات التي أشارت اليها المادة (3) من قانون سلب الولاية (2). وأما بالنسبة للمشرع العراقي، فقد تناول موضوع محاسبة الأولياء جزاء تقصيرهم أو إهمالهم لمن هم تحت ولايتهم في كل من قانوني رعاية القاصرين ورعاية الأحداث. ففي قانون رعاية القاصرين(3). نصت المادة (17) منه على ما يلي: (أولاً- على المكلف برعاية القاصر الاستجابة لتعليمات وإرشادات البحث الاجتماعي التي تبلغ اليه بواسطة مكتب الرعاية ثانيا- عند تكرر مخالفة المكلف برعاية القاصر التعليمات والإرشادات الصادرة اليه يرفع مكتب الرعاية التوصية الى مديرية رعاية القاصرين لإتخاذ ما يلزم بحقه وفقا للقانون). ونصت المادة (18) من القانون المذكور، على انه: (لمديرية رعاية القاصرين طلب تحريك الدعوى الجزائية ضد المكلف برعاية القاصر إذا أساء معاملته وعرضه للخطر وذلك بناء على توصية البحث الاجتماعي)(4). كذلك قرر قانون رعاية الأحداث ذي الرقم 76 لسنة 1983 مسؤولية الأولياء إذا ما أخلوا بواجباتهم تجاه من هم تحت ولايتهم، فجاء في المادة (29) منه ما يلي: (أولاً- يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد عن خمسمائة دينار كل ولي أهمل رعاية الصغير أو الحدث إهمالا أدى به الى التشرد أو انحراف السلوك). كما أشارت المادة (26) من القانون المذكور الى مبدأ انتزاع السلطة الأبوية، حيث جاء في الفقرة الثانية منها ما يلي: (إذا أخل الولي أو القريب بشروط التعهد الذي تم بموجبه تسليم الحدث أو الصغير اليه، فعلى المحكمة ان تقرر ما يأتي: أ- إلزام المتعهد بدفع مبلغ الضمان كلا أو جزءا. ب- إيداع الصغير أو الحدث في دور الدولة المخصصة لكل منهما المنصوص عليها في قانون الرعاية الاجتماعية أو أية دار اجتماعية أخرى معدة لهذا الغرض)(5). ولا بد من وقفة هنا نبين فيها ما ثار من نقاش من قبل المعنيين بشؤون الصغار والأحداث حول إمكانية مساءلة الآباء إذا ما أساءوا أو أهملوا في تربية أبنائهم إهمالاً كبيراً حتى دفعهم الى هاوية التشرد والجريمة. فيرى فريق منهم، ان إقرار مبدأ مسؤولية الآباء في حالة جنوح الأبناء يعد خروجا خطيرا على القواعد العامة في المسؤولية، والتي تقضي بأن الانسان لا يسأل عن عمل غيره، وانما فقط عن أعماله الشخصية. ومن الحجج التي قيلت في نفي هذا المبدأ، هو صعوبة إثبات تقصير الولي، حيث طرح هذا الفريق جملة من التساؤلات عن طبيعة التقصير الذي يمكن أن ينسب الى الآباء في هذا المجال. فهل يسأل الأب الذي إعتاد السكر أو إدمان العقاقير المخدرة إذا ما حذا ولده حذوه. وهل يسأل الأب الذي غرس في نفوس صغاره كره النظام والقانون فشب هؤلاء على فلسفة عدائية تقوم على قيم ومعايير إجتماعية خاطئة. وهل يسأل الأب الذي إعتاد معاملة أولاًده بمنتهى ضروب الشدة والقسوة. وهل يسأل الأب الضعيف كل الضعف إذا فشل في ضبط سلوك الحدث فخرج هذا الى المجتمع من دون راع أو رقيب. وهل يسأل الأب إذا عجز اقتصاديا عن تهيئة حياة معاشية ملائمة تسد حاجة أسرته، فخرج الحدث يشبع حاجاته بطريق غير مشروع. وهل يسأل الأب الذي إعتاد الجريمة، والأب الذي يهجر أسرته سواء أكان ذلك بسبب طبيعة عمله أو من دون سبب مشروع. وهل يسأل الأب الذي عارض في تعليم أبنائه فقطع عليهم أسباب الثقافة والعيش الرصين. أمام هذه الطائلة من الفرضيات والوقائع يقف القانون ومن بعده القضاء عاجزاً عن حكمها. فكيف يتسنى للمحكمة المختصة إثبات إهمال أو تقصير الولي في التربية، والتربية بوجه عام، هي عملية تنشئة اجتماعية لا تقتصر على جهود الولي وحده، وإنما تسهم فيها مختلف العناصر الحياتية الأخرى التي تكون المحيط الخارجي مع ما فيه من ظروف وعلاقات اجتماعية والتي تؤثر في نشأة الشخص المولى عليه(6). بينما طالب فريق آخر من المعنيين بشؤون الصغار والأحداث، بإقرار مبدأ مسؤولية الآباء تجاه الأبناء بما في ذلك إنتزاع السلطة الأبوية عندما تقتضي مصلحة الحدث والمجتمع ذلك. ففي حالة ثبوت تقصير من الوالدين بحق أبنائهم بحيث أدى هذا التقصير الى إنزلاقهم في المخاطر، تحققت مسؤوليتهم القانونية لإخلالهم بقاعدة أساسية عامة تقضي بإلتزام الوالدين أو الولي بصورة عامة، بتربية وتنشئة أبنائهم النشأة الصحيحة، وان هذا الإخلال يحقق الأساس الأول للمسؤولية وهو الخطأ بمعناه الواسع. وهذا أمر بعيد عن المساس بشخصية العقوبة، فالحدث يسأل عن فعله الجانح والوالد أو الولي يسأل عن فعله الخطأ، وهو إخلاله بالقاعدة الأساسية وتقصيره المتعمد أو غير المتعمد المؤدي بمن هو تحت ولايته الى هوة الجنوح. وبذلك فلا مساس بشخصية العقوبة ولا مجال للقول ايضا بأن هذا المبدأ هو وجه من أوجه المسؤولية عن فعل الغير(7). بعد هذا العرض الموجز لرأي كل فريق حول إمكانية مساءلة الآباء عن أخطاء الأبناء، نقول ومما لاشك فيه ان بعض ما طرحه الفريق الأول من فرضيات تدخل في مجالات أخرى خارج نطاق القانون. فالمجتمع بما فيه من قواعد اجتماعية ضابطة تشرف على تنشئة الفرد تنشئة اجتماعية صالحة، والولي ملزم وفقا لقواعد الدين والأخلاق والعرف الاجتماعي. بالإنفاق والرعاية والإشراف على تربية المولى عليه وتهيئة حياة جسمية ونفسية وأخلاقية سليمة له تبعده عن كل ما هو ضار به. ولكن مع ذلك يبقى لقواعد القانون القول الفصل في مدى قيام الولي بتلك الإلتزامات بصورة صحيحة. وهذه القواعد تمثل الحد الأدنى المطلوب من الولي، فإذا لم يصل الولي بمستوى إلتزاماته الى هذا الحد المطلوب كان مخلاً بإلتزاماته، وبالتالي تقوم مسؤوليته القانونية. وفي الحقيقة ان إقرار مبدأ مسؤولية الأولياء وانتزاع السلطة الأبوية، هو الضمانة الأكيدة لقيام هؤلاء الأولياء بإلتزاماتهم على الشكل الصحيح والمطلوب، ولو ترك الأمر لما تقضي به قواعد الدين والأخلاق وما يمليه وازع الضمير، لتنصل كثير من الأولياء من إلتزاماتهم تجاه من هم تحت ولايتهم، نظرا لضعف سلطان هذا الرقيب على النفوس، لا سيما في عصرنا الحاضر. فلولا تدخل المشرع بقواعده القانونية وما تمتاز به هذه القواعد من خاصية القسر والإلزام، لأهمل كثير من الأولياء مسؤولياتهم تجاه المولى عليهم طالما لم يكن ثمة جزاء رادع يلحق بهم. وحسناً فعل المشرع العراقي بإقراره لمسؤولية الأولياء، وإدخاله لمبدأ إنتزاع السلطة الأبوية عندما تقتضي مصلحة المولى عليه والمجتمع ذلك.
__________________
[1]- أنظر: موسوعة التشريعات العربية- مصر- أحوال شخصية- ج9- المادة (3) من القانون رقم 118 لسنة 1952 الخاص بأحكام سلب الولاية على النفس.
2- أنظر: حسني نصار- مصدر سابق- ص364 وما بعدها، احمد الحصري- مصدر سابق- ص53.
3- ذي الرقم 78 لسنة 1980.
4- وقد بينت المادة (13) من هذا القانون المقصود بالبحث الاجتماعي بقولها: (... هو جمع المعلومات عن القاصر وبيئته وعلاقته بأسرته والتحقيق عن مدى قيام المكلف برعاية القاصر بالواجبات الملزم بها قانونا).
5- والتعهد المشار اليه في المادة (26) أعلاه، هو ضمان الولي حسن تربية الصغير وسلوكه، كما بينته المادة (26) في فقرتها الأولى بقولها: (إذا وجد الصغير أو الحدث في الحالات المبينة في المادتين 24 و25 من هذا القانون، فيحيله قاضي التحقيق الى محكمة الأحداث التي تصدر قرارها النهائي بعد تسلم تقرير مكتب دراسة الشخصية وفقا لما يأتي: أولاً- تسليم الصغير أو الحدث الى وليه ليقوم بتنفيذ ما تقرره المحكمة من توصيات في ضوء تقرير مكتب دراسة الشخصية لضمان حسن تربيته وسلوكه بموجب تعهد مالي مناسب).
6- أنظر: د.عدنان الدوري- هل يسأل الآباء عن جنوح أحداثهم- مجلة ديوان التدوين القانوني- وزارة العدل- س4- ع1-2- 1965- ص62.
7- د. واثبة داود السعدي- تعقيب على ورقة عمل إصلاح النظام القانوني- مجلة العلوم القانونية والسياسية- جامعة بغداد- المجلد الثاني- العدد الأول- 1978- ص256.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|