المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



الموصول  
  
9721   02:26 صباحاً   التاريخ: 16-10-2014
المؤلف : عباس حسن
الكتاب أو المصدر : النحو الوافي
الجزء والصفحة : ج1/ ص340-420
القسم : علوم اللغة العربية / النحو / الاسم الموصول /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-07-2015 2124
التاريخ: 16-10-2014 2110
التاريخ: 16-10-2014 4012
التاريخ: 16-10-2014 9722

الموصول قسمان: اسمي، وحرفي. وسنبدأ بالأول.

تعريفه: نُقدم له بالأمثلة الآتية:
أ- فرح الذى... - سمعت الذى... - أصغيت إلى الذى...
ب- فرح الذى "حضر والده" - سمعت الذى "صوته مرتفع" - أصغيت إلى الذى "فوق المنبر".
ج- وقفت التى... - احترمت التى... - لم أشهد التى...
د- وقفت التي "تخطب" - احترمت التي "خُطبَتُها رائعة" - لم أشهد التى "أمام المذياع".
فى كل جملة من جمل القسم الأول: "ا" كلمة: "الذى" فما معناها؟ وما المراد منها؟ إنها اسم مسماه ومدلوله غير واضح: فلا ندرى أهو: سعد، أم على أم، سمير، أم غيرهم من الرجال؟ ولا نعرف أهوحيوان آخر؟ أم نبات، أم جماد؟ وما عسى أن يكون بين أفراد الحيوان، أوالنبات، أوالجماد؟ إذًا هواسم غامض المعنى، مبهم الدلالة. ولهذا الغموض والإبهام أثرهما فى غموض المعنى الكلىّ للجملة وإبهامه. 

ص340

لكن حين أتينا بعد ذلك الاسم المبهم الغامض بجملة اسمية، أو فعلية تشتمل على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة، رأينا المعنى قد اتضح، وزال الغموض والإبهام عنه، كما في القسم الثاني "ب".
وكذلك الشأن في قسم "ج" حيث اشتملت كل جملة فيه على اسم غامض مبهم هو: "التي"؛ وقد امتد الغموض منه إلى المعنى الكلي للجملة؛ فجعله غامضًا. لكن هذا العيب اختفى حين أتينا بعد الاسم: "التي" بجملة مشتملة على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة؛ فزال عنه الإبهام أولًا، وعن الجملة تبعًا له، كما في القسم "د".
فكلمة "الذي" و"التي" وأشباههما تسمى: "اسم موصول". وهو: اسم مبهم يحتاج -دائمًا- في تعيين مدلوله، وإيضاح المراد منه، إلى أحد شيئين بعده؛ إما: جملة وإما شبهها، وكلاهما يسمى: "صلة الموصول".

ص341

ولا بد فى الجملة من ضمير يعود على اسم الموصول ، أو ما يغني عن الضمير.
طبقًا للبيان الخاص بالصلة- وهذه الصلة هي التي تفيد الموصول الاسمي التعريف.
ألفاظ الموصول الاسمي:
ألفاظه قسمان: مختص، وعام "ويسمى: مشترَكا".
فالمختص: ما كان نصًّا فى الدلالة على بعض الأنواع دون بعض، مقصورًا عليها وحدها، فلنوع المفرد المذكر ألفاظ خاصة به، ولنوع المفردة المؤنثة ألفاظ خاصة بها، وكذلك للمثنى بنوعيه، وللجمع بنوعيه.
والعام أوالمشترَك: ما ليس نصًّا فى الدلالة على بعض هذه الأنواع دون بعض، وليس مقصورًا على بعضها؛ وإنما يصلح للأنواع كلها.
وأشهر الألفاظ الخاصة ثمانية، موزعة على الأنواع الآتية:

ص342

وإلى هنا انتهى الكلام على المشهور من الألفاظ المختصة الثمانية. ويلاحظ أن كل واحد منها مبدوء "بأل" الزائدة لزومًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنها وأنها جميعًا مبنية ما عدا ألفاظ التثنية؛ فيحسن إعرابها.
أما ألفاظ القسم العام "وهو المشترَك" فأشهرها: ستة، لا يقتصر واحد منها على نوع مما سبق في القسم الخاص؛ وإنما يصلح لجميع الأقسام من غير أن تتغير صيغته اللفظية. فكل اسم من الموصولات المشتركة ثابت على صورته، لا يتغير مهما تغيرت الأنواع التي يدل عليها؛ لأنه مبني، وبناؤه على السكون، إلا لفظة: "أَيّ" فإنها قد تبنى، وقد تعرب -كما سيجيء في ص327.
ولما كان كل اسم من هذه الأسماء المشترَكة صالحًا للأنواع المختلفة كان الذي يوضح مدلوله ويميز نوع المدلول وهو ما يجيء بعده من الضمير، أو غيره من القرائن التى تزيل أثر الاشتراك.

ص347

وإليك الألفاظ الستة، ونواحي استعمالها:
1- مَن: أكثر استعمالها في العقلاء، نحو: خير إخوانك من واسَاك، وخَيْرٌ منه مَن كَفَاك شَرَّه. وقول الشاعر:
ولا خيْرَ فيمن لا يُوَطِّن نفسَهُ ... على نائبات الدهر حين تنوبُ
وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما: تقول: غاب من كتب، ومن كتبتْ - ومن كَتَبَا، ومن كتَبَتَا، ومن كتبوا، ومن كتبْن.
وقد تستعمل في غير العقلاء في الأحوال الآتية:
أ- إذا كان الكلام يدور فى شىء له أنواع متعددة، مفصلة بكلمة: "مَنْ" وفى تلك الأنواع العاقل وغيره، مثل: الحيوانات كثيرة مختلفة؛ فيها من ينطق بفصيح الكلام؛ كالإنسان، ومن يغرد بصوت عذب؛ كالبلبل، ومن يصيح بصوت منكر؛ كالبومة.... ومن الأمثلة قوله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ....}
ب- إذا وقع مِنْ غير العاقل أمر لا يكون إلا من العقلاء؛ فعندئذ نشبهه بهم، وننزله منزلتهم4 فى استعمال: "مَن". كأن تسمع البلبل يشدوبلحن شَجِىّ واضح التنغيم، فتقول: أطربنى "مَنْ" يغنى فى عشه بأطيب الأناشيد. وكأن ترى القمر يشرف عليك كإنسان ينظر إليك: فتقول: إن من يُطِل علينا من برجه العالى بين الكواكب والنجوم يصغى إلى مناجاتى وهمسى... وكالغريب الذى يقول للطيور المسافرة: هل فيكن من يحمل سلامى إلى أهلى وخُلاَّنىِ...
ج- أن يكون مضمون الكلام متجهًا إلى شيء يشمل العاقل وغيره، ولكنك تراعي أهمية العاقل؛ فتغلبه على سواه. مثل: أيها الكون العجيب، من فيك ينكر قدرة الله الحكيم؟.

ص348

زيادة وتفصيل:
كلمة: "مَنْ" سواء أكانت موصولة أم غير موصولة؛ من الكلمات المفردة المذكرة من ناحية لفظها، ولكنها من ناحية معناها قد تكون غير ذلك. ومن هنا يصح أن يعود الضمير عليها مفردًا مذكرًا، مراعاة للفظها، وهوالأكثر. ويجوز فيه مراعاة المعنى المراد وهوكثير؛ فمن الأول قوله تعالى:

ص349

 
{وَمِنْهُمْ منْ يُؤْمنُ به  وَمِنْهُم مَنْ لا يُؤْمِنُ به} .
ففاعل "يؤمن" مفرد مذكر؛ مراعاة للفظ "مَن". ومن الثاني قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك} وقول الفرزدق:
تعالَ، فإن عاهدتنى لا تخوننى ... نَكُنْ مثلَ من - يا ذئبُ - يصطحبانِ
فالفاعل فى الآية واوالجماعة، وفى البيت ألف الاثنين وكلاهما ضمير عائد إلى "من" مراعاة لمعناها:
وقد اجتمع الأمران فى قوله تعالى: {بَلَى من أسْلَم وَجْهَه للهِ وهُو مُحْسِنٌ، فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبِهِ، ولاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . فالضمائر فى الشطر الأول من الآية مفردة مذكرة؛ مراعاة للفظ: "مَنْ". بخلافها فى الشطر الثانى فإنها للجمع؛ مراعاة لمعنى: "مَن" وقوله تعالى: {ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ ورَسُولِهِ وتعملْ صالحاً نؤتِها أجْرَها مَرَّتين} .
ففاعل الفعل: "يقنت"؛ ضمير مفرد، مذكر؛ مراعاة للفظ: "مَنْ" أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث: أو للمفردة؛ مراعاة لمعنى: "مَن".

ص350

2- "ما" وأكثر استعمالها فى غير العاقل، وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما؛ تقول: أعجبنى ما رسمه "علىُّ" وما رسمتْه "فاطمة" - وما رسَمَاه - وما رسمتَاه - وما رسمُوه - وما رسَمْنَهُ. وقد تكون للعاقل فى مواضع:
أ- إذا اختلط العاقل بغيره، وقصد تغليب غير العاقل لكثرته: نحو قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . وقول الشاعر:
إذا لم أجِدْ فى بلدة ما أريدهُ ... فعندى لأخْرَى عَزْمَةٌ ورِكابُ
ب- أن يلاحظَ فى التعبير أمرانِ مقترنان؛ هما: ذات العاقل، وبعض صفاته، معًا؛ نحوأكرمْ ما شئت من المجاهدين والأحرار. فكأنك تقول: أكرم من الرجال من كانت ذاته موصوفة بالجهاد، أوبالحرّية؛ فأنت تريد أمرين مجتمعين: الذات، ووصفًا آخر معها، ولا تريد أحدهما وحده. ومثل: صاحب ما تريد من الطلاب؛ العالم، والمخلص، والصالح. تريد أن تقول: صاحب من كانت ذاته موصوفة بالعلم؛ ومن كانت ذاته موصوفة بالإخلاص، ومن كانت ذاته موصوفة بالصلاح. فالمقصود أمران: الذات ومعها شىء آخر من الأوصاف الطارئة عليها.
"حـ" المبهم أمره؛ كأن ترى من بُعْد شبحًا لا تدرى أهو إنسان أم غير إنسان؛ فتقول: إني لا أتبين ما أراه، أولا أدرك حقيقة ما أراه... وكذلك لو علمت أنه إنسان ولكنك لا تدرى أمؤنث هو أم مذكر؟ ومنه قوله تعالى على لسان مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي} ...

ص351

زيادة وتفصيل:
أ- تصلح "من" و"ما" للأمور الخمسة الآتية:
1- اسم موصول: مثل: قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} . وقول الشاعر:
إن شرّ الناسِ منْ يَبّسمُ لى ... حين ألقاه، وإنْ غبت شتَمْ
2- اسم استفهام، مثل: من عندك؟ مَا معك من المال؟
3- اسم شرط، مثل: منْ يعملْ سوءًا يُجْزَ به - وما تَصنعْ من خير تجدْ جزاءه خيْرًا.
4- نكرة موصوفة، مثل: رُب مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك "أى: ربّ إنسان نصحته استفاد..." ورُب مَنْ مُعْجَب بك ساعدَك. ورب ما كرهته تحقق فيه نفعك "أى: رب شىء كرهته" وربّ ما مكروه أفاد... ومن هذا قول الشاعر:
الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به ... وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا فى الحياةِ أبُ
والغالب: فى "من" إذا كانت نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "إنسان"، ولا بد أن يقع بعدها صفة، فإن لم يقع بعدها صفة فهى

ص352

نكرة غير موصوفة، وتسمى: تامة. وتكون أيضًا - بمعنى: إنسان.
كما أن الغالب في "ما" التي هي نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "شيء" ولا بد أن يقع بعدها صفة لها. وإن لم يقع بعدها صفة فهي نكرة غير موصوفة، بمعنى: شيء، أيضًا، وتسمى: نكرة تامة. .....
5- نكرة تامة "أي: غير موصوفة"، وهي التي سبقت الإشارة إليها، مثل: رُبَّ من زارنا اليوم. ربّ ما غرّد مساء. أى: ربّ إنسان زارنا، ورب شىء غرّد. فالجملة الفعلية - فى المثالين فى محل رفع، خبر.
ب- تختص "ما" دون "من" بمعان أخرى؛ منها السبعة الآتية:
1- التعجب؛ مثل: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا.
2- النفى؛ مثل: ما الخائن صديق، أو: صديقًا. وقول العرب: ما ذهب من مالك وما وعظك.
3- أن تكون كافة؛ وهي التى تدخل على العامل فتكُفّه "أي: تمنعه عن العمل، وتتركه معطلا" كأن تدخل على حرف جر، أو على ناسخ، أو نحوهما، فلا يعمل؛ مثل: ربما رجلٌ زارنا نفعناه، ربما يود المهمل لو كان سَبَّاقًا. إنما الأممُ الأخلاق. ويجب في الكتابة وصل "رُب" بكلمة: "ما" الكافة؛ لأن الذي يُفصَل هو "ما" النكرة الموصوفة؛ كما سبق.
4- أن تكون زائدة "أي: يمكن حذفها فلا يتأثر المعنى" وتقع كثيرًا بعد: "إذا" الشرطية؛ مثل: إذا ما المَجْدُ نادانا أجَبْنا... أو بعد غيرها مثل: قوله تعالى: {فَبِما رحمة من الله لِنْتَ لهم} وقوله: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقوا} .

ص353

5- مصدرية ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بظرف ومصدر معا"، مثل: الصانع يربح ما أجاد صناعته. أي: مدة إجادته صناعته. وقول الشاعر يفتخر:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أو مأنا إلى الناس وقفوا
أي: مدة سيرنا.
وهي وحدها حرف محض، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد أمرين: معنى وظرفية معًا.
6- أن تكون مصدرية غير ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بمصدر فقط"، مثل: كوفئ المخلصون بما أخلصوا، أي: بإخلاصهم.
وهي وحدها حرف محض، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد معنى مجردا، فقط.
7- أن تكون مهيئة- "وهي التي تتصل بآخر كلمة غير شرطية. فتهيئها وتعدها لمعنى الشرط وعمله" كدخول "ما" على "حيث" في مثل: حيثما تصدق تجد لك أنصارا.
8- أن تكون مغيرة .... "وهي الحرفية التي تلحق آخر أداة شرطية، فتغيرها إلى غير الشرط، كدخول "ما" على آخر "لو" في مثل: "لو ما" تحافظ على الميعاد. فقد تغيرت "لو" بسبب: "ما" الحرفية، وانتقلت هنا من الشرط إلى التحضيض.
9- أن تقع صفة، مثل: لأمر ما غاب القائد. فالمراد: لأمرأي أمر. وهذه قد يعبر عنها: "بالإبهامية"، ويتفرع على الإبهام، إما الحقارة، نحو: أعط فلانا شيئا ما. تريد شيئا تافها حقيرا، وإما التفخيم، نحو: لأمر ما، هرب الحارس، تريد لأمر عظيم هرب ... وإما النوعية، نحو: عاون عليا معاونة ما، تريد نوعا من المعاونة.
ويقول بعض المحققين من النحاة: هي في كل هذه الصور الخاصة بالصفة ليست اسما، وليست صفة، وإنما هي حرف زائد، يفيد التنبيه، وتقوية المعنى.

ص354

ويرى أن هذا أولى. وحجته: أنه ليس في كلامهم نكرة جامدة وقعت نعتًا إلا وبعدها كلمة تماثل الموصوف تمامًا؛ نحو: مررت برجل أىِّ رجل، وأكلنا فاكهة أيَّ فاكهة. فالحكم عندهم على "ما" المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية - حكم بما لا نظير له؛ فيجب اجتنابه؛ كما يقولون.
وهذا الخلاف شكلي، لا قيمة له. والرأيان سيان، وما دامت تؤدى غرضًا معينًا. فلا أهمية بعد ذلك لجعلها حرفًا زائدًا -وهوالأسهل- أو اسمًا يعرب صفة.

ص355

3- .... "أل" -وتكون للعاقل وغيره، مفردا وغير مفرد، نحو: اشتهر الكاتب، أو: الكاتبة، أو: الكاتبان، أو: الكاتبتان، أو الكاتبون، أو: الكاتبات. ولا تكون موصولة إلا إذا دخلت على صفة صريحة، فتكون

ص356

الصفة مع مرفوعها هنا من قسم شبه الجملة الواقع صلة؛ كما مُثل، ونحو: إن العاقل الأريب يحتال لأمر حتى يفوز به، والعاجز الضعيف يَتَوانى ويتردد حتى يُفلت منه.
هذا، ومع أن "أل" اسم موصول، وتعتبر كلمة مستقلة، فإن الإعراب لا يظهر عليها؛ وإنما يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها، التي تعرَب مع مرفوعها صلة لها.
4- "ذو" وتكون للعاقل وغيره؛ مفردًا وغير مفرد؛ نحو: زارنى ذوتعلَّمَ

ص357

وذو تعلمتْ. وذو تَعَلَّما. وذو تعلمتا، وذو تعلموا، وذو تَعَلّمْنَ. وهي مبنية على السكون المقدر على الواو، في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من جملتها.
5- "ذا". وتكون للعاقل وغيره. مفردًا وغير مفرد؛ نحو: ماذا رأيته؟ ماذا رأيتَها؟ ماذا رأيتَهما؟ ماذا رأيتهم؟. ماذا رأيتَهن؟. ويصح وضع: "مَنْ" مكان: "ما" في كل ما سبق، ومنه قول الشاعر:
مَنْ ذا يُعيرك عينه تبكى بها ... أرأيت عينًا للبكاء تعارُ؟
وقول الآخر:
مَنْ ذا نواصل إنْ صَرَمْتِ حبالنا ... أو من نَحدِّثُ بعدك الأسرارا
فكلمة: "ما" أو: "من" استفهام مبتدأ، مبنى على السكون فى محل رفع. و"ذا" اسم موصول بمعنى: "الذى - أوغيره - خبر، مبنى على السكون فى محل

ص358

رفع. و"ذا" اسم موصول، بمعنى: الذي، أو غيره من أسماء الموصول المناسبة لمعنى الجملة والسباق، خبر، مبني على السكون في محل رفع ولا تكون ذا موصولة إلا بثلاثة شروط:
أولها: أن تكون مسبوقة بكلمة: "ما" أو: كلمة: "من" الاستفهاميتين؛ كما فى الأمثلة السابقة. فلا يصح: ذا رأيته، ولا ذا قابلته... ويغلب أن تكون للعاقل إذا وقعت: بعد "مَنْ" ولغير العاقل إذا وقعت بعد: "ما".
ثانيها: أن تكون كلمة "مَن" أو"ما" مستقلة بلفظها وبمعناها - وهوالاستفهام غالباً -، وبإعرابها؛ فلا تُركَّب مع "ذا" تركيباً يجعلهما معًا كلمة واحدة فى إعرابها "وإن كانت ذات جزأين" وفى معناها أيضًا – وهو الاستفهام غالبًا - كتركيبها كما فى نحو: ماذا السديم؟ ماذا عُطارد؟ من ذا الأول؟ من ذا النائم؟ فكلمة: "ماذا؟ كلها - اسم استفهام ومثلها كلمة: "من ذا".
وفى حالة التركيب التى وصفناها توصف : "ذا" ملغاة إلغاء حكميا لا حقيقيا لأن وجودها المستقل قد أُلْغى - أى: زال - بسبب التركيب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، وصارت جزءًا من كلمة استفهامية بعد أن كانت وحدها كلمة مستقلة تعرب اسم موصول.
ثالثها: ألا تكون "ذا" اسم إشارة، فلا تصلح أن تكون اسم موصول؛ لعدم وجود صلة بعدها، وذلك بسبب دخولها على مفرد؛ نحو: ماذا المعدن؟ ماذا الكتاب؟ من ذا الشاعر؟ من ذا الأسبق؟
تريد: ما هذا المعدن؟ ما هذا الكتاب؟ من هذا الشاعر؟ من هذا الأسبق؟

ص359

زيادة وتفصيل:
أ- عرفنا أن "ذا" قد تركب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، فينشأ من التركيب كلمة واحدة إعرابها - وإن كانت ذات جزأين - وفى معناها وهوالاستفهام غالبًا، مثل: ماذا الوادى الجديد؟ من ذا المنشئ لمدينة القاهرة؟ وتسمى "ذا": الملغاة إلغاء حُكميًّا؛ لا حقيقيًّا؛ لأنها من حيث الحقيقة والواقع موجودة فعلا. ولكن من حيث اندماجها فى غيرها، وعدم استقلالها بكيانها، وبإعراب خاص بها - تُعَدّ غير موجودة. ومن أمثلتها قول جرير:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا
أما إلغاؤها الحقيقى فيكون باعتبارها كلمة مستقلة بنفسها، زائدة، يجوز حذفها وإبقاؤها. ويترتب على تعيين نوع الإلغاء بعض أحكام؛ منها:
1- أن كلمة: "ذا" فى الإلغاء الحقيقى لا يكون لها محل من الإعراب، فلا تكون فاعلا، ولا مفعولا، ولا مبتدأ، ولا غير ذلك؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل؛ ولا تؤثر فى غيرها - شأن الأسماء الزائدة عند من يجيز زيادتها، وهم الكوفيون وتبعهم ابن مالك - بخلافها فى الإلغاء الحكمى؛ فإنها تكون جزءًا أخيرًا من كلمة، وهذه الكلمة كلها - بجزأيها - مبنية على السكون دائمًا فى محل رفع - أونصب، أو: جر، على حسب موقعها من الجملة، "مبتدأ، وخبرًا، وفاعلا، ومفعولا... إلخ". ومما تصلح فيه لنوعى الإلغاء قول الشاعر:
منْ ذا الَّذى ما سَاءَ قَـ ... ـطُّ وَمَنْ لهُ الحُسْنَى فقطْ
2- وفى الإلغاء الحقيقى يجب تقديم "من" و"ما" الاستفهاميتين فى أول جملتهما حتما، كالأمثلة السابقة؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة فى جملته. بخلاف الإلغاء الحكمى، فيجوز معه الأمران: إمَّا تقديم الاستفهام بكامل حروفه فى جزأيه على عامله، وإما تأخيره عنه، فلا يكون للاستفهام وجوب الصدارة؛ وفى هذه الصورة يعرب معمولا متأخرًا لعامل متقدم عليه؛ تقول: مَاذا صنعت، أوصنعت ماذا؟....
فالاستفهام هنا معمول لعامله المتأخر عنه أو المتقدم عليه.

ص360

3- وفي الإلغاء الحقيقي تحذف ألف "ما" الاستفهامية في حالة الجر مثل: عمّ "ذا" سألت؟ تطبيقًا للقاعدة المعروفة؛ "وهي: حذف ألف "ما" الاستفهامية عند جرها". بخلاف الإلغاء الحكمي لأن أداة الاستفهام فيه هي "ماذا" وليست "ما". وحدها.
ب- لا يقتصر إلغاء "ذا" على تركيبها مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين فذلك هو الغالب -كما قلنا؛ فقد يقع الإلغاء بتركيبها مع "ما" أو "من" الموصولتين، أو النكرتين الموصوفتين؛ فتنشأ كلمة واحدة هي: "ماذا" أو: "من ذا" فنعربها اسم موصول، أو نكرة موصوفة. فالأولى مثل قول الشاعر:
دَعِى ماذا علمْتِ سأتقيه ... ولكنْ بالمُغَيَّب خبِّريني
فماذا، كلها اسم موصول مفعول "دعى". وصلته جملة: "علمت" لا محل لها. ويرى "الفارسى" وأصحابه أن "ماذا" نكرة موصوفة. مفعول "دعى" وليست موصولة: لأن "ماذا" كلمة واحدة، ولكنها مركبة من شطرين؛ والتركيب كثير من أسماء الأجناس - ومنها النكرة الموصوفة -، قليل فى أسماء الموصول، وتكون جملة: "علمت" فى محل نصب صفة النكرة. أى: دعى شيئًا علمته.
مما تقدم في "أ و ب" نعلم أننا إذا أردنا إعراب مثل: "ماذا رأيته فى المعرض"؟ أو: "من ذا رأيته؟" جاز لنا أن نجعل "ماذا" و"من ذا" بشطريهما كلمة واحدة، اسم استفهام مبتدأ. وأن نجعل "ما" أو"من" استفهام مبتدأ و"ذا" زائدة لا محل لها من الإعراب. والخبر في كل ما سلف هو الجملة الفعلية.
ويجوز أن تكون "ذا" فى الحالتين السالفتين اسم موصول بمعنى الذى، خبر. ويجوز فى أمثلة أخرى أن تكون "ماذا" و"من ذا" بشطريهما موصولتين

ص361

أو نكرتين موصوفتين على حسب ما أوضحنا... و... و....
ويظهر أثر الإلغاء وعدمه في توابع الاستفهام؛ كالبدل منه؛ وفي الجواب عنه. ففي مثل: ماذا أكلت؛ أتفاحًا أم برتقالًا؟ بنصب كلمة؛ "تفاح" يكون النصب دليلا على أن الإلغاء هنا حكمي؛ لأن "ماذا" مفعول مقدم "لأكلت". أما لو قلنا: ماذا أكلت؟ أتفاح أم برتقال؟ فإن كلمة "التفاح" المرفوعة يصح أن تكون بدلا من "ذا" الواقعة خبرًا عن كلمة: "ما" فلا يكون هنا إلغاء.
وكالمثال السابق في صحة الرفع والنصب كلمّة: "نحْب" في قول الشاعر:
ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ؟ ... أنحْبٌ فيُقضَى، أم ضلالٌ وباطلُ؟
ومثله من ذا أكرمت؟ أمحمدًا أم محمودًا؟، بنصب الاسمين أوبرفعهما على الاعتبارين السالفين.
أما الجواب عن الاستفهام ففى مثل: ماذا كتبت فى الرسالة؟ فتجيب: خيرًا، أو: خير. فالرفع على اعتبار كلمة: "ذا" اسم موصول "مبدل منه" والنصب على اعتبارها ملغاة.
والحكم بجواز الأمرين في الجواب ملاحظ فيه" الاستحسان المجرد"، فمن المستحسن - كما قالوا - أن يكون الجواب مطابقا السؤال اسمية وفعلية. ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو} -أي: الزيادة- بالنصب وبالرفع وقوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} ، أو خير.
ج- فى نحو قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يصح في كلمة: "ذا" الإلغاء الحقيقي أو الحكمي. وفي الحالتين تكون كلمة: "الذي" خبرًا. ويصح أن تكون "ذا" اسم موصول بمعنى "الذي" خبر "من". وتكون كلمة: "الذي" الموجودة توكيدًا لفظيًّا لكلمة: "ذا" التي هي اسم موصول بمعناها.
"ملاحظة": يصح في بعض الصور التي سبقت "في: أ، ب، ج" إعرابات أخرى لا حاجة إليها هنا..

ص362

6- "أيّ" وتكون للعاقل وغيره. مفردًا، وغير مفرد؛ تقول؛ يسرني أيٌّ هو نافع. يسرني أيٌّ هي نافعة. يسرني أيٌّ هما نافعان. يسرني أيٌّ هما نافعتان. يسرني أيّ هم نافعون. يسرني أىّ هن نافعات.
وتختلف "أيٌّ" في أمر البناء والإعراب؛ عن باقي أخواتها من الموصولات المشتركة، فأخواتها جميعًا مبنية، أما هي فتُبْنى في حالة واحدة، وتعرب في غيرها.
فتُبْنَى إذا أضيفت وكانت صلتها جملة اسمية، صَدْرُها -وهوالمبتدأ- ضمير محذوف؛ نحو: يعجبني أيّهم مغامرٌ. سأعرف أيُّهم مغامر. سأتحدث عن أيُّهم مغامرٌ. والأصل: أيهم هو مغامر. فإن لم يتحقق شرط من شروط بنائها وجب إعرابها. ولهذا تعرب في الحالات الآتية:
أ- إذا كانت مضافة، وصلتها جملة اسمية، بشرط أن يكون صدر هذه الجملة "وهو؛ المبتدأ" ضميرًا مذكورًا؛ نحو: سيزورني أيُّهم "هو أشجعُ"، سأصافح أيَّهم "هو أشجعُ"، وسأُقبل على أيِّهم "هو أشجعُ".
ب- إذا كانت غير مضافة وصلتها جملة اسمية ذُكر في الكلام صدرها الضمير، مثل: سيفوز أيٌّ "هو مخلص"، سنكرم أيًّا "هو مخلص"، سنحتفي بأيٍّ "هو مخلص".
ج- إذا كانت غير مضافة، وصلتها جملة اسمية لم يُذْكرُ صدرُها الضمير؛ نحو: سيسبق أىٌّ خبيرٌ، وسوف نذكر بالخير أيًّا محسنٌ، ونعنى بأىٍّ بارعٌ.

ص363

د- وتعرب أيضًا إن كان صدر صلتها اسمًا ظاهرًا؛ نحو: تزور أيَّهم "محمد مكرمه". أو: فعلا ظاهرًا، نحو: سوف أثنى على أيِّهم يتسامى بنفسه، أوفعلا مقدرًا، نحو: سأغضب على أيِّهِم عندك.

ص364

زيادة وتفصيل:
يسوقنا الكلام على "أيّ" إلى سرد أنواعها المختلفة. وهي ستة -كلها معربة إلا "أيّ" التي تكون وُصْلة للنداء، وإلا واحدة من حالات "أيّ" الموصولة، وقد سبقت هنا- وفيما يلي إيضاح موجز للستة:
1- موصولة. والمسْتَحْسَنُ أن يكون عاملها مستقبلا، ومتقدمًا عليها. ويجب أن تضاف لفظًا ومعنًى، معًا، أو معنًى فقط - بأن يحذف المضاف إليه بقرينة، طبقًا للبيان الذي في باب الإضافة، وأن تعرب أو تبنى، على حسَب ما شرحنا. وإذا أضيفت فإضافتها إلى المعرفة أقوى وأفضل. ويحسن الاقتصار على هذا الرأي. لأنه المعتمد عليه عند جمهرة النحاة كالاقتصار على الرأي الذي يلتزم في لفظها الإفراد والتذكير، دون اتباع اللغة الأخرى التي تبيح أن تلحقها تاء التأنيث، إذا أريد بها المؤنث نحو: "أية" وتلحقها كذلك علامة التثنية والجمع. فيقال فيهما: أيان أيتان - أيون - أيات .... بالإعراب في جميع أحوال المثنى والجمع ... لأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء المعربة في الغالب ولك أن تصرح بالمضاف إليه، كأن تقول: أيتهن - أياهم - أيتاهن - أيوهم- أياتهن ... وعلى هذه اللغة التي سلجها الأشموني والصبان - لا تكون "أي" من ألفاظ الموصول المشترك.
2- أن تكون اسم شرط معربة؛ فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ حكيم تصادقْ أصادقْ، وأيُّ رِفاق تصاحبْ أصاحبْ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدّد صراحة أو تقديرًاأو عطفا بالواو5؛ فمثال التَّعدد الصريح: أيُّ الأشراف تسايرْ أسايرْ. ومثال التعدد المقدّر - وهو الذي يلحَظ فيه ما يكون في الفرد الواحد من أجزاء متعددة، مثل: أيُّ

ص365

محمدٍ تستحسنْ أستحسنْ. تريد: أيُّ أجزاء محمد تستحسنْ أستحسنْ. ومثل التعدد بالعطف بالواو: أيي وأيك يتكلمّ بحسنْ الكلام، بمعنى: أينُّا...
وإضافتها واجبة لفظًا ومعنى معا، أو معنى فقط، لحذف المضاف إليه بقرينة 
3- أن تكون اسم استفهام، معربة، فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ كتاب تقرؤه؟ وأىُّ صحف تفضلها؟... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدد صريح، أومقدر، أوعطفًا عليها بالواومعرفة مفردة؛ نحو: أىّ الرجال أحق بالتكريم؟ ونحو: أىُّ علىّ أجمل؟ تريد: أىّ أجزاء علىّ أجمل؟ ونحو: أيى وأيك فارس الأحزاب؟.
وإضافة "أىّ" الاستفهامية واجبة لفظًا ومعنى معًا، أومعنى فقط؛ بحذف المضاف إليه؛ لقرينة، كما سيجئ فى ج3 - باب الإضافة.
4- أن تكون اسمًا معربًا، نعتًا يدل على بلوغ المنعوت الغاية الكبرى في مدح أو ذم، ويشترط أن يكون المنعوت نكرة -في الغالب- وأن تكون "أىّ" مضافة لفظًا ومعنى إلى نكرة مذكورة بعدها، مشاركة للمنعوت فى لفظه ومعناه، نحو: استمعت إلى عالمٍ أىِّ عالمٍ. فإذا أضيفت إلى نكرة وكانت هذه النكرة اسما مشتقًّا كان المدح المقصود أو الذم هو المعنى المفهوم من المشتق؛ أي: المعنى المجرد الذي يدل عليه هذا المشتق؛ فإذا قلنا: رأينا فارسًا، أيَّ فارس... فالمعنى المقصود من المدح، هو: "الفروسية" المفهومة من المشتق "فارس" وإذا قلنا: احترسنا من خائن أيِّ خائن... فالمعنى المراد من الذم هو "الخيانة" المفهومة من المشتق "خائن". أما إذا أضيفت إلى نكرة غير مشتقة فإن المدح أو الذم يشمل جميع الأوصاف الذي يصح أن توصف بها هذه النكرة؛ فمن يقول لآخر: إني مسرور بك؛ فقد رأيتك رجلا

ص366

أيَّ رجل،... فكأنما يقول: رأيتك رجلا جمع كل الصفات التي يمدح بها الرجل. ومن يقول عن امرأة أساءت إليه: إنها امرأة أيُّ امرأة... فإنما يقصد أنها جمعت كل الصفات التي تذم بها المرأة.
والأغْلب في النكرة التي هي المضاف، والتي ليست مصدرًا؛ لأن المصدر قد يحذف وتنوب عنه صفته، أن تكون مذكورة في الكلام، ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه ورود السماع بحذفها في قول القائل:
إذا حارب الحجاج أيَّ منافق ... علاه بسيف كلما هز يقطع
... يريد: منافقًا أيّ منافق.
ويقول النحاة: "إن هذا في غاية الندور" فلا يصح محاكاته، ثم يزيدون التعليل: أن الغرض من الوصف "بأيّ" هو المبالغة في المدح أو الذم، والحذف مناف لهذا فمن المحتم عندهم ذكر الموصوف، الذي ليس بمصدر، هذا كلامهم.
5- أن تكون حالا بعد المعرفة، دالة على بلوغ صاحبها الغاية الكبرى في مدح أو ذم. ويشترط أن تكون مضافة لنكرة مذكورة بعدها؛ نحو: أصغيت إلى عليّ أيَّ خطيب، فلا بد من إضافتها لفظًا ومعنى معًا.
6- أن تكون وُصلة لنداء ما فيه "أل"، نحو: {يَأيّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمْ} . وهذه مبنية قطعًا.
ولكل نوع من الأنواع السابقة أحكام هامة -لفظية ومعنوية- مفصلة في الأبواب الخاصة به، ولا سيما بابي "الإضافة والنداء" غير أن الذى عرضناه الآن للمناسبة العابرة هو أحكام موجزة، عرفنا منها: أن "أيًّا" الشرطية والاستفهامية يضافان إلى النكرة تارة كما يضافان إلى المعرفة تارة أخرى. ولكن بشرط.

ص367

كما عرفنا أن كلمة: "أي" الواقعة نعتًا، أو حالا تضاف للنكرة دون المعرفة في الأغلب نحو: فرحت برسالة أيّ رسالة. انتصر محمود أيَّ قائد. وأما التي هي وصلة لنداء ما فيه "أل" فلا تضاف مطلقًا، وهي مبنية. وكذلك "أي" الموصولة فإنها مبنية في إحدى حالاتها التي أوضحناها. أما بقية أنواع "أي"؛ من شرطية، استفهامية،... و.... فمعربة.
ولما كانت "أي" الشرطية والاستفهامية تضاف للنكرة حينًا وللمعرفة حينًا آخر على الوجه السالف - كانت عند إضافتها للنكرة بمنزلة كلمة: "كل" المراد منها المضاف إليه كاملا؛ فيراعى فيما يحتاج معها للمطابقة - كالخبر، والضمير... عود الضمير عليها مراعاة المعنى - غالبًا - فيطابق المضاف إليه، تذكيرًا، وتأنيثًا؛ وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا؛ تقول؛ أى غلام حضر؟ أى غلامين حضرا؟ أى غلمان حضروا؟ أى فتاة سافرت؟ أى فتاتين سافرتا؟ أى فتيات سافرن؟
أما عند إضافتها إلى معرفة فتكون بمنزلة كلمة: "بعض"، المراد منها بعض أجزاء المضاف إليه؛ فيراعى فى عود الضمير عليها وفى كل ما يحتاج للمطابقة معها أن يكون مطابقًا للفظ المضاف، وهو: "أى" فيكون مفردًا، مذكرًا كلفظها. وهذا هوالغالب: فنقول: أى الغلامين حضر؟... أى الغلمان حضر؟ وهكذا الباقى. كما تقول ذلك عند الإتيان بلفظ: "كل وبعض"...
ويرى بعض النحاة أنه لا مانع فيهما من مراعاة اللفظ أومراعاة المعنى، فيجوز عنده الأمران. وفى هذا تيسير محمود لا يمنع من الأخذ به مانع، فنستريح من التقسيم وآثاره إلا أن الأول أفصح وأقوى.
وإلى هنا انتهى الكلام على الألفاظ الستة العامة "أى: المشتركة".

ص368

ويتلخص كل ما سبق من الألفاظ المختصة والمشتركة في الجدول الآتي:
يوجد جدول يسحب إسكانر
فللمفرد المذكر لفظة واحدة، وكذلك لمثناة، وكذلك جمعه، فلهذه الثلاثة ثلاثة ألفاظ.
وللمفرد المؤنثة لفظة واحدة، وكذلك مثناها. أما جمعها فله لفظتان مختومتان بالياء، أو غير مختومتين. فهذه أربعة.
وللجمع بنوعيه لفظة واحدة، تستعمل مقصورة أو ممدودة.
فمجموع الألفاظ كلها ثمانية.

ص369

ب- الألفاظ الستة العامة، "أي: المشتركة":

ص370

كيفية إعراب أسماء الموصول:
أ- جميع الأسماء الموصولة المختصة مبنية، إلا اسمين للمثنى معربين، هما: "اللذان" "واللتان". وما عدا هذين الاسمين المعربين يلاحظ مع بنائه موقعه من الجملة، أفاعل هو، أم مفعول به... أم مبتدأ، أم خبر... أم غير ذلك؟ فإذا عرفنا موقعه، وحاجة الجملة إليه، نظرنا بعد ذلك إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا اهتدينا إلى الأمرين؛ "موقعه من الجملة، وحالة آخره"، قلنا في إعرابه: اسم موصول مبني على السكون، أو على حركة كذا، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة؛ "فالذى" مبنية على السكون دائمًا، ولكنها في محل رفع، أونصب، أوجر على حسب موقعها من الجملة؛ ففى ملث: سافر الذى يرغب فى السياحة، مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وفي مثل: ودعت الذى سافر، مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وفي مثل: أشرت على الذي سافر بما ينفعه، مبنية على السكون في محل جر بعلى.
ومثل هذا يقال في باقي الأسماء الموصولة المختصة؛ سواء منها ما كان مبنيًّا على السكون أيضًا؛ وهو: "التي"، و"أولَى" مقصورة، واللاتي، واللائي. أو مبنيًّا على الكسر؛ وهو: "أولاءِ"، و"اللاتِ" و"اللاءِ". أومبنيًّا على الفتح وهو: "الذينَ".
أما الاسمان الخاصّان بالتثنية؛ وهما: "اللَّذانِ" و"اللَّتان"، رفعا. و"اللَّذَيْنِ" و"اللَّتينِ"، نصبا وجرا، فالأحسن - كما سبق - أن يكونا معربين كالمثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء.
ب- وجميع الأسماء الموصولة العامة "أي: المشتركة" مبنية كذلك؛ إلا "أيّ"؛ فإنها تكون مبنية في حالة، وتكون معربة في غيرها، على حسب ما أوضحنا.

ص371

والأساس الذي نتبعه في الموصولات العامة هو الأساس الذي بيناه في الموصولات المختصة؛ بأن ننظر أوّلا إلى موقع اسم الموصول المشترك من جملته؛ أمبتدأ هو، أم خبر، أم فاعل، أم مفعول... أو...؟ فإذا عرفنا موقعه نظرنا إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا أدركنا الأمرين قلنا عنه: إنه مبني على السكون أو على حركة "كذا" في محل رفع، أو نصب، أو جر. لأنه مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو مضاف إليه... أو...
فكلمة "مَنْ" مبنية على السكون دائمًا، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جر، فهي في مثل، قعد "مَن" حضر - مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وهي في مثل: آنستُ "مَنْ" حضر مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وهي في مثل: سعدتُ "بمن" حضر - مبنية على السكون في محل جر؛ لأنها مجرورة بالياء.
وهكذا يقال فى: "ما" و: "ذو" وفى: "ذا" الواقعة بعد "ما" أو"من" الاستفهاميتين.
أما "أل" الموصولة2 فالأحسن ألا نطبق عليها الأساس السابق؛ فلا ندخل فى اعتبارنا أنها مبنية، ولا ننظر إلى آخرها؛ وهواللام - وإنما ننظر معها إلى الصفة الصريحة التى بعدها، ونجرى على الصفة وحدها حركات الإعراب؛ ففى مثل: الناصح الأمين خير مِعوان فى ساعات الشدة، يلجأ إليه المكروب فينقذه بصائب رأيه - نقول: "الناصح" اسم إن منصوب، "الأمين" صفة منصوبة. "المكروب" فاعل مرفوع.

ص372

صلة الموصول والرابط:

الموصولات كلها -سواء أكانت اسمية أم حرفية- مبهمة المدلول، غامضة المعنى، كما عرفنا. فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها وغموضها، وهو ما يسمى: "الصلة". فالصلة هي التي تُعَين مدلول الموصول، وتُفَصّل مجمله، وتجعله واضح المعنى، كامل الإفادة. ومن أجل هذا كله لا يستغنى عنها موصول اسمي، أو حرفي. وهي التي تُعرّف الموصول الاسمي. فى الصحيح.
شروطها:
الصلة نوعان: جملة "اسمية أو: فعلية" وشبه جملة. والجملة هي الأصل.
فأما النوع الأول - وهوالجملة بقسميها - فمن أمثالها قول الشاعر يصف إساءة أحد أقاربه:
ويَسْعَى إذا أبْنِى لِيهْدِمَ صَالحِى ... وليس الذى يَبْنِى كمنْ شأنُه الهدمُ

ص373

ولا يتحقق الغرض منها إلا بشروط، أهمها :
1- أن تكون خبرية لظفاً ومعنى، وليست للتعجب؛ نحو؛ اقرأ الكتاب

ص374

الذى "يفيدك". بخلاف: اقْرأ الكتاب الذى "حَافِظْ عليه" لأن جملة؛ "حافظْ عليه"، إنشائية، وليست خبرية. وبخلاف: مات الذى "غفر الله له" لأن جملة: "غفر الله له" خبرية فى اللفظ دون المعنى؛ إذ معناها طلب الدعاء للميت بالغفران؛ وطلب الدعاء إنشاء، لا خبر. وبخلاف: هنا الذى "ما أفْضَلَه"؛ لأن الجملة التعجية إنشائية - فى رأى كثير من النحاة - برغم أنها كانت خبرية قبل استعمالها فى التعجب. ويلحق بالخبرية - هنا - الإنشائية التى فعلها: "عسى" الناسخ .
قد يصح فى: "إنْ" - وهى من الموصولات الحرفية - وقوع صلتها جملة طلبية: نحو: كتبت لأخى بأن دَاوِمْ. على أداء واجبك. وهذا مقصور على "أنْ" دون غيرها من الموصولات الاسمية والحرفية.
2- أن يكون معناها معهداً مفصلاً للمخاطب، أوبمنزلة المعهود المفصَّل.
فالأولى مثل: أكرمت الذى قابلك صباحاً؛ إذا كان بينك وبين المخاطب عهد فى شخص مُعَين. ولا يصح غاب الذى تكلم، إذا لم تقصد شخصاً معيناً عند السامع.
والثانية: هى الواقعة فى مَعْرِض التفخيم، أومعرض التهويل؛ مثل: يا له من قائد انتصر بعد أن أبدى من الشجاعة ما أبْدى!! ويا لها من معركة قُتل فيها

ص375

من الأعداء مَنْ قُتل!!.أي: أبْدَى من الشجاعة الشيء الكثير المحمود. وقتل في المعركة الكثير الذي لا يكاد يُعَد. ومثل هذا قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} . أى: الكثير من العلم والحكمة... وقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ، أى؛ الهول الكثير، والبلاء العظيم.
والمعول عليه فى ذلك كله هوالغرض من الموصول؛ فإن كَان الغرض منه أمرًا معودًا للمخاطب جاءت صلته معهودة مفصلة، وإن أريد به التعظيم أوالتهويل جاءت مبهمة بمنزلة المفصلة.
3- أن تكون مشتملة على ضمير يعود على اسم الموصول - غالباً - ويطابقه؛ إما فى اللفظ والمعنى معًا، وإما فى أحدهما فقط على التفصيل الذى سنعرفه. وهذا الضمير يسمى: "العائد، أو: الرابط" لأنه يعود - غالبًا - على الموصول، ويربطه بالصلة. ولا يكون إلا فى الموصولات الاسمية دون الحرفية.
ويجب أن تكون مطابقته تامة؛ بأن يوافق لفظ الموصول ومعناه. وهذا حين يكون الموصول اسمًا مختصًا؛ فيطابقه الضمير فى الإفراد، والتأنيث، وفروعهما؛ نحو: سَعِدَ الذى أخلص، واللذان أخلصا، والذين أخصلوا، والتي أخلصتْ، واللتان أخلصتا، واللاتى أخلصْن. ومن هذا قول الشاعر:
أمَنزلَتىْ مَىٍّ، سَلامٌ عليكما ... هل الأزْمُنُ اللاَّتى مَضَيْنَ رَوَاجعُ
أما إن كان الاسم الموصول عامًّا "أى: مشتركاً" فلا يجب فى الضمير مطابقته مطابقة تامة: لأن اسم الموصول العام: لفظه مفرد مذكر دائماً، كما أسلفنا "مثل: مَنْ - ما - ذو-..." ولكن معناه قد يكون مقصوداً به. المفردة، أوالمثنى، أوالجمع. بنوعيها، ولهذا يجوز فى العائد "أى: الرابط".

ص376

عند أمْن اللبس، وفي "غير أل": مراعاة اللفظ، وهو الأكثر، ومراعاة المعنى وهو كثير أيضًا، بالتفصيل الذي عرفناه، تقول شَقِيَ مَنْ أسْرَف... فيكون الضمير مفردًا مذكرًا في الحالات كلها؛ مراعاة للفظ "من"، ولو كان المراد المفردة، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما. وإن شئت راعيْت المعنى، فأتيت بالرابط مطابقًا له؛ فقلت: من أسْرَفَتْ. من أسْرَفَتَا -من أسْرفُوا- من أسْرفَّن. فالمطابقة في اللفظ أو في المعنى جائزة في العائد على اسم الموصول المشترك. إلا إن كان اسم الموصول المشترك "أل" فتجب المطابقة في المعنى وحده؛ لخفاء موصوليتها بغير المطابقة، كما سبق عند الكلام عليها.
وقد يغنى عن الضمير فى الربط اسم طاهر يحل مكان ذلك الضمير، ويكون بمعنى الموصول؛ نحو: اشكر عليًّا الذى نفعك علْمُ علىّ، أي: علمه. ونحوقول الشاعر العربى:
فيا رَبَّ ليلَى أنتَ فى كُلِّ مَوْطن ... وأنت الَّذِى فى رحمةِ اللهِ أطمعُ
أي: فى رحمته أطمعُ.

ص377

زيادة وتفصيل:
أ- هناك شروط أخرى في جملة الصلة؛ أهمها:
1- أن تتأخر وجوباً عن الموصول؛ فلا يجوز تقديمها، ولا تقديم شىء منها عليه. إلا إن كان بعض مكملاتها شبه جملة ففي تقديمه خلاف يجيء بيانه في الشرط الثاني.
2- أن تقع بعد الموصول مباشرة؛ فلا يفصل بينهما فاصل أجنبى؛ "أى: ليس من جملة الصلة نفسها". وألا يفصل بين أجزاء الصلة فاصل أجنبى أيضًا؛ ففى مثل: اقرأ الكتاب الذى يفيدك فى عملك، وأرشدْ إليه غيرَك...، لا يصح اقرأ الكتاب الذى - غيرَك - يفيدك فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبى بين الموصول وصلته، وهوكلمة: "غير" التى هى من جملة أخرى غير جملة الصلة. ولا يصح اقرأ الكتاب الذى يفيدك - غيرَك - فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبي لم يفصل بين الموصول وصلته؛ وإنما تخلل جملة الصلة، وفصل بين أجزائها مع أنه ليس منها... وهكذا.
لكن هناك أشياء يجوز الفصل بها بين الموصولات الاسمية وصلتها إلا "أل" فلا يجوز الفصل بينها وبين صلتها مطلقاً. وكذلك يجوز الفصل بها بين الموصول الحرفى "ما" وصلته - في رأى قوىّ - دون غيره من باقى الموصولات الحرفية.
فأما الأشياء التى يجوز أن تفصل بين هذه الأنواع من الموصولات وصلتها فهى: جملة القسم؛ نحوغاب الذى "والله" قهر الأعداء. أوجمكلة النداء بشرط أن يسبقها ضمير المخاطب؛ نحو: أنت الذى - يا حامد - تتعهد الحديقة، أوبالجملة المعترضة؛ نحو: والدى الذى - أطال الله عمره - يرعى

ص378

شئوني، أو بجملة الحال، نحو: قدم الذي -هو مبتسم- يحسن الصنيع.
أو: "كان" الزائدة، نحو: كرمت الذي كان شاركته في السياحة ...
وكذلك يجوز تقديم بعض أجزاء الصلة الواحدة على بعض بحيث يفصل المتقدم بين الموصول وصلته، أوبين أجزاء الصلة، إلا المفعول به؛ فلا يصح تقديمه على عامله إن كان الموصول حرفياً غير: "ما" تقول: تفتح الورد الذى العيونَ - يَسُرّ ببهائه. أوتفتح الورد الذى - ببهائه - يَسُرّ العيون. تريد فيهما: تفتح الورد الذى يسر العيون ببهائه.
والفصل بتلك الأشياء على الوجه الذى شرحناه - جائز فى الموصولات الاسمية إلا "أل"، غير جائز فى الموصولات الحرفية إلا "ما"؛ كما قلنا؛ فيصح أن تقول: فرحتُ بما الكتابةَ أحسْنت، أى: بما أحسنْت الكتابة. "بإحسانك الكتابة".
ولما كان الفصل بين الموصول وصلته غير جائز إلا على الوجه السالف امتنع مجىء تابع للموصول قبل مجىء صلته؛ فلا يكون له قبلها نعت، ولا عطف بيان، أونسق ولا توكيد، ولا بدل، وكذلك لا يخبر عنه قبل مجىء الصلة وإتمامها. لأن الخبر أجنبى عن الصلة، وكذلك لا يستثنى من الموصول؛ فلا يصح: "رجع الذى - غيرُ الضار - ينفع الناس"؛ ولا يصح: "يحترم العقلاء الذى محمدًا - يفيد غيره"، ولا: "نظرت إلى الذى - والحصنِ - سكنتَه"، ولا: "رأيت التى - نفسَها فى الحقل"، ولا: "جاء الذينَ - الذى فاز - فازوا". ولا: "الذى سباحٌ ماهر - عبر النيل" ولا: "وقف الذين - إلا محمودًا - فى الغرفة" تريد: رجع الذى ينفع الناس غيرُ الضار. ويحترم العقلاء الذى "أى: محمدًا" يفيد غيرَه. ونظرت إلى الذى سكنته والحصنِ، ورأيت

ص379

التي في الحقل نفسَها. وجاء الذى فاز. الذى عبر النيل سباح ماهر - ووقف الذين فى الغرفة إلا محمودًا.
ويفهم من الشرط السابق شىء آخر. هو: أنه لا يجوز تقدم الصلة ولا شىء من مكملاتها على الموصول، وهذا صحيح، إلا أن يكون المكمل ظرفًا، أوجارًّا مع مجروره - فيجوز التقديم عند أمن اللبس نحو: أمامنا الذى قرأتَه رسالةٌ كريمةٌ. أي: الذي قرأته أمامنا رسالةٌ كريمة. ومثل: الغزالة هي -في حديقتك- التي دَخَلَتْ. أي: الغزالة هي التي دخلتْ في حديقتك.
3- ألا تستدعي كلامًا قبلها؛ فلا يصح: كتب الذى لكنه غائب، ولا: تَصَدَّق الذي حتى ما لُه قليل؛ إذ "لكن" لا يتحقق الغرض منها "وهو: الاستدراك" إلا بكلام مفيد سابق عليها، وكذلك: "حتى" لا بد أن يتقدمها كلام مفيد تكون غاية له.
4- ألا تكون معلومة لكل فرد؛ فلا يصح شاهدت الذى فمه فى وجهه، ولا حضر مَنْ رأسه فوق عنقه.
ب- إذا كان اسم الموصول خبرًا عن مبتدأ، هوضمير متكلم أومخاطب، جاز أن يراعى فى الضمير الرابط مطابقته للمبتدأ فى التَّكلم أوالخطاب، وجاز مطابقته لاسم الموصول فى الغَيبة؛ تقول: أنا الذى حضرت، أو: أنا الذى حضر. وأنت الذى برعتَ فى الفن، أو: أنت الذى برع فى الفن؛

ص380

فالتاء في الصورة الأولى يراد بها المبتدأ: "أنا" ولا تعود على اسم الموصول. وهو في هذه الحالة يعرب خبرًا؛ ولا يحتاج لرابط يعود عليه من الصلة؛ اكتفاء واستغناء بالتاء المراد بها المبتدأ؛ فيكون المبتدأ والخبر هنا كالشيء الواحد. وأما في الصورة الثانية فالضمير في الصلة للغائب فيعود على اسم الموصول. ومثل ذلك يقال في الحالتين اللتين فيهما المبتدأ ضمير المخاطب، وخبره اسم موصول.
كما يقال أيضًا في حالة ثالثة؛ هي: أن يكون المبتدأ ضمير متكلم أو مخاطب، وله خبر موصوف باسم موصول؛ فيجوز في الرابط أن يكون للتكَّلم أو للخطاب، مراعاة للمبتدأ، ويجوز فيه أن يكون للغيبة؛ مراعاة لاسم الموصول.تقول: أنا الرجل الذي عاونت الضعيف، أوأنا الرجل الذى عاون الضعيف -وأنت الرجل الذي سبقت في ميدان الفنون، أو: أنت الرجل الذي سبق في ميدان الفنون.
وإنما يجوز الأمران في الحالات السابقة ونظائرها بشرطين:
أولهما: ألا يكون المبتدأ الضمير مُشَبهًا بالخبر فى تلك الأمثلة؛ فإن كان مُشَبَّهًا بالخبر لم يجز فى الربط إلا الغَيبة؛ نحو: أنا فى الشجاعة الذى هزم الرومان فى الشام. وأنت فى القدرة الذى بنى الهرم الأكبر؛ تريد؛ أنا فى الشجاعة كالذى هزم الرومان فى الشام، وأنت فى القدرة كالذى بنى الهرم الأكبر. فالمبتدأ فى المثالين مقصود به التشبيه، لوجود قرينة تدل على ذلك؛ هى: أن المتكلم والمخاطب يعيشان فى عصرنا، ولم يدركا العصور القديمة.
وثانيهما: ألا يكون اسم الموصول تابعًا للمنادى: "أيّ"، أو: أيّة، في مثل: يأيّها الذي نصرت الضعيف ستسعد، ويأيتها التي نصرت الحق ستفوزين فلا يَصح أن تشتمل الصلة على ضمير خطاب في رأي بعض النحاة، دون بعض آخر. وملخص المسألة -كما سيجيء في ج4 ص 36 م 30 باب أحكام تابع المنادى - هو أنه لا بد من وصف؛ "أي وأيَّة"، عند ندائهما بواحد من أشياء معينة محددة، منها: اسم الموصول المبدوء "بأل" وقد اشترط الهمع "ج1 ص175" أن يكون الموصول مبدوءًا بأل، وأن تكون صلته خالية من الخطاب،

ص381

فلا يقال يأيها الذي قمت. في حين نقل الصبان "ج3 أوباب تابع المنادى" - صحة ذلك قائلا ما نصه: "ويجوز بأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت"، والظاهر أن الذي منعه الهمع ليس بالممنوع، ولكنه غير الأفصح الشائع في الكلام المأثور؛ بدليل ما قرره النحاة ونقله الصبّان في الموضع المشار إليه ونصّه: "الضمير في تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغَيبة؛ نظرًا إلى كون لفظ المنادى اسمًا ظاهرًا، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وبلفظ الخطاب نظرًا إلى كون المنادى مخاطبًا، فعلمت أنه يجوز أيضًا: يا زيد نفسه أو نفسك. قاله الدماميني. ثم قال ويجوز يأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت" ا هـ كلام الصبان نصّا.
وكل ما سبق تقريره في العائد من حيث التكلم أو الخطاب أو الغيبة يثبت لكل ضمير قد يجيء بعده ويكون بمعناه؛ نحو: أنا الذي عاهدتك على الوفاء ما عشتُ. أو أنا الذي عاهدك على الوفاء ما عاش، وقد يختلفان كما في قول الشاعر:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
وسيجىء في باب أحكام تابع المنادى "في الجزء الرابع" أن الضمير المصاحب لتابع المنادى يصح فيه أن يكون للغائب أو للمخاطب، وأن هذا الحكم عام يسرى على توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب، إلا صورة واحدة مستثناة وقع فيها الخلاف. وتطبيقًا لذلك الحكم العام نقول: يا عربا كلكم، أو: كلهم... ويا هارون نفسك، أو: نفسه، خذ بيد أخيك - يا هذا الذى قمت أوقام أسرع إلى الصارخ.
أما الصورة المستثناة التى وقع فيها الخلاف فهى التى يكون فيها المنادى لفظ. "أىّ، أو: أية" والتابع اسم موصول، فلا يجوز عند فريق من النحاة أن تشتمل صلته على ما يدل على خطاب؛ فلا يصح: يأيها الذى حضرت، ويصح عنده غيره -كما سلف.
هذا، وبالرغم من جواز المطابقة وعدمها في الصور السابقة التي في قسم "ب" - فإن مطابقة الرابط لضمير المتكلم أفصح، وأوضح، فهي أولى من مراعاة

ص382

الموصول الغائب، وكذلك مطابقته للمخاطب أولى من اسم الموصول الغائب؛ لأن زيادة الإيضاح غرض لغوي هام، لا يعدل عنه إلا لداع آخر أهم.
ج- يجيز الكوفيون جزم المضارع الواقع في جملة بعد جملة الصلة، بشرط أن تكون الجملة الفعلية المشتملة على هذا المضارع مترتبة على جملة الصلة كترتب الجملة الجوابية على الجملة الشرطية حين توجد أداة الشرط التي تحتاج للجملتين، فكأن الموصول بمنزلة أدامة الشرط، والجملتان بعده بمنزلة جملة الشرط وجملة الجواب. ففي مثل: من يزورني أزُوره... يجيزون؛ من يزورني أزره؛ بجزم المضارع: "أزرْ" على الاعتبار السالف . لكن حجتهم هنا ضعيفة، والسماع القوي لا يؤيدهم، ولهذا يجب إهمال رأيهم، والاكتفاء من معرفته بفهم المسموع الوارد، دون محاكاته .

ص383

وأما النوع الثاني وهو: "شبه الجملة" في باب الموصول فثلاثة أشياء: الظرف -والجار مع المجرور- والصفة الصريحة. ويشترط فى الظرف والجار مع المجرور أن يكونا تأمّين، أي: يحصل بالوصل بكل منهما فائدة؛

ص384

تزيل إبهام الموصول، وتوضح معناه من غير حاجة لذكر متعلقهما؛ نحو: تكلم الذى عندك، وسكت الذى فى الحجرة. فكل من الظرف: "عند" والجار مع المجرور: "فى الحجرة"، تام. ولا بد أن يتعلق كل منهما في هذا

ص385

الباب بفعل لا بشيء آخر، وهذا الفعل محذوف وجوبًا -لأنه كوْن عامّ- تقديره: استقرّ، أو حَل، أو نزلَ... وفاعله ضمير مستتر يعود على اسم الموصول، ويربط بينه وبين الصلة. فالأصل فى المثالين السابقين: تكلم الذى استقر عندك، وسكت الذى استقر فى الحجرة. وهكذا...
"ملاحظة"؛ إذا وقع الظرف نفسه صلة "أل" - بأن دخلت عليه مباشرة، كصنيع بعض القبائل العربية فى مثل قولهم: سررت من الكتاب الْمَعَك؛ يريدون: الذى معك - فإنَّ تعلق الظرف فى هذه الحالة لا يكون إلاّ بصفة صريحة، تقديرها: "الكائن"، أو: نحوهذا التقدير. لأن صلة: "أل" لابد

ص386

أن تكون صفة صريحة، ولا يصح التعلق بفعل -كما سنعرف.
أما الصفة الصريحة فالمراد بها: الاسم المشتق الذى يشبه الفعل فى التجدد والحدوث, شبهًا صريحًا؛ أى: قويًا خالصًا "بحيث يمكن أن يحل الفعل محله" ولم تغلب عليه الاسمية الخالصة. وهذا ينطبق على اسم الفاعل -ومثله صيغُ المبالغة- واسم المفعول؛ لأنهما -باتفاق- يفيدان التجدد والحدوث؛ مثل قارئ، فاهم: زَرّاع، مقروء، مفهوم...

ص387

وتكون الصفة الصريحة مع فروعها صلة "أل" خاصة؛ فلا يقعان صلة لغيرها، ولا تكون "أل" اسم موصول مع غيرهما على الأشهر. تقول: انتفع القارىء -سَمَا الفاهم- اغتنى الزَّراع، المقروء قليل،ولكن المفهوم كثير... ومثل المرتَجَى والخائب في قول الشاعر:
الصدق يألفُه الكريمُ المرتَجَى ... والكِذْب يألفه الدنىء الخائبُ
ولما كانت الصفة المشبهة الصريحة مع مرفوعها هى التى تقع صلة "أل" وتتصل بها اتصالا مباشراً ولا ينفصلان36 حتى كأنهما كلمة واحدة - كان المستحسن إجراء الإعراب بحركاته المختلفة على آخر هذه الصفة الصريحة دون

ص388

ملاحظة "أل"؛ فهويتخطاها؛ برغم أنها اسم موصول مستقل، وأن صلته هى شبه الجملة المكون من الصفة الصريحة مع فروعها. فالصفة وحدها هى التى تجرى عليها أحكام الإعراب، ولكنها مع فروعها صلة لا محل لها. والأخذ بهذا الإعراب أيسر وأبعد من التعقيد الضارب فى الآراء الأخرى.
فإن غلبت الاسمية على الصفة صارت اسماً جامد، ولم تكن "أل" الداخلة عليها اسم موصول، مثل الأعلام: المنصور، والهادى، والمأمول، والمتوكل... من أسماء الخلفاء العباسيين؛ ومثل: الحاجب؛ لما فوق العين. والقاهر، والمنصور، والمعمورة، من أسماء البلاد المصرية.

ص389

زيادة وتفصيل:
يقتضي المقام أن نعرض لمسائل هامة تتصل بما نحن فيه. منها: تعدد الموصول، والصلة -حذفها- حذف الموصول -اقتران الفاء بخبر اسم الموصول، والتفريعات المتصلة بذلك- حذف العائد "ولهذا بحث مستقل في 394".
وإليك الكلام فى هذه المسائل:
أ- تعدد الموصول والصلة:
1- قد يتعدد الموصول من غير أن تتعدد الصلة؛ فيكتفى موصولان أوأكثر بصلة واحدة. ويشترط فى هذه الحالة أن يكون معنى الصلة أمرًا مشتركًا بين هذه الموصولات المتعددة، لا يصح أن ينفرد به أحدهما، دون الآخر، وأن يكون الرابط مطابقًا لها باعتبار تعددها. مثل: فاز بالمنحة "الذي" "والتي" أجادا، وأخفق "الذين واللاتي" أهملوا. ففي المثال الأول وقعت الجملة الفعلية: "أجادا" صلة لاسمي الموصول: "الذي" و"التي". ولا يصح أن تكون صلة لأحدهما بغير الآخر؛ لاشتراكهما معًا في معناها؛ ولأن الرابط مثنى لا يطابق أحدهما وحده، وإنما لوحظ فيه أمرهما معًا. وكذلك الشأن في المثال الآخر.
2- قد تتعدد الموصولات وتتعدد معها الصلة؛ فيكون لكل موصول صتله؛ إما مذكورة فى الكلام، وإما محذوفة4. جوازًا، وتدل عليها صلة أخرى مذكورة،

ص390

بشرط أن تكون المذكورة صالحة لواحد دون غيره؛ فلا تصلح لكل موصول من تلك الموصولات المتعددة؛ نحو: عُدْت "الذي" و"التي" مرضتْ. وسارعت بتكريم "اللائي" و"الذين" أخلصوا للعلم. فالصلة في كل مثال صالحة لأحد الموصولين فقط؛ بسبب عدم المطابقة في الرابط؛ فكانت صلة لواحد، ودليلا على صلة الآخر المحذوفة جوازًا. فأصل الكلام عدت الذي مرض، والتي مرضت. وسارعت بتكريم اللائي أخلصن، والذين أخلصوا. وهذا نوع من حذف الصلة جوازًا، لقرينة لفظية تدل عليها...
وقد تحذف الصلة لوجود قرينة لفظية أيضًا ولكن من غير أن يتعدد الموصول؛ مثل من رأيته فى المكتبة؟ فتجيب: محمد الذي... أو: سعاد التي...
وقد تحذف الصلة من غير أن يكون في الكلام قرينة لفظية تدل عليها وإنما تكون هناك قرينة معنوية يوضحها المقام؛ كالفخر، والتعظيم، والتحقير، والتهويل... فمن أمثلة الفخر أن يسأل القائد المهزوم البادي عليه وعلى كلامه أثر الهزيمة، قائدًا هزمه: من أنت؟ فيجيبه المنتصر: أنا الذي... أي: أنا الذي هزمتك. فقد فُهمت الصلة من قرينة خارجية، لا علاقة لها بألفاظ الجملة. ومثل: أن يسأل الطالب المتخلف زميله الفائز السابق بازدراء: من أنت؟ فجيب الفائز: أنا الذى... أي: أنا الذى فزت، وسبقتك، وسبقت غيرك... ومنه قول الشاعر يفاخر:
نَحْنُ الأُلى... فَاجْمَعْ جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا

ص391

أي: نحن الذين اشتهروا بالشجاعة، والبطولة، وعدم المبالاة بالأعداء.
ومن التحقير أن يتحدث الناس عن لص فتاك، أوقعت به حيلة فتاة صغيرة وغلام، حتى اشتهر أمرهما. ثم يراهما اللص؛ فيقول له أحد الناس: انظر إلى التي والذي... أي: التي أوقعت بك. والذي أوقع بك...
ويشترط في حذف الصلة هنا ما سبقت في سابقتها من عدم وجود ما يصلح صلة بعد المحذوفة.
وقد وردت أساليب قليلة مسموعة عند العرب، التزموا فيها حذف الصلة؛ كقولهم: عند استعظام شيء وتهويله: "بعد اللَّتُيَّا والَّتي ..........، يريدون بعد اللتيا كَلَّفتْنا مالا نطيق، والتي حملتنا مالا نقدر عليه، أدركنا ما نريد.
مما تقدم نعلم أن حذف الصلة فى غير الأساليب المسموعة جائز عند وجود قرينة لفظية، أو معنوية؛ سواء أكانت الموصولات متعددة، أم غير متعددة بشرط ألا يكون الباقي بعد حذفها صالحًا لأن يكون صلة.
3- يجوز حذف الموصول الاسمى غير "أل" إذا كان معطوفاً على مثله، بشرط ألا يوقع حذفه، في لَبْس؛ كقول زعيم عربيّ: "أيها العرب، نحن نعلم ما تفيض به صدور أعدائنا؛ من حقد علينا، وبغض لنا، وأن فريقًا منهم يدبر المؤامرات سرًّا، وفريقًا يملأ الحواضر إرْجَافًا، وفريقًا يُعِد العُدة للهجوم علينا، وإشعال الحرب فى بلادنا، ألا فليعلموا أن من يُدبّر المؤامرات، ويطلق الإشاعات، ويحْشُد الجيوش للقتال، كمن يطرق حديدًا باردًا؛ بل كمن يضرب رأسه في صخرة عاتية، ليحطمها؛ فلن يخدشها وسيحطم رأسه".
فالمعنى يقتضي تقدير أسماء موصولة -محذوفة؛ فهو يريد أن يقول: من يدبّر المؤمرات، ومن يطلق الإشاعات، ومن يحشد الجيوش... ذلك لأنهم طوائف متعددة، ولن يظهر التعدد إلا بتقدير "مَنْ". ولولاها لأوهم الكلام أن تلك الأمور كلها منسوبة لفريق واحد؛ وهى نسبة فاسدة. ولهذا

ص392

يجب عند الإعراب مراعاة ذلك المحذوف، كأنه مذكور، ومثله قول حسان فى أعداء الرسول عليه السلام:
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُه وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
فالتقدير؛ من يهجو رسول الله، ومن يمدحه: ومن ينصره سواء. ولولا هذا التقدير لكان ظاهر الكلام أن الهجاء والمدح والنصر، كل أولئك من فريق واحد. ومن هذا قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} ، أي: والذى أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى المسلمين ليس هو المنزَّل إلى غيرهم من أهل الكتاب.
أما الموصول الحرفي فلا يجوز حذفه، إلا "أنْ" فيجوز حذفها؛ مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} وقد يجب. الحذف بنوعيه تفصيلات موضعها الكلام على "أنْ" الناصبة.
ب- قد يقترن الخبر الذى مبتدؤه اسم موصول بالفاء وجوبًا أو جوازًا، أو الذى مبتدؤه متصل باسم الموصول بنوع من الاتصال على الوجه الذى يجيء بيانه وتفصيله في مكانه المناسب من باب المبتدأ والخير تحت عنوان: مواضع اقتران الخبر بالفاء ص484 م41 وما بعدها. ومنها نعلم مواضع زيادة "الفاء" في صلة الموصول بنوعيه بسبب إبهامه وعمومه.

ص393

حذف الرابط
حذف العائد
لا بد لكل موصول من صلة، فإن كان اسميًّا وجب أن تشتمل صلته على رابط؛ هو: الضمير، أو ما يقوم مقامه، كما أسلفنا.
وهذا الضمير الرابط قد يكون مرفوعًا؛ مثل "هو" في نحو: خير الأصدقاء مَنْ هو عَوْنٌ في الشدائد... أو منصوبًا، مثل "ها" في نحو: ما أعجبَ الآثار التي تركها قدماؤنا، أو مجرورًا؛ مثل: "هم" في نحو: أصغيتُ إلى الناصحين الذين أصغيتَ إليهم.
والرابط فى كل هذه الصور -وأشباهها- يجوز ذكره في الصلة كما يجوز حذفه، بعد تحقق شرط عام، هو: وضوح المعنى بدونه، وأمن اللبس "ومن أهمّ مظاهر أمن اللبس ألا يكون الباقي بعد حذفه صالحًا صلة".
غير أن هناك شروطًا خاصة أخرى تختلف باختلاف نوع الضمير يجب تحققها قبل حذفه، سواء أكان اسم الموصول هو "أيّ" أم غيرها. وفيما يلي التفصيل:
أ- إن كان الضمير الرابط مرفوعًا لم يجز حذفه إلا بشرطين: أن تكون الصلة جملة اسمية، المبتدأ فيها هو الرابط، وأن يكون خبره مفردًا3. كأن يسألك سائل.

ص394

كيف نُفَرّقَ بين ماء النهر وماء البحر؟ فتجيب: الأنهار التي عذبةُ الماء، والبحار التى مِلْحيَّة الماء. تريد: الأنهار، التي هي عذبة الماء، والبحار التي هي ملحيةُ الماء. ومثل: أن يسأل: ما أوضحُ فارق بين النجم والكوكب؟ فتقول: النجم الذى مضيءٌ بنفسه، والكوكب الذي مستمِدٌ نورَه من غيره. أي: النجم الذي هو مضيء بنفسه... والكوكب الذي هو مستمد...
فإذا استوفى الضمير المرفوع الشرطين الخاصّين ومعهما الشرط العام جاز حذفه، والأحسن عند الحذف أن تكون صلته طويلة "أى: ليست مقصورة

ص395

عليه وعلى خبره المفرد، وإنما يكون لها مُكَملات؛ كالمضاف إليه، أو المفعول، أو الحال، أو النعت، أو غير ذلك..."، نحو: نزل المطر الذي مصدر مياه الأنهار، ونحو برعتْ مصانعنا التي الرجاء العظيم. أو التي رجاؤنا في الغنى قريبًا... ونحو: اشتد الإقبال على التعليم الذى كفيل بإنهاض الفرد والأمة...
ويجوز أن نقول: نزل المطر الذي حياة، وبرعتْ مصانعنا التي الأمل، واشتد الإقبال على التعليم الذي سعادة.
والأساليب العالية لا تَجْنَح كثيرًا إلى حذف العائد المرفوع؛ فإن جنحت إليه اختارت -في الغالب- طويل الصلة.
ب- إن كان الرابط ضميرًا منصوبًا لم يجز حذفه إلا بثلاثة شروط خاصة -غير الشرط العام- هي: أن يكون ضميرًا متصلاً، وأن يكون ناصبه فعلاً تامًّا، أو وصفًا تامًّا، وأن يكون هذا الوصف لغير صلة: "أل"

ص396

التي يعود عليها الضمير، مثل: ركبت القطار الذي ركبتَ، أي: ركبته، وقرأت الصحيفة التي قرأتَ، أي: قرأتها وقول الشاعر يصف مَدينة:
بها ما شئتَ مِنْ دين ودنْيا ... وجيرانٍ تناهوْا فى الكمالِ
أي: ما شئته: وقول الآخر:
ومن ينفق الساعاتِ في جعِ مالهِ ... مخافةَ فقْرٍ فالذي فعلَ الفقرُ
أي: فعَله.. ومثل: اشكر الله على ما هو مُوليك، واحْمَدُه على ما أنت المعْطَى. أي: موليكه "والأصل: موليك إياه"، والمُعْطَاه.
ومثل: الذى أنا مُعيرُك -كتابٌ. والذي أنت المسلوب- المالُ. أي: الذي أنا مُعيِرُكه كتاب، والذي أنت المسلوبُه- المال.

ص397

فإن فُقد شرط لم يصح الحذف.
ج- وإن كان الرابط ضميرًا مجرورًا -والشرط العام متحقق- فإما أن يكون مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر؛ فالمجرور بالإضافة يجوز حذفه إن كان

ص398

المضاف اسم الفاعل، أو اسم مفعول. وكلاهما للحال أو الاستقبال؛ مثل: يفرح الذى أنا مُكرِمٌ الآن أو غدًا، "أي: مكرمه". ويرضينى ما أنا معطًى الآن أو غدًا "أي: مُعطاه" ومثلهما: جادت مصنوعاتنا، فالبس منها منا أنت لابس غدًا، واطلب منها ما أنت طالب بعد حين، "أي: لابسه... وطالبه"، إن يسلبني اللص بعض المال أتألم لما أنا مسلوب "أي: مسلوبه".
والمجرور بالحرف يجوز حذفه بشرط أن يكون اسم الموصول مجرورًا بحرف يشبه ذلك الحرف في لفظه، ومعناه، ومتعلَّقه. وإذا حذف الرابط حذف معه الحرف الذى يجره؛ مثل: سلّمتُ على الذي سلّمتَ، "أي: سلّمتَ عليه وانتهيتُ إلى ما انتهيتَ. "أي: إلى ما انتهيت إليه".
وقد يكون حرف الجر غير داخل على اسم الموصول وإنما على موصوف باسم الموصول. نحو: مشيتُ على البساط الذي مشيتَ؛ أي: عليه، وسرتُ في الحديقة التي سرتَ؛ أي: فيها.

ص399

تلك حالة حذف العائد المجرور، وهي كثيرة في الأساليب العالية.

ص400

زيادة وتفصيل:
أ- قد يستغني الموصول عن العائد كما فى بعض الصور التى سلفت.
ب- الكلام في: "ولا سيما، وأخواتها" معناها، وإعرابها في جملتها. يتضح معنى "ولا سيما" من الأمثلة التالية:
المعادن أساس الصناعة؛ كولا سيما الحديد. تجود الزروع بمصر، ولا سيما القطن، نحتقر الأشرار، ولا سيما الكذَّاب...
فالمثال الأول يتضمن: أن الصناعة تقوم على أساس؛ هو: المعادن؛ كالنحاس، والرصاص، والفضة... وكالحديد أيضًا. فالحديد يشاركها في وصفها بأنها: "أساس". ولكنه يختلف عنها فى أن نصيبه من هذا الوصف أكثر وأوفر من نصيب كل معدن آخر.
وفي المثال الثاني حُكمٌ بالجودة على ما ينبت في مصر، من قمح، وذرة وقصب، و... قطن أيضًا؛ فهو يشاركها في الاتصاف بالجودة؛ ولكنه يخالفها في أن تصيبه من هذه الجودة أوْفى وأكبر من نصيب كل واحد من تلك الزروع.
وفي المثال الثالث نحكم بالاحتقار على الأشرار؛ ومنهم اللص، والقاتل، والمنافق... ومنه الكذاب أيضاً فهو شريكهم في ذلك الحكم، وينطبق عليه الوصف مثلهم. ولكن نصيبه منه أكبر وأكثر من نصيب كل فرد منهم.
مما سبق نعرف أن الغرض من الإتيان بلفظ: "ولا سيما" هو: إفادة أن ما بعدها وما قبلها مشتركان في أمر واحد، ولكن نصيب ما بعدها أكثر وأوفر من نصيب ما قبلها. ولذا يقول النحاة: إن "لاسيَّ"، معناها: لا مثل... يريدون: أن ما بعدها ليس مماثلًا لما قبلها في المقدار الذى يخصه من الأمر المشترك

ص401

بينهما؛ وأن ما بعدها يزيد عليه في ذلك المقدار؛ سواء أكان الأمر محمودًا، أم مذمومًا.
أما إعرابها في جملتها وإعراب الاسم الذي بعدها فقد يكفي جمهرة المتعلمين علمها أن: "ولا سيَّمَا" لا تتغير حركة حروفها مهما اختلفت الأساليب، وأن الاسم الذي بعدها يجوز فيه الأوجه الثلاثة: "الرفع، والنصب، والجر" سواء أكان نكرة أم معرفة. وأن فيها عدة لغات صحيحة لا يمنع من استعمال إحداها مانع. ولكن أكثرها في الاستعمال الأدبي هو: "ولا سيَّمَا"؛ فيحسن الاقتصار عليه؛ لما في ذلك من المسايرة للأساليب الأدبية العالية التي تكسب اللفظ قوة في غالب الأحيان، وفي هذا القدر كفاية لمن يبتغي الوصول إلى معرفة الطريقة القويمة في استعمالها، من غير أن يتحمل العناء في تفهم الإعرابات المختلفة. أمام من يرغب في هذا فإليه البيان:
الاسم الواقع بعد: "ولا سيما" ما أن يكون نكرة، وإما أن يكون معرفة؛ فإن كان نكرة جاز في الأوجه الثلاثة كما سبق، تقول:
1- اقتنيت طرائف كثيرة، ولا سيَّما: أقلامٌ، أو أقلامًا، أو أقلامٍ.
2- اشتريت طيورًا كثيرة، ولا سيما؛ عصفورٌ، أو: عصفورًا، أو: عصفورٍ.
3- قصرت ودي على المخلصين؛ ولا سيَّما واحدٌ، أو واحدًا، أو واحدٍ.

ص402

وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة فالأنسب جواز الأوجه الثلاثة أيضًا، كما في الأمثلة التالية:
1- أتمتع برؤية الأزهار، ولا سيما: الوردُ، أو: الوردَ، أو: الوردِ.
2- شاهدت أثارًا رائعة، ولا سيما: الهرمُ، أو: الهرمَ، أو: الهرمِ.
3- ما أجمل الكواكب في ليل الصيف: ولا سيما القمرُ، أو: القمرَ أو القمرِ.

ص403

ولا سيما كلمة: عصفور وكلمة: واحد، كالذي سبق في نظائرها تمامًا، يجري عليهما الإعراب السابق في كلمة: "أقلام رفعًا، نصبًا، وجرًّا.
وإعراب المعرفة في حالتي الرفع والجر كإعراب النكرة فيهما. أما في حالة النصب فتعرب النكرة تمييزًا كما أوضحنا، وتعرب المعرفة مفعولًا به. ففي مثل: أتمتع برؤية الأزهار ولا سيما الوردَ، يصح أن يكون الإعراب كما يلي:
الواو للاستئناف. "لا" نافية للجنس. "سيّ" اسمها منصوب ومضاف. "ما" نكرة تامة بمعنى: شيء، وهي مضاف إليه. مبنية على السكون فى محل جر. وخبر لا محذوف تقديره: موجود مثلا -و"الورد" مفعول به لفعل محذوف تقديره: أخص: أو: أعني... والفاعل مستتر وجوبًا تقديره: أنا. ومثل هذا يقال في كلمة: الهرم، والقمر، في الأمثلة التي سلفت ونظائرها، وقد تقع الحال المفردة أو الجلمة بعد: "ولا سيما" نحو: أخاف الأسد، ولا سيما غاضبًا، أو: وهو غاضب... وقد تقع الجملة الشرطية بعدها، وغير الشرطية، أيضًا؛ نحو: النمر غادر، ولا سيما إن أبصر عدوه.

ص405

أما أخوات: "ولا سيما" فقد نقل الرواة منها: "لا مِثْلَ مَا" و"لا سِوَى ما..."، فهذان يشاركان: "لا سيما" في معناها، وفي أحكامها الإعرابية التي فصّلناها فيما سبق.
ومنها: "لا تَرَمَا..." و"لو تَرَمَا..." وهما بمعناها، ولكنهما يخالفانها في الإعراب، وفي ضبط الاسم بعدهما، فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم الذى يليها. ولا يمكن اعتبار "ما" زائدة وجر الاسم بعدها بالإضافة؛ لأن الأفعال لا تضاف. والأحسن أن تكون: "ما" موصولة وهي مفعول للفعل: "تر" وفاعله ضمير مستتر، تقديره: أنت. والاسم بعدها مرفوع -وهذا هو الوارد سماعًا- على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجلمة صلة.
وإنما كان الفعل مجزومًا بعد: "لا"؛ لأنها للنهي. والتقدير في مثل: "قام القوم لا تر ما عليّ"...، هو: لا تبصر" أيها المخاطب الشخص الذي هو عليّ فإنه في القيام أولى منهم.
أو تكون: "لا" للنفي، وحذفت الياء من آخر الفعل سماعًا وشذوذًا، وكذلك بعد "لو" سماعًا. والتقدير: لو تبصر الذي هو عليّ لرأيته أولى بالقيام. والجدير بنا أن نقتصر في استعمالنا على"ولا سيما" لشيوعها قديمًا وحديثًا.

ص406

الموصولات الحرفية
عرفنا أن الموصولات قسمان؛ اسمية وقد سبق الكلام عليها، وحرفية وهي خمسة: "أنْ"، "مفتوحة الهمزة، ساكنة النون أصالة". و"أَنّ" الناسخة "المشددة النون؛ أو الساكنة للنون للتخفيف" و"ما"، و"كي"، و"لو". وكلا القسمين لا بد له من صلة متأخرة عنه، لا يصح أن تتقدم عليه هي أو شيء منها، كما أوضحنا. أما الفصل بين الموصول الحرفي، أو الاسميّ، وصلته، وكذا الفصل بين أجزاء الصلة فقد سبق الكلام4 عليه "وهو بحث هام".
ولكن بين الموصول الاسمي والحرفي فروق، أهما ستة:
الأول: أن الموصولات الاسمية -غير أي- لا بد أن تكون مبنية في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجلمة؛ وذلك شأن كل الأسماء المبنية. بخلاف الموصولات الحرفية، فإنها مبنية أيضًا؛ ولكن لا محل لها من الإعراب -شأن كل الحروف- فلا تكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، مهما اختلفت الأساليب.
الثاني: أن صلة الموصول الاسمي لا بد أن تشتمل على العائد؛ أما صلة الحرفي فلا تشتمل عليه مطلقًا.
الثالث: أنّ الموصول الحرفيّ لا بد أن يسبك مع صلته سبكًا ينشأ عنه مصدر يقال له: "المصدر المسبوك" أو"المصدر المؤول"، يعرب على حسب حاجة الجملة -كما سنبينه بعد. ولهذا تسمى الموصولات الحرفية: "حروف السبك" وتنفرد به دون الموصولات الاسمية.

ص407

الرابع: أن بعض الموصولات الحرفية لا يوصل بفعل جامد -كما سيجيء- مثل: "لو"، وكذلك: "ما" المصدرية، إلاّ مع أفعال الاستثناء الجامدة الثلاثة؛ وهى: "خلا - عدا - وكذا: حاشا، في رأي" فهذه الثلاثة مستثناة من الحكم السالف، أو لأنها متصرفة بحسب أصلها فجمودها عارض طارئ لا أصيل. والمصدر المؤول معها مؤول بالمشتق،... أي: مجاوزين.
الخامس: أن الموصول الاسمي -غير "أل" يجوز حذفه على الوجه الذى قدّمناه,  أما الحرفيّ فلا يحذف منه إلا: "أنْ" الناصبة للمضارع، فتحذف جوازًا أو وجوبًا، طبقًا لما هو مبين عند الكلام عليها في النواصب -وهي في حالتي حذفها تسبك مع صلتها كما تسبك في حالة وجودها....
السادس: أن الموصول الحرفي "أنْ" يصح -في الرأي المشهور- وقوع صلته جملة طلبية، دون سائر الموصولات الاسمية والحرفية. فإن صلتها لا بد أن تكون خبرية ...
وفيما يلي شيء من التفصيل الخاص بالموصولات الحرفية الخمسة: مع ملاحظة ما يجب لكل منها من صلة، وما يجب أن يتحقق في كل صلة من شروط مفصلة سبقت وفي مقدمة الشروط ألا يتقدم شيء من الصلة وتوابعها على الموصول الحرفي، وغير الحرفي.
أ- أنْ "ساكنة النون أصالة" ولا تكون صلتها إلا جملة فعلية،

408

فعلها كامل التصرف؛ سواء أكان ماضيًا؛ نحو: عجبت من أنْ تأخرَ القادم. أم مضارعًا؛ نحو: من الشجاعة أن يقول المرء الحقَّ في وجه الأقوياء، وقول الشاعر:
إنّ من أقبح المعايِب عارًا ... أن يَمُنَّ الفتى بما يُسْدِيه
أم أمرًا1، نحو: أنْصَحُ لك أن بادرْ إلى ما يرفع شأنك،وهي في كل الحالات تؤول مع صلتها بمصدر يُسْتغنَى به عنهما، ويعرب على حسب حاجة الجملة، فيكون مبتدأ، أو فاعلا أو مفعولا به، أو غير ذلك، طبقًا لتلك الحاجة وقد يسد مسَد المفعولين أيضًا. ولكنها لا تنصب إلا المضارع،

ص409

وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل... ولا تغير زمن الماضي ولا تكون للحال فدلالتها الزمنية إما للماضي وإما للمستقبل الخالص...
وليس من هذا النوع ما يقع بعده جملة اسمية مسبوقة بما يدل على يقين، نحو: علمت "أنْ"؛ محمدٌ لقائم، أو جملة فعلية فعلها جامد: نحو: أعتقد أنْ ليس الظالم بمستريح النفس، فإنَّ هذين النوع الثاني "الذي تكون فيه "أن" مخففة من "أنّ" المشددة النون"...
ب- "أنّ" المشددة النون. وتتكون صلتها من اسمها وخبرها؛ نحو: سَرَّني أنّ الجو معتدل، ويُستغنَى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المنسبك بطريقته الصحيحة. ومثلها: "أنْ" المخففة النون الناسخة؛ حيث تتكون صلتها من اسمها وخبرها. ولكن اسمها لا يكون -في الأفصح- إلا ضميرًا محذوفًا، وخبرها جملة؛ نحو: أيقنت أنْ عليٌّ لمسافر؛ "ومنه المثالان السالفان في الكلام على "أنْ"". ويستغنى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المؤول بطريقته الصحيحة، ويعرب المصدر في النوعين على حسب الجملة؛ فيكون فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولاً به، أو غير ذلك... وقد سدّ مسَد المفعولين إنْ وجد في الجملة ما يحتاج لهما.
ج- "كَيْ". وصلتها لا تكون إلا جملة مضارعية "وتنصب المضارع

ص410

نحو: أحسنت العمل لكي أفوز بخير النتائج. ومنها ومن صلتها معها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما، ويعرب على حسب حاجة الجملة، وحاجتها لا تكون هنا إلا لمجرور باللام دائمًا...
د- "ما"، وتكون مصدرية ظرفية؛ نحو: سأصاحبك ما دمت مخلصًا، أي: مدة دوامك مخلصًا، وسألازمك ما أنصفت، أي: مدة إنصافك. وقول الشاعر:
المرء ما عاش ممدود له أملٌ ... لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر
أي: مدة عيشه ....
ومصدرية غير ظرفية، مثل::فزعت مما أهمل الرجل؛ أى: من أهمال الرجل... ودهشت مما ترك

ص411

العمل"، أي: من تركه العمل. وقول العرب: "أنْجَزَ حُرٌّ ما وَعَدَ، وقول شاعرهم:
وإني إذا ما زرتها قلت: "يا اسلمي" ... وهل كان قولي: "يا اسلمي" ما يضيرها؟
وكلاهما تكون صلته فعلية ما ضوية؛ كالأمثلة السابقة، أو مضارعية؛ نحو: لا أجلس في الحديقة ما لم تجلس فيها، أي: مدة عدم جلوسك فيها. وإني أبتهج بما تكرم الإخوان، أي: بإكرامك الإخوان ومثل قول الشاعر:
والمرء ما لم تُفِدْ نفعًا إقامتهُ ... غَيْمٌ حمَى الشمس؛ لم يمدروولم يَسرِ
أو جملة اسمية؛ نحو: أزورك ما الوقت مناسب، ويرضينى ما العمل نافع؛ أي: أزورك مدة مناسبة الوقت، ويرضيني نفع العمل. ولكن الأكثر في المصدرية الظرفية أن توصل بالجملة الماضوية، أو بالمضارعية المنفية بلم؛ كالأمثلة السابقة. ويقلّ وصلها بالمضارعية التي ليست منفية بلمْ؛ مثل: لا أصيح ما تنام، أي: لا أصيح مدة نومك.

ص412

ومن الحرف المصدري "ما" وصلته ينشأ المصدر المؤول الذي يُستغنَى به عنهما.
ويصح الفصل -مع قلته- بين "ما" المصدرية بنوعيها، وما دخلت عليه دون غيرها من الموصولات الحرفية.
"مع ملاحظة أنها كغيرها من سائر الموصولات الحرفية وغير الحرفية لا يجوز تقديم صلتها ولا شيء من الصلة عليها.
هـ- "لو"3، وتوصل بالجملة الماضوية، نحوودِدْتُ لورأيتك معي في النزهة. وبالمضارعية: نحو: أوَد لو أشاركُك في عمل نافع، ولا توصل بجلمة فعلية أمرية. ولا بد أن يكون الفعل الماضي أو المضارع تام التصرف. ومنها ومن صلتها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما.

ص413

زيادة وتفصيل:
أ- من حروف السَّبك -عند فريق كبير من النحاة- "همزة التسوية" وهي التي تقع بعد كلام مشتمل على لفظة: "سواء"، ويلي الهمزة جملتان، ثانيهما مصدرة بكلمة: "أم" الخاصة بتلك الهمزة. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ، فالهمزة مسبوكة مع الجملة التي بعدها مباشرة بمصدر مؤول يعرب هنا فاعلًا، والتقدير: إن الذين كفروا سَوَاءٌ -بمعنى: متساو، إنذارُك وعدمه عليهم؛ فهم يعربون كلمة: "سواء" خبر: "إن" "والمصدر المؤول" فاعل لكلمة: سواء، التي هي بمعنى اسم الفاعل: "متساوٍ". وقيل إن الجملة تسبك هنا بمصدر من غير سابك؛ كما سبكوه في المثل العربي: "تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه"؛ برفع المضارع "تسمع" في أحدى الروايات؛ فقالوا في سبكه: سماعك بالمعيدى... من غير تقدير "أنْ" قبل السبك، وكما يقدرون في كل ظرف زمان أضيف إلى جملة بعده، كالذي في قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} ، فقد قالوا: التقدير: "ويوم تسيير الجبال"، من غير وجود حرفَ سابك...
ومما يشبه هذا في تأويل المصدر بغير حرف سابك، نوع من "الاستثناء المفرغ" كثير الورود في أفصح الأساليب، نحو: ناشدتك الله إلا نصرت المظلوم ...
ب- كيف يضاف المصدر المنسبك من حرف مصدري مع صلته؟
للوصول إلى المصدر المؤول نتبع الخطوات الأربع التالية إن كان الحرف المصدري هو: "أنْ"، أو: "أنّ"، كما في الأمثلة المعروضة، أما إن كان غيرهما فيجري عليه ما جرى على هذين تمامًا، وفيما يلي البيان:

ص414

وعند السبك لا ندخل تغييرًا فى الباقى من الجملة إلا على اسم "إنّ" أوفاعل الفعل بالطريقة التى أوضحناها. أما ما عداهما مما لم يحذف فيبقى على حالته الأولى.

ص415

ومثل هذا يتبغ حين يكون الحرف المصدري هو: "أنْ" المخففة من الثقيلة أو: "لو"، أو: "كي"، أو "ما".
وقد يقتضي الأمر في بعض الأمثلة عملًا زائدًا على ما سبق؛ ففي مثل: سرني أن تَسْبقَ... تنتهي الجملة بعد إجراء الخطوات الأربع السابقة إلى: سرني "سبقُ أَنت" فيقع فاعل الفعل المضارع "مضافًا إليه" بعد استخراج المصدر الصريح -كما قدمنا- ولما كان هذا الفاعل "الذي صار مضافًا إليه" ضميرًا مرفوعًا دائمًا، ولا يمكن أن يكون مجرورًا، وجب أن نضع بدله ضميرًا بمعناه؛ يصلح أن يكون مجرورًا، هو: كاف المخاطب، فنقول، سرني سبقُك... وهكذا... يجري التغيير والتبديل على كل ضمير آخر لا يصلح للجرّ كالذي في قول الشاعر:
ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يَرَى ... عَدوًّا له ما من صداقته بُدُّ
حيث يكون المصدر المؤول المضاف: "رؤية هو"، ثم يقع التبديل المشار فيصير: رؤيته...
مسألة أخرى؛ قلنا1 في تحقيق الخطوة الأولى: إننا نأتي بمصدر صريح لخبر الناسخ "أنَّ" أو بمصدر الفعل الذي دخلت عليه "أنْ"... فإن كان خبر الحرف المصدري: "أنْ" اسمًا جامدًا؛ نحو: عرفت أنك أسد، أو ظرفًا، أو جارًا مع مجروره؛ نحو: عرفت أنك فوق الطيارة، أو عرفت أنك في البيت، فإننا نأتي في الجامد بلفظ مصدر عام هو: "الكَوْن"، مثبتًا، أو: قبله كلمة: "عدَم" التي تفيد النفي، إن كان الكلام منفيًّا، ويحل لفظ "الكون" محل المصدر الصريح المطلوب ويقوم مقامه، ويتم باقي الخطوات؛ فنقول: عرفت كونك أسدًام. ونأتي بالاستقرار أو الوجود في الظرف والجار مع المجرور؛ أي: عرفت استقرارك فوق الطيارة، أو في الدار.
ويصح في الجامد شيء آخر هو: أن نزيد على آخره ياء مشددة مع التاء فتكون هذه الزيادة مفيدة للمصدرية، وتجعله بمنزلة المصدر الصريح، فنقول؛ عرفت أسَدِيَّتَكَ، كما نقول: فروسِيَّتَك ووطنِيَّتَك، وهو ما يسمى المصدر الصناعى...".

ص416

وإن كان الفعل الذي في الجملة جامدًا ليس له مصدر صريح: مثل "عسى" في قولنا: "شاع أنْ يتحقق الأمل، وأن عسى الكرب أنْ يزول" ففي هذه الحالة يؤخذ المصدر الصريح من معنى الفعل الجامد: "عسى" "ومعناها الرجاء" أو مما بعده ويضاف إلى ما يناسبه؛ فنقول: شاع تحققُ الأمل، ورجاء زوال الكرب.
وإذا كان الفعل بنوعيه الجامد وغير الجامد، للنفي مثل قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} أتينا بما يفيد النفي؛ ككلمة: "عَدَم" فنقول: وعدم كون شيء للإنسان إلا سعيه.
وهكذا نحتال للوصول إلى المصدر الصريح مُثبتًا أو منفيًّا، على حسب ما يقتضيه الكلام: بحيث لا يفسد المعنى، ولا يختل ولا يتغير ما كان عليه قبل السَّبك من نفي أو إثبات.
ج- لما نلجأ في الاستعمال إلى الحرف المصدري وصلته، ثم نؤولهما بمصدر، ولا نلجأ ابتداء إلى المصدر الصريح؟ لم نقول، مثلا: يحسن أن تأكل، ولا نقول: يحسن أكلك؟
إن الداعي للعدول عن المصدر الصريح إلى المؤول أمور هامة تتعلق بالمعنى أو بالضوابط النحوية. فمن الأولى:
1- الدلالة على زمان الفعل؛ سواء أكان ماضيًا نحو: الشائع أن حضرتَ، أم مستقبلا؛ نحو: الشائع أن تحضر. فلوقلنا -أول الأمر- الشائع حضورك، لم ندر زمن الحضور؛ أمضَى، أم لم يَمْضِ؟ لأن المصدر الصريح لا يدل بنفسه على زمن.
2- الدلالة على أن الحكم مقصور على المعنى المجرد للفعل؛ من غير نظر لوصف يلابسه، أو لشيء آخر يتصل به؛ نحو: أعجبني أن أكلتَ، أي مجرد أكلك لذاته؛ لا لاعتبار أمر خارج عنه؛ ككثرته، أو قلته، أو: بطئه، أو سرعته، أو حسن طريقته، أو قبحها... ولو قلنا: أعجبني أكلك... لكان محتملًا لبعض تلك الأشياء والحالات.
3- الدلالة على أن حصول الفعل جائز لا واجب، نحو: ظهر أن يسافر

ص417

إبراهيم. فالسفر هنا جائز. ولو قلنا: ظهر سفر إبراهيم لساغ أن يسبق إلى بعض الأذهان أن هذا الأمر واجب.
4- الحرف على إظهار الفعل مبنيًّا للمجهول؛ تحقيقًا للغرض من حذف فاعله. وذلك عند إرادة التعجب من الثلاثي المبني للمجهول؛ ففي مثل: عُرِفَ الحق، يقال: ما أحسن ما عُرِف الحق. وكذلك في حالات أخرى من التعجب يجيء بيانها فى بابه، ج3.
ومن الثانية الفروق الآتية بين المصدر المؤول والمصدر الصريح:
1- أنه لا يصح وقوع المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مفعولاً مطلقًا مؤكدًا للفعل؛ فلا يقال: فرحت أن أفرح. في حين يصح أن يؤكَّد الفعل بالمصدر الصريح؛ مثل: فرحت فرحًا.
2- لا يصح أن يوصف المصدر المؤول؛ فلا يقال: يعجبني أن تمشيَ الهادئ، تريد: يعجبني مشيك الهادئ. مع أن الصريح يوصف.
3- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد الاسم والخبر في مثل: عسى أن يقوم الرجل؛ على اعتبار "عسى" ناقصة، والمصدر المؤول من "أنْ" والمضارع وفاعله يسد مسد اسمها وخبرها معًا. وليس كذلك الصريح.
4- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد المفعولين فيما يحتاج إلى مفعولين؛ مثل: "حَسِبَ" في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ} وليس كذلك الصريح. ومثلَ هذا يقال في: "أنَّ" و"أنْ" الناسختين -أرى: المشدّدة والمخففة- مثل قول الشاعر:
فإنك كالليل الذى هو مُدْرِكي ... وإنْ خِلتُ أن الْمُنْتَأى عند واسع
5- يصح أن يقع المصدر المؤول خبرًا عن الجثة من غير تأويل في نحو: عليّ إما أن يقول الحق وإما أن يسكت؛ لاشتماله على الفعل والفاعل والنسبة بينهما بخلاف المصدر الصريح.

ص418

6- هناك مواقع إعرابية يصلح لها المصدر الصريح دون المؤول
د- من المعلوم أن المصدر الصريح "مثل، أكْل، شُرْب، قيام، قعود" لا يدل على زمن مطلقًا، وكذلك المصدر المؤول الذى يكون نتيجة سبك الحرف المصدري وصلته؛ فإنه -وقد صار مصدرًا- لا يدل بنفسه على زمن مطلقًا. ولكن تبقى الدلالة على الزمن ملحوظة، ومستفادة من العبارة الأصلية التي سبك منها؛ فكأنه يحمل في طيه الزمن الذي كان في تلك العبارة قبل السبك. أما هو فلا يدل بذاته المجردة على زمن. وبالرغم من هذا لا يمكن معه إغفال الزمن السابق على السبك، وخاصة بعد أن عرفنا أن ذلك الزمن قد يكون سببًا من أسباب اختيار المصدر المؤول دون الصريح؛ ففي نحو: شاع أنْ نهض العرب في كل مكان، نقول: "شاع نهوض العرب في كل مكان"، فيكون زمن النهوض ماضيًا على حسب الزمن الذي في الأصل قبل التأويل، لا على حسب المصدر المؤول ذاته؛ فإنه مجرد من الزمن. أما في مثل: "الشائع أن ينهض العرب في كل مكان" فيكون المصدر المؤول هو: "الشائع نهوض العرب"، أيضًا فيكون زمن النهوض هنا مستقبلًا؛ مراعاة للزمن الذي في العبارة الأولى. لهذا كان المصدر المؤول من "أنْ" وصلتها ملاحظًا فيه الزمن الماضى أو المستقبل على حسب نوع الفعل الذي دخل في السبك؛ أماضٍ هو فيلاحظ المضي بعد التأويل؟ أم مضارع فيلاحظ الزمن بعد التأويل مستقبلًا؟ ولا يكون للحال؛ لأن المضارع المنصوب "بأن" يتخلص للاستقبال، ولا يكون للحال. ومثلها: "لو" المصدرية فإنها بمعناها تخلص زمنه للاستقبال وإن كانت لا تنصبه -كما تقدم عند الكلام عليها- وكذا: "ما" المصدرية فإنها لا تنصبه، وإذا دخلت على جملة مضارعية كان المصدر المنسبك منها ومن صلتها للحال، غالباً، وقد تكون لغيره.

ص419

أما "كي" فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها مستقبل الزمن، وذلك على أساس أنها لا تدخل إلا على المضارع فتنصبه، وتخلصه للزمن المستقبل فقط، وذلك شأن النواصب كلها، فيلاحظ الاستقبال في المصدر المؤول منها ومن صلتها.
وأمام "أنّ" "المشددة النون" فالمصدر المنسبك منها من صلتها يكون على حسب دلالة الصلة؛ فقد يكون مستقبلا إذا كان خبرها دالا على ذلك؛ كالمضارع الخاص بالاستقبال لوجود قرينة، في مثل؛ أعرف أن محمدًا يسافر غدًا؛ وهي كلمة؛ "غد" وقد يكون دالا على الحال لوجود قرينة؛ في مثل: أعرف أن عالما يقرأ الآن؛ وهي كلمة: "الآن" وقد يكون دالا على الماضى نحو شاع أن العدو انهزم. وقد يكون خاليًا من الدلالة الزمنية في مثل: المحمود أن الجو معتدل والمعروف أن الصدق فضيلة.

ص420




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.