المنشآت الصناعية في بيئة الأعمال المعاصرة 

تهتم المنشآت الصناعية التي تعمل في بيئة التصنيع الحديثة بفكرة الإدارة الاستراتيجية للتكلفة أو ما يطلق عليه نظام إدارة التكلفة، والذي يهدف إلى تعظيم أرباح الوحدة الاقتصادية سواء في الفترة الحالية أو في المستقبل من منظور التحسين المستمر، وبطبيعة الحال أنه لا يمكن تحقيق ذلك الهدف إلا من خلال بناء وتصميم نظام جيد لإدارة التكلفة يساعد إدارة الوحدة اقتصادية على تحقيق القدرة على المنافسة في ظل العولمة، وكذلك التحسين المستمر في جودة الأداء والمنتجات.

ويعتبر نظام إدارة التكلفة أكثر ملائمة لبيئة الأعمال المعاصرة بدلاً من مجرد تحليل وتقدير التكلفة، واستخدام نتائج هذا التحليل في تحقيق أهداف التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات، ويقوم على أساس بناء نظام متكامل يعمل على تحقيق التحسن المستمر الذاتي للوحدة اقتصادية الأمر الذي يتطلب التحسين المستمر للعمليات، ويستلزم أيضاً ضرورة تحديد الأنشطة ومجالات وخلايا العمل بدقة ثم تحسين الأنشطة التي تضيف إلى خصائص وقيمة المنتج مقابل تقليص الأنشطة غير المضيفة للقيمة ومن أهم النظم والأساليب المستخدمة في هذا المجال نجد نظام التكلفة أساس النشاط، ونظام الإنتاج بدون تخزين، ونظام إدارة الجودة الشاملة.

وقد تناولنا من خلال الدراسة في هذا الفصل كيفية تطبيق نظام التكلفة أساس النشاط (مدخل الأنشطة) في منشآت الخدمات ونستكمل تناوله فيما تبقى من هذا الفصل المنشآت الصناعية قبل أن نتناول كل من نظام الإنتاج بدون مخزون، ونظام إدارة الجودة الشاملة في فصلين مستقلين.

ونود أن نشير في هذه النقطة أن مدخل الأنشطة يمثل كما سبق القول إطاراً منظماً لمحاسبة التكاليف يركز على الأنشطة بدلاً من المنتجات، ويركز على علاقة التكاليف بالأنشطة وعلاقة الأنشطة بالمنتجات، وبالتالي فهو يمثل وسيلة تساعد على فهم أفضل لسلوك التكاليف فهو يركز على ضرورة التعرف على سبب التكاليف أولاً ثم تحديد كيفية الربط بين ذلك السبب ووحدات الإنتاج المستفيدة من تكلفة النشاط. 

وقد ترتب على ذلك أن التمييز التقليدي بين التكيف المتغيرة والثابتة أصبح لا يوفر معلومات كافية لتصميم نظام تكاليف فعال بل ينبغي أيضاً ضرورة تحليل التكاليف المتغيرة إلى تكاليف متغيرة قصيرة الأجل تتغير مع التغير في حجم الإنتاج مثل تكلفة المواد المباشرة، وأخرى طويلة الأجل تختلف باختلاف مستوى النشاط مثل تكلفة جدولة الإنتاج، والتي تنتج عن عدد دورات الإنتاج لكل منتج يتم إنتاجه، وهي تعتمد على عدد مرات الجدولة وليس عدد الوحدات المنتجة ، ويعني ذلك ضرورة الالتزام بمسبب التكلفة عند تحديد وتحليل التكاليف.

ويترتب على ذلك أن هذا المدخل أصبح لا يمثل فقط وسيلة أكثر دقة في قياس تكلفة المنتج بل أنه يمكن أن يكون مرشداً فعالا لتصرفات وقرارات الإدارة من خلال المعلومات الملائمة التي يوفرها وتساعد على اتخاذ قرارات أفضل في مجالات تصميم المنتجات والتسعير، وتحديد تكلفة الأنشطة وعلاقتها بالمنتجات، وقياس الأداء ، وتحليل الربحية.

كما يتفق هذا المدخل مع بيئة الأعمال الحديثة حيث العمليات الإنتاجية ذات الطابع المعقد، وتعدد الأنشطة حيث يقوم باستخدام عدة مسببات للتكلفة ثم يقوم بتحميل التكلفة الخاصة بكل نشاط على المنتج الذي استفاد من ذلك النشاط. كما يساعد هذا المدخل أيضاً على تحقيق أهداف رقابية طويلة الأجل من خلال رقابة الأنشطة المحدثة للتكلفة مباشرة بدلاً من تحقيق الرقابة وفقاً للمدخل التقليدي على عناصر التكلفة نفسها. كما يساعد أيضاً على تخفيض التكاليف من خلال دراسة وتحليل ومعرفة غير المضيف للقيمة منها والعمل على إزالته أو تقليصه و إعادة توزیع موارده على أنشطة أخرى بديلة مضيفة للقيمة.

ويوفر تطبيق هذا المدخل في حد ذاته مجموعة من المعلومات يمكن استخدامها في مجال قياس وتقييم الأداء لأنها تعتبر من مقاييس الأداء غير المالية يتم التعرف عليها من خلال بيانات مسببات التكلفة مثل عدد مرات تجهيز الآلات، وعدد مرات الفحص، وعدد الأوامر المنفذة، وغيرها من المقاييس غير المالية التي يمكن استخدامها في مجالات تخصيص التكاليف وتحديد تكلفة المنتجات وفقاً لمدى استفادتها من الأنشطة حيث يقوم مدخل الأنشطة كما سبق القول على فلسفة أن الأنشطة تستهلك الموارد وبالتالي فهي المسبب للتكلفة وليس المنتجات التي تستهلك بدورها موارد تلك الأنشطة، وينطوي هذا المدخل بذلك عند تخصيصه للتكاليف غير المباشرة على يتم في المرحلة الأولى تخصيص التكاليف ككل على الأنشطة المسببة لوجود هذه التكاليف وتحديد تكلفة كل نشاط علي حدة بينما يتم في المرحلة الثانية تخصيص تكاليف الأنشطة على المنتجات بحسب درجة استفادة كل منتج من الأنشطة ومدى استهلاكه لمواردها فإذا لم يتطلب إنتاج أحد المنتجات استخدام نشاط معين فلا يتحمل هذا المنتج بأي تكاليف مرتبطة بهذا النشاط .