أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-27
1006
التاريخ: 2024-04-21
745
التاريخ: 2024-10-23
128
التاريخ: 2024-11-23
88
|
لِحجاب المرأة ـ في الإسلام ـ مكانة رفيعة ، تَصونُها عن الابتذال وتَحفظ على كرامتها دون الانحطاط ، إنّها مُحترَمةٌ احترامَ إنسان كريم ، لها عزّها وشرفُها التليد وليس بطارف ، ولم يكنْ فَرضُ الحجاب عليها إلاّ صيانةً لهذا الشرف وحِفاظاً على ذاك العزّ ، (2) فلا تسترسل حيث ساقَها أهلُ الاستهواء .
هذا فضلاً عن أنّ الإسلام يَهدف إلى إقامة مجتمع نظيف ، لا تُهاج فيه الشهوات في كلّ لحظة ولا تُستثار فيه دفعات البدن في كلّ حين ، فعمليّات الاستثارة المُستمِرّة تنتهي إلى سُعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي ، والنظرة الخائنة ، والحركة المثيرة ، والزينة المتبرّجة ، والجسم العاري ... كلّها لا تَصنع شيئاً إلاّ أنْ تُهيّج ذلك السُعار الحيواني المجنون ، وإلاّ أنْ يَفلت زِمام الأعصاب والإرادة ، فإمّا الإفضاء الفوضوي الذي لا يتقيّد بقيد ، وإمّا الأمراض العصبيّة والعُقد النفسيّة الناشئة مِن الكَبح بعد الإثارة ! وهي تكاد أنْ تكونَ عملية تعذيب .
وإحدى وسائل الإسلام إلى إنشاء مجتمع نظيف هي الحيلولة دون هذه الاستثارة، وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين سليماً وبقوّته الطبيعيّة، دون استثارةٍ مُصطَنَعة، وإنّما تصريفه في موضعه المأمون النظيف .
ففي الحديث عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) فيما كَتَبه جواباً عن مسائل مُحمّد بن سنان : ( وحرّم النظرَ إلى شُعورِ النساء المَحجوبات بالأزواج وإلى غيرهنّ مِن النساءِ لِما فيه مِن تَهييج الرجال وما يَدعو إليه التهييج مِن الفَساد والدخول فيما لا يحلّ ولا يَجمُل... ) (3) .
قال سيّد قطب : ولقد شَاع : أنّ النظرة المُباحة ، والحديث الطليق ، والاختلاط المَيسور ، والدُّعابة المَرِحة بين الجنسين والاطّلاع على مواضع الفتنة المخبوءة ... شاع أنّ كلّ هذا تنفيسٌ وترويح، وإطلاق للرغبات الحبيسة، ووقاية مِن الكَبت ، ومِن العُقد النفسيّة ، وتخفيف مِن حدّة الضغط الجنسي، وما وراءه مِن اندفاعٍ غير مأمون... إلخ .
شاع هذا على أَثر انتشار بعض النظريّات الماديّة القائمة على تَجريد الإنسان مِن خصائصه التي تُفرِّقه مِن الحيوان ، والرجوع به إلى القاعدة الحيوانيّة الغارقة في الطين ... ولكن هذا لم يكن سِوى فروض نظريّة ، رأيتُ بعيني في أشدّ البلاد إباحيةً وتفلّتاً مِن جميع القيود الاجتماعيّة والأخلاقيّة والدينيّة والإنسانيّة ، ما يُكَذِّبها ويَنقضها مِن الأساس.
نعم، شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكلّ صوره وأشكاله أنّ هذا كلّه لم ينتِه بتهذيب الدوافع الجنسيّة وترويضها ، إنّما انتهى إلى سُعارٍ مجنونٍ لا يرتوي ولا يهدأ إلاّ ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع . وشاهدت الأمراض النفسيّة والعُقد التي كان مفهومها أنّها لا تنشأ إلاّ مِن الحِرمان وإلاّ مِن التلهّف على الجنس الآخر المحجوب . شاهدتُها بوفرةٍ ومعها الشذوذ الجنسي بكلّ أنواعه ، ثمرةً مُباشِرة للاختلاط الكامل الذي لا يُقيّده قيد ولا يقفُ عند حدّ ، وللصَدَاقات بين الجنسين تلك التي يُباح معها كلّ شيء ، وللأجسام العارية في الطريق ، وللحركات المُثيرة والنظرات الجاهرة ، واللَفَتات المُوقِظة ... (4) كلّ ذلك لَممّا يَدلّ بوضوح على ضَرورة إعادة النظر في تلك النظريّات التي كَذَّبها الواقع المشهود (5) .
إنّ المَيل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق في التكوين الحيوي ؛ لأنّ الله قد ناط به امتداد الحياة في هذه الأرض ، وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها ، فهو ميلٌ دائمٌ يَسكن فترة ثمّ يعود ، وإثارته في كلّ حين تَزيد مِن عَرَامَته ، وتَدفع به إلى الإفضاء المادّي للحصول على الراحة ، فإذا لم يَتمّ هذا انهارت الأعصاب المُستَثارة ، وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مُستمرّة ! ...
والنظرة تثير! والحركة تثير! والضحكة تثير! والدعابة تثير! والنَبرة المُعبِّرة عن هذا الميل تُثير! ... والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعيّة ، ثُمّ يُلبى تَلبيةً طبيعيّة ، وهذا هو المَنهج الذي يَختاره الإسلام ، مع تهذيب الطبع ، وشَغلِ الطاقة البشريّة بهُموم أُخرى في الحياة ، غير تلبية دافع اللحم والدم ، فلا تكون هذه التلبية هي المَنفذ الوحيد .
وفي القرآن إشارة إلى نماذج مِن تقليل فُرَص الاستثارة والغَوَاية والفتنة مِن الجانبَين الرجل والمرأة : قال تعالى : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
قال سيّد قطب : وغَضُّ البَصر مِن جانب الرجال أدب نفسي، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطّلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام ، كما أنّ فيه إغلاقاً للنافذة الأُولى مِن نوافذ الفتنة والغَوَاية ، ومُحاولة عمليّة للحيلولة دون وصول السهم المسموم !
قال الإمام جعفر بن مُحمّد الصادق ( عليه السلام ) : ( النظرة سَهمٌ مِن سِهام إبليس مسموم ، وكم مِن نظرةٍ أَورَثتْ حسرةً طويلةً ) ، قال: ( مَن تَركها لله عزّ وجلّ لا لغيره أَعقَبَه الله أَمناً وإيماناً يَجدُ طعمَه ) ، وقال : ( النَظرة بعد النَظرة تَزرع في القلبِ الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة ) (6) .
وأمّا حِفظُ الفَرج فهو الثَمرة الطبيعيّة لغضّ البصر، أو هو الخُطوة التالية لتحكيم
الإرادة ويَقظة الرقابة والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأُولى ؛ ومِن ثَمّ يُجمع بينهما في آية واحدة ، بوَصفِهما سبباً ونتيجةً ، أو باعتبارهما خُطوتَين مُتواليتَينِ في عالم الضمير وعالم الواقع ، كلتاهما قريب مِن قريب .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( لكم ـ أي يُغفر لكم ـ أَوّل نظرة إلى المرأة فلا تُتْبِعُوها نظرةً أخرى واحذروا الفتنة ) (7) .
{ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } فهو أَطهر لمشاعرهم وأضمن لعدم تلوّثها بالانفعالات الشهويّة في غير موضعها المشروع النظيف ، وعدم ارتكاسها إلى الدَّرَك الحيواني الهابط ، وهو أطهر للجماعة وأَصوَن لحُرماتِها وأعراضها وجوّها الذي تتنفّس فيه ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما يَأمن الذين يَنظرون في أَدبارِ النساء أنْ يُنظر بذلك في نسائهم ؟! ) (8) .
والله الذي يأخذهم بهذه الوِقاية ، وهو العليم بتركيبهم النفسي وتكوينهم الفطري ، الخبير بحركات نفوسهم وحركات جوارحهم { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
روى الإمام جعفر بن مُحمّد الصادق عن آبائه عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال : ( مَن ملأَ عينَيه مِن حرام ملأ الله عينَيه يوم القيامة مِن النار إلاّ أنْ يَتوب ويرجع ... ومَن صَافح امرأةً تَحرم عليه فقد باءَ بسَخطٍ مِن الله عزّ وجلّ ، ومَن التزم امرأةً حراماً قُرن في سلسلةٍ مِن نار مَع شيطان فيُقذفان في النار ) (9) .
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] فلا يُرسِلنَ بنظراتهنّ الجائعة المُتلصِّصة أو الهاتفة المُثيرة تستثير كوامن الفتنة في صدور الرجال ، ولا يُبحنَ فروجَهنّ إلاّ في حلالٍ طيّب ، يُلبّي داعيَ الفطرة في جوٍّ نظيف، لا يَخجل الأطفال الذين يجيئون عن طريقه ، عن مواجهة المجتمع والحياة !
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ } ، والزينة : كلّ ما يُفتَتَن به مِن المرأة ويُثير الرغبة فيها ممّا يوفّر في جمالها ؛ وبذلك عمّت الحُلى وغيرها مِن مفاتن جسدها المهيِّجة ، كلّ
ذلك زينة لها يَجب عليها التستّر عن الأجانب ، وحتّى المحارم فيما سِوى الزوج ؛ُ ومِن ثَمّ عقّبها بقوله : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور: 31] فتَسدِل الخِمار على صدرِها حتّى يَستر مفاتن جيدها وأطراف صدرها .
نعم سِوى مواضع لا يمكن سَترُها وهي تُزاول التعامل في مَسرح الحياة ، كالوجه والكفّين في غير ريبة ، وفي صحيحة الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) سأله عن الذراعَين مِن المرأة ، هما مِن الزينة التي قال الله : {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ .... } ؟ قال: ( نعم ، وما دون الخِمار مِن الزينة ، وما دون السِوارَينِ ) (10) .
وفي حديث عبد الله بن جعفر عن الصادق ( عليه السلام ) وقد سُئل عن الزينة الظاهرة ، قال : ( الوجه والكفّان ) (11) .
___________________
1. النور 24 : 31 .
2. كما يبدو من أحاديث جواز النظر إلى شُعور نساء أهل الذمّة لعدم حرمتهنّ ، وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 205 ، باب 112 من أبواب مقدّمات النكاح .
3. وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 193 ـ 194 ، رقم 12 ، باب 104 من أبواب مقدّمات النكاح .
4. راجع كتابه (أمريكا التي رأيت) وفيه التفصيل وعرض الحوادث والشواهد ، وراجع أيضاً كتاب (الإنسان بين الماديّة والإسلام ) لمُحمّد قطب، فصل ( المشكلة ـ الجنسيّة ) فقد توسّع في هذا المجال .
5. راجع : في ظِلال القرآن ، تفسير سورة النور ، ج 18 ، ص 93 ، المجلّد السادس .
6. وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 191 ـ 192 ، رقم 1 و 5 و 6 ، باب 104 من أبواب مقدّمات النكاح .
7. المصدر : ص 194 ، رقم 15 .
8. المصدر : ص 199 ، باب 108 ، رقم 1 .
9. المصدر : ص 196 ، باب 105 ، رقم 1 .
10. المصدر : ص 200 ـ 201 .
11. المصدر : ص 202 ، رقم 5 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|