أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-11-2015
5772
التاريخ: 25-10-2014
5803
التاريخ: 26-10-2014
6096
التاريخ: 3-06-2015
6109
|
القوانين بشكل مجرد ، عبارة عن كلمات مدونة على الورق ، ولا تظهر قيمتها الحقيقية إلّا بعد أن تصل إلى مرحلة التطبيق العملي ، وهي بالضبط تشبه وصفة الطبيب ، التي مهما كانت دقيقة وصحيحة في تشخيصها للداء والدواء ، لن يكون لها أدنى تأثير يذكر على حالة المريض إلّا بعد أن يُعمل بها ، إذ إنّ تشخيص المرض ، والقيام بجميع التحليلات وبدقة ، والمعرفة الصحيحة بكمية ونوعية الأدوية كلها على حدة ، والتطبيق العملي لها ، على حدة ، بل إنّ الركن الأساسي يتمثل بالجوانب العملية.
إنّ أي قانون مهما كان مثالياً وقيّماً ، لن يكون له أدنى تأثير مالم نتحرك نحو تطبيقه ، ف «السلطة التنفيذية» هي التي تحفظ ماء وجه السلطة التشريعية.
وبالرغم من أنّ هذه المسألة تعدّ من الواضحات ، إلّا أنّ القرآن الكريم لديه إشارات غنيّة المعنى بشأنها ، ومن ذلك :
1- عندما بُلّغ النبي موسى عليه السلام بالرسالة في جانب الطور في الوادي الأيمن ، وأخذ الأمر بالتصدي لفرعون وانقاذ بني اسرائيل والدعوة إلى التوحيد والحق والعدالة ، طلب من اللَّه تعالى أن يعينه على تنفيذ ذلك وقال : {وَاجْعَلْ لِّى وَزِيْرَاً (1) مِنْ أَهْلى* هَارُونَ اخى* اشْدُدْ بِهِ ازْرِى* وَاشْرِكْهُ فى امْرِى} (طه/ 29- 31).
2- ونطالع في قصة «بني اسرائيل» و «طالوت» : عندما انتفض بنو اسرائيل من ظلم «جالوت» : ، ذلك الرجل الذي أخرجهم من ديارهم وأسّر أبناءَهم ، فخططوا لقتاله وخوض الحرب ضده ، ولتطبيق هذه الخطة ، لابدّ من قائد خبير وجدير ، ومدبّر من جميع الجوانب ، ومن أجل اختيار مثل هذا الرجل ، قصدوا نبي زمانهم «اشموئيل» وقالوا له : {ابْعَث لَنا مَلِكَاً نُّقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ} (البقرة/ 246).
فأوحى إليه اللَّه تعالى بأن يختار طالوت ، ذلك الشاب المؤمن الواعي والشجاع ، وقال :
{إِنَّ اللَّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلكِاً} (البقرة/ 247).
3- ونقرأ في قصة النبي يوسف عليه السلام كذلك : عندما تنّبأ بسنين عجاف من الناحية الاقتصادية لأهل مصر ، ووضع لهم برنامجاً حكيماً لتجاوز هذه السنين الصعبة ، اختار سلطان مصر النبي يوسف عليه السلام لتنفيذ ذلك البرنامج والاشراف عليه ، وتمّ ذلك الاختيار باقتراح من النبي يوسف عليه السلام ، إذ يقول القرآن الكريم بهذا الشأن : {قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَآئِنِ الأرْضِ إِنّىِ حَفْيِظٌ عَلِيمٌ} (يوسف/ 55).
وتمكن النبي يوسف عليه السلام بما يمتلكه من القدرة الجيدة والإدارة الرشيدة ، أن يعبر ببلاد مصر من تلك السنين العجاف ويحافظ عليها.
4- ممّا لا شك فيه أنّ الأرض شهدت قيام حكومة النبي سليمان عليه السلام والتي تعدّ من أكبر الحكومات التي قامت على وجه البسيطة ، ولغرض دفع عجلة تطور المجتمع البشري إلى الأمام ، ونشر العدالة فيه ، لجأ النبي سليمان عليه السلام إلى الاستفادة القصوى من جميع الوسائل والسبل الممكنة ، وبدرجة عالية من الحنكة الإدارية والضبط العالي ، وبعبارة أُخرى ، فقد سخّر اللَّه تعالى له كل الامكانيات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف ، وتمكن هو أيضاً ومن خلال الاستفادة من هذه الوسائل ، أن يحقق اهدافاً هامّة وسامية.
ويشير القرآن الكريم في سورة النمل المباركة في شرح قصة حكومة داود وابنه سليمان عليهما السلام ، إلى العلم الواسع والجم الذي يتمتعان به عليهما السلام إذ يقول تعالى :
{وَلَقَدْ آتَيْنا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ...} ثم يضيف قائلًا : {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِيَنا مِنْ كُلِّ شَىءٍ} (النمل/ 15- 16).
ويتحدث القرآن الكريم في سورة سبأ المباركة عن الأب وابنه عليهما السلام إذ يقول تعالى :
{وَلَقَدْ آتَينَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَالَنَّا لَهُ الحَديدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فىِ السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنّىِ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير * وَلِسُلَيْمانَ الرِّيْحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَواحُهَا شَهْرٌ وَاسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِاذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُون لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَّحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ}. (سبأ/ 10- 13)
إنّ القوّة الإدارية التي كان يتمتع بها سليمان عليه السلام وشدة انضباطه في الأمور التنفيذية وإدارة البلاد ، كانت إلى درجة أنّه عندما قضى فيها نحبه وهو متكيء على عصاه (ولهذا السبب مات واقفاً) ، كان عماله من الجِن يؤدّون واجباتهم بمنتهى الدقة ، حتى أكلت دابة الأرض منسأته وسقط على الأرض ، كما جاء ذلك في القرآن الكريم :
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيهِ المَوتَ مَادَلَّهُم عَلَى مَوتِهِ إِلَّا دابَّةُ الأَرْضِ تَأكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَنْ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ}. (سبأ/ 14)
وكل هذه الامور تحكي عن مدى الإدارة المحكمة والقوية لسليمان عليه السلام وشدّة التزامه وانضباطه في العمل.
وكما يلاحظ في عالم الخلقة من أنّ المكلّفين من قبل اللَّه تعالى بتنظيم وإدارة العالم في مختلف المجالات والمشار إليهم في القرآن الكريم : {وَالْمُدَبِّراتِ أَمْرَاً}. (النازعات/ 5)
ووردت الكثير من الإشارات الاخرى أيضاً بشأن أعمال الملائكة في هذا المجال ، ففي عالم البشرية أيضاً لا يمكن اشاعة النظام وتنفيذ القوانين بدون جهازٍ تنفيذي قوي ومنظّم ومعتبر يتمّ فيه تقسيم الأعمال وتوزيع المسؤوليات.
ويتضح هذا الأمر بشكل جلي في كتاب الإمام علي عليه السلام لمالك الاشتر رضى الله عنه الذي يضم النموذج الكامل للنظام التنفيذي من حيث كيفية ادارة الدولة.
فبعد أن يشير الإمام علي عليه السلام في هذا الكتاب إلى مسألة المستشارين ينتقل للإشارة إلى واجبات مالك الاشتر رضى الله عنه باعتباره حاكم بلاد مصر ، إذ يأمره عليه السلام ويقول : «اختر وزراءك من الأفراد ذوي السيرة الحسنة والأذكياء».
ومن ثم ينتقل إلى ذكر الامور والجوانب الإدارية والتنفيذية المختلفة للدولة ، فيشير في البداية إلى مسألة القوّة الدفاعية والجيش الإسلامي المقتدر ، ومن ثم يشير إلى الموظفين والعمال الحكوميين ، وبعد ذلك يشير إلى القضاة ، ثم ينتقل إلى التجّار والامور التجارية والصناعية والاقتصادية ، وأخيراً يتناول المسائل المتعلقة بالمحتاجين ، والمعوزين في المجتمع ، ويتطرق إلى شرح وواجبات ومسؤولية كل منهم في هذا المجال من خلال شرح مستفيض ودقيق ، ويذكر في ذلك أدق الامور وأظرفها.
إنّ هذا العهد الذي يعدّ في الواقع مستخلصاً من آيات القرآن الكريم والروايات النبوية الشريفة ، تمّ تنظيمه بالشكل الذي لم تتمكن فيه القرون الأربعة عشر أن تغطيه بغبارها وتجعل منه عهداً تقادمت عليه السنون فعادَ قديماً فحسب ، بل إنّ عظمته واشعاعه أصبح أكثر بهاءً بمرور الزمان عليه ، حيث بعدُ نموذجاً بارزاً من التخطيط الإسلامي في مجال الاصول التي ينبغي أن تسيّر الإدارة الإسلامية ، والنظام التنفيذي في الحكومة الإسلامية عليها.
______________________________
(1) يقول «الماوردي» في الأحكام السلطانية : من الممكن أن يكون وزير من مادة «وزر» اي مشتق من الثقل ، ذلك انه يتحمل المسؤولية ، أو من مادة وزر بمعنى الملجأ والملاذ (لانه ملجأ الناس) ، «أومن» مادة «أزر» بمعنى السند (لأنّ السند الرئيسي هو اللَّه تعالى. (الأحكام السلطانية ، ص 24).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|