أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-14
824
التاريخ: 2024-09-08
410
التاريخ: 2024-05-18
936
التاريخ: 2024-05-13
1054
|
لقد ظل الاعتقاد سائدًا بأن «حريحور» — الذي تولى رياسة كهانة معبد «آمون» بالكرنك — كان ينسب إلى أسرة «رعمسيس نخت» التي تولى أفرادها هذه الوظيفة بالتوارث مدة طويلة، واستولوا في خلالها على زمام الأمور في البلاد من الناحية الدينية والإِدارية معًا بدرجة عظيمة، على أن الوثائق التاريخية لا تمدنا بأية معلومات تثبت هذا الاعتقاد.
حقًّا نعلم أنه بعد اختفاء «أمنحتب» بن «رعمسيس نخت» من رياسة معبد «آمون» ظهر بعده على هذا الكرسي «حريحور»، ولكنا لا نعرف نسبته له كما لا نعرف اسم والده ولا اسم أمه إذ لم يرد قط على الآثار الخاصة بهذا العهد ما يشير إلى هذا؛ ولذلك يتساءل الإنسان لماذا تحدث «مسبرو» في تاريخه الذي وضعه عن مصر وأمم الشرق عن والد «حريحور»، وعن جده مشيرًا بذلك إلى الكاهن الأكبر «أمنحتب» ووالده «رعمسيس نخت»، وليس لدينا ما يثبت أنه كان ابن الكاهن الأكبر «أمنحتب»، هذا بالإضافة إلى أنه ليس لدينا ما يبرهن على أن «أمنحتب» قد تزوَّج من الأمير الملكية «إزيس»، وأنه رزق منها «حريحور» وبذلك يكون الأخير من نسل «رعمسيس السادس» كما أشرنا إلى ذلك من قبل (راجع «رعمسيس السادس») وعلى ذلك فإن هذا الزعم يعدُّ خاطئًا من أساسه. وكذلك أراد بعض المؤرخين أن يزعموا أن والدته تدعى «نزميت»، ولكن نعرف أن لقب «الزوجة الملكية» الذي كانت تحمله هذه الأميرة في أحد نقوش معبد «خنسو» يبرهن من سياق الكلام دون التباس على أنها زوجة «حريحور» — الذي أصبح فيما بعد ملكًا — لا والدته. وإذا كانت تسمى في وثائق جاءت فيما بعد الأم الملكية، فإنما جاء ذلك بوصفها والدة الأطفال الذين أنجبتهم منه. وقد أراد الأثري «فرشنسكي» أن يميز بين امرأتين باسم «نزميت»، إحداهما تكون أم «حريحور» والثانية زوجه، غير أنه ليس لدينا وثائق توضح هذا الزعم. والواقع أن «نزميت» هذه ليس لها أية علاقة بأسرة ملوك الرعامسة وكل علاقتها تنحصر مع زوجها؛ وذلك لأننا لا نجدها في أي نقش أو بردية تلقب بالبنت الملكية، وقد كانت تشغل وظيفة رئيسة حظيات الإله «آمون»، مثلها في ذلك كمثل كثيرات من زوجات الكهنة الأول لملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، ومن كل ذلك يظهر لنا أن «حريحور» لم يكن له حق في عرش البلاد، لا بنسبه وحسبه، ولا بزواجه من أميرة ملكية تخول له هذا الحق، بل إن ذلك يرجع إلى مطامحه الشخصية والأحداث الخارجة عن حد المألوف، التي حدثت في البلاد في تلك الفترة من تاريخ أرض الكنانة، وإن رياسة الكهانة لم تكن إلا شيئًا عارضًا مكملًا لمطامحه، بل في الواقع إن اعتلاءه العرش كان يعدُّ هزيمة لرجال الدين في معبد الكرنك، وبخاصة أسرة «رعمسيس نخت» كما سنبين ذلك فيما بعد.
وتدل ألقاب «حريحور» على أنه كان من رجال الجيش، وأنه كان يحمل لقب القائد الأعلى ورئيس طوائف الأجانب كما سنرى بعد، هذا مع العلم بأنه كان يحمل لقب الكاهن الأكبر «لآمون»؛ ولذلك فإن كل الأحوال تدل على أن «حريحور» كان مثله كمثل المؤسسين الآخرين لأسر جديدة كالقائد «آي» الذي كان يحمل لقب كاهن، ولكنه كان في الأصل من رجال الجيش العظام، كما ذكرنا ذلك من قبل (راجع مصر القديمة ج5) وعلى ذلك فإن كل الأحوال في مصر تدل على أن «حريحور» كان وليد الثورة التي قامت في مصر في تلك الفترة المضطربة من تاريخ البلاد، فأعاد إليها النظام وانتهى الأمر بتوليه هو مقاليد الأمور في البلاد، وأصبح فرعونًا لها ومؤسسًا لأسرة جديدة، وهذا الانقلاب هو الذي تحدثنا عنه فيما سبق وهو «عصر النهضة» (راجع «رعمسيس الحادي عشر»). وقد تناول الأستاذ «كيس» موضوع اعتلاء «حريحور» عرش الملك في مقال ممتع يدور حول عصر النهضة، ويتلخص في أن بعض أوراق البردي المعاصرة قد أُرِّخت بعهد يسمى عصر النهضة. وقد أراد بعض المؤرخين أن يجعلوه في حكم «رعمسيس التاسع»، ولكن دلت البحوث على أن ذلك رأي خاطئ كما شرحنا ذلك من قبل («رعمسيس الحادي عشر»). وكذلك لدينا نقطة أخرى لا بد من إظهار حقيقتها، وهي تاريخ ورقة «ونآمون» السالفة الذكر وهي التي جاء فيها أن رحلة «ونآمون» هذا في «سوريا» كانت في السنة الخامسة من حكم ملك لم يعين على وجه التأكيد. ويلاحظ في التقرير الذي وضعه «ونآمون» أن مصر كان من المفروض أنها مقسمة قسمين بين «حريحور»، الذي كان مقره «طيبة» و«سمندس» الذي كان مقره «تانيس». ولكن إذا اعترفنا بأن تاريخَ السنة الخامسة كانَ من عهد «رعمسيس الحادي عشر» فإن معنى ذلك أن التقسيم كان قد حدث منذ السنين الأولى من عهد هذا الفرعون، وهذا ما يتعارض مع الحقائق المؤكدة. ولكن لحل هذه المعضلة يمكننا أن نستعمل ما جاء من حقائق في أوراق البردي التي أبقتها لنا الأيام محفوظة في مقابر «طيبة»، فنحن نعلم إلى أي حد كانت السلطة الرئيسية قد تضعضعت في «طيبة». فقد قامت اضطرابات هناك مكثت تسعة أشهر وكانت قد حدثت في عهد «أمنحتب» الكاهن الأكبر «لآمون»، وقد رأينا تدخل الأجانب في هذه الفترة، وهذا العهد قد امتاز بما حدث فيه من تخريب للمعابد وإشعال الحرائق والقبض على موظفين من رجال الدين، وقد تعدَّى ذلك إلى تخريب حصون مدينة «هابو».
وبالاختصار فإن هذا العهد كان يعدُّ حربًا معلنة بين المعابد التابعة لضياع الإله «آمون» في «طيبة» وبين طوائف الأجانب، وقد أدلى «شرني» (راجع «رعمسيس الحادي عشر») ببراهين قوية تؤكد أن عصر النهضة لا يمكن أن يكون إلا في عهد آخر ملوك الرعامسة في الأسرة العشرين، وأن السنة التاسعة عشرة من حكم «رعمسيس الحادي عشر» تقابل السنة الأولى من عهد النهضة الجديدة، ومع ذلك فإن عصر النهضة هذا لا يمثل إلا السنين الأخيرة من حكم «رعمسيس الحادي عشر». ولكن من جهة أخرى نعرف أن هجمات الأجانب كانت قد حدثت فعلًا في عهد «رعمسيس التاسع» و«رعمسيس العاشر»، كما شرحنا ذلك في مكانه. وقد ذكرنا أن يوميات الجبانة تتحدث عن إضراب العمال بسبب الأجانب، وكذلك أخبر الوزير بغارة قام بها رجال من قبيلة «المشوش» اللوبية، وأن إحدى الهجمات قامت من «قلعة الجبلين» الواقعة جنوبي «طيبة»، وكان مناهضهم هو ابن الملك صاحب «كوش» القائد الأعلى «بانحسي»، الذي قاد القتال حتى الجزء الشمالي من مصر مخربًا بلدة «حاراداي» عاصمة المقاطعة السابعة عشرة من مقاطعات مصر الوسطى، وكانت ضمن دائرة نفوذ وزير الوجه البحري، وقد حاربت الفرق النوبية والطيبية التي تحت قيادة «بانحسي» ضد قوات الأسرات اللوبية المتزايدة، التي كانت معسكرة في «هراكليوبوليس»، مما هدد قطع العلاقات بين صعيد مصر وريفها. وفي نفس الوقت حدث إضراب بسبب القحط بين عمال جبانة «طيبة» في عهد «رعمسيس العاشر»، وفي عهد «رعمسيس الحادي عشر»، وقع نهب المقابر وعصيان الجنود المرتزقة الذين هاجموا المعابد، مما زاد في ارتباك الحالة التي لم يكن في مقدور «أمنحتب» الكاهن الأكبر «لآمون» أن يسيطر عليها. وقد مكثت الاضطرابات تسعة أشهر في خلال السنة الأولى من عهد النهضة، وكان «أمنحتب» لا يزال يجلس على كرسي الكاهن الأكبر «لآمون» (أقرن ذلك بما لخصناه من رأي «مونتيه» في هذا الصدد «رعمسيس الحادي عشر») … إلخ.
ولكن عاد النظام إلى نصابه عندما تولى «حريحور» مقاليد الأمور بدلًا من «أمنحتب» إذ نجد بعد السنة السابعة عشرة من حكم الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» أن «حريحور»، أخذ يتابع تنفيذ الأعمال التي قام بها «بانحسي» فتقلد أعمال ابن الملك صاحب «كوش»، وتقلد وظيفة القائد الأعلى في «طيبة»، كما تقلد الوزارة وغير هيئة كبار الموظفين الإِداريين العليا.
ولكن كان لا بد من الاعتراف بأن «سمندس» — الذي كان يقبض على زمام الأمور في «تانيس» — مساوٍ «لحريحور» في السلطان، وكان الأخير قد أعطى مقاليد الوزارة في السنة الرابعة والخامسة من عهد النهضة إلى «نماعت رع نخت»، وأبقى لنفسه السلطان على بلاد النوبة، والقيادة العليا للجيش، وبعد ذلك بقليل عندما تولى عرش الملك خلع على ابنه «بيعنخي» وظائفه الحربية.
ويلاحظ أن «حريحور» كان على جانب كبير من الدهاء وبعد النظر، فإنه بتوليه رياسة كهانة «آمون» قد حافظ على سلطانه وقوته في «طيبة» أمام كهنة «منف» و«تانيس» إلى درجة أن الحكومة الدينية «لآمون» التي أسسها «حريحور» قد بقيت تلعب دورها. وقد أصبح «آمون» بهذا الانقلاب السياسي الذي دبره «حريحور» رئيس الآلهة وسيد عرش الأرضين في الكرنك، كما أصبح إلهًا له امتيازات بعيدة عن تقلبات الإمبراطورية ومدينة «طيبة»، وبذلك فإنه لن يفقد كلية أبدًا وظيفته بسبب حروب تقوم بينه وبين الآلهة المحليين القدامى. هذا موجز للمقال الممتع الذي كتبه الأستاذ «كيس».
وسنحاول الآن أن نذكر ما جاء عنه في النقوش، التي تركها لنا على جدران معبد «خنسو» بوجه خاص، وعلى غيره من آثاره حتى نرى إلى أي حد يتفق ما جاء فيها مع نظرية الأستاذ «كيس»، فكما ذكرنا منذ السنوات الأولى من حكم «رعمسيس الحادي عشر» (1130–1100ق.م) كان «حريحور» بوصفه الكاهن الأكبر والوزير يقبض على كل السلطة الروحية ويدير كل السلطة الإدارية في البلاد.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|