أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-28
914
التاريخ: 2024-04-26
684
التاريخ: 2024-05-09
718
التاريخ: 2024-11-18
153
|
وعلى الرغم مما أحدثته كثرة الأعمال التي أنجزها «رعمسيس الثاني» من الأثر في نفوس القوم، من جهة الضخامة والعظمة، فإنها من جهة أخرى لم تكن لها في غالب الأحيان قيمة فنية تُذكر، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الأعمال الهائلة العدد، التي كان يقوم بتنفيذها في وقت واحد، كانت بلا ريب تدعو إلى السرعة السريعة التي لا تنتج إلا أعمالًا أقل ما يقال عنها إنها لم تكن من طراز جميل، بل كانت تعبر عن الكثرة والضخامة وحسب، ولا يتجلى فيها الاعتناء والدقة والذوق السليم الذي كان يمتاز به فن النحت والنقش والعمارة في عهد «أمنحتب الثالث»، وهو نفس ما نشاهده في فن عهد «سيتي الأول» في معبده «بالعرابة المدفونة»، وفي قبره «بطيبة» الغربية، ولا يخرج عن ذلك إلا أشياء فردية، ونخص بالذكر منها غير صور موقعة «قادش»، معبده الذي رفع بنيانه في «العرابة المدفونة»؛ إذ نجد فيه التقاليد الفنية الجميلة التي نشاهدها في فن عهد «سيتي الأول» والده، وبجانب هذا الفن الجميل نجد من جهة أخرى أن مناظر معبد «بو سمبل» على ضخامتها قد نقشت نقشًا سمجًا، وزينت بمناظر عارية عن رفعة الفن، هذا إلى أن الجزء الأعظم من مناظره قد رُسم رسمًا تخطيطيًّا وحسب، كما لوحظ أن المتون اللغوية تزخر بالأخطاء؛ مما يدل صراحة على أن الذين كانوا يقومون بالعمل كانوا صناعًا محليين، ليس لهم دراية المفتنين، الذين نقشوا مناظر معبده «بالعرابة»، وهم الذين تعلموا على ما يظهر بالوراثة؛ ليكونوا مفتنين فقط، كما ذكرنا من قبل؛ ولذلك نجد أن كثيرًا من معابد بلاد النوبة التي نُحتت في الصخر مثل معبد «الدر»، ومعبد «جرف حسين»، وغيرهما قد زُينت بتماثيل فجة تزوَر عنها العين؛ مما يدل على السرعة من جهة، وعدم كفاية الذين قاموا بنحتها من جهة أخرى، فبدلًا من التأني والاتزان في العمل، اللذين كانا يمتاز بهما مفتنو العصر السابق، حلت في عهد «رعمسيس الثاني» السرعة السريعة؛ وذلك لأن روح هذا الفرعون كان مفعمًا بحب العظمة التي لا نهاية لها؛ مما جنى على أعمال الفن التي كانت يانعة مزهرة بما أنتجته من الآيات البينات، فأصبحنا في عصره لا نرى إلا جبالًا مكدسة من التماثيل التي انعدم في معظمها الروح الفني جملة، هذا فضلًا عن اغتصابه للقطع الفنية التي تُنسب للملوك السالفين، ونقش اسمه عليها، وكان قصده في ذلك أن يجعل ذاته الإلهية يسطع بهاؤها، ويلمع ذكرها في كل أرجاء البلاد، بما يقيمه من مبانٍ ضخمة، وتماثيل هائلة مما لم يسبقه إليها أحد أسلافه حتى إنه لم يترك فرصة لأحد أخلافه أن يباريه في هذا المضمار، كما أنه فاق في آن واحد كل من سبقه حتى «تحتمس الثالث»، و(أمنحتب الثالث).
وقد كان «رعمسيس الثاني» طوال مدة حكمه يعمل جهد الطاقة في إنتاج هذا النوع الرخيص من أعمال الفن والصناعات العادية، وعدم الاكتراث بالإنتاج الفني الراقي؛ مما أدى إلى تدهور الفن تدهورًا ملموسًا، وقد كان من نتائج هذا الغلو الفاحش في إقامة المباني، وعمل التماثيل، وغيرها استهلاك كثير من مواد الصناعة؛ مما أدى إلى نفاد مالية البلاد في السنين الأولى من حكمه، وقد يظهر ذلك جليًّا للباحث عندما يكشف أن الشطر الأول من تاريخ حياته كان مفعمًا بإقامة الآثار التي يخطئها العد، وهي التي نقرأ عنها في الوثائق الكثيرة التي دونها هو أو تركها لنا أفراد علية القوم، في حين نجد من جهة أخرى أن الجزء الأخير من حكمه قد قلت فيه إقامة الآثار، وقد يكون ذلك من الأسباب التي جعلته يغتصب آثار غيره لنفسه، ولأفراد أسرته. ولم تحدثنا الوثائق التي تركها لنا في هذه الفترة إلا عن آثار قليلة له حقيقية بدرجة تلفت النظر.
ولذلك لا يسع الإنسان أمام هذه الحقيقة الناصعة إلا الحكم على عهد هذا الفرعون المعمر من حيث الفن والعمارة بأنه كان في بدايته مزدهرًا يانعًا بالكثرة البالغة، ثم انحط إنتاجه في سنيه الأخيرة حتى إنه بانطفاء مصباح حياته ذبل معه العصر الذهبي للدولة الحديثة، وراح يترنح نحو الهاوية السحيقة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|