أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-7-2017
2836
التاريخ: 2-7-2017
2915
التاريخ: 11-12-2014
4547
التاريخ: 11-5-2017
3110
|
1 . تعصب قريش القبلي أشد من تعصب اليهود القومي
خسرت قريش في معركة بدر نحو سبعين من شخصياتها على يد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فرفعت شعار » قتلى بدر « وأقامت عليهم أكبر مناحة في التاريخ ! فلا توجد معركة أعمق تأثيراً في التاريخ من بدر ، وما زالت نتائجها ممتدةً في حياتنا إلى اليوم !
وإذا قارنا توظيف قريش لشعار قتلى بدر ، بتوظيف اليهود للهولوكوست ، نجد أن القرشيين فاقوا اليهود بالإبتزاز كثيراً ! وأول ابتزازهم سيطرتهم على الدولة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعزلهم عترته أهل بيته « عليهم السلام » .
قال عثمان لعلى ( عليه السلام ) : « ما أصنع إن كانت قريش لاتحبكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين ، كأن وجوههم شنوف الذهب ، تشرب أنوفهم قبل شفاههم » !
أي وجوههم جميلة كأقراط الذهب وأنوفهم طويلة جميلة . نثر الدرر / 259 ، ابن حمدون / 1567 ، شرح النهج : 9 / 22 والمناقب : 3 / 21 .
فقريش لا يمكنها أن تحب بني هاشم أبداً ، لأنهم قتلوا ساداتها ! فهي صاحبة ثأر عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلى ( عليه السلام ) وجميع بني هاشم ، إلى يوم القيامة !
وقد أخبر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن قريشاً لن تنسى هزيمة بدر وقتل نخبة قادتها وفرسانها ! وبالفعل جعلتها كمحرقة اليهود ! واخترعت مبررات للانتقام من بني هاشم وشيعتهم ، وعزلت بني هاشم عن الخلافة ، لأن في أعناقهم دماء قريش والعرب وقد أخذوا النبوة وهى كافية عليهم ، فالخلافة يجب أن تكون لبقية قبائل قريش !
لذلك قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) : « فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك ، فإنها ضغائن في صدور قوم ، أحقاد بدر وتِراتُ أحد ! وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا ثم وجد أعواناً أن يجاهدهم بهم ، فإن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم ، فافعل أنت كذلك ، إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك » . كتاب سُلَيم / 305 .
2 . تأسست الخلافة القرشية على الثأر من بني هاشم !
اعترف ابن أبي الحديد ، وهو سنى معتزلي متعصب لأبى بكر وعمر ، أن ثارات بدر وأحُد أوجبت قيام خلافة قرشية على أساس الثأر من بني هاشم ، وقال إن بغض القرشيين للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلى ( عليه السلام ) وبنى هاشم طبيعي حتى بعد أن أسلموا !
قال في شرح النهج : 13 / 299 : « ولست ألوم العرب لا سيما قريشاً في بغضها له » علي « وانحرافها عنه ، فإنه وترها وسفك دماءها ، وكشف القناع في منابذتها ! ونفوس العرب وأكبادهم كما تعلم ! وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهده اليوم عياناً ، والناس كالناس الأُوَل ، والطبائع واحدة ! فاحسب أنك كنت من سنتين أو ثلاث جاهلياً أو من بعض الروم ، وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ، ثم أسلمت ، أكان إسلامك يذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ؟ كلا ، إن ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحاً والعقيدة محققة ، لا كإسلام كثير من العرب ! فبعضهم أسلم تقليداً ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه !
واعلم أن كل دم أراقه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بسيف على ( عليه السلام ) وبسيف غيره ، فإن العرب بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) عصبت تلك الدماء بعلى بن أبي طالب وحده ، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلى وحده ! وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته ، طالبت بها أمثل الناس من أهله !
لمَّا قَتَلَ قومٌ من بنى تميم أخاً لعمرو بن هند ، قال بعض أعدائه يحرض عَمْرواً عليهم :
من مُبْلغٌ عَمْراً بأن المَرْ * ء لم يخلق صَبارهْ
فاقتل زرارة لا أري * في القوم أمثلَ من زرارهْ !
فأمره أن يقتل زرارة رئيس بنى تميم ، ولم يكن قاتلاً أخ الملك ولاحاضراً قتله » !
أقول : يخاطب الشاعر الملك هند بن عمرو ملك الحيرة ، بأن الإنسان لم يخلق صَبَارة ، أي حجراً ، بل له إحساسات ومنها غريزة الثأر ، فيجب عليك أن تأخذ ثأرك من بنى تميم الذين قتل أحدهم أخاك حتى لو كان قتل خطأ ، وكان رئيسهم زرارة بن عدس غائباً عن قتله ، لكنه أنسب شخصية لتقتله بثأرك .
فأطاع الملك الشاعر وهاجم بنى تميم وقتل رئيسهم زرارة ، وقتل معه أكثر من مئتين ، وبقر بطون نسائهم وأحرقهم ! فالقاعدة عند القبائل أن الثأر لا ينسى بحال من الأحوال والأزمان ! وقريش لها ثأر عند محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأعظمه ثأرها في بدر وأحُد ، ولا يجوز أن تنساه حتى لو أسلمت !
وهذا اعتراف جرئ من ابن أبي الحديد ، وهو عالم متعصب للشيخين ، بأن خلافة قريش قامت على الثأر من بني هاشم ، وأن بطون قريش عصبت دماء قتلاها بعلى ( عليه السلام ) . أما وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعترته وجعلهم كالقرآن ، فلا يسقط ثأر قريش عندهم ! وأول الثأر أن تأخذ منهم دولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتعزلهم .
وعلى المسلم المنصف أن يفهم النتيجة الضخمة لذلك ، على الإسلام كله .
ولذلك كانت أصوات علماء السلطة أنفسهم ترتفع أحياناً ، كما فعل قتادة !
قال أبان بن عثمان : « حدثني فضيل البرجمي قال : كنت بمكة وخالد بن عبد الله القشيري أمير « من قبل عبد الملك بن مروان » وكان في المسجد عند زمزم فقال : ادعوا لي قتادة ، قال : فجاء شيخ أحمر الرأس واللحية ، فدنوت لأسمع ، فقال خالد : يا قتادة أخبرني بأكرم وقعة كانت في العرب ، وأعز وقعة كانت في العرب ، وأذل وقعة كانت في العرب ! فقال : أصلح الله الأمير ، أخبرك بأكرم وقعة كانت في العرب وأعز وقعة كانت في العرب ، وأذل وقعة كانت في العرب ، وهى واحدة ! قال خالد : ويحك واحدة ! قال : نعم أصلح الله الأمير . قال : أخبرني ؟ قال : بدر .
قال : وكيف ذا ؟ قال : إن بدراً أكرم وقعة كانت في العرب بها أكرم الله عز وجل الإسلام وأهله ، وهى أعز وقعة كانت في العرب بها أعز الله الإسلام وأهله ، وهى أذل وقعة كانت في العرب ، فلما قتلت قريش يومئذ ذلت العرب . فقال له خالد : كذبت لعمر الله إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم .
ويلك يا قتادة أخبرني ببعض أشعارهم ؟ قال : خرج أبو جهل يومئذ وقد أعلم ليرى مكانه وعليه عمامة حمراء وبيده ترس مذهب وهو يقول :
ماتنقم الحرب الشموس مني * بازلُ عامين حديثُ السن
لمثل هذا ولدتنى أمي
فقال : كذب عدو الله إن كان ابن أخي لأ فرس منه ، يعنى خالد بن الوليد وكانت أمه قشيرية » من عشيرته « فقال : ويلك يا قتادة من الذي يقول : أُوفى بميعادى وأحمى عن حسب ؟ فقال : أصلح الله الأمير ليس هذا يومئذ ، هذا يوم أحد خرج طلحة بن أبي طلحة وهو ينادى من يبارز ؟ فلم يخرج إليه أحد فقال : إنكم تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ، ونحن نجهزكم بأسيافنا إلى الجنة ، فليبرزن إلى رجل يجهزنى بسيفه إلى النار ، وأجهزه بسيفي إلى الجنة ! فخرج إليه على وهو يقول :
أنا ابن ذي الحوضين عبدِ المطلبْ * وهاشمِ المطعمِ في العامِ السَّغِبْ
أوفى بميعادى وأحمى عن حَسَبْ
فقال خالد : كذب لعمري ، والله أبو تراب ما كان كذلك ! فقال الشيخ : أيها الأمير إئذن لي في الانصراف ، قال : فقام الشيخ يفرج الناس بيده وخرج وهو يقول : زنديقٌ ورب الكعبة ، زنديقٌ ورب الكعبة » ! الكافي : 8 / 111 . فالسلطة تريد إنكار بطولات على ( عليه السلام ) وكل تاريخه !
3 . ودون الرواة صفحات طويلة في حزن قريش على قتلى بدر
فقد حرَّمت قريش البكاء والزينة ، حتى أخذت بثارها نسبياً في معركة أحد ! قال ابن هشام : 2 / 474 : » ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمداً وأصحابه فيشمتوا بكم . وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة بن الأسود ، وعقيل بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، وكان يحب أن يبكى على بنيه ، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له ، وقد ذهب بصره : أنظر هل أُحِلَّ النَّحْبُ ، هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلى أبكى على أبى حكيمة ، يعنى زمعة ، فإن جوفي قد احترق . قال : فلما رجع إليه الغلام قال : إنما هي امرأة تبكى على بعير لها أضلته ، قال : فذاك حين يقول الأسود :
أتبكى أن يضل لها بعير * ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكى على بكر ولكن * على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بنى هصيص * ومخزوم ورهط أبى الوليد
وبكى إن بكيت على عقيل * وبكى حارثا أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمى جميعاً * وما لأبى حكيمة من نديد
وفى ديوان الحماسة للمرزوقي : 1 / 617 : « على بدر تقاصرت الجدود : يريد أن الذي يجب البكاء له ما جرى على رؤساء قريش وأرباب الجدود فيهم ببدر ، وأن الحيف العظيم والخسران المبين والغبن الشديد في ذاك ، لا في ضلال بَكر ، أي بعير » .
ونظم شعراء قريش قصائد كثيرة في رثاء قتلى بدر ، نشروها بين العرب ، خاصة من شعر ابن الزِّبَعْرَي ، وضرار بن الخطاب ، والحاخام كعب بن الأشرف ، وكلها هجاء للنبي ( صلى الله عليه وآله ) والأنصار ، ومدح لمشركي قريش ، فكانت تقرأ في مجالس الأمراء ، وصارت ثقافة لمجالس الخمر ، حتى تأثر بها بعض المسلمين !
وسيأتي أن بعض الصحابة شربوا الخمر في المدينة ، وتغنوا بالنوح على قتلى بدر ! ومن شعر ضرار ، سيرة ابن هشام : 2 / 539 :
عجبت لفخر الأوس والحين دائر * عليهم غدا ، والدهر فيه بصائر
وفخر بنى النجار أن كان معشر * أصيبوا ببدر كلهم ثَمَّ صابر
فإن تك قتلى غودرت من رجالنا * فإنا رجال بعدهم سنغادر
وتردى بنا الجرد العناجيج وسطكم * بنى الأوس حتى يشتفى النفس ثائر
ومن شعرعبد الله بن الزبعرَى السهمي « ابن هشام : 2 / 541 » :
ماذا على بدر وماذا حوله * من فتية بيض الوجوه كرام
تركوا نبيهاً خلفهم ومنبهاً * وابنى ربيعة خير خصم فئام
والحارث الفياض يبرق وجهه * كالبدر جلى ليلة الأظلام
والعاصي بن منبه ذا مرة * رمحاً تميماً غير ذي أوصام
تنمى به أعراقه وجدوده * ومآثر الأخوال والأعمام . . .
واشتهرت قصيدته في أحُد أكثر من غيرها :
يا غراب البين أسمعت فقل * إنما تنطق شيئاً قد فعل
أبلغن حسان عنى آية * فقريض الشعر يشفى ذا الغلل
كم قتلنا من كريم سيد * ماجد الجدين مقدام بطل
فسل المهراس من ساكنه ؟ * بين أقحاف وهام كالحجل
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الأشل
فقتلنا الضعف من أشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
بسيوف الهند تعلو هامهم * عَلَلاً تعلوهمُ يعد نهل
فأجابه حسان بن ثابت :
ذهبتْ يا بن الزبعرى وقعةٌ * كان منا الفضل فيها لو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم * وكذاك الحرب أحياناً دول
نضع الأسياف في أكتافكم * حيث نهوى عللاً بعد نهل
ومن شعر كعب بن الأشرف اليهودي ، « ابن هشام 2 / 564 » :
« طحنت رحى بدر لمهلك أهله * ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم * لا تبعدوا ، إن الملوك تصرع
كم قد أصيب به من أبيض ماجد * ذي بهجة يأوى إليه الضيع . .
وقال أياس بن زنيم يحرض مشركي قريش على قتل على ( عليه السلام ) :
في كل مجمع غاية أخزاكم * جذعٌ أبرُّ على المذاكى القرَّح
لله دركم ألمَّا تنكروا * قد ينكر الحرُّ الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم * ذبحاً وقتلاً قعصةً لم يذبح
أين الكهول وأين كل دعامة * في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قعصاً وضرباً يفتري * بالسيف يعمل حده لم يصفح
أعطوه خرجاً واتقوا بمصيبة * فعل الذليل وبيعة لم تربحِ »
الإصابة : 1 / 231 ، أنساب الأشراف / 188 وتاريخ دمشق : 42 / 8 .
4 . الشيخان يشربان الخمر وينوحان على قتلى بدر !
بلغ من تأثير الإعلام القرشي ، أن مجالس الخمر والسمر في المدينة كان يقرأ فيها شعر الرثاء والنياحة على قتلى بدر ! وقد رووا أن مجلساً ضم أحد عشر صحابياً فيهم الشيخان أبو بكر وعمر ، شربوا الخمر وغنوا بالنوح على قتلى بدر !
فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبيده سعفة أو مكنسة يريد أن يضربهم !
وتتفاجأ بأن هذا الحديث صحيح عندهم ، فقد رواه تمام الرازي المتوفي : 414 ، في كتابه الفوائد : 2 / 228 ، برقم : 1593 وطبعة : 3 / 481 ، بسند صحيح عن عوف ، عن أبي القموص قال : « شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم فأخذت فيه ، فأنشأ يقول :
تَحَيى بالسلامة أمَّ بكرٍ * وهل لك بعد رهطك من سلام
ذرينى أصطبح يا بكر إني * رأيت الموت نقَّبَ عن هشام
فودَّ بنو المغيرة أن فدوْهُ * بألف من رجال أو سوام
فكائن بالطوى طوى بدر * من القينات والخيل الكرام
فكائن بالطوى طوى بدر * من الشيزى تُكلل بالسنام
فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقام معه جريدة يجر إزاره حتى دخل عليه ، فلما نظر إليه قال : أعوذ من سخط الله ومن سخط رسوله ، والله لا يلج لي رأساً أبداً ! فذهب عن رسول الله ما كان فيه ، وخرج ونزل عليه : فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون ؟ ! فقال عمر : انتهينا والله » .
ورواه الثعلبي في تفسيره : 2 / 142 دون أن يسميهما قال : « وكان قوم يشربونها ويجلسون في بيوتهم ، وكانوا يتركونها أوقات الصلاة ، ويشربونها في غير حين الصلاة ، إلى أن شربها رجل من المسلمين فجعل ينوح على قتلى بدر ، ويقول . . . فبلغ ذلك رسول الله فخرج مسرعاً يجر رداءه حتى انتهى إليه ، ورفع شيئاً كان بيده « سعفة » ليضربه ، فلما عاينه الرجل قال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله ، والله لا أطعمها أبداً » .
ورواها ابن هشام : 2 / 549 بأطول منه ، وفيها أبيات أبى بكر في إنكار الآخرة قال :
« يخبرنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداءٍ وهامِ » !
وفى الصحيح من السيرة : 5 / 301 :
أيوعدنى ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداءٍ وهامِ
أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمان عني * بأنى تارك شهر الصيام
فقل الله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي »
وروى ابن حجر في الإصابة : 7 / 39 عن الفاكهي في كتاب مكة أن الرجل كان أبا بكر ! وفيه : « شرب أبو بكر الخمر فأنشأ يقول : فذكر الأبيات . فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقام يجر إزاره حتى دخل فتلقاه عمر وكان مع أبي بكر ، فلما نظر إلى وجهه محمراً ، قال : نعوذ بالله من غضب رسول الله ! والله لا يلج لنا رأسا أبداً ! فكان أول من حرمها على نفسه ! واعتمد نفطويه على هذه الرواية فقال : شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم ، ورثى قتلى بدر من المشركين » !
وذكر ابن حجر في فتح الباري : 10 / 31 ، أن تلك الجلسة كانت حفلة خمر في بيت أبى طلحة ، وكانوا أحد عشر صحابياً ، وكان ساقيهم أنس بن مالك ! ثم قال : « ولأحمد عن يحيى القطان عن حميد عن أنس : كنت أسقى أبا عبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة . ووقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما عن أنس ، أن القوم كانوا أحد عشر رجلاً ، وقد حصل من الطرق التي أوردتها تسمية سبعة منهم ، وأبهمهم في رواية سُلَيمان التيمي عن أنس . ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس ، أن أبا بكر وعمر كانا فيهم ! وهو منكر ، مع نظافة سنده ، وما أظنه إلا غلطاً » !
يقصد أن سند الحديث صحيح وكان فيهم أبو بكر وعمر ، لكن مكانتهما كثيرة فهو حديث مستنكر ! لكن مذهبه إذا صح الحديث فلا قيمة لاستغراب معناه !
والأدهى من ذلك أن القصة كانت عند تواصل نزول سورة المائدة ، أي قبل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشهر أو شهرين ! لأن آية : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ . « المائدة : 91 » . من سورة المائدة ، وهى آخر سورة نزلت من القرآن ، قبيل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
كما نلاحظ أن القصة انتشرت بين المسلمين ، وقالوا إن القصيدة لأبى بكر ! فنفت عائشة أن يكون أبوها نظم هذا الشعر ، ولم تنف مشاركته في الحفلة وإنشاده !
فقد روى بخارى في صحيحه : 4 / 263 دفاعها فقال : « عن عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر ، فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، الذي قال هذه القصيدة ، ورثى كفار قريش :
وماذا بالقليب قليب بدر * من الشيزى تزين بالسنام
وماذا بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام
تحيى بالسلامة أم بكر * وهل لي بعد قومي من سلام
يحدثنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام »
لكن عائشة لم تحل المشكلة ، لأنها نفت أن أباها نظم القصيدة ولم تنف إنشاده لها ! فالمهم عندها نفى نظمها لأنها تثبت كفر ناظمها وإنكاره النبوة والآخرة ، أما إنشادها فهو أقل مصيبةً !
وروى ابن حجر في الإصابة : 7 / 39 أنها كانت غاضبة لأن الناس لم يصدقوها ! « كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة ثم تقول : والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام ، ولكن تزوج امرأة من بنى كنانة ثم بنى عوف فلما هاجر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، فقال هذه القصيدة يرثى كفار قريش الذين قتلوا ببدر ، فتحامى الناس أبا بكر من أجل المرأة التي طلقها ، وإنما هو أبو بكر بن شعوب » .
تقصد أن أم بكر المخاطبة بالقصيدة هي زوجة أبيها لكنه طلقها عندما هاجر ، وتزوجها ابن شعوب وهو الذي نظم القصيدة ! راجع في الموضوع : أمالي الطوسي / 737 ، رواها بسبعة أبيات ، ابن هشام : 2 / 549 ورواها بتسعة أبيات ، الغدير : 6 / 251 ، 7 / 96 و 7 / 95 ، فتح الباري : 10 / 30 ، قد أطال في الموضوع ودافع بما يستطيع ، لكن كلامه فيه تعجب وتحير ، وسيرة ابن كثير : 2 / 535 ، مستدرك الوسائل : 17 / 83 ، السقيفة أم الفتن / 74 ، فيض القدير : 1 / 117 ، الإصابة : 7 / 38 ، الصحيح من السيرة : 5 / 301 و 304 ، مجمع الزوائد : 5 / 51 ، الهداية الكبري / 106 ، أمالي المرتضي : 2 / 18 ، النص والاجتهاد / 311 ، أحاديث الشعر للمقدسي / 57 ، النهاية : 3 / 412 ، تفسير الثعلبي : 2 / 142 والإصابة : 7 / 38 .
5 . دين قريش القبول بالتناقض !
من تناقض القرشيين أنهم أرادوا خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبنفس الوقت أرادوا أن يأخذوا منه ثأر بدر ! وقد ظهرت « مناحتهم » على قتلى بدرعلى ألسنة « خلفاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) » ! الذين يعرفون جيداً أنه لولا معركة بدر لما كان إسلامٌ ، ولا خلافةٌ يجلسون على كرسيها ! ويعرفون أن الذي يجلس على كرسي خلافة محمد يفترض أنه مسلم ، وأنه إلى جانب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في معركة بدر ، وضد من قتلهم من المشركين ! لكن تعقيد الشخصية القرشية جعلتهم يتبنون نتيجة معركة بدر التي منها الخلافة ، ويتبنون « مناحة قومهم » على قتلى بدر ، لأنها تنفعهم ضد بني هاشم وتساعدهم في إبعادهم عن الخلافة !
قال عمر لابن عباس في محاورته الشهيرة في الخلافة : « كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فتجخفوا جخفاً « تكبراً » فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت . . أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول » ! تاريخ الطبري : 3 / 288 ، شرح النهج : 6 / 50 ، جمهرة الأمثال : 1 / 339 والعقد الفريد / 1378 .
وقال عبد الله بن عمر لعلى ( عليه السلام ) : « كيف تحبك قريش وقد قتلت في يوم بدر وأحُد من ساداتهم سبعين سيداً ، تشرب أنوفهم الماء قبل شفاهم » ! المناقب : 3 / 21 .
وتقدم قول عثمان لعلي ( عليه السلام ) مثل ذلك .
فالخليفة المحترم يعرف أنه لولا قتل بني هاشم لمشركي قريش في بدر ، لما كانت دولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي يتنعم بحكمها ! ويعرف أن قتلى بدر طغاة ، عملوا لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بدر وقبلها . ويعرف أن قريشاً أعلنت إسلامها والمفروض أنها تبرأت من الشرك والمشركين !
ومع ذلك يعطى قريشاً الحق في كره بني هاشم ومطالبتهم بدماء مشركيها ! فاعجب لخليفةٍ يدين منطق الإسلام الذي يلبس ثوبه ويحكم بإسمه !
وعندما تقوم « الخلافة » على أساس الثأر من بني هاشم ، فمن الطبيعي أن تقوم بقتل الأئمة من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتقمع شيعتهم ، وتشوه سمعتهم ، وتبيد المصادر الثقافية لمذهبهم ! وما زالت هذه السياسة سارية في العالم الإسلامي إلى اليوم !
لاحظ جواب الزهراء لأم سلمة « عليها السلام » « المناقب : 2 / 49 » : « كيف أصبحت يا بنت رسول الله ؟ فقالت : أصبحت بين كمد وكرب ! فُقِدَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وظُلِمَ الوصي ، وهُتك والله حجابه ، وأصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل ، وسنها النبي ( صلى الله عليه وآله ) في التأويل ! ولكنها أحقاد بدرية وتِرات أحدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثارمن مخيلة الشقاق » .
وقال على ( عليه السلام ) لقريش : « وإني لصاحبكم بالأمس ، لعمر أبى وأمي لن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة ، وأنتم تذكرون أحقاد بدر وثارات أحد ! أما والله لو قلت ما سبق الله فيكم ، لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم ، كتداخل أسنان دوارة الرحي ! فإن نطقت يقولون حسداً ! وإن أسكت فيقال ابن أبي طالب جزع من الموت ! هيهات هيهات ، الساعة يقال لي هذا ؟ ! وأنا المميت المائت ، وخواض المنايا في جوف ليل حالك » . الإحتجاج : 1 / 127 .
وقال عبد الرحمن بن جندب : « لما بويع عثمان ، سمعت المقداد بن الأسود الكندي يقول لعبد الرحمن بن عوف : والله يا عبد الرحمن ما رأيت مثل ما أُتِى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال له عبد الرحمن : وما أنت وذاك يا مقداد ؟ قال : إني والله أحبهم لحب رسول الله لهم ويعتريني والله وجد لا أبثه بثة ، لتشرُّف قريش على الناس بشرفهم واجتماعهم على نزع سلطان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أيديهم !
فقال له عبد الرحمن : ويحك والله لقد اجتهدت نفسي لكم ! فقال له المقداد : أما والله لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون ، أما والله لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إياهم يوم بدر وأحد !
فقال له عبد الرحمن : ثكلتك أمك يا مقداد لا يسمعن هذا الكلام منك الناس ، أما والله إني لخائف أن تكون صاحب فرقة وفتنة . قال جندب : فأتيته بعد ما انصرف من مقامه وقلت له : يا مقداد أنا من أعوانك ، فقال : رحمك الله إن الذي نريد لايغنى فيه الرجلان والثلاثة . فخرجت من عنده فدخلت على على ( عليه السلام ) فذكرت له ما قال وما قلت . قال : فدعا لنا بالخير » . أمالي المفيد / 169 .
وقال في الصحيح من السيرة : 6 / 154 : « ولم تستطع قريش أن تنسى ثارات بدر وأحُد وسائر المعارك ، حتى أن حرب صفين كما قالت أم الخير بنت الحريش : كانت لإحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن أحدية ، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بنى عبد شمس ! بل إن مجزرة كربلاء وفاجعة قتل الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه كانت لها دوافع بدرية وإحن أحدية أيضاً ، فقد قال اللعين يزيد بن معاوية : ليت أشياخي ببدر شهدوا . . . ولما وصل رأس الحسين ( عليه السلام ) إلى المدينة رمى مروان بالرأس نحو قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : يا محمد يوم بيوم بدر » !
وفى تاريخ الطبري : 8 / 187 : « طلب يزيد بثارات المشركين عند المسلمين ، فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ، ولا أفحش مما ارتكب من الصالحين فيها ! وشفى بذلك حقد نفسه وغليله ، وظن أن قد انتقم من أولياء الله وبلغ النوى لأعداء الله ، فقال مجاهراً بكفره ، ومظهراً لشركه :
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلوا واستهلوا فرحاً * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم * من بنى أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا * خبرٌ جاء ولا وحى نزل !
هذا هو المروق من الدين ، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه » !
وقد أجابت زينب « عليها السلام » يزيداً في مجلسه فقالت له : « أتقول : ليت أشياخي ببدر شهدوا . . غير متأثم ولامستعظم ، وأنت تنكث ثنايا أبى عبد الله بمخصرتك ! ولمَ لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإهراقك دماء ذرية رسول الله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب . ولتردنَّ على الله وشيكاً موردهم ، ولتودن أنك عميت وبكمت ، وأنك لم تقل : فاستهلوا وأهلوا فرحاً . . اللهم خذ بحقنا وانتقم لنا ممن ظلمنا » . بلاغات النساء لابن طيفور / 20 .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « لقى المنهال بن عمرو علي بن الحسين بن علي ( عليه السلام ) فقال له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال : ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت ؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ! وأصبح خير البرية بعد محمد ( صلى الله عليه وآله ) يلعن على المنابر ! وأصبح عدونا يعطى المال والشرف ، وأصبح من يحبنا محقوراً منقوصاً حقه ، وكذلك لم يزل المؤمنون ! وأصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأن محمداً منها ، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمداً منها ، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقها بأن محمداً منها ، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً منها ! وأصبحنا أهل البيت لا يعرف لنا حق ! فهكذا أصبحنا يا منهال » ! تفسير القمي : 2 / 134 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|