معوقات قيدت دور المحاكم الإدارية الدولية في تطوير القانون الإداري الدولي |
247
01:01 صباحاً
التاريخ: 2024-09-08
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2016
2642
التاريخ: 6-8-2017
2170
التاريخ: 7-4-2016
9921
التاريخ: 6-12-2017
4674
|
واجهت المحاكم الإدارية الدولية الكثير من المعوقات التي برزت للتأثير أمام دورها في إرساء المبادئ القانونية للقانون الإداري الدولي سواء كان بواسطة النصوص التي وضعتها الدول أم من خلال عدم تمتعها بالاستقلال الكامل عن الأجهزة الأخرى داخل المنظمة أم مشاكل في تنفيذ الحكم، بالنسبة للنصوص فقد حاول واضعي النصوص الخاصة بالنظام الأساسي للمحكمة الإدارية للأمم المتحدة (السابقة) تقيدها إذ أخذت الحكومة الامريكية موقفا سلبيا تجاه المحكمة مما أدى إلى تقليص سلطات المحكمة عن طريق منعها أو التهديد بإلغائها وقد تم تعديل المادة (9) من نظامها الأساسي حيث كانت تسمح للمحكمة بأن تامر بإعادة الموظف إلى عمله أو بتنفيذ التزام معين أو تعويض غير محدد فأصبح التعويض محدد واعادة الموظف خيار للأمين العام للمنظمة مما أدى إلى صعوبة في استنباط القواعد والمبادئ الأساسية للقانون الإداري الدولي من قبل المحكمة الإدارية وتدخل الاجهزة الأخرى في المنظمة في الجهاز الإدارية للمحكمة وعدم تنفيذ أحكامها من قبل جهاز المنظمة التشريعي على أساس أنه الجهاز الأعلى في المنظمة وهو الذي انشئ المحكمة ولهذا سنتناول تقييد النظام الأساسي للمحاكم الإدارية وعدم استقلاليتها عن اجهزة المنظمة الأخرى وصعوبة تنفيذ الأحكام كل هذا في ثلاثة فروع .
الفرع الأول:-
تقييد النظام الأساسي للمحاكم الإدارية الدولية من ناحية الاختصاص
لا بد من القول إن المحاكم الإدارية الدولية تمتلك اختصاصاً محدداً ومقيداً في إطار ما تنص عليه انظمتها الأساسية ونظامها الداخلي في تحديد اختصاص هذه المحاكم الدولية اذ النصوص تبين عمل واختصاص المحاكم الدولية اذ لا يحق لهذه المحاكم من تجاوز هذا الاختصاصات والتي حددت فيما يتعلق بالموظفين الدوليين أو ورثتهم، بأن ليس لكل الأفراد العاملين في خدمتها الحق في اللجوء إلى المحاكم الإدارية الدولية بل حاولت هذه المنظمات قسره على طائفة محدودة منهم دون الكافة مما يودي إلى حصر الضمانات القضائية في جزء من العاملين لديها وهذا لا ينطبق مع المنطق القانوني الذي يقضي بأن الحق في التقاضي لا يقبل التجزئة)(1). ومن ثم لا تستطيع ممارسة أي اختصاص أخر لا يتعلق بالموظفين المحددين وهم الدائمين دون اصحاب العقود ذات المدة المحددة إلا إذا سمح النظام الأساسي للمحاكم الإدارية الدولية ذلك وكذلك في مجال التعويض يوجد حد أقصى يحق للمحاكم الإدارية من فرضه (2).
يحدد النظام الأساس المواضيع التي يحق النظر فيها ففي بعض الاحيان يحدد مواضيع لا تتعلق بالوظيفة الدولية كما في المحكمة الإدارية لمنظمة العمل الدولية بالنظر بالعقود التجارية التي تتم بين المنظمة ومتعاقدين معها ليسو بموظفين، وكذلك يسمح النظام الأساسي بالنظر في قضايا موظفين خارج المنظمة اذ سمح النظام الأساس للمحكمة الإدارية، كما في موظفي محكمة العدل الدولية من حقهم رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية للأمم المتحدة لمخالفة قواعد القانون الإداري الدولي بالرغم مما تملكه من صفه قضائية دولية في القضاء العادي وذلك بموجب قرار الجمعية العامة المرقم (166) عام 1997 بأن ينقل الاختصاص إلى المحكمة الإدارية للأمم المتحدة من 1998/1/1 ، اي أنه من الممكن ان يتم تعديل هذا الاختصاص من خلال السلطة التشريعية في المنظمة الدولية بتغير النظام الأساس للمحكمة الإدارية لذك فإن الاختصاص مرتبط بإرادة المنظمة واعضائها الذين قيدوا المحاكم الإدارية الدولية خوفاً على مصالحهم الشخصية وليس مصالح التنظيم الدولي المبني عليه القانون الإداري الدولي(3). وعموماً فإن من أهم الأسباب التي قيدت المحاكم الإدارية هو المواضيع المحددة في النصوص التشريعية اذ لا يمكن للمحاكم الإدارية من تجاوزها، ولهذه النصوص التي وضعت اصلا ضمن نظره ضيقة لتقيد دورها في اقل دور تقوم به وبالنتيجة تجبر المحاكم الإدارية من تبقى ضمن حدود الإطار المرسوم لها قانوناً وضمن كل الضوابط التي توجد أثناء ممارسة المحاكم لعملها(4)، وإن المحاكم الإدارية الدولية من أجل ممارسة هذا الاختصاص يجب أن تكون هنالك دعوى مرفوعة أمامها فلا يحق ممارسة الاختصاص بدون هذه الطلبات المقدمة من قبل الموظف الدولي، وفي هذا السياق فإن المحاكم الإدارية الدولية لا يخضع إلى رقابة السلطة التقديرية للجهاز الإداري في مجال الملائمة فهو يدخل ضمن صلاحيات الإدارة من خلال التصدي للمركز القانوني للموظف والتنظيم الداخلي للمنظمة بدون مس حقوقه التي نصت عليها القواعد القانونية وهو قيد على المحاكم الإدارية الدولية، ففي قرار للمحكمة الإدارية للأمم المتحدة في قضية (Vandrafik) في 1968/4/26 بعدم اختصاصها بمراقبة القرارات المتعلقة بإعادة التنظيم الاداري (5).
كذلك النصوص المحددة للاختصاص لم تسمح لهذه المحاكم من التصدي للأمور المرتبطة بحصانة الموظفين الدوليين بين المنظمة ودول المقر ، ففي حكم للمحكمة الإدارية لمنظمة العمل الدولية حول قضية (زويد) ضد منظمة الصحة العالمية في 2003/2/3 بأن للمنظمة السلطة التقديرية لتقليم علاقتها بدولة عضو فيما اذا كان من المناسب رفع الحصانة عن أحد موظفيها وإن هذه العلاقات تقع خارج اختصاصها (6) ، لكن بظهور نظام العدل الجديد في الأمم المتحدة حاولت محكمة المنازعات في عدة حالات تقيد سلطة الأمين العام في فرض الإجراءات التأديبية ومحاولة تحديد معيار اثبات سوء السلوك إذ تنظر في تلك القرارات دون المساس بالسلطة التقديرية لجهازها الإداري من خلال تسبيب الإجراءات التي اتخذتها قبل فرض الجزاء ومدى صحتها والتأكد من انسجام سوء السلوك مع العقوبة وأساس هذا المعيار مبدأ التناسب(7).
إذ إن التقيد في نظام العدل الجديد استمر حتى في الطرق غير الرسمية التي منها ينطلق اختصاص محكمة المنازعات اذ لا يحق لأمين المظالم من فتح تحقيق في حال صدر قرار إداري تعسفي من قبل الإدارة الا فيما يخص تجديد العقود والتأخير في الردود على الطلبات وعدم المساواة المهنية أو التحرش في العلاقات ما بين الموظفين، وكذلك لا يجوز تقديم طلب التقييم الإداري في حال صدر القرار الإداري من الأمين العام بعد مشورة قدمتها هيئات فنية أو عملا بقرار اتخذ في مقر المحكمة في نيويورك بعرض التوقيع التأديبي (8).
استطاعت المحاكم الإدارية الدولية من توسيع الاختصاص على الرغم من القيود التشريعية إذ ألزمت الإدارة بوجوب وجود التناسب بين العقوبة والمخالفة وتسبيب قراراتها وان اختصاصها يشمل جميع العاملين بالمنظمات الدولية سواء كان مؤقت أو دائمي واي موضوع دعوى يتعلق بحقوق الموظف الدولي وما تملكه من تحديد ما يدخل في اختصاصها ساعد على ذلك .
الفرع الثاني:
عدم استقلالية المحاكم الإدارية الدولية عن أجهزة لمنظمات الدولية .
كل محكمة وطنية كانت أو دولية يجب أن تمتلك بعض العناصر الأساسية لإطلاق الصفة القضائية عليها منها الاستقلال والدوام والنزاهة وعلانية المرافعات واحترام حق الدفاع وعلى رأس هذه المبادئ هي الاستقلالية، ولذلك فأن المحاكم الإدارية الدولية هي جهات قضائية يعهد إليها بفض النزاعات ما بين المنظمة والموظف التابع لها وهي تنشأ من الجهاز الحاصل على السلطة العليا في المنظمة لكن بالرغم من هذا فهي يجب ان تمتلك استقلالية كاملة تجاه الجهاز الذي انشأها لأجل توفير الحماية إلى الموظف الدولي التابع لها وتعزيز الحيادية ما بين الموظف والإدارة التي تمتلك سلطات واسعة في مجال الوظيفة الدولية(9).
فضلاً عن أن القضاة وأعضاء المحاكم الإدارية الدولية يتم اختيارهم وفق النظام الداخلي للمحكمة ولهم أهمية وذات تأثير على تطوير قواعد القانون الإداري الدولي لما يملكونه من خبرات متراكمة ولهذا فإن التدخل في تعيينهم بعد اضعاف لاستقلال المحكمة إذ أنهم ليس بموظفين اداريين دوليين اذ يتمتع هؤلاء باستقلالية تامة ويتم تعيينهم في اجراءات تختلف جذرياً عن تلك المتبعة بالنسبة لغيرهم لذلك نصت النظم الأساسية للمحاكم الإدارية الدولية على ضرورة اختيار اعضائها من خارج موظفي المنظمة كما في المادة (3) من المحكمة الادارية (السابقة) للأمم المتحدة والمادة (3) من النظام الأساسي للمحكمة الإدارية لمنظمة العمل الدولية(10). وعدم قابليتهم للعزل إلا إذا أجمع سائر الأعضاء على أن أحدهم أصبح غير مستوف للشروط المطلوبة المنصوص عليها في المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة الإدارية في جامعة الدول العربية والمادة (3) من النظام الأساسي للمحكمة الإدارية لمنظمة الأمم المتحدة ويتم ذلك من قبل الجهاز التشريعي للمنظمة واما الموظفين الاداريين التابعين للمحاكم الإدارية الدولية فهم خاضعون إلى رئيس المحكمة (11).
كذلك أشارت محكمة العدل الدولية في عام 1954 بشأن المحكمة الإدارية في الأمم المتحدة التي اعترفت لها بالصفة القضائية اذ قالت من خلال فحص النصوص للنظام الأساسي للمحكمة نجزم بأنّها ليست جهازاً استشارياً أو مجرد لجنة متفرعة من الجمعية العامة بل هي جهاز قضائي حقيقي ومستقل وهذا الرأي الاستشاري بناءً على طلب من الجمعية العامة بسبب الضغط من قبل المندوب الامريكي بعدم تنفيذ حكم المحكمة الإدارية حول قضية فصل (13) موظف إذ أدعى ان المحكمة هي جهاز معاون أو مساعد للجمعية العامة وهي لا تتمتع بالطابع القضائي مما اجبر الجمعية العامة على طلب الراي الاستشاري، ولهذا فإن التسليم لمبررات المندوب الامريكي يعد نسفا للقضاء الإداري سواء كان الوطني أو الدولي وعدم الاعتراف بالغرض الذي انشأ من اجله المحاكم الإدارية الدولية (12).
لكن المتتبع إلى طريقة عزل القضاة يجدها تتم من قبل الجهاز الأعلى في المنظمة كما في محكمة الأمم المتحدة للمنازعات وهذا مخالف لمبدأ الفصل بين السلطات مما يوثر على مبدأ الإستقلالية الذي عملت المحاكم الادارية الدولية على ارسائه من خلال بناء أحكامها على هذا المبدأ، اما تعيين موظفي المحكمة الاداريين في أغلب المحاكم الإدارية الدولي أنها بعيدة عن الاستقلالية فيتم اختيارهم وتعينهم من قبل الأمين العام الذي هو المسؤول الإداري الأعلى كما في منظمة الأمم المتحدة المادة (3) من النظام الأساسي للمحكمة، وجامعة الدول العربية المادة (4) من النظام الداخلي للمحكمة (13)، فضلاً. عن ذلك يحق للأمين العام الاختيار بين إلغاء القرار أو التعويض أي أن تحدد المحكمة كجزء من حكمها الاصلي تعويضا يدفع إلى مقدم الطلب على ان يترك الأمر للأمين العام ليقرر لصالح الأمم المتحدة الامتثال لأمر الإلغاء أو الاداء التعويض كما في نص المادة (10) من النظام الأساس للمحكمة الإدارية للأمم المتحدة (السابقة)(14). استقلال المحاكم الإدارية الدولية عن الإدارة العامة للمنظمات الدولية يجب العمل عليه والحرص على كفالتها وتوحيد القوانين من أجل كسب ثقة الموظف الدولي لان عدم استقلال القضاء عن الإدارة يعرضه للاتهام ومحاباة الإدارة على حساب حقوق الموظفين مما يودي إلى انهيار ثقة الموظف الدولي وعدم الاطمئنان ومخالفة الاتجاه الذي تعمل عليه المحاكم الادارية الدولية في ارساء مبادئ وقواعد مستنبطة تحافظ على ذلك(15).
ولهذا فإن استقلال المحاكم الإدارية الدولية هو أثر طبيعي يقع على قدم المساواة مع الاجهزة التي تشكل المنظمة الدولية، ويتجلى الاستقلال للمحاكم الإدارية في المنظمات الدولية أمام الجهاز التشريعي والجهاز الاداري من خلال :-
1. عدم حجب حق التقاضي على أشخاص معينين من اللجوء إلى المحاكم أو مخاصمة الآخرين وهو يخالف مبدأ المشروعية والفصل بين السلطات اذ أصبح من المبادئ الراسخة سواء على المستوى الدولي ام على الصعيد الوطني.
2. عدم إلغاء أحكام قضائية أو تعطيل تنفيذها إذ لا يحق للسلطة التشريعية والتنفيذية من إصدار تشريعات أو تعليمات تؤدي إلى إلغاء أو تعطيل تنفيذ الأحكام.
3. عدم تدخل السلطة التنفيذية في تعين القضاة إذ يخل بمبدأ الفصل بين السلطات وخرق الحصانة القضاة واستقلالهم أو عزل القضاة اذ جعلت أغلب المنظمات الدولية عزل القضاة من قبل المحاكم نفسها في حال انتفاء أحد الشروط.
4. عدم التدخل في الشؤون الوظيفية للقضاة من تعين وترقية وتأديب وغيرها من الأمور التي تمس كيانهم الوظيفي.
5. الحصانة ضد العزل اذ تعد من أقوى المبادئ الداعمة لاستقلال القضاة والتي لها تأثير مباشر على عملهم (16) قد أشارت المادة (5) الفقرة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية بأنه لا يفصل عضو من المحكمة من وظيفته إلا إذا أجمع سائر الأعضاء على أنه أصبح غير مستوفي الشروط المطلوبة (17)، وهذا عكس ما معمول به حالياً في محكمة الأمم المتحدة للمنازعات اذ جعلت المادة (4) من النظام الأساسي عزل القضاة صلاحية الجمعية العامة للأمم المتحدة في حالتين هما سوء السلوك وعدم الاهلية مع العلم أن المحكمة الإدارية للأمم المتحدة السابقة كانت تشترط لعزل القضاة أجماع الرأي من باقي أعضاء المحكمة نفسها لتتمكن الجمعية العامة من عزلهم (18).
لاستقلالية المحاكم الإدارية تأثير كبير على ترسيخ قواعد القانون الإداري الدولي اذ ان التدخل في تعين وعزل القضاة والموظفين الاداريين من قبل اجهزة المنظمة يضعف هذا التأثير ويجعل أحكامها تنحرف عن أهدافها التي وجدت من أجلها وقد عملت المحاكم الادارية على ذلك بوجوب خضوع موظفي الجهاز التشريعي لها وان يدفع التعويض للموظف الدولي بنااً على حكم المحكمة من قبل المنظمة استناداً الى مبدأ الفصل بين السلطات
الفرع الثالث - عدم تنفيذ أحكام المحاكم الإدارية الدولية
في جميع الأنظمة الدولية يترتب على صدور الأحكام القضائية من المحاكم الإدارية الدولية آثار قانونية أهم هذه الآثار هو اكتساب الأحكام حجية الأمر المقضي به أي قرينة قانونية لا تقبل اثبات العكس وتقرر هذه الحجية من أجل المصلحة العامة اذ لو اجيز لكل من خسر الدعوى أن يعيد رفع الدعوى مرة أخرى لتأبدت المنازعات ومن ثم يجب على أطراف النزاع تنفيذ الحكم ،ويقع على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم الإدارية الدولية على المنظمة الدولية التي صدر الحكم تجاهها (19) لذلك فإن مشكلة تنفيذ الأحكام من المشاكل المهمة إذ إن المحاكم الإدارية الدولية ليس لها إلا أن تقضي بالتعويض لصالح الموظف الدولي عند رفض الإدارة الدولية تنفيذ حكم امر في إلغاء قرار إداري صادر من الإدارة ضد موظف دولي (20). فقد تضمنت النظم الأساسية للمحاكم الإدارية الدولية نصوصا تلزم المنظمات الدولية بتنفيذ الأحكام كما في المادة (9) من النظام الأساسي للمحكمة الإدارية لمنظمة العمل الدولية لعام 1946 وكذلك بينت المادة (10) من النظام الاساسي للمحكمة الإدارية للأمم المتحدة لعام 1949 (السابقة) في حق الموظف بالتعويض اذ رتب القرار المطعون به ضرر او طلب السكرتير العام عدم تنفيذ حكم المحكمة أو عدم امكانية التنفيذ، وهذا يعد خلل تشريعي الذي يعطي صلاحية للأمين العام يتجاوز من خلالها تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية الدولية (21) قد لاقت المحاكم الإدارية منذ نشوئها صعوبة في تنفيذ الأحكام الصادرة منها وفيما يحق للجهاز العام المنشئ للمحكمة الإدارية في نقض أو استئناف الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية وقد كان هنالك رائيين مختلفين من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة:-
الرأي الأول يرى بعدم احقية الجمعية العامة في مراجعة أحكام المحكمة الإدارية أو نقضها وإنما هي ملزمة بتنفيذ التعويض الصادر لموظفي الامانة العامة والذي اقرته المحكمة الإدارية في حكمها .
الرأي الثاني - يرى بأن من حق الجمعية مراجعة أحكام المحكمة الإدارية وانها غير ملزمة بتنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية وكان على رأس الدول المعترضين الولايات المتحدة الامريكية (22).
على أثر ذلك طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأي استشاري من محكمة العدل الدولية عام 1954 في خصوص (قضية أحكام التعويض وانتهت محكمة العدل الدولية بفتواها القائلة بأن المحكمة الإدارية للأمم المتحدة تمتلك سلطة في إصدار أحكام نهائية وغير قابلة للاستئناف من جانب اي جهاز بما في ذلك الجمعية العامة وان أحكام المحكمة الإدارية للأمم المتحدة ملزمة في وجه الكافة ومنهم الجمعية العامة للأمم المتحدة) وقد صدرت فتوى محكمة العدل الدولية بـ(9) اصوات ضد (3) اصوات وعلى أثر ذلك انشأت الجمعية العامة صندوق خاص بالتعويضات يتولى سداد تعويض ما تقضي به المحكمة الإدارية للأمم المتحدة (23).
إن تحايل الإدارة العامة الدولية على تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية الدولية قاصدة التهرب من تنفيذها بطريقة غير مباشرة يجعل قرار الإدارة مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة لان يقع على عاتق الإدارة تنفيذ تلك الاحكام، ففي قضية السفير عادل صالح عبد المرفوعة ضد الأمين العام لجامعة الدولة العربية أمام المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية في 1994/1/24 طالبا تعويض بسبب تعمد الامانة العامة عدم تنفيذ حكم المحكمة النهائي واجب التنفيذ وقد حكمت المحكمة بالزام جهة الإدارة بتعويض المدعي (خمسة الاف دولار) جبراً للأضرار التي لحقت بالمدعي جراء عدم التنفيذ استنادا إلى حجية قوة الشيء المقضي به(24). هنالك العديد من الذرائع التي تلجا إليها الإدارة لعدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها أو تأجيل تنفيذها كي لا تتحمل تبعات تنفيذ هذه الأحكام سواء من ناحية تغير المراكز أم التعويض فهي تتذرع اما لمصلحة المرفق الدولي أو صعوبات مادية ومالية، أن مسألة التنفيذ في القانون الإداري الوطني أفرد لها المشرع أهمية كبيرة ونجحت القوانين الوطنية في علاجها من خلال تنفيذ الأحكام بالقوة الجبرية على الأفراد والغرامة التأخيرية على الإدارة، لكن المسألة بالنسبة لأحكام المحاكم الإدارية الدولية تختلف إذ المنظومة الداخلية للمنظمة الدولية تفتقر إلى سلطة تنفيذ الحكم اذ يخضع إلى هوى ورغبة المنظمة حيث تنتفي الوسائل لصاحب الحكم لتنفيذه وفي نفس الوقت لا يحق له اللجوء إلى دولته أو القضاء الوطني لإجبار المنظمة لتمتعها بالحصانة القانونية ولطبيعة المنظمات الدولية الخاصة (25) ، لذلك يبدا صاحب الحق في أحكام المحاكم الإدارية الدولية رحلة المتاعب في بداية الشروع في تنفيذ الحكم وما يصاحبها من عقبات قد تحول دون تنفيذه اذ يفتقد النظام القضائي الإداري الدولي لوجود أجهزة تنفيذية يقع على عاتقها تنفيذ أحكام المحاكم الإدارية الدولية (26).
ويجد الباحث بأن محاولة المحاكم الإدارية الدولية عبر الأحكام أن تبين خطأ الإدارة بعدم تنفيذ الأحكام الأحكام تعويض للطاعن جراء تأخير التنفيذ كما في أحكام المحكمة الإدارية في الأمم المتحدة للمنازعات في الحكم المرقم (10) الصادر في 2021/2/19 والحكم المرقم (7) في 2020/1/17 بأن تفرض نسبة (5%) عند تأخير الإدارة بدفع التعويض بعد (60) يوماً، الهدف منه هو توجيه مكامن الخلل في التشريعات من عدم تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية الدولية والتي عملت المحاكم على معالجته بأرساء القواعد التي تلزم الادارة الدولية بتنفيذ الحكم الصادر منها لما له من تأثير على دور المحاكم الإدارية الدولية في توفير الضمان للموظف الدولي وضمان استقلالية المنظمة المبني على قواعد قانونية ملزمة تعمل المحاكم الإدارية الدولية على تطبيقها عن طريق أحكامها وهذا كله يرجع إلى عدم امتلاك المحاكم الإدارية الدولية وسائل جبرية ترغم الإدارة على تنفيذ أحكامها ، أن اعتماد أغلب المحاكم الإدارية الدولية بإعطاء حرية للإدارة الدولية في الاختيار بين إلغاء القرار أو التعويض مخالف لطبيعة الأحكام التي تصدر من المحاكم الإدارية التي تتصف بالإلزام وحجية الأمر المقضي به وهذا اضعاف لها، كما في نص المادة (9) من النظام الأساس للمحكمة الإدارية للأمم المتحدة السابقة والمادة (11) من النظام الأساس للمحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية وقد استطاعت المحاكم الادارية الدولية من خلال احكامها بالاعتماد على التفسير الموسع أو الاجتهاد واضفاء الجبرية على أحكامها وعدم وجود تخيير للادارة الدولية في هذا المجال.
_____________
1- محمد عبد الرحمن اسماعيل على الذاري: الحماية القضائية للموظف الدولية، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق جامعة الاسكندرية، مصر، 2011، ص10.
2- حسن عبيد عبد السادة الحصموتي: القضاء الإداري الدولي في منظمة العمل الدولية، ط1، المركز العربي للنشر والتوزيع، مصر، 2018، ص239.
3- د. إسماعيل فاضل حلواص: القضاء الإداري الدولي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون جامعة بغداد، 2001 ص 106 ص 107.
4- د. مهند أياد فرج الله : التنظيم القانوني للقضاء الاداري الدولي، ط1، دار منشورات الحلبي الحقوقية لبنان، 2019 ، ص 141.
5- د. حمادة محمد بدوي : ضمانات الموظفين الدوليين، ط 1 ، دار النهضة العربية مصر ، 2004 ، ص 286.
6- مهند أياد فرج الله : مصدر سابق، ص 134.
7- د. اسماعيل البوديري واخرون : مصدر سابق، ص 126.
8- دباية فتيحة: الحماية القانونية للموظف الدولي من تعسف الإدارة ، بحث منشور في مجلة القانون والتنمية المحلية، مج 2 ، ع2، الجزائر، 2020، ص58.
9- د. حسام محمد عبد العزيز : المحاكم الادارية الدولية، ط1، دار الفكر الجامعي للنشر والتوزيع، مصر، 2014 ، ص 50
10- د. عصام الزناتي: قواعد تعين الموظفين الدولين ، ط 1، دار النهضة العربية للنشر مصر، 1990 ، ص9
11- عبد القادر ریاض بو عبدالله المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة قسنطينة، الجزائر، 2015 ، ص 54
12- د. غسان شاكر محسن أبو طبيخ النظام القانوني لوظيفة المحاكم الإدارية الدولية، ط1، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر، 2017 ، ص198.
13- عبدالله علي عبو: نظام اقامة العدل الداخلي في الامم المتحدة، بحث منشور في مجلة ال البيت، ع 15، 2015 ، ص327.
14- د ماهر جميل أبو خوات القضاء الاداري في الامم المتحدة (في اطار النظام الجديد للعدل الداخلي)، بحث منشور في مجلة الشريعة والقانون ع31، مصر، 2016 ، ص19.
15- حسام محمد عبد العزيز : المحاكم الادارية الدولية، ط1، دار الفكر الجامعي للنشر والتوزيع، مصر، 2014 ، ص 425.
16- موسى مصطفى شحاذة مبدأ حق الانسان في محاكمة عادلة في المنازعات الإدارية، بحث منشور في مجلة الحقوق الشارقة، مج 28 ، ع2 ، الامارات، 2004، ص 143.
17- المادة 5 من النظام الاساسي للمحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية لعام 1964.
18- حسن عبيد عبد السادة الحصموتي: القضاء الإداري الدولي في منظمة العمل الدولية، ط1، المركز العربي للنشر والتوزيع، مصر، 2018 ، ص 350.
19- د. عبدالله علي عبو دور المنظمات الدولية في تنفيذ أحكام القضاء الدولي، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق مح8، ع30 ، العراق، 2006، ص 211.
20- فتح الله محمد حسين المركز القانوني للموظف الدولي، ط1، دار الفكر الجامعي للنشر الاسكندرية مصر، 2013 ، ص200.
21- سحر جبار يعقوب القضاء الإداري الدولي ، ط1، دار الكتب والدراسات العربية، مصر، 2020 ، ص 94
22- إسماعيل فاضل حلواص: القضاء الإداري الدولي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون جامعة بغداد، 2001 ، ص218
23- عبدالاله محمد علي سميران منازعات الوظيفة العامة والوظيفة الدولية في إطار القانون الوطني والدولي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون جامعة ال البيت الاردن، 2013، ص91.
24- د. محمد فرج عوض الله : دور القضاء الإداري في حماية المصلحة العامة، بحث مقدم الى المؤتمر الدولي العلمي لكلية الشريعة والقانون جامعة طنطا، مصر، 2019، ص397.
25- خليل عمر خليل: تنفيذ الأحكام الإدارية، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون جامعة النجاح، فلسطين، 2014، ص 32.
26- كريم عادل أحمد : أحكام القضاء الإداري الدولي حجيتها والطعن عليها وضمانات تنفيذها، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق جامعة بني سويف، مصر، ، 2019، ص223
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|