المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9095 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

عندما لا يكون البطل هو من نظنه
3-4-2021
موضُوعُ النقد
23-3-2018
الأحكام الفقهية لاسم الله
2023-04-18
تخليق DNA المصاب TLS) Translesion DNA Synthesis)
14-8-2020
الانزيمات المثيلة القاصرة Orphan Methylases
14-6-2019
سلوك الرعي للاغنام والماعز
29-1-2016


آباء النبي "ص" موحدون لكن السلطة كَفَّرتهم !  
  
209   09:05 صباحاً   التاريخ: 2024-09-08
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص73-117
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / أسرة النبي (صلى الله عليه وآله) / آبائه /

1 . لماذا أصر « الخلفاء » على تكفير آباء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

السبب : أنهم إذا اعترفوا بأن آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) مؤمنون ، فهم ورثة إسماعيل وإبراهيم « عليهما السلام » ، فيكون الوارث عبد المطلب ثم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم أبو طالب وعلي ( عليه السلام ) فلا يبقى لخلفاء قريش شئ ! لذلك اخترعوا أن يساووا بين آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وآبائهم الذين قاوموه وكفروا به ، فقالوا إنهم جميعاً كفار ولا أحد أولى بوراثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فكل قرشي مثل كل هاشمي له الحق أن يرث سلطانه ( صلى الله عليه وآله ) !

وهم صادقون بحق آبائهم ، فتاريخهم غير مشرف وأكثرهم لعنهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وقد وصل عدوانهم إلى أوْجِهِ فزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال إن آباءه كفار في النار ! وكذب عليه أنس فقال إن رجلاً سأله ، صحيح مسلم 1 / 133 : « يا رسول الله ، أين أبي ؟ قال : في النار . فلما قفى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار » !

وقال السهيلي في الروض الأنف : 1 / 194 : « وفي الصحيح أيضاً أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته أن أستغفر لها ، فلم يأذن لي . وفي مسند البزار من حديث بريدة أنه حين أراد أن يستغفر لأمه ، ضرب جبريل في صدره وقال له : لا تستغفر لمن كان مشركاً ، فرجع وهو حزين » .

فانظر إلى هذه الخشونة التي وصفوا بها الله الرحمن الرحيم ، ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ! والعجيب أن أكثرهم صحح أحاديث الطعن في آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يردَّها إلا قليل من علمائهم المتأخرين !

قال الصالحي في سبل الهدى : 1 / 260 : « قال السهيلي في الروض الأنف بعد إيراده حديث مسلم : وليس لنا نحن أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلم : لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات . وقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وسئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد الأئمة المالكية « رحمه الله » عن رجل قال : إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار ؟ فأجاب : بأن من قال ذلك فهو ملعون لقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . قال : ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه إنه في النار » !

وعلى قوله فمسلم صاحب الصحيح ملعون لأنه نسب ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ومن العجيب أن الطاعنين أنفسهم اعترفوا ببطلان قولهم ، حيث رووا أن الله تعالى اختار بني هاشم وميزهم على قريش ، ولا يمكن أن يختارهم وهم كفارٌ !

وقد عقد الهيثمي باباً في « مجمع الزوائد 8 / 215 » في كرامة أصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) روى فيه عن ابن عباس ووثقه أن معنى قوله تعالى : وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ : من صلب نبي إلى نبي حتى صرت نبياً . فدل ذلك على أن كل آبائه مؤمنون أنبياء ، ولو لأنفسهم ! ثم روى غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقول أحدهم : « إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن ! وقول أحدهم : إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكَبا « المزبلة » ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . ألا إن الله عز وجل خلق خلقه ، ثم فرقهم فرقتين فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً » .

وفي الدر المنثور : 3 / 294 والمستدرك : 4 / 73 والخصال / 36 : « قسم الله تبارك وتعالى أهل الأرض قسمين فجعلني في خيرهما ، ثم قسم النصف الآخر على ثلاثة ، فكنت خير الثلاثة ، ثم اختار العرب من الناس ، ثم اختار قريشاً من العرب ، ثم اختار بني هاشم من قريش ، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم ، ثم اختارني من بني عبد المطلب » .

ورد النبي ( صلى الله عليه وآله ) على حقد القرشيين رداً عنيفاً قاصماً ، فقال لهم وهو على المنبر : فليسألني الطاعن بأسرتي : إبنُ مَن هو ؟ ! فسأله صحابي عن أبيه ، فقال له : إن أباك فلان الراعي ! وكانت أول مرة يَجْبَهُ فيها أحداً بمثل هذا !

لكن القرشيين لا يرتدعون ولا تنكسر أعينهم ، فقد أصروا على الانتقاص من آبائه ( صلى الله عليه وآله ) لينفوا وراثتهم لإبراهيم ( عليه السلام ) ! راجع : العقائد الإسلامية : 3 / 275 .

2 . تفرد مذهبنا بعقيدة إيمان آباء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

قال المفيد في أوائل المقالات / 45 : « اتفقت الإمامية على أن آباء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب « عليهم السلام » مؤمنون بالله عز وجل موحدون له . واحتجوا في ذلك بالقرآن والأخبار ، قال الله عز وجل : الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين ، إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا . وأجمعوا على أن عمه أبا طالب مات مؤمناً ، وأن آمنة بنت وهب كانت على التوحيد ، وأنها تحشر في جملة المؤمنين » .

قال أبو حيان « البحر المحيط : 7 / 47 » : « ذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي كانوا مؤمنين » .

وقد وافقنا غيره من علمائهم فصاروا رافضة في هذا الموضوع ، مثل الماوردي ، والرازي في كتابه أسرار التنزيل ، والسنوسي ، والقاضي عياض ، والتلمساني شارح الشفاء ، وألف السيوطي رسائل لإثبات إيمانهم . الصحيح : 2 / 186 .

والصحيح عندي أن آباءه ( صلى الله عليه وآله ) كانوا على دين إبراهيم ( عليه السلام ) ، وأن الله كلفهم بالحنيفية ولم يكلفهم باليهودية ولا المسيحية ، وقد ثبتوا على حنيفية إبراهيم ( عليه السلام ) ، بينما انحرفت عنها قبائل قريش الأخرى .

والأدلة على ذلك عديدة ، منها ما رواه الأصبغ بن نباتة « رحمه الله » قال : « سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : والله ما عَبَدَ أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولاعبدمناف ، صنماً قط ! قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم ( عليه السلام ) متمسكين به » . كمال الدين / 174 .

ويؤيده ما رواه البخاري : 2 / 98 : « لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبي طالب : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب !

فلم يزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب :

آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فأنزل الله تعالى فيه : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ » .

ومع أن رواية البخاري عندنا مكذوبة ، لكنا نستشهد باعترافها بأن أبا طالب قال إنه على ملة عبد المطلب ، أي ملة إبراهيم ( عليه السلام ) .

وفي تفسيرابن عطية : 4 / 293 : « أنا على ملة عبد المطلب والأشياخ » . « ونحوه تفسير الثعلبي : 5 / 100 وأسباب النزول / 178 » . ويبدو أن كلمة الأشياخ أضافها رواة السلطة وقصدهم بهم أشياخ قريش ، لا أشياخ أبي طالب بمعنى آبائه « عليهم السلام » .

وقد رووا أن أشياخ قريش سألوا أبا طالب : هل أسلم ؟ فكان يقول لهم : أنا على ملة عبد المطلب أو ملة إبراهيم ( عليه السلام ) ، ليخفف من عدائهم إذا قال لهم إنه أسلم .

ومما يدل على كذب رواية البخاري أن أبا جهل لم يحضروفاة أبي طالب ، وأن آية : مَا كَان لِلَّنِبيِّ . . لم تنزل يومها بل هي من سورة التوبة التي نزلت في رجوع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك في السنة التاسعة ، أي بعد وفاة أبي طالب ( عليه السلام ) بأكثر من عشر سنين .

وفي كمال الدين / 171 : « كان عبد المطلب وأبو طالب « عليهما السلام » من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكانا يكتمان ذلك عن الجهال وأهل الكفر والضلال » .

وفي الكافي : 1 / 444 من خطبة للإمام الصادق ( عليه السلام ) : « تُبشر به كلُّ أمة مَن بعدها ، ويدفعه كل أب إلى أب من ظهر إلى ظهر ، لم يخلطه في عنصره سفاح ، ولم ينجسه في ولادته نكاح ، من لدن آدم إلى أبيه عبد الله ، في خير فرقة ، وأكرم سبط ، وأمنع رهط ، وأكلأ حمل ، وأودع حِجْر » .

جَدَّا النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) هاشم وعبد المطلب

1 . تفوُّق هاشم جد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على قريش

فقد أسس هاشم ( عليه السلام ) رحلتي الشتاء والصيف . قال أبو نصر البخاري في كتابه سرّ السلسلة العلوية / 3 : « أول من رفع الله تعالى من قريش قبل النبوة أربعة : هاشم ، والمطلب ، وعبد شمس ، ونوفل . خرج هاشم في ألف من قريش إلى الشام ، فأخذ من قيصر ملك الروم عهداً لقريش ليتجروا في بلاده . وخرج المطلب إلى اليمن فأخذ من ملوك اليمن عهداً لهم ، وركب نوفل البحر فأخذ لهم من النجاشي عهداً » . « كان هاشم يُدعى القمر ، ويسمى زادُ الركب » . عمدة الطالب / 25 .

« وكان يقال لهاشم والمطلب : البدران لجمالهما » . الكامل لابن الأثير : 2 / 17 .

« وكان هاشم أول من سنَّ الرحلتين ، فكان يرحل في الشتاء إلى اليمن ، والى الحبشة فيكرمه النجاشي ، ويرحل في الصيف إلى الشام وبها مات ، وربما وصل إلى أنقرة فيدخل على قيصر فيكرمه . ومن خصال بني هاشم ما عبرعنها علي بن أبي طالب : خصصنا بخمس : فصاحة ، وصباحة ، وسماحة ، ونجدة ، وحظوة » . قبائل العرب لكحالة : 3 / 1207 ، في مصادره ابن خلدون : 2 / 328 والطبري : 5 / 23 و 9 / 48 .

وقد مَنَّ الله على قريش بفعل هاشم ( عليه السلام ) فقال : لإيلافِ قُرَيْشٍ . إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ . فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ .

لكن قريشاً لاتشكر نعم ربها ، ولذلك رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يقرأ السورة فيقول : ويلُ أمكم قريش ، رحلةَ الشتاء والصيف ! في موضع : لإيلافِ قُريش » . تاريخ دمشق 23 / 228 ، الزوائد 7 / 143 ، كبير الطبراني 24 / 178 وأحمد 6 / 460 .

وأسس هاشم إطعام الحجيج : « إنما سمي هاشماً لهشمه الثريد للحاج ، وكانت إليه الوفادة والرفادة ، وفيه يقول مطرود بن كعب الخزاعي :

عمرو العلى هَشَم الثريد لقومه * ورجالُ مكةَ مُسْنِتُونَ عجافُ » .

« أصاب الناس سنة جدب شديد ، فخرج هاشم إلى الشام ، وقيل بلغه ذلك وهو بغزة من الشام ، فاشترى دقيقاً وكعكاً ، وقدم به مكة في الموسم فهشم الخبز والكعك ونحر الجزر ، وجعله ثريداً وأطعم الناس حتى أشبعهم ، فسمى بذلك هاشماً ، وكان يقال له : أبو البطحاء وسيد البطحاء » . الطبري : 2 / 8 واليعقوبي : 1 / 245 .

وفي العدد القوية / 140 : « كان لهاشم خمسة بنين : عبد المطلب وأسد ونضلة وصيفي وأبوصيفي . وسُمِّيَ هاشماً لهشمه الثريد للناس في زمن المسغبة ، وكنيته أبو نضلة ، واسمه عمرو العلى . قال ابن الزِّبَعْرَى :

كانت قريشٌ بيضةً فتفلَّقَتْ * فالمخُّ خالصُها لعبد مُناف

الرايشون وليس يوجد رايشٌ * والقائلونَ هلمَّ للأضياف

والخالطونَ فقيرهم بغنيهم * حتى يكون فقيرهم كالكافي

عمرو العلى هشمَ الثريد لقومه * ورجالُ مكة مسنتون عجافِ

2 . أمية وهاشم يشبهان قابيل وهابيل

نصَّت أحاديث أهل البيت « عليهم السلام » على أن الله تعالى أمر آدم أن يوصي لابنه الأصغر هابيل « عليهما السلام » ، فأوصى له فحسده قابيل ، فتباهلا بالقربان فتقبل الله قربان هابيل دون قابيل ، فزاد حسد قابيل لأخيه حتى قتله !

ففي تفسير العياشي : 1 / 312 : « عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : جعلت فداك إنهم يزعمون أن قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على أختهما ؟ فقال له : يا سليمان تقول هذا ! أما تستحيي أن تروى هذا على نبي الله آدم ! فقلت : جعلت فداك ففيمَ قتل قابيل هابيل ؟ فقال : في الوصية . ثم قال لي : يا سليمان إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل ، وكان قابيل أكبر منه ، فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال : أنا أولى بالكرامة والوصية ! فأمرهما أن يقربا قرباناً بوحيٍ من الله إليه ففعلا ، فقبل الله قربان هابيل ، فحسده قابيل فقتله !

فقلت : جعلت فداك فممن تناسل ولد آدم ، هل كانت أنثى غير حواء ، وهل كان ذكر غير آدم ؟ فقال : يا سليمان إن الله تبارك وتعالى رزق آدم من حواء قابيل وكان بكر ولده ، ومن بعده هابيل ، فلما أدرك قابيل ما يدرك الرجال أظهر الله له جنية وأوحى إلى آدم أن يزوجها قابيل ففعل ذلك آدم ، ورضي بها قابيل وقنع ، فلما أدرك هابيل ما يدرك الرجال أظهر الله له حوراء ، وأوحى الله إلى آدم أن يزوجها من هابيل ففعل ذلك .

فقُتل هابيل والحوراء حامل فولدت الحوراء غلاماً فسماه آدم هبة الله ، فأوحى الله إلى آدم أن ادفع إليه الوصية واسم الله الأعظم .

وولدت حواء غلاماً فسماه آدم شيث بن آدم ، فلما أدرك ما يدرك الرجال أهبط الله له حوراء وأوحى إلى آدم أن يزوجها من شيث ابن آدم ، ففعل فولدت الحوراء جارية فسماها آدم حورة ، فلما أدركت الجارية زوج آدم حورة بنت شيث من هبة الله بن هابيل فنسل آدم منهما . فمات هبة الله بن هابيل فأوحى الله إلى آدم أن ادفع الوصية واسم الله الأعظم ، وما أظهرتك عليه من علم النبوة ، وما علمتك من الأسماء إلى شيث بن آدم . فهذا حديثهم يا سليمان » .

أقول : إن حال هاشم وأخيه أمية شبيهة بحال قابيل وهابيل ، فقد اتفق المؤرخون على نُبل هاشم ( عليه السلام ) وتميزه ، وأن أباه عبد مناف أوصى له بمفتاح البيت ومواريث إسماعيل ( عليه السلام ) : « وكان مناف وصَّى إلى هاشم ، ودفع إليه مفتاح البيت وسقاية الحاج ، وقوس إسماعيل » . العدد القوية / 140 .

وقال الطبري : 2 / 13 : « ووليَ هاشم بعد أبيه عبد مناف ، السقاية والرفادة » . وروت المصادركلها أن أخاه أمية حسده وعاداه ، ودعاه إلى المنافرة ! ومعنى المنافرة أن يحتكم المتنافران إلى كاهن أو حكيم يقبلان بحكمه !

قال الطبري : 2 / 1 : « فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكان ذا مال فتكلف أن يصنع صنيع هاشم فعجز عنه ، فشمت به ناس من قريش ، فغضب ونال من هاشم ودعاه إلى المنافرة ! فكره هاشم ذلك لسنه وقدره ، ولم تَدَعْهُ قريش وأحفظوه ، قال فإني أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق ، تنحرها ببطن مكة ، والجلاء عن مكة عشر سنين . فرضي بذلك أمية وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي ، فنفَّر هاشماً عليه « حكم لهاشم أنه أفضل » فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها من حضره ، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين ، فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية . . وتوارث ذلك بنوهما » .

وروى الطبري : 2 / 13 ، أنهما تنافرا إلى النجاشي ملك الحبشة و « أن عبد شمس وهاشماً توأمان وإن أحدهما ولد قبل صاحبه وإصبع له ملتصقة بجبهة صاحبه ، فنحيت عنها فسال من ذلك دم ، فتطير من ذلك فقيل : تكون بينهما دماء » !

وروى ابن عساكر : 9 / 220 قصة المعمر اليماني مع معاوية : « قال معاوية : إني لأحب أن ألقى رجلاً قد أتت عليه سن وقد رأى الناس ، يخبرنا عما رأى ، فقال بعض جلسائه : ذلك رجل بحضرموت ! فأرسل إليه فأتيَ به فقال له . . . فأخبرني هل رأيت هاشماً ؟ قال : نعم رأيته رجلاً طوالاً حسن الوجه ، بين عينيه غرة بركة . قال : فهل رأيت أمية ؟ قال : نعم رأيته رجلاً قصيراً أعمى ، يقال إن في وجهه لشراً أو شؤماً ! قال : فهل رأيت محمداً ؟ قال : من محمد ؟ قال : رسول الله ، قال : ويحك ألا فخَّمته كما فخمه الله فقلت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! قال : فأخبرني ما كانت صناعتك ؟ قال : كنت رجلاً تاجراً . قال : فما بلغت تجارتك ؟ قال : كنت لا أشتري عيباً ، ولا أرد ربحاً ! قال له : سلني ، قال : أسألك أن تدخلني الجنة » !

وقالوا : « مات هاشم بغزة وعمره خمس وعشرون سنة وذلك الثبت » . « معجم البلدان : 4 / 202 ، 3 / 40 » . وفي طبقات ابن سعد : 1 / 78 : « فاشتكى ، فأقاموا عليه حتى مات ، فدفنوه بغزة ، ورجعوا بتركته إلى وُلده » .

لكن الظاهر أن عمره « رحمه الله » كان في الستينات كما يشير قول الراوي : ودعاه إلى المنافرة فكره هاشم ذلك لسنه وقدره . ويؤيد قولنا أنه أنشأ علاقات مع ملوك عصره ، وكانت له سفرات إلى الحبشة والشام واليمن ، ووصل إلى أنقرة فأكرمه قيصر .

والمرجح أن أعداءه سقوه السم لأنه أول رجل من أولاد إسماعيل ( عليه السلام ) كانت له زعامة مطلقة في العرب واحترام من ملوك عصره . وكان لحاسده أمية علاقات باليهود ، فقد يكون دبَّر سُمَّه على يد أصدقائه اليهود .

قال ابن قتيبة في المعارف / 319 : « كان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام فأقام بها عشر سنين ، فوقع على أمَةٍ لِلَخْم يهودية من أهل صفورية يقال لها ترنا ، وكان لها زوج من أهل صفورية يهودي ، فولدت له ذكوان فادعاه أمية واستلحقه ، وكناه أبا عمرو ثم قدم به مكة ، فلذلك قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعقبة يوم أمر بقتله : إنما أنت يهودي من أهل صفورية » !

وفي رواية : « فقال عقبة : يا محمد ناشدتك بالله والرحم ! فقال له ( صلى الله عليه وآله ) : وهل أنت إلا علج من أهل صفورية ! لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له » .

وفي المنمق / 97 : « فخلف أبو عمرو على امرأة أبيه بعده ، فأولدها أبان ، وهو أبو معيط ! ويقال استحلق ذكوان أيضاً أبان » .

وروى ذلك ابن قتيبة في المعارف / 319 ، وقال : « ولَّاه عمر على صدقات بني تغلب . وولَّاه عثمان الكوفة ، بعد سعد بن أبي وقّاص ، فصلَّى بأهلها وهو سكران » ! راجع : الطبقات : 1 / 75 ، المنمق / 97 ، الطبري : 1 / 371 و 2 / 13 ، ابن الأثير : 2 / 16 ، النزاع والتخاصم / 49 ، إمتاع الأسماع : 10 / 6 ، سبل الهدى : 1 / 271 ، السيرة الحلبية : 1 / 7 ، المنتظم : 2 / 212 ، أعلام النبوة / 251 ، نهاية الإرب / 3253 ، أنساب الأشراف / 39 ، معجم ما استعجم : 3 / 837 ، العدد القوية / 140 وشيخ المضيرة / 159 .

3 . عبد المطلب عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء ( ( عليهم السلام ) )

تشهد سيرة آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) خاصةً عبد المطلب وأبي طالب ، بأنهم من كبار المؤمنين ، وأنهم الخط الوارث لإبراهيم وإسماعيل « عليهم السلام » ، فلم يعبدوا الأصنام ، بل كانوا يفتخرون بأنهم على ملة أبيهم إبراهيم وإسماعيل .

وقد ميزهم الله تعالى حتى في شكلهم فورَّثهم جمال إبراهيم ( عليه السلام ) ! ولما رأى أبرهة عبد المطلب : « فجعل ينظر في وجهه ، فراقه حسنه وجماله وهيئته فقال له : هل كان في آبائك مثل هذا النور الذي أراه لك والجمال ؟ قال : نعم أيها الملك ، كل آبائي كان لهم هذا الجمال والنور والبهاء . فقال له أبرهة : لقد فقتم الملوك فخراً وشرفاً ، ويحق لك أن تكون سيد قومك . ثم أجلسه معه على سريره » . أمالي الطوسي / 80 .

وفي أمالي الطوسي / 682 : « سرير أبرهة لما دخل عليه عبد المطلب ، انحنى ومال » !

« أول من خضب بالسواد من العرب . وكان أبيض مديد القامة » . الأعلام : 4 / 154 .

4 . ورَّث عبد المطلب بهاءه إلى أولاده !

قال اليعقوبي : 2 / 11 : « كان لكل واحد من ولد عبد المطلب شرف وذكر وفضل وقدر ومجد . وحج عامر بن مالك ملاعب الأسنة البيت فقال : رجال كأنهم جمالٌ جون « دُهْم » فقال : بهؤلاء تُمنع مكة !

وحج أكثم بن صيفي في ناس من بني تميم فرآهم يخترقون البطحاء كأنهم أبرجة الفضة ، يلحفون الأرض بحبراتهم « جببهم الطويلة » ! فقال : يا بني تميم إذا أحب الله أن ينشئ دولة أنبت لها مثل هؤلاء ، هؤلاء غرس الله لا غرس الرجال » .

وفي المنمق / 34 : « لم يكن في العرب عدة بني عبد المطلب أشرف منهم ولا أجسم ليس منهم رجل إلا أشم العرنين ، يشرب أنفه قبل شفتيه ، ويأكل الجذع ويشرب الفرق » . « يأكل الخروف الصغير ، ويشرب سطل المخيض » .

5 . آيات عبد المطلب ( ( ع ) ) في زمزم

ظهر ماء زمزم لهاجر وإسماعيل « عليهما السلام » بمعجزة ، وكان نبعاً صغيراً ، ثم كثر الواردون عليه ، فشكى إسماعيل لأبيه « عليهما السلام » قلة الماء فأمره الله أن يحفر بئراً فحفره ، ونزل جبرئيل ( عليه السلام ) وأمره أن يسمي ويضرب في زوايا البئر الأربعة ، فضرب إبراهيم فانفجرت أربع عيون فقال جبرئيل ( عليه السلام ) : « إشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة ، وخرج إبراهيم وجبرئيل « عليهما السلام » جميعاً من البئر فقال له : أفض عليك يا إبراهيم وطف حول البيت ، فهذه سقيا سقاها الله ولد إسماعيل » . الكافي : 4 / 204 .

فزمزم سُقْيَا الله تعالى لبني إسماعيل ( عليه السلام ) خاصة ومنهم تصل إلى الناس .

وبعد قرون غاض ماء زمزم ، حتى أعاده الله تعالى على يد عبد المطلب ( عليه السلام ) ، فحسده زعماء قريش وأرادوا أن يأخذوه منه ! وأجبروه على الاحتكام إلى كاهنة في مشارف الشام فذهب معهم ، وفي الطريق نفد ماؤهم فأظهر الله له آية ونبع الماء من تحت خف ناقته ، فسلموا له لكن موقتاً ، كما سلم اليهود لمريم « عليها السلام » موقتاً !

قال السيوطي في الدر المنثور : 3 / 220 : « وأخرج الأزرقي والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال عبد المطلب إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال إحفر طيبة . . . فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب إنها بئر إسماعيل ، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها ، فقال : ما أنا بفاعل إن هذا الأمر خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم . قالوا : فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نحاكمك . قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم . قالوا : كاهنة من سعد هذيل . قال : نعم ، وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف ، وركب من كل ركب من قريش نفر ، والأرض إذ ذاك مفاوز ، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز ، بين الحجاز والشام فنيَ ماء عبد المطلب وأصحابه ، فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة ، فاستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا : إنا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم ، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت . قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه لما بكم الآن من القوة ، وكلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه ، حتى يكون آخركم رجلاً ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً ! قالوا : سمعنا ما أردت . فقام كل رجل منهم يحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً ، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه : والله إن إلقاءنا بأيدينا لعجز ، ما نبتغي لأنفسنا حيلة ! عسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، إرحلوا فارتحلوا حتى فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون ، فقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها ، فلما انبعثت انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب ! فكبَّرعبد المطلب وكبَّر أصحابه ثم نزل فشرب وشربوا واستقوا حتى ملؤوا أسقيتهم ، ثم دعا القبائل التي معه من قريش فقال : هلمَّ الماء ، قد سقانا الله تعالى ، فاشربوا واستقوا ! فقالت : القبائل التي نازعته : قد والله قضى الله لك يا عبد المطلب علينا ! والله لا نخاصمك في زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً ! فرجع ورجعوا معه ، ولم يمضوا إلى الكاهنة ، وخلوا بينه وبين زمزم » . روته عامة المصادر ، مثل ابن سعد : 1 / 83 ، اليعقوبي : 1 / 248 ، ابن إسحاق : 1 / 5 ، ابن هشام : 1 / 94 ، ابن كثير : 1 / 169 ، الحلبية : 1 / 55 وابن الأثير : 2 / 13 .

وقوله : فكبَّرعبد المطلب وكبَّر أصحابه . قد يكون بمعنى هتفوا تعجباً كالتكبير ، وقد يكون التكبير موجوداً من حنيفية إبراهيم ( عليه السلام ) فأظهره الإسلام .

6 . رؤيا عبد المطلب كرؤيا أشعيا النبي « عليهما السلام »

في الكافي : 4 / 219 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان في الكعبة غزالان من ذهب وخمسة أسياف ، فلما غَلبت خزاعةُ جِرْهَمَ على الحرم ألقت جرهمُ الأسياف والغزالين في بئر زمزم ، وألقوا فيها الحجارة وطموها وعَمَّوْا أثرها ، فلما غلب قصي على خزاعة لم يعرفوا موضع زمزم ، وعميَ عليهم موضعها ، فلما غلب عبد المطلب ( عليه السلام ) وكان يفرش له في فناء الكعبة ولم يكن يفرش لأحد هناك غيره ، فبينما هو نائم في ظل الكعبة فرأى في منامه أتاه آتٍ فقال له : إحفر بَرَّة ، قال : وما برة ؟ ثم أتاه في اليوم الثاني فقال : إحفر طيبة ، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال : إحفر المصونة ، قال : وما المصونة ؟ ثم أتاه في اليوم الرابع فقال : إحفر زمزم لا تُنزح ولا تُذم ، سَقْيُ الحجيج الأعظم ، عند الغراب الأعصم ، عند قرية النمل .

وكان عند زمزم حِجْرٌ يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب الأعصم في كل يوم يلتقط النمل ، فلما رأى عبد المطلب هذا عرف موضع زمزم ، فقال لقريش : إني أمرت في أربع ليال في حفر زمزم ، وهي مأثرتنا وعزنا فهلموا نحفرها ، فلم يجيبوه إلى ذلك ، فأقبل يحفرها هو بنفسه ، وكان له ابن واحد وهو الحارث وكان يعينه على الحفر ، فلما صعب ذلك عليه تقدم إلى باب الكعبة ثم رفع يديه ودعا الله عز وجل ونذر له إن رزقه عشر بنين أن ينحر أحبهم إليه تقرباً إلى الله عز وجل ، فلما حفر وبلغ الطويَّ طويَّ إسماعيل ، وعلم أنه قد وقع على الماء ، كبَّر وكبرت قريش وقالوا : يا أبا الحارث هذه مأثرتنا ولنا فيها نصيب ، قال لهم : لم تعينوني على حفرها ، هي لي ولولدي إلى آخر الأبد » . ونحوه ابن إسحاق : 1 / 3 ، ابن هشام : 1 / 92 .

وفي الكافي : 4 / 220 عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « لما احتفر عبد المطلب زمزم وانتهى إلى قعرها ، خرجت عليه من إحدى جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته ، فأبى أن ينثني ، وخرج ابنه الحارث عنه ، ثم حفر حتى أمعن فوجد في قعرها عيناً تخرج عليه برائحة المسك .

رؤيا عبد المطلب وهو في داخل زمزم :

ثم احتفر فلم يحفر إلا ذراعاً ، حتى تجلاه النوم فرأى رجلاً طويل الباع ، حسن الشعر ، جميل الوجه ، جيد الثوب ، طيب الرائحة ، وهو يقول : إحفر تغنم ، وجُدَّ تسلم ، ولا تدخرها للمقسم ، الأسياف لغيرك ، والبئر لك ، أنت أعظم العرب قدراً ، ومنك يخرج نبيها ووليها ، والأسباط النجباء الحكماء العلماء البصراء ، والسيوف لهم ، وليسوا اليوم منك ولا لك ، ولكن في القرن الثاني منك . بهم ينير الله الأرض ، ويخرج الشياطين من أقطارها ، ويذلها في عزها ويهلكها بعد قوتها ، ويذل الأوثان ، ويقتل عُبَّادها حيث كانوا ، ثم يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه ووزيره ودونه في السن . . لا يعصيه حرفاً ، ولا يكتمه شيئاً ويشاوره في كل أمر هجم عليه .

وجد عبد المطلب أسيافاً بجنبه :

واستعيا عنها عبد المطلب « عن الحفر » فوجد ثلاثة عشر سيفاً مسندة إلى جنبه ، فأخذها وأراد أن يثب فقال : وكيف ولم أبلغ الماء ! ثم حفر فلم يحفر شبراً حتى بداله قرن الغزال ورأسه فاستخرجه ، وفيه طُبع : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله علي ولي الله ، فلان خليفة الله « المهدي ( عليه السلام ) » .

فسأل الراوي الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : فلان متى كان قبله أو بعده ؟ قال : لم يجئ بعد ولا جاء شئ من أشراطه . فخرج عبد المطلب وقد استخرج الماء وأدرك وهو يصعد ، فإذا أسود له ذنب طويل يسبقه بِداراً إلى فوق ، فضربه فقطع أكثر ذنبه ثم طلبه ففاته ، وفلانٌ « المهدي ( عليه السلام ) » قاتله إن شاء الله .

تكملة الرؤيا في حجر الكعبة :

و [ كان ] من رأي عبد المطلب ( عليه السلام ) أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر ، ويضرب السيوف صفائح البيت ، فأتاه الله بالنوم فغشيه وهو في حجر الكعبة ، فرأى ذلك الرجل بعينه وهو يقول : يا شيبة الحمد أحمد ربك ، فإنه سيجعلك لسان الأرض وتتبعك قريش خوفاً ورهبة وطمعاً ، ضع السيوف في مواضعها .

ثم جاءه في منامه :

واستيقظ عبد المطلب فأجابه « الملاك » إنه يأتيني في النوم فإن يكن من ربي فهو أحب إليَّ ، وإن يكن من شيطان فأظنه مقطوع الذنب ، فلم ير شيئاً ولم يسمع كلاماً . فلما أن كان الليل أتاه في منامه بعدة من رجال وصبيان فقالوا له : نحن أتباع وَلدك ، ونحن من سكان السماء السادسة . السيوف ليست لك : تزوج في مخزوم تَقْوَ ، واضرب بعدُ في بطون العرب ، فإن لم يكن معك مال فلك حسب ، فادفع هذه الثلاثة عشرسيفاً إلى وُلْدِ المخزومية ولا يَبان لك أكثر من هذا ، وسيف لك منها واحد ، سيقع من يدك فلا تجد له أثراً ، إلا أن يستجنه جبل كذا وكذا ، فيكون من أشراط قائم آل محمد .

فانتبه عبد المطلب وانطلق والسيوف على رقبته ، فأتى ناحية من نواحي مكة ، ففقد منها سيفاً كان أرقَّها عنده ، فيظهر من ثَمَّ .

ثم دخل معتمراً وطاف بها على رقبته والغزالين ، أحداً وعشرين طوافاً ، وقريش تنظر إليه وهو يقول : اللهم صدق وعدك فأثبت لي قولي ، وانشر ذكري وشد عضدي ، وكان هذا ترداد كلامه ، وما طاف حول البيت بعد رؤياه في البئر ببيت شعر حتى مات . ولكن قد ارتجز على بنيه يوم أراد نحر عبد الله ، فدفع الأسياف جميعها إلى بني المخزومية إلى الزبير وإلى أبي طالب وإلى عبد الله ، فصارلأبي طالب من ذلك أربعة أسياف : سيف لأبي طالب ، وسيف لعلي ، وسيف لجعفر ، وسيف لطالب ، وكان للزبير سيفان ، وكان لعبد الله سيفان ، ثم عادت فصارت لعلي الأربعة الباقية : اثنين من فاطمة واثنين من أولادها ، فطاح سيف جعفر يوم أصيب فلم يُدْرَ في يد من وقع حتى الساعة . ونحن نقول : لا يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إلا رجل يعين به معنا ، إلا صار فحماً .

قال : وإن منها لواحداً في ناحية يخرج كما تخرج الحية فيبين منه ذراع وما يشبهه فتبرق له الأرض مراراً ، ثم يغيب ، فإذا كان الليل فعل مثل ذلك ، فهذا دأبه حتى يجيئ صاحبه ، ولو شئت أن أسمي مكانه لسميته ، ولكن أخاف عليكم من أن أسميه فتسموه ، فينسب إلى غير ما هو عليه » .

7 . شرح رؤيا عبد المطلب

قوله : وانتهى إلى قعرها : يدل على أن حفرها القديم كان معلوماً وقعرها واسعاً .

وخرج ابنه الحارث عنه : أي لم يتحمل الرائحة الكريهة ، فكأن الله أراد أن يبقى عبد المطلب وحده ، ليخصه بآياته . حتى تجلاه النوم : بعدما وجد عيناً برائحة المسك .

فرأى رجلاً طويل الباع : هو الملاك الذي رآه بعدها في حجر الكعبة ، وكأنه لا يأتي إلا في النوم : فأتاه الله بالنوم فغشيه وهو في حجر الكعبة ، فرأى ذلك الرجل بعينه .

ومنك يخرج نبيها ووليها والأسباط النجباء . . : هذه بشار ة لعبد المطلب

رضي الله عنه بالنبي والأئمة من ذريته ( صلى الله عليه وآله ) وقد سماه له محمداً ( صلى الله عليه وآله ) .

ومعنى : ليسوا اليوم منك ، أنهم ليسوا نفس أولادك الموجودين ، ولا أنهم يولدون لك مباشرة ، بل هم من ذريتك في القرن الثاني .

والسيوف لهم : رمز القوة والنصرة والتأييد الإلهي . وعددها ثلاثة عشر ، وهي رمز لأسهم هؤلاء من نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وسيف طالب يدل على إيمانه رضي الله عنه ونصرته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وليس فيها سيف لعقيل « رحمه الله » .

يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه ووزيره : هذه بشارة له بولده علي ( عليه السلام ) .

واستعيا عنها : أي تعب فأراد ترك الحفر ، لكنه عاود الحفر فوجد غزال الذهب . وفيه طُبع : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، فلان خليفة الله : هذه بشارة له بالنبي بإسمه ( صلى الله عليه وآله ) وعلي باسمه ( عليه السلام ) ، والمهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً باسمه ( عليه السلام ) . وهو يدل على أن عبد المطلب سماه محمداً ( صلى الله عليه وآله ) بإلهام ربه عز وجل .

فإذا أسود له ذنب طويل : كانت زمزم واسعة ومنحدرها متدرج ، تشبه عين المغراس في المدينة ، وقد نزلت إليها في درج . ورأى عبد المطلب وهو صاعد منها ثعباناً أسود فضربه فقطع أكثر ذنبه ولم يُقتل ، وهو يرمز إلى أعداء أولاده « عليهم السلام » .

وقوله : وفلانٌ « المهدي ( عليه السلام ) » قاتله إن شاء الله : يظهر أنه من كلام الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .

أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر : أراد عبد المطلب أن لا يعمل برؤياه ، وأن يستعمل السيوف في صنع باب الكعبة .

فلما أن كان الليل أتاه في منامه بعدة من رجال وصبيان : أي أتاه نفس الرجل ومعه جماعة ، وهم ملائكة ، ومعنى أنهم من السماء السادسة ، ومن أتباع النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنهم أنصار خاصون له سيأتون في المستقبل لنصرته ( صلى الله عليه وآله ) .

فقالوا له : تزوج في مخزوم تَقْوَ : أي تكلم هؤلاء الملائكة من أتباع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمروه أن يتزوج فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، أم عبد الله والد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأم شقيقيه أبي طالب والزبير ، وهذا يدل على مكانتها عند الله تعالى .

واضرب بعد في بطون العرب : أي تزوج غيرها أيضاً من قبائل العرب الأخرى .

فدفع الأسياف جميعها إلى بني المخزومية : وهي سهمهم من نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وسيف لك منها واحد ، سيقع من يدك فلا تجد له أثراً : هو سيف المهدي ( عليه السلام ) وكان أرق السيوف ، أي أمضاها ، وقد أمروه أن يحمل الأسياف ويخرج من مكة ، ففقد السيف في ناحية من مكة . وكأن خروج عبد المطلب من مكة رمز لهجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وفقدانه السيف ليجنه الجبل ويحفظه للمهدي ( عليه السلام ) .

فيظهر من ثَمَّ : أي يظهر السيف من هناك لنصرة المهدي ( عليه السلام ) عند خروجه فيأخذه ، وهو رمز قوته التي يعطيه إياها الله تعالى ، وهو نفسه السيف الذي يخرج في جبل في مكة ويلمع ، ثم يغيب حتى يظهر صاحبه المهدي ( عليه السلام ) ، وقد ورد في علامة المهدي ( عليه السلام ) : « وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقلت : ما تراث رسول الله ؟ قال : سيف رسول الله ودرعه وعمامته وبرده وقضيبه ورايته ولأمته وسرجه ، حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده ، ويلبس الدرع وينشر الراية والبردة والعمامة ويتناول القضيب بيده ، ويستأذن الله في ظهوره » . الكافي : 8 / 224 .

ولكن أخاف عليكم من أن أسميه فتسموه ، فينسب إلى غير ما هو عليه : أي أخاف أسمي الذي عنده السيف الآن ، وهو الإمام الكاظم ( عليه السلام ) نفسه ، لئلا يقال ذلك ، فيتصور السلطان أنه يريد الخروج عليه .

لا يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إلا رجل يعين به معنا إلا صار فحماً : هذا يؤكد أن السيوف بمعنى نصرتهم « عليهم السلام » وفي كل واحد منها سر ، فإذا وقع في يد مخالف لهم ، بطل سره وتحول إلى فحم .

أقول : هذه الآيات والكرامات ، وهذه الرؤيا ، كافية لأن يعتقد المنصف بأن عبد المطلب ( عليه السلام ) من كبار الأولياء . لكن حسد قريش منعهم من الإقرار !

وفي الكافي : 1 / 447 قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « يبعث عبد المطلب أمة وحده ، عليه بهاء الملوك ، وسيماء الأنبياء « عليهم السلام » ، وذلك أنه أول من قال بالبداء » .

ومعناه أنه على درجة عالية من الإيمان والتسليم المطلق لله تعالى فيما يفعله حتى لو كان بخلاف توقعنا . فقد أنبأه الله أنه سيدفع جيش أبرهة ، فأخبر أهل مكة وأبرهة بذلك ، وفي نفس الوقت دعا ربه أن يدفع عن بيته ، ثم خاطبه قائلاً :

إن كنت تاركهم وقب‍ - - لتنا فأمرٌ ما بدا لك

أي إني مسلِّمٌ لأمرك ومؤمن بك ، حتى لو لم تفعل ما أخبرتني به !

8 . آية عبد المطلب مع ثقيف

روى المؤرخون جميعاً أنه كان لعبد المطلب بئر في الطائف يسمى ذا الهرم ، حفره بعد زمزم ، وكان مع بستانه بيد ثقيف ، فأخذوه وأنكروه ، ونافروه إلى سطيح الكاهن ، فظهرت له آية في الطريق كما ظهرت في مخاصمة قريش له في زمزم .

قال اليعقوبي : 1 / 248 : « وكان عبد المطلب لما حفر زمزم صار إلى الطائف فاحتفر بها بئراً يقال لها ذو الهرم ، فكان يأتي أحياناً فيقيم بذلك الماء ، فأتى مرة فوجد به حيين من قيس عيلان ، وهم بنو كلاب وبنو الرباب ، فقال عبد المطلب : الماء مائي وأنا أحق به ، وقال القيسيون : الماء ماؤنا ونحن أحق به . قال : فإني أنافركم إلى من شئتم يحكم بيني وبينكم ، فنافروه إلى سطيح الغساني ، وكان كاهن العرب يتنافرون إليه ، فتعاهد القوم وتعاقدوا على أن سطيحاً إن قضى بالماء لعبد المطلب فعلى كلاب وبني الرباب مائة من الإبل لعبد المطلب ، وعشرون لسطيح ، وإن قضى سطيح بالماء للحيين ، فعلى عبد المطلب مائة من الإبل للقوم وعشرون لسطيح ، فانطلقوا وانطلق عبد المطلب بعشرة نفر من قريش فيهم حرب بن أمية فجعل عبد المطلب لا ينزل منزلاً إلا نحر جزوراً وأطعم الناس ، فقال القيسيون : إن هذا الرجل عظيم الشأن جليل القدر شريف الفعل ، وإنا نخشى أن يطمع حاكمنا بهذا فيقضي له بالماء ، فانظروا لا نرضى بقول سطيح حتى نخبئ له خبأ ، فإن أخبرنا ما هو رضينا بحكمه وإلا لم نرض به . فبينا عبد المطلب في بعض الطريق إذ فني ماؤه وماء أصحابه ، فاستسقى القيسيين من فضل مائهم فأبوا أن يسقوهم ، وقالوا : أنتم الذين تخاصموننا وتنازعوننا في مائنا ، والله لا نسقيكم ! فقال عبد المطلب : أيهلك عشرة من قريش وأنا حي ! لأطلبن لهم الماء حتى ينقطع خيط عنقي وأُبلي عذراً ، فركب راحلته وأخذ الفلاة فبينا هو فيها ، إذ بركت راحلته وبصر به القوم ، فقالوا : هلك عبد المطلب ! فقال القرشيون : كلا والله لهو أكرم على الله من أن يهلكه وإنما مضى لصلة الرحم ، فانتهوا إليه وراحلته تفحص بكركرتها على ماء عذب رويٍّ ، قد ساح على ظهر الأرض ، فلما رأى القيسيون ذلك أهرقوا أسقيتهم ، وأقبلوا نحوهم ليأخذوا من الماء ، فقال القرشيون : كلا والله ، ألستم الذين منعتمونا فضل ماءكم ؟ فقال عبد المطلب : خلوا القوم ، فإن الماء لا يمنع ! فقال القيسيون : هذا رجل شريف سيد ، وقد خشينا أن يقضى له علينا ، فلما وصلوا إلى سطيح قالوا : إنا قد خبأنا لك خبأ ، وأخذ إنسان منهم تمرة في يده فقال : فأخبرنا ما هو ؟ فقال : خبأتم لي ما طال فسمك ، ثم أينع فما هلك ، ألق التمرة من يدك . . قالوا : إقض بيننا ! قال : قد قضيت . اختصمتم أنتم وعبد المطلب في ماء بالطائف يقال له ذو الهرم ، فالماء ماء عبد المطلب ، ولا حق لكم فيه ، فأدوا إلى عبد المطلب مائة من الإبل وإلى سطيح عشرين ، ففعلوا .

وانطلق عبد المطلب ينحر ويطعم ، حتى دخل مكة ، فنادى مناديه : يا معشر أهل مكة إن عبد المطلب يسألكم بالرحم ، لما قام كل رجل منكم حدثته نفسه أن يغنيني عن هذا الغرم ، فأخذ مثل ما حدثته نفسه . فقاموا وأخذوا من بعير واثنين وثلاثة على قدر ما حدثت كل امرئ منهم نفسه ، وفضلت بعد ذلك جزائر ، فقال عبد المطلب لابنه أبي طالب : أي بني ! قد أطعمت الناس ، فانطلق بهذه الجزائر ، فانحرها على أبي قبيس ، حتى يأكلها الطير والسباع ، ففعل أبو طالب ذلك ، فأصابها الطير والسباع . قال أبو طالب :

ونطعم حتى يأكل الطير فضلنا * إذا جعلت أيدي المفيضين تَرْعُدُ » .

ورواه البلاذري في أنساب الأشراف : 1 / 74 ، الميداني في مجمع الأمثال : 1 / 47 ، الحموي في معجم البلدان : 5 / 403 ، ابن حبيب في المنمق / 94 وابن سعد في الطبقات : 1 / 87 .

9 . آيات عبد المطلب ( ( ع ) ) في غزو أبرهة للكعبة

كعبة نجران بدل الكعبة

بنى نصارى نجران كنيسة ودعوا العرب إلى حجها . ففي معجم البلدان : 5 / 268 : « كعبة نجران هذه ، يقال بِيعَة بناها بنو عبد الملك بن الديان الحارثي على بناء الكعبة ، وعظموها مضاهاة للكعبة ، وسموها كعبة نجران ، وكان فيها أساقفة مقيمون ، وهم الذين جاؤوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودعاهم إلى المباهلة » .

« كان لآل عبد المدان بن الديان سادة بني الحارث بن كعب ، وكان بناؤه مربعاً مستوي الأضلاع والأقطار مرتفعاً من الأرض ، يُصعد إليه بدرجة على مثال بناء الكعبة ، فكانوا يحجونه هم وطوائف من العرب ، ممن يحل الأشهر الحرم ، ولا يحجون الكعبة ، وتحجه خثعم قاطبة .

وكان أهل ثلاثة بيوتات يتبارون في البِيَع وزَيِّها : آل المنذر بالحيرة ، وغسان بالشام ، وبنو الحارث بن كعب بنجران ، ويعتمدون ببنائها المواضع الكثيرة الشجر والرياض والمياه ، وكانوا يجعلون في حيطانها وسقوفها الفسافس والذهب . وكان على ذلك بنو الحارث إلى أن أتى الله بالإسلام ، فجاء النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) منهم العاقب والسيد وغيرهما للمباهلة ، فاستعفوا منها » . معجم ما استعجم : 2 / 603 .

وبنو عبد المدان كانوا حكام نجران وقساوستها ، وكانوا يهوداً فتنصروا .

كعبة صنعاء بدل الكعبة

وبنى أبرهة حاكم اليمن كعبةً بصنعاء ودعا الناس للحج إليها ، ثم قصد بجيشه الكعبة ليهدمها ! قال تعالى : ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ . أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ . وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَاكُولٍ . !

قال في معجم البلدان : 3 / 427 و 494 : « بنى أبرهة بصنعاء القُلِّيْس وأخذ الناسَ بالحج إليه ، وبناه بناء عجيباً . . مدينة لم يَرَ الناس أحسن منها ، ونقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسيفساء ، وألوان الأصباغ ، وصنوف الجواهر ، وجعل فيها خشباً له رؤوس كرؤوس الناس ، ولكَّكَهَا بأنواع الأصباغ ، وجعل لخارج القبة بُرنساً ، فإذا كان يوم عيدها كشف البرنس عنها فيتلألأ رخامها مع ألوان أصباغها ، حتى تكاد تلمع البصر .

الصنعاني قال : رأيت مكتوباً على باب القُلَّيس وهي الكنيسة التي بناها أبرهة على باب صنعاء بالمسْند : بنيتُ هذا لك من مالك ليذكر فيه اسمك ، وأنا عبدك .

ولما استتم أبرهة بنيان القليس كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب .

قال عبد الرحمن بن محمد : سميت القُلَّيس لارتفاع بنيانها وعلوها ، ومنه القلانس لأنها في أعلى الرؤوس . . وكان أبرهة قد استذل أهل اليمن في هذه الكنيسة وجشمهم فيها أنواعاً من السخر ، وكان ينقل إليها آلات البناء كالرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب ، من قصر بلقيس صاحبة سليمان ( عليه السلام ) ، وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ ، وكان فيه بقايا من آثار ملكهم ، فاستعان بذلك على ما أراده من بناء هذه الكنيسة وبهجتها وبهائها ، ونصب فيها صلباناً من الذهب والفضة ، ومنابر من العاج والآبنوس .

فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والآلات من الذهب والفضة ذات القيمة الوافرة والقناطير من المال ، لا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً ، إلى زمان

أبي العباس السفاح ، فذكر له أمرها فبعث إليها خاله الربيع بن زياد الحارثي عامله على اليمن ، وأصحبه رجالاً من أهل الحزم والجلَد ، حتى استخرج ما كان فيها من الآلات والأموال ، وخربها حتى عفى رسمها وانقطع خبرها ، وكان الذي يصيب من يريدها من الجن منسوباً إلى كَعِيتْ وامرأته ، صنمان كانا بتلك الكنيسة بنيت عليهما ! فلما كُسر كَعِيت وامرأته أصيب الذي كسرهما بجذام ، فافتتن بذلك رعاع اليمن وقالوا : أصابه كعيت » !

أقول : لعل قصر بلقيس كان في غير مأرب ، لأنهم قالوا إنه على بعد فراسخ من صنعاء أي قليلة ، ومأرب على فراسخ كثيرة ، كما يدل النص على طمع الدوانيقي وحرصه على جمع المال ، ولهذا سمي أبا الدوانيق .

وقد ذكروا أن رجلاً من العرب دخل كعبة أبرهة وأحدث فيها ، فغضب أبرهة وحلف أن يهدمَ الكعبة في مكة وخرج بجيشه إليها ، ولا يبعد أن تكون القصة مكذوبة من أبرهة لتبرر غزوه للكعبة ليهدمها ويجبر العرب على حج قُلَّيْسِه ! راجع عن كعبة صنعاء : تاريخ الطبري : 1 / 550 ، تفسيره : 30 / 386 وابن خلدون : 2 ق : 1 / 61 .

10 . عبد المطلب وأصحاب الفيل

في الكافي : 4 / 216 عن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما أقبل

صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة ، مروا بإبل لعبد المطلب فاستاقوها ، فتوجه عبد المطلب إلى صاحبهم يسأله رد إبله عليه ، فاستأذن عليه فأذن له وقيل له : إن هذا شريف قريش أو عظيم قريش ، وهو رجل له عقل ومروة ، فأكرمه وأدناه ، ثم قال لترجمانه : سله ما حاجتك ؟ فقال له : إن أصحابك مروا بإبل لي فاستاقوها فأحببت أن تردها عليَّ ، قال : فتعجب من سؤاله إياه رد الإبل وقال : هذا الذي زعمتم أنه عظيم قريش وذكرتم عقله ، يدع أن يسألني أن أنصرف عن بيته الذي يعبده ! أما لو سألني أن أنصرف عن هَدِّه لانصرفت له عنه ! فأخبره الترجمان بمقالة الملك فقال له عبد المطلب : إن لذلك البيت رباً يمنعه ، وإنما سألتك رد إبلي لحاجتي إليها ، فأمر بردها عليه .

ومضى عبد المطلب حتى لقي الفيل على طرف الحرم ، فقال له : محمود ! فحرك رأسه فقال له : أتدري لما جئ بك ؟ فقال برأسه : لا ، فقال : جاؤوا بك لتهدم بيت ربك أفتفعل ؟ فقال برأسه : لا . قال : فانصرف عنه عبد المطلب .

وجاؤوا بالفيل ليدخل الحرم ، فلما انتهى إلى طرف الحرم امتنع من الدخول فضربوه فامتنع ، فأداروا به نواحي الحرم كلها ، كل ذلك يمتنع عليهم فلم يدخل ! وبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف في مناقيرها حجر كالعدسة أو نحوها ، فكانت تحاذي برأس الرجل ثم ترسلها على رأسه فتخرج من دبره ، حتى لم يبق منه أحد إلا رجل هرب ! فجعل يحدث الناس بما رأى إذا طلع عليه طائر منها فرفع رأسه فقال : هذا الطير منها ، وجاء الطير حتى حاذى برأسه ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات » !

وفي الطبقات : 1 / 92 والطبري : 1 / 557 : « فأمر برد إبله عليه ، فلما قبضها قلدها النعال وأشعرها وجعلها هدياً وبثها في الحرم ، لكي يصاب منها شئ فيغضب رب الحرم ! وأوفى عبد المطلب على حراء ، ومعه عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، ومطعم بن عدي ، وأبو مسعود الثقفي ، فقال عبد المطلب :

لاهُمَّ إن المرءَ يمنعُ * رحله فامنع حلالك

لا يغلبنَّ صليبهم * ومحالهم عدواً محالك

ونزل عبد المطلب من حراء ، فأقبل عليه رجلان من الحبشة فقبلا رأسه وقالا له : أنت كنت أعلم » .

وفي كنز الفوائد / 81 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما ظهرت الحبشة باليمن وجَّه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده ، يقال لأحدهما أبرهة والآخر أرباط في عشرة من الفيلة كل فيل في عشرة آلاف ، لهدم بيت الله الحرام ، فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم واختلفوا ، فقتل أبرهة أرباط واستولى على الحبش ، فلما قارب مكة طرد أصحابه عيراً لعبد المطلب بن هاشم ، فصار عبد المطلب إلى أبرهة ، وكان ترجمان أبرهة والمستولي عليه ابن داية لعبد المطلب ، فقال الترجمان لأبرهة : هذا سيد العرب وديَّانها فأجلَّه وأعظمه ، ثم قال لكاتبه : سله ما حاجته ؟ فسأله فقال : إن أصحاب الملك طردوا لي نعماً ! فأمر بردها ثم أقبل على الترجمان فقال : قل له عجباً لقوم سودوك ورأسوك عليهم حيث تسألني في عير لك ، وقد جئت لأهدم شرفك ومجدك ، ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت ! فقال : أيها الملك إن هذه العير لي وأنا ربها فسألتك إطلاقها ، وإن لهذه البَنِيَّة رباً يدفع عنها ! قال : فإني غاد لهدمها حتى أنظر ماذا يفعل ! فلما انصرف عبد المطلب حلَّ أبرهة بجيشه ، فإذا هاتف يهتف في السحر الأكبر : يا أهل مكة أتاكم أهل عكة بجحفل جرار يملأ الأندار ملء الجفار ، فعليهم لعنة الجبار ! فأنشأ عبد المطلب :

أيها الداعي لقد أسمعتني * كلَّمَا قُلْتَ وما بي من صَمَمْ

إن للبيت لرباً مانعاً * من يُرده بأثامٍ يصطلم

رامهُ تُبَّعُ في أجناده * حميرٌ والحيُّ من آل إرم

هلكت بالبغي فيه جرهمٌ * بعد طَسْمٍ وجَديسٍ وجُثَمْ

وكذاك الأمر فيمن كاده * ليس أمر الله بالأمر الأَمَم

نحن آلُ الله فيما قد خلا * لم يزل ذاك على عهد ابْرَهَمْ

لم يزل لله فينا حجةٌ * يدفع الله بها عنها النقم

نعرف الله وفينا شيمة * صلة الرحم ونوفي بالذمم

ولنا في كل دور كرة * نعرف الدين وطوراً في العجم

فإذا ما بلغ الدور إلى * منتهى الوقت أتى طيْرُ القدم

بكتاب فصلت آياته * فيه تبيان أحاديث الأمم

فلما أصبح عبد المطلب جمع بنيه وأرسل الحارث ابنه الأكبر إلى أعلى جبل أبي قبيس فقال : أنظر يا بني ماذا يأتيك من قبل البحر ؟ فرجع فلم ير شيئاً ، فأرسل واحداً بعد آخر من ولده ، فلم يأته أحد منهم عن البحر بخبر . فدعا ولده عبد الله وإنه لغلام حين أيفع وعليه ذؤابه تضرب إلى عجزه ، فقال له : إذهب فداك أبي وأمي فاعلُ أبا قبيس وانظر ماذا ترى يجئ من البحر ؟ فنزل مسرعاً فقال :

يا سيد النادي ، رأيت سحاباً من قِبل البحر مُقبلاً ، يُسْفِلُ تارةً ويرتفع أخرى ! إن قلت غيماً قلته ، وإن قلت جهاماً خلته ، يرتفع تارةً ، وينحدر أخرى !

فنادى عبد المطلب : يا معشر قريش ، أدخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده ، فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طير حجر وفي رجليه حجران ، فكان الطائرالواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة ! كان يلقي الحجر في قمة رأس الرجل فيخرج من دبره ! وقد قص الله تبارك وتعالى نبأهم فقال سبحانه : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ » .

أقول : هذه الفقرة الوحيدة التي وصلت الينا من كلام عبد الله والد نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي تدل على أدبه وبلاغته سلام الله عليه ، فخطابه لأبيه عبد المطلب مميز بتعبيره واحترامه ، ثم وصف سرب طيور الأبابيل بأنها سحاب ، قد يكون غيماً فيه مطر ، أو جهاماً أي غيماً أفرغ مطره . العين : 3 / 397 .

ثم وصف سربها بأنه يسفل ثم يرتفع ، ثم وصفه بأنه يرتفع ثم ينحدر ، وهذا من أبلغ الوصف . وقد فهم عليه أبوه « عليهما السلام » ، وعرف أنها الطيور الموعودة له من ربه ، في منامه أو بهاتف من الملائكة هاتفه ، سلام الله عليهم .

وقالوا إنها أشبه بطائر السنونو ، قد تكون ملائكة عذاب على شكل طيور .

هذا ، وقد روى في البحار : 62 / 233 هلاك أبرهة فقال : « وأصيب أبرهة حتى تساقط أُنملةً أنملة ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ! حتى انصدع صدره عن قلبه ، وانفلت وزيره وطائرٌ يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي ، فقص عليه القصة ، فلما انتهى وقع عليه الحجر ، فخرَّ ميتاً بإذن الله بين يديه » !

ومعناه أن وزير أبرهة ذهب إلى أثيوبيا ليخبر النجاشي ، فتبعه طائر الأبابيل وصبر عليه حتى أكمل القصة للمك ، فرماه بالقنبلة الربانية ، وهي

حجر السِّجِّيل !

11 . تعاظم حسد قريش لعبد المطلب ( ( ع ) )

لما ظهرت آية الأبابيل بجيش أبرهة ، سطع اسم الكعبة وعبد المطلب في بلاد العرب وخارجها ، وتوافد العرب إلى الحج أكثر من السابق ، معتزين بحجهم إلى الكعبة ، متبركين بوارث إبراهيم ولي الله عبد المطلب « عليهما السلام » ، وتولى سقايتهم من زمزم التي وهبها له الله ، وضيافتهم بثريد أبيه هاشم المشهور . وصار عبد المطلب سيد العرب بلا منازع ، فزاد الحسد في صدور زعماء قريش !

وبعد سنتين من هلاك أبرهة حكم اليمن ابنه مسروق ، وبعد سنتين من حكمه نجح سيف بن ذي يزن باستقدام كتيبة من كسرى ، وقاتل مسروق بن أبرهة فقتله ، ودخل صنعاء فاتحاً ، وتَوَّجَ الجيش الفارسي ابن ذي يزن ملكاً على اليمن .

روى الصدوق « رحمه الله » في كمال الدين / 176 : « لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بسنتين ، أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراؤها بالتهنئة ، تمدحه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثار قومه ،

فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن هاشم ، وأمية بن عبد شمس ، وعبد الله بن جدعان ، وأسد بن خويلد بن عبد العزى ، ووهب بن عبد مناف ،

في أناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء » . في حديث طويل ، ذكر فيه احترام سيف بن ذي يزن لعبد المطلب احتراماً خاصاً ، وإخباره بقرب عصر نبي في مكة وتمنى لو يدركه لينصره ، فقال له : « إذا ولد بتهامة ، غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم به الدعامة إلى يوم القيامة . فقال له عبد المطلب : أبيت اللعن ، لقد أبتُ بخبر ما آب بمثله وافد ، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته « جزيته » عن مَسَارِّه إياي ما ازدادَ به سروراً ، فقال ابن ذي يزن : هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد فيه ، اسمه محمد ، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه ، وقد ولد سراراً والله باعثه جهاراً ، وجاعل له منا أنصاراً ليعز بهم أولياءه ، ويذل بهم أعداءه . . فهل أحسست شيئاً مما ذكرته ؟ فقال : كان لي ابن وكنت به معجباً وعليه رفيقاً ، فزوجته بكريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وهب ، فجاءت بغلام سميته محمداً ، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه . فقال ابن ذي يزن : إن الذي قلتُ لك كما قلتُ لك ، فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود ، فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلاً » . والمنمق / 426 . راجع : الأخبار الطوال / 63 ، اليعقوبي : 1 / 165 و 2 / 9 والطبقات : 5 / 533 .

12 . أسس حلف الفضول لمنع الاعتداء على الحجاج

أعداء النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) هم أعداء أجدادهم قبل الإسلام ! وقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : « الناس معادن ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » . البخاري : 4 / 122 .

ورويناه عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) بلفظ أدق : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل » . الكافي : 8 / 177 .

وعندما تحسن وضع قريش الاقتصادي ، بفضل رحلتي الشتاء والصيف ، وتعاظم موسم الحج إلى الكعبة بعد آية أصحاب الفيل ، ازدحمت مكة في الموسم ، وكثرت تعديات القرشيين على الحجاج والتجار الوافدين إلى مكة !

وكانت المشكلة أمام عبد المطلب أنه إذا أراد منع الظلم وقفت قبيلة الظالم معه تناصره ! فرأى أن ينشئ حلفاً قبلياً ليمنع قبيلة الظالم أن تنصره ، فأسس حلف الفضول ، وكان أصل هذا الحلف لأخوال أبناء إسماعيل ( عليه السلام ) .

ففي أنساب الأشراف / 13 : « كان في جرهم رجال يردون المظالم ، يقال لهم فضيل وفضال ومفضل وفضل ، فتحالفوا على ذلك » .

وروى اليعقوبي أن قريشاً بدأت بتشكيل حلف ضد عبد المطلب ، وروى أن الحلفين عبد الطلب كان السابق ، مما يدل على أن الحلفين كانا متزامنين .

قال اليعقوبي : 1 / 248 : « ولما رأت قريش أن عبد المطلب قد حاز الفخر ، طلبت أن يحالف بعضها بعضاً ليعزُّوا ، وكان أول من طلب ذلك بنو عبد الدار لما رأت حال عبد المطلب ، فمشت بنو عبد الدار إلى بني سهم فقالوا : إمنعونا من بني

عبد مناف . . . فتطيَّب بنو عبد مناف وأسد وزهرة وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر ، [ وخزاعة ] فسموا حلف المطيبين . فلما سمعت بذلك بنو سهم ذبحوا بقرةً وقالوا : من أدخل يده في دمها ولعق منه فهو منا ! فأدخلت أيديها بنو سهم ، وبنو عبد الدار ، وبنو مخزوم ، وبنو جمح ، وبنو عدي ، فسموا اللعقة » .

قال ابن بكار : « كان بنو سهم وبنو جمح أهل بغي وعدوان ، فأكثروا من ذلك » . شرح النهج : 15 / 224 .

وكانت خزاعة هي ركن حلف عبد المطلب ، قال في المنمق / 87 : « وكتبوا كتاباً كتبه لهم أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة ، وكان بنو زهرة يكرمون عبد المطلب لصهره فكان الكتاب : هذا ما تحالف عليه عبد المطلب ورجالات بني عمرو من خزاعة ومن معهم من أسلم ومالك ، تحالفوا على التناصر والمؤاساة ، حلفاً جامعاً غير مفرق ، الأشياخ على الأشياخ ، والأصاغر على الأكابر ، والشاهد على الغائب ، تعاهدوا وتعاقدوا ما شرقت الشمس على ثبير ، وما حن بفلاة بعير . عقده عبد المطلب بن هاشم ، ورجال بني عمرو فصاروا يداً دون بني النضر ، فعلى عبد المطلب النصرة لهم على كل طالب وتر في بر أو بحر أو سهل أو وعر ، وعلى بني عمرو النصرة لعبد المطلب وولده على جميع العرب ، في الشرق أو الغرب أو الحزَن أو السهب ، وجعلوا الله على ذلك كفيلاً ، وكفى بالله حميلاً .

ثم علقوا الكتاب في الكعبة ، فقال عبد المطلب :

سأوصي زبيراً إن توافت منيتي * بإمساك ما بيني وبين بني عمرو

وأن يحفظ الحلف الذي سن شيخه * ولا يلحدن فيه بظلم ولاغدر

هم حفظوا الإلَّ القديم وحالفوا * أباك فكانوا دون قومك من فهر

وفي تصديق ذلك قول عمرو بن سالم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) حين أغارت عليهم بنو بكر فقتلوا من قتلوا من خزاعة :

لا هُمَّ إني ناشدٌ محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا » .

وجدَّد الزبير بن عبد الطلب حلف الفضول وحضره النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وروت ذلك عامة المصادر كمحمد بن حبيب في كتابه المنمق / 186 ، عن حكيم بن حزام قال : « كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار وبينه وبين الفيل عشرون سنه ، ورسول الله صلى الله عليه يومئذ ابن عشرين سنة ، قالوا : وكان الفجار في شوال وكان الحلف في ذي القعدة ، وكان هذا الحلف أشرف حلف جرى ، وكان أول من تكلم فيه ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب ، وذلك أن الرجل من العرب أو غيرها من العجم ممن كان يقدم بالتجارة ربما ظُلم بمكة ، وكان الذي جرَّ ذلك أن رجلاً من بني زبيد قدم بسلعة فباعها من العاص بن وائل السهمي فظلمه ثمنها ، فناشده الزبيدي في حقه فلم يعطه ، فأتى الزبيدي الأحلاف : عبد الدار ومخزوماً وجمح وسهماً وعدياً ، فأبوا أن يعينوه وزبروه وزجروه ! فلما رأى الزبيدي الشر وافى على أبي قبيس قبل طلوع الشمس ، وقريش في أنديتهم حول الكعبة وصاح :

يا آل فهر لمظلوم بضاعته * ببطن مكة نائي الدار والنفر

ومحرمٍ أشعث لم يقض عمرته * يا للرجال وبين الحجر والحجر

إن الحرام لمن تمَّتْ كرامته * ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

قال فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال : ما لهذا مَتْرك ، فاجتمعت

بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان ، فصنع لهم طعاماً ، فتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام ، قياماً يتماسحون صعداً ، وتعاقدوا وتعاهدوا بالله قائلين لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة وفي التأسي في المعاش . فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول ، وقال الزبير بن عبد المطلب فيه :

حلفتُ لنعقدنْ حلفاً عليهم * وإن كنا جميعاً أهلَ دار

نسميه الفضولَ إذا عقدنا * يعزُّ به الغريبُ لذي الجوار

ويعلم من حوالي البيت أنا * أباة الضيم نمنع كل عار

« ذكر قاسم بن ثابت في غريب الحديث أن رجلاً من خثعم قدم مكة حاجاً أو معتمراً ، ومعه ابنة له يقال لها القَتُول ، من أوضأ نساء العالمين ، فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه ، فقال الخثعمي : من يعديني على هذا الرجل ؟ فقيل له عليك بحلف الفضول ، فوقف عند الكعبة ونادى : يالِ حلف الفضول ! فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب وقد انتضوا أسيافهم يقولون : جاءك الغوث فما لك ؟ ! فقال : إن نبيهاً ظلمني في بنتي وانتزعها مني قسراً . فساروا معه حتى وقفوا على باب داره فخرج إليهم فقالوا له : أخرج الجارية ويحك ، فقد علمت من نحن وما تعاقدنا عليه ! فقال : أفعل ولكن متعوني بها الليلة ! فقالوا :

قبحك الله ، ولا شخب لقحة ، فأخرجها إليهم » .

« وكان الزبير بن عبد المطلب شجاعاً أبياً ، وجميلاً بهياً ، وكان خطيباً شاعراً ، وسيداً جواداً . . وبنو هاشم هم الذين ردوا على الزبيدي ثمن بضاعته ، وكانت عند العاص بن وائل ، وأخذوا للبارقي ثمن سلعته من أبي بن خلف الجمحي . وهم الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج قتول الحسناء » . شرح النهج : 15 / 203 و 205 .

وقال اليعقوبي : 2 / 17 : « حضر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حلف الفضول وقد جاوز العشرين ، وقال بعد ما بعثه الله : حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما يسرني به حُمر النَّعم ، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت . وكان سبب حلف الفضول أن قريشاً تحالفت أحلافاً كثيرة على الحمية والمنعة ، فتحالف المطيبون وهم بنو عبد مناف وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر ، على أن لا يسلموا الكعبة ما أقام حراء وثبير وما بلَّ بحرٌ صوفة . وصنعت عاتكة بنت عبد المطلب طيباً فغمسوا أيديهم فيه . . . فتذممت قريش فقاموا فتحالفوا ألا يظلم غريب ولا غيره ، وأن يؤخذ للمظلوم من الظالم » . وابن هشام : 1 / 85 والمنمق / 187 .

لقد أمضى النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا الحلف وتبناه ، ودعا به الإمام الحسين ( عليه السلام ) لما منعوا دفن أخيه عند جده ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم دعا به ما أراد معاوية أن يصادر أمواله . أنساب الأشراف / 13 .

13 . سن عبد المطلب سنناً فأجراها الله في الإسلام

روى في الخصال / 313 : « عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا علي إن عبد المطلب سَنَّ في الجاهلية خمس سُنن أجراها الله له في الاسلام ، حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله عز وجل : وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله عز وجل : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئْ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ . الآية . . ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج ، فأنزل الله : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ . الآية . وسن في القتل مائة من الإبل فأجرى الله عز وجل ذلك في الاسلام ، ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط ، فأجرى الله ذلك في الاسلام .

يا علي إن عبد المطلب كان لايستقسم بالأزلام ، ولا يعبد الأصنام ، ولا يأكل ما ذبح على النصب ، ويقول : أنا على دين أبي إبراهيم ( عليه السلام ) » .

وقال اليعقوبي « رحمه الله » : 2 / 10 : « وكان عبد المطلب جد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكفله ، وعبد المطلب يومئذ سيد قريش غير مدافع ، قد أعطاه الله من الشرف ما لم يعط أحداً ، وسقاه زمزم وذا الهرم « بئر في الطائف » وحَكَّمته قريش في أموالها ، وأطعم في المَحْل حتى أطعم الطير والوحوش في الجبال . قال أبو طالب :

ونُطعمُ حتى تأكل الطيرُ فضلَنا * إذا جُعلت أيدي المفيضين ترعدُ

ورفض عبادة الأصنام ووحَّد الله عز وجل ، ووفى بالنذر ، وسن سنناً نزل القرآن بأكثرها ، وجاءت السنة من رسول الله بها وهي : الوفاء بالنذور ، ومائة من الإبل في الدية ، وألا تنكح ذات محرم ، ولا تؤتى البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق ، والنهي عن قتل الموؤودة ، والمباهلة ، وتحريم الخمر ، وتحريم الزناء ، والحد عليه ، والقرعة ، وألا يطوف أحد بالبيت عرياناً ، وإضافة الضيف ، وألا ينفقوا إذا حجوا إلا من طيب أموالهم ، وتعظيم الأشهر الحرم ، ونفي ذوات الرايات » .

14 . وهذا يكفي لمن كان له قلب !

لقد أغمضوا عيونهم عن كرامات عبد المطلب وآياته ، في حفر زمزم ، وفي هجوم أصحاب الفيل ، وإخباره بنبوة حفيده ( صلى الله عليه وآله ) ، وافتخار النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم حنين بنبوته وبجده عبد المطلب ! البخاري : 4 / 28 . وفي الواحدة منها كفاية لمن كان له قلب .

بل زعموا أن رجلاً سأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن أبيه ؟ فقال : إن أبي وأباك في النار . مسلم : 1 / 132 . وحاشا أباه من النار ، وحاشاه ( صلى الله عليه وآله ) من هذه الجلافة !

15 . عبد المطلب : إبراهيم الثاني

« وخرجوا هاربين يطلبون الشعاب ، ومنهم من طلب الجبال ، ومنهم من ركب البحر ، قال : فعند ذلك قالوا لعبد المطلب : ما يمنعك أن تهرب مع الناس ؟ قال : أستحيي من الله أن أهرب عن بيته وحرمه ، فوالله لا برحت من مكاني ولا نأيت عن بيت ربي ، حتى يحكم الله بما يشاء . . قال : فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية قال : « اللهم أنت أنيس المستوحشين ولا وحشة معك ، فالبيت بيتك والحرم حرمك والدار دارك ، ونحن جيرانك ، تمنع عنه ما تشاء » . البحار : 15 / 66 .

ولما ظهرت آياته في حملة أصحاب الفيل ، سماه المنصفون من قريش إبراهيم الثاني : « فكانت قريش تقول : عبد المطلب إبراهيم الثاني » . تاريخ اليعقوبي : 1 / 10 .

16 . نَذَر عبد المطلب ( ( رحمه الله ) ) أحد أبنائه قرباناً للكعبة !

كان عرب الجزيرة وعرب العراق يقدسون صنم العُزَّى أكثر من غيره ، ويقدمون له القرابين : « وكان للعزى منحرٌ ينحرون فيه هداياهم ، يقال له الغبغب . . . قال الشاعر : والراقصات إلى منى بالغبغب » . معجم البلدان : 4 / 185 .

وفي أحُد : « نادى المشركون بشعارهم : يا لَلعزى يا لَهُبل ، وأوجعوا في المسلمين قتلاً ذريعاً ، وولَّى من ولَّى منهم يومئذ ، وثبت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . الطبقات : 2 / 42 . وكانت حروبٌ بين المناذرة التابعين للفرس في العراق ، والغساسنة التابعين للروم في الشام ، وكان المنذر بن ماء السماء وثنياً ، فأسرَ ابن ملك الغساسنة الحارث بن شمر في حربه معه ، فذبحه قرباناً للعزى ! خطط الشام : 1 / 67 .

وفي المفصل في تاريخ العرب : 11 / 239 : « وقد كان آل لخم ملوك الحيرة ، ينحرون الأسرى قرباناً للعزى . وقد زعم بعض المؤرخين السريان أن المنذر بن ماء السماء ضحى بأربع مائة راهبة للعزى » !

في هذا الجو ، نذر عبد المطلب « رحمه الله » لله تعالى إذا رزقه عشرة أبناء ، أن يذبح أحدهم قرباناً له هدياً للكعبة ، فكان عمله مقابلةً لعَبَدَة الأصنام والنصارى ودعوة لهم أن يعبدوا رب بيت إبراهيم ( عليه السلام ) ، ويقدموا قرابينهم له وليس للعزى !

أما الإشكال الذي نراه في عمله فسببه عدم معرفتنا لمستنده الشرعي في نذره أن يذبح ابنه ، ثم مستنده في طريقة وفائه به بالقرعة بينه وبين الإبل . لكن ما ثبت عن شخصيته ( عليه السلام ) وإيمانه العميق وإلهام الله تعالى إياه بحفر زمزم ، وظهور المعجزة له لما أرادت قريش أخذها منه ، وإخباره بآية أصحاب الفيل ، وغير ذلك من آياته يدل على أنه ما نذر ولا تحلل من نذره ، إلا بحجة من ربه تعالى .

روى في دعائم الإسلام : 2 / 522 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه تجب القرعة فيما أشكل وذكر القرعة في قصة يونس ( عليه السلام ) ، وفي كفالة مريم ( عليه السلام ) ، وقصة عبد المطلب : « نذر ذبح من يولد له فولد له عبد الله أبو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فألقى الله عليه محبته ، فألقى عليه السهام وعلى إبل ينحرها يتقرب بها مكانه ، فلم تزل السهام تقع عليه وهو يزيد حتى بلغت مائة ، فوقع السهم على الإبل فأعاد السهام مراراً وهي تقع على الإبل ، فقال : الآن علمت أن ربي قد رضي ونحرها » .

17 . افتخر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بجديه « عليهما السلام » فقال : أنا ابن الذبيحين

روى الصدوق في العيون : 2 / 189 عن علي بن فضال أنه سأل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن الذبيحين فقال : « يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وعبد الله بن عبد المطلب . أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ، ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت . سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ .

فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح ، يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاماً ، وما خرج من رحم أنثى ، وإنما قال الله جل وعز له كن فكان ، ليفدي به إسماعيل ، فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة . فهذا أحد الذبيحين .

وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ، ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ، ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة قال : قد وفى الله لي فَلَأفِيَنَّ لله عز وجل ، فأدخل وُلده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله وكان أحب ولده إليه ، ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ، ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله ، فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه ، فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك ، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن ، فقالت له ابنته عاتكة : يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك . قال : فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة ؟ قالت : أعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل وأعط ربك حتى يرضى . فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشراً وضرب السهام فخرج سهم عبد الله ، فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مائة ، فضرب فخرج السهم على الإبل ، فكبَّرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة ، فقال عبد المطلب : لا ، حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات ، فضرب ثلاثاً كل ذلك يخرج السهم على الإبل ، فلما كان في الثالثة اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه ، فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على الأرض ، وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ، ويمسحون عنه التراب . وأمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة ، ولا يمنع أحد منها وكانت مائة » .

وأضاف الصدوق « رحمه الله » : « ولولا أن عبد المطلب كان حُجَّةً وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيهُ بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل « عليهم السلام » ، لمَا افتخر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالانتساب إليهما ، لأجل أنهما الذبيحان في قوله ( عليه السلام ) : أنا ابن الذبيحين .

والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهي كون النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة « عليهم السلام » في صلبهما . فببركة النبي والأئمة ( صلى الله عليه وآله ) رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم » .

وفي الفقيه : 4 / 368 : « يا علي أنا ابن الذبيحين . يا علي أنا دعوة أبي إبراهيم ( عليه السلام ) » .

وتدل الرواية عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) « الفقيه : 3 / 89 » على أن الله تعالى نهى عبد المطلب عن ذبح ولده وأمره بالقرعة ، وقد يكون ذلك بعد كلام عاتكة ، قال ( عليه السلام ) : « أول من سوهم عليه مريم بنت عمران ، وهو قول الله عز وجل : وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، والسهام ستة ، ثم استهموا في يونس ( عليه السلام ) لما ركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة ، فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال : فمضى يونس إلى صدر السفينة ، فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه .

ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين ، فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاماً أن يذبحه فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صلبه ، فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله ، فخرجت السهام على عبد الله فزاد عشراً ، فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشراً ، فلما أن خرجت مائة خرجت السهام على الإبل فقال عبد المطلب : ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً ، فخرجت على الإبل فقال : الآن علمت أن ربي قد رضي ، فنحرها » .

ومعناه أن الله تعالى نهاه عن ذبحه بالإلهام ، وأمره أن يفديه بما استقرت عليه القرعة .

ونلاحظ في هذا الموضوع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضحى في حجة الوداع بمئة ناقة ، وهي عدد فداء جده عبد الله ( عليه السلام ) ، وأشرك فيها علياً ( عليه السلام ) لشراكته في وراثة عبد المطلب « عليهم السلام » .

18 . الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق

زعم أهل الكتاب أن الذبيح إسحاق « عليهما السلام » ، وأن الله فداه وأرسل جبرئيل ( عليه السلام ) بكبش وأمره أن يذبحه بدله .

قال في تفسير الكاشف : 6 / 352 : « ولا مصدر لهذا القول إلا إسرائيليات كعب الأحبار ، وحسد اليهود لأبناء إسماعيل ، وليس هذا بكثير على بني إسرائيل » .

أقول : إن الأدلة على أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق « عليهما السلام » ، كثيرة :

الأول : أن توراتهم وتلمودهم ومصادرهم لم تذكر أن الذبيح إسحاق ( عليه السلام ) ، وإنما هو قول حاخاماتهم ، خاصة كعب الأحبار ، وقد نسبوه إلى عمر وعلي وابن عباس وغيرهم . وعدم ذكره في مصادرهم دليل على أن الذبيح ليس إسحاق ( عليه السلام ) وإلا لذكرته مصادرهم بشكل واسع ، وجعلوا مكانه مزاراً وافتخروا به . فالصحيح أنهم ادعوه بعد بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونزول القرآن بقصة ذبح إسماعيل « عليهما السلام » .

الثاني : صحح العلماء حديث : أنا ابن الذبيحين . رواه الحاكم : 2 / 554 ، صححه الذهبي ، السرخسي : 8 / 141 ، بدائع الصنائع : 5 / 85 ، تخريج الأحاديث : 3 / 177 . وفيض القدير : 3 / 762 .

الثالث : قال جمهور علماء المسلمين إن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق « عليهما السلام » .

قال العجلوني في كشف الخفاء : 1 / 199 : « إسماعيل هو الذبيح على القول الصواب

عند علماء الصحابة والتابعين » .

وقال الطوسي في أماليه / 457 : « قال أبو المفضل « الشيباني » : اختلف الناس في الذبيح وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن الذبيحين ، يعني إسماعيل وعبد الله أباه « عليهما السلام » . والعرب مجمعة أن الذبيح هو إسماعيل . وأنا أقول : اختلفت روايات العامة والخاصة في الذبيح من هو ؟ والصحيح أنه إسماعيل لمكان الخبر ، ولإجماع علماء أهل البيت « عليهم السلام » على أنه إسماعيل » .

الرابع : صحح الصدوق في معاني الأخبار / 391 : « عن داود بن كثير الرقي قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أيهما كان أكبر إسماعيل أو إسحاق ، وأيهما كان الذبيح ؟

فقال : كان إسماعيل أكبر من إسحاق بخمس سنين ، وكان الذبيح إسماعيل ، وكانت مكة منزل إسماعيل ، وإنما أراد إبراهيم أن يذبح إسماعيل أيام الموسم بمنى . قال : وكان بين بشارة الله لإبراهيم بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق « عليهم السلام » خمس سنين ، أما تسمع لقول إبراهيم ( عليه السلام ) حيث يقول : رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ . إنما سأل الله عز وجل أن يرزقه غلاماً من الصالحين ، وقال في سورة الصافات : فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ، يعني إسماعيل من هاجر . فقال : ففدى إسماعيل بكبش عظيم . فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ثم قال : وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ، يعني بذلك إسماعيل قبل البشارة بإسحاق . فمن زعم أن إسحاق أكبر من إسماعيل وأن الذبيح إسحاق ، فقد كذب بما أنزل الله عز وجل في القرآن من نبئهما » .

فقد استدل الإمام ( عليه السلام ) بنص الآيات وسياقها ، وأن الذبيح الغلام الذي دعا إبراهيم ( عليه السلام ) ربه أن يهبه له فوهبه وهو إسماعيل ، ثم رزقه بعده إسحاق فقال : وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ، فكيف يبشره بأنه نبي ، ثم يأمره بذبحه !

وهذه آياته في سياقها : وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ . رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ . فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ للَّجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَالْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ . سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ . الصافات : 99 - 113 .

وفي الكاشف : 6 / 352 : فإنه يدل بصراحة على أن المبشر به والساعي والذبيح صفات لموصوف واحد ، وهو الولد البكر لإبراهيم ، وبكر إبراهيم هو إسماعيل باتفاق المسلمين والنصارى واليهود ، فلقد جاء في التوراة الإصحاح 16 الآية 15

من سفر التكوين ما نصه بالحرف : « وكان إبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لأبرام » . أي إبراهيم .

وإذا عطفنا على هذا ما جاء في التوراة من السفر المذكور الإصحاح 17 الآية 17 وما بعدها : إن الله لما بشر إبراهيم بإسحاق من سارة سقط على وجهه ، وقال في قلبه : هل يولد لي وأنا ابن مائة سنة وسارة بنت تسعين ؟ إذا جمعنا بين الآيتين تكون حصيلتهما أن إسماعيل هوالولد البكر ، وأنه يكبر اسحق بأربعة عشر عاماً ، وبينا أن البكر هو الذبيح » .

الخامس : في كتاب أضواء على المسيحية للدكتور شلبي / 66 : « يقول برنابا : فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلاً : خذ ابنك البكر واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة . والبكر هو إسماعيل ( عليه السلام ) ، وقد ولد إسحاق ( عليه السلام ) بعده بسبع سنين » .

السادس : قوله تعالى : « وبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . حيث جاءت هذه البشارة لإبراهيم بإسحاق جزاءً له على طاعته لله في ذبح ولده البكر ، فلا بد وهذه هي الحال ، أن يكون زمن إسحاق متأخراً عن زمن الذبيح » . تفسير الكاشف 6 / 352 .

السابع : قوله تعالى في الآية 71 من سورة هود : فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ ومِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ ، فإن اللَّه بشّر سارة بإسحاق وبولده يعقوب في آن واحد ، فكيف يأمر بذبح إسحاق بعد أن بشّر به وبنسله ؟ وما ذا تقول سارة عندما تسمع الأمر بذبح وليدها بعد أن سمعت البشارة به وبولده !

الثامن : نسبوا إلى علي ( عليه السلام ) من أن الذبيح هو إسحاق ، والصحيح أنه إسماعيل « عليهما السلام » . ففي أمالي الطوسي / 338 ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، عن آبائه عن علي ( عليه السلام ) قال : الذبيح إسماعيل .

وبذلك يتضح أن القول بأن الذبيح إسحاق مكذوب ، أو تصحيف في الاسم .

19 . النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وارث عبد المطلب

اختار الله بني عبد المطلب من العالم :

كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يجهر بأن الله تعالى اختار من العالم بني عبد المطلب فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « قسم الله تبارك وتعالى أهل الأرض قسمين فجعلني في خيرهما ، ثم قسم النصف الآخر على ثلاثة فكنت خير الثلاثة ، ثم اختار العرب من الناس ، ثم اختار قريشاً من العرب ، ثم اختار بني هاشم من قريش ، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم ، ثم اختارني من بني عبد المطلب » . الخصال / 36 وغيره .

وكان ( صلى الله عليه وآله ) يفتخر بنبوته وجده عبد المطلب ( عليه السلام ) !

ففي حنين هرب المسلمون مع أنهم كانوا اثني عشر ألفاً ! وثبت النبي ( صلى الله عليه وآله )

وبنو هاشم ، وافتخر بنبوته وبجده عبد المطلب : « كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه فما راعنا إلا كتائب الرجال ، فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدمة وانهزم مَن وراءهم ، وبقي علٌّي ( عليه السلام ) ومعه الراية ، فقال مالك بن عوف : أروني محمداً ، فأروه إياه فحمل عليه فلقيه أيمن بن عبيدة وهو ابن أم أيمن فالتقيا فقتله مالك . . فقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ركاب سرجه حتى أشرف عليهم وقال : الآن حمى الوطيس : أنا النبي لا كذبْ أنا ابن عبد المطلبْ » .

وفي صحيح بخاري : 4 / 28 : « نزل فجعل يقول : أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب . قال فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه » .

وبنو عبد المطلب لا يفرون أبداً !

وعليهم قامت معارك الإسلام ! فقد كانوا أبطال بدر ، وثبتوا في أحُد وخيبر وغيرها ، في حين فرَّ الجميع . وفي حنين : « انهزموا بأجمعهم فلم يبق منهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا عشرة أنفس ، تسعة من بني هاشم خاصة وعاشرهم أيمن بن أم أيمن ، فقتل أيمن وثبت تسعة النفر الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من كان انهزم ، فرجعوا أولاً فأولاً » . الإرشاد : 1 / 140 .

بعثه الله لبني عبد المطلب خاصة وللناس عامة :

قال لهم : « يا بني عبد المطلب إن الله بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة ، فقال عز وجل : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ . أنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فمن يجيبني إلى هذا الأمرويؤازرني عليه وعلى القيام به ، يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » . الإرشاد : 1 / 49

ومسند الشاميين : 2 / 66 .

وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) مخولاً من بني عبد المطلب :

فعندما طلب أسرى خيبرمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يُطلق سراحهم ، قال لهم : « أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم . وقالت الأنصار : ما كان لنا فهو لله ولرسوله فردت الأنصار ما كان في أيديها من الذراري والأموال » .

أمالي الصدوق / 591 .

وَعَدَهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) الشفاعة وكان يميزهم عن غيرهم :

قال ( صلى الله عليه وآله ) : « يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكني قد وعدت الشفاعة « قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : اشهدوا لقد وعدها » فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة ، أتروني مؤثراً عليكم غيركم » . التهذيب : 4 / 58 .

وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئاً لا يصنعه بأحد من المسلمين ! كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء ، وضع كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين ، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فيقول : من مات من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) » . الكافي : 3 / 200 والتهذيب : 1 / 460 .

وأكرم الله بني هاشم فشرَّع لهم ميزانية خاصة :

وهي الخمس فقال تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئْ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَللَّرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ . ومع ذلك حرموهم منه !

قال ابن قدامة : 2 / 519 : « لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس . وعن أبي هريرة قال : أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كِخْ كِخْ ، ليطرحها ! وقال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة ! متفق عليه » .

وفي الكافي : 1 / 540 عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم ، عوضاً لهم من صدقات الناس ، تنزيهاً من الله لقرابتهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكرامةً من الله لهم عن أوساخ الناس ، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة . .

وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذين ذكرهم الله فقال : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وهم بنو عبد المطلب الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد » .

وحذرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يغتروا بنسبهم ويتركوا العمل :

قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الصفا فقال : يا بني هاشم ، يا بني عبد المطلب إني رسول الله إليكم وإني شفيق عليكم ، وإن لي عملي ولكل رجل منكم عمله ، لا تقولوا إن محمداً منا وسندخل مدخله ، فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطلب إلا المتقون . ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتون الناس يحملون الآخرة ، ألا إني قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم ، وفيما بيني وبين الله عز وجل فيكم » . الكافي : 8 / 182 .

وأتمَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحجة عليهم فأوصاهم بطاعة علي ( عليه السلام ) :

فعن الإمام زين العابدين ، في حديث وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « قال علي ( عليه السلام ) : فلقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإن رأسه ليثقل ضعفاً وهو يقول ويسمع أقصى أهل البيت وأدناهم : إن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب ، يقضي ديني وينجز موعدي . يا بني هاشم يا بني عبد المطلب ، لاتبغضوا علياً ، ولا تخالفوا أمره فتضلوا ، ولاتحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا » . أمالي الطوسي / 600 .

وكان حقد اليهود وقريش على كل بني عبد المطلب « عليهم السلام » :

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لحاخام يهودي : « وأما الخامسة يا أخا اليهود ، فإن قريشاً والعرب تجمعت وعقدت بينها عقداً وميثاقاً ، لاترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب ، ثم أقبلت بحدها وحديدها حتى أناخت علينا بالمدينة ، واثقة بأنفسها فيما توجهت له » . الخصال / 368 .

وصححوا حديث أبناء عبد المطلب سادة أهل الجنة :

فقد رواه ابن ماجة 2 / 1368 عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : « نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي » . والحاكم : 3 / 211 ، وصححه على شرط مسلم ، وتاريخ بغداد : 9 / 434 وفيه : نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة ، أنا وعلي أخي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي » . وتلخيص المتشابه : 1 / 197 ، الفردوس : 1 / 53 ، البيان للشافعي / 488 وغيرها .

وفي كتاب سُلَيْم بن قيس « رحمه الله » / 245 : « كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلاً من أهل البيت « عليهم السلام » قطعت حديثها ، فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم ما مثل محمد في أهل البيت إلا كمثل نخلة نبتت في كُناسة ! فبلغ ذلك رسول الله فغضب ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس ، ثم قام

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال . . » . وأورد خطبة طويلة في فضله وفضل أهل بيته « عليهم السلام » جاء فيها : « ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين وفاطمة والمهدي » . ورواه أمالي الصدوق / 384 ، غيبة الطوسي / 113 ، العمدة / 52 و 430 والطرائف : 1 / 176 .

وفي دلائل الإمامة / 256 ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : « كنا مع علي بالبصرة وهو على بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد اجتمع هو وأصحاب محمد فقال : ألا أخبركم بأفضل خلق الله عند الله يوم يجمع الرسل ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : أفضل الرسل محمد وإن أفضل الخلق بعدهم الأوصياء ، وأفضل الأوصياء أنا ، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء الأسباط ، وإن خيرالأسباط سبطا نبيكم ، يعني الحسن والحسين . وإن أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء ، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، قال ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين مخضبان بكرامةٍ خص الله عز وجل بها نبيكم ، والمهدي منا في آخر الزمان ، لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره » .

أقول : كفى بهذا الحديث الشريف حجة ودليلاً على مكانة هؤلاء العظماء من أبناء عبد المطلب « عليهم السلام » ، فهو يفضح كل ما رووه من تفضيل زيد وعمرو عليهم !

20 . وكان عبد المطلب شاعراً ، وكذا أبو طالب ( ( صلى الله عليه وآله ) )

وتقدمت له أبيات في غزو أبرهة للكعبة ، وكلها إيمان ويقين بالنصر ، وفيها نبوءة بنبوة حفيده ( صلى الله عليه وآله ) وبدولة العدل الإلهي على يد ولده المهدي ( عليه السلام ) ! قال :

نحن آلُ الله فيما قد خلا * لم يزل ذاك على عهد ابْرَهَمْ

لم يزل لله فينا حجةٌ * يدفع الله بها عنها النقم

نعرف الله وفينا شيمةٌ * صلة الرحم ونوفي بالذمم

ولنا في كل دور كَرَّةٌ * نعرف الدين وطوراً في العجم

فإذا ما بلغ الدورُ إلى * منتهى الوقت أتى طيْرُ القدم

بكتاب فصلت آياته * فيه تبيان أحاديث الأمم

وطير القدم مثلٌ ضربه عبد المطلب « رحمه الله » لأصحاب ولده الإمام المهدي ( عليه السلام ) الذين يجمعهم الله له في ليلة من أقاصي العالم ، ليكونوا وزراءه .

فقد روى علي بن يقطين عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « من أعز أخاه في الله وأهان أعداءه في الله ، وتولى ما استطاع نصيحته ، أولئك يتقلبون في رحمة الله ، ومثلهم مثل طير يأتي بأرض الحبشة في كل صيفة يقال له « القَدَم » فيبيض ويفرخ بها ، فإذا كان وقت الشتاء صاح بفراخه فاجتمعوا إليه وخرجوا معه من أرض الحبشة ، فإذا قام قائمنا اجتمع أولياؤنا من كل أوب ! ثم تمثل بقول عبد المطلب :

فإذا ما بلغ الدور إلى * منتهى الوقت أتى طيْرُ القدم

بكتاب فصلت آياته * فيه تبيان أحاديث الأمم

مستدرك الوسائل : 13 / 137 وجامع أحاديث الشيعة : 17 / 297 .

وفي أمالي الصدوق / 243 : « قال الريان بن الصلت : أنشدني الرضا ( عليه السلام ) لعبد المطلب :

يعيب الناس كلهم زماناً * وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بنا هجانا

وأن الذئب يترك لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

لبسنا للخداع مسوك طيب * وويلٌ للغريب إذا أتانا »

وعيون أخبار الرضا 2 / 190 .

21 . أولاد عبد المطلب عشرة ، والعباس

قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) كما في الخصال / 452 : « سئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن ولد عبد المطلب فقال : عشرة والعباس » ! وخيرهم : عبد الله ، وأبو طالب ، والزبير ، وحمزة . وذرية عبد الله وأبي طالب خير البشر ، وشذ من أبناء عبد المطلب أبو لهب إلى النار .

وفي تاريخ اليعقوبي : 2 / 11 : « وكان لعبد المطلب من الولد الذكور عشرة ، ومن الإناث أربع : عبد الله أبو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وأبو طالب وهو عبد مناف . والزبير وهو أبو الطاهر . وعبد الكعبة وهو المقوم . وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، وهي أم أم حكيم البيضاء . وعاتكة وبرة وأروى وأميمة بنات عبد المطلب . والحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب وبه كان يكنى . وقثم . وأمهما صفية بنت جندب بن حجير بن زباب بن حبيب بن سوأة بن عامر بن صعصعة . وحمزة وهو أبو يعلى أسد الله وأسد رسول الله ، وأمه هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وهي أم صفية بنت عبد المطلب . والعباس ، وضرار ، أمهما نتيلة بنت جناب بن كليب بن النمر بن قاسط . وأبو لهب وهو عبد العزى ، وأمه لُبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر الخزاعي . والغيداق وهو حجل وإنما سمى الغيداق لأنه كان أجود قريش وأطعمهم للطعام ، وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك بن نوفل الخزاعي . فهؤلاء أعمام رسول الله وعماته » .

والسؤال هنا : ما معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : عشرة والعباس ؟ والجواب : أن العباس عبدٌ لثلاثة من إخوته من بني عبد المطلب ،

ولذا عدَّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحده ، لأنه عبد لإخوته ، لأن أمه أمةً لهم أحَلّواها لأبيهما عبد المطلب لتخدمه ، فحملت منه بالعباس .

ففي « الكافي : 8 / 259 » : « توفي مولى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يخلف وارثاً فخاصم فيه ولد العباس أبا عبد الله ( عليه السلام ) وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة ، فجلس لهم فقال داود بن علي : الولاء لنا . وقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : بل الولاء لي . فقال داود بن علي : إن أباك قاتل معاوية . فقال : إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الأوفر ثم فرَّ بخيانته . وقال : والله لأطوقنك غداً طوق الحمامة ، فقال له داود بن علي : كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الأزرق ، فقال : أما إنه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق !

قال فقال هشام : إذا كان غداً جلست لكم ، فلما أن كان من الغد خرج

أبو عبد الله ومعه كتاب في كرباسة ، وجلس لهم هشام ، فوضع أبو عبد الله ( عليه السلام ) الكتاب بين يديه ، فلما أن قرأه قال : أعدوا لي جندل الخزاعي وعكاشة الضمري ، وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية ، فرمى بالكتاب إليهما فقال : تعرفان هذه الخطوط ؟ قالا : نعم ، هذا خط العاص بن أمية ، وهذا خط فلان وفلان لفلان من قريش . وهذا خط حرب بن أمية ، فقال هشام : يا أبا عبد الله أرى خطوط أجدادي عندكم ؟ فقال : نعم ، قال : فقد قضيت بالولاء لك ، قال : فخرج وهو يقول :

إن عادت العقرب عدنا لها * وكانت النعل لها حاضرهْ

قال فقلت : ما هذا الكتاب جعلت فداك ؟ قال : فإن نتيلة كانت أمةً لأم الزبير وأبي طالب وعبد الله ، فأخذها عبد المطلب فأولدها فلاناً ، فقال له الزبير : هذه الجارية ورثناها من أمنا ، وابنك هذا عبد لنا ، فتحمل عليه ببطون قريش ، قال فقال : قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس ، ولايضرب معنا بسهم . فكتب عليه كتاباً وأشهد عليه ، فهو هذا الكتاب » .

أقول : معنى ذلك أن العباس وأولاده مضافاً إلى أنهم من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ، فهم عبيد لأبناء عبد المطلب : الزبير ، وأبي طالب ، وعبد الله ، الذين كانت أم العباس أمةً لأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم « دلائل النبوة / 99 » وقد أحلوها لأبيهم فتزوجها ، فَوُلْدُها تبعاً لها ملكٌ لهم ، لأنهم أحلوها لأبيهم ولم يبيعوها .

ونلاحظ أن المؤرخين « تاريخ دمشق 26 / 276 » قالوا إن أم العباس نتيلة بنت جناب ، ثم قالوا : وقيل أو يقال : ابنة مالك بن خباب بن كليب ، من بني النمر بن قاسط . وزعموا أن ابنها ضاع فنذرت أن تكسوا الكعبة حريراً . لكن هذه القصة لأم ضرار بن عبد المطلب ، سرقوها وجعلوها لأم العباس !

وقد رواها ابن حبيب في المنمق / 36 ، والبلاذري في أنساب الأشراف : 1 / 90 ، قالا : « كان ضرار بن عبد المطلب من فتيان قريش ، جمالاً ، وعقلاً ، وهيبة ، وسخاء ، وإن أمه نتيلة أضلته فكاد عقلها يذهب جزعاً عليه ، وكانت كثيرة المال ، فجعلت تنشد في المواسم وتقول :

أضللت أبيض كالخصاف * للفتية الغرِّ بني مناف

ثم لعمري منتهى الأضياف * سنَّ لفهر سُنَّةَ الإيلاف

في القرِّ حين القر والأصياف

فجعلت لمن جاء به هنيدة ، ونذرت أن تكسو البيت إن رده الله عليها . فمر بها حسان بن ثابت حاجاً في نفر من قومه ، فرأى جزعها عليه فقال :

وأمّ ضرار تنشد الناس والهاً * فيالبني النجَّار ما ذا أضلَّتِ

ولو أن ما تلقى نتيلة غدوة * بأركان رضوى مثله ما استقلَّتِ

فأتاها به رجل من جذام فوفت له بجعلها وكست البيت ثياباً بيضاً وقالت :

الحمد لله وليِّ الحمدِ * قد ردَّ ذو العرش عليَّ وُلدي

من بعد أن جوَّلتُ في مَعَدِّ * أشكره ثم أفي بعهدي .

فقد أخذوا قصة أم ضرار بن عبد المطلب ونسبوها إلى أم العباس » !




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.