أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-22
146
التاريخ: 2024-08-31
324
التاريخ: 2024-10-19
394
التاريخ: 9-11-2021
2005
|
قال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}:
مستهلّ الآية {لَمْ يَلِدْ}، تنزيه لله تعالى عن أن يلد شيئاً، بأن ينفصل عنه شيء من سنخه، بأيّ معنى أريد من الانفصال، كما يقول به النصارى في المسيح عليه السلام، أنّه ابن الله، وكما يقول به الوثنية في بعض آلهتهم، أنّهم أبناء الله سبحانه تعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً.
وذيل الآية {وَلَمْ يُولَدْ}، تنزيه لله تعالى عن أن يكون متولّداً من شيء آخر ومشتقّاً منه، بأيّ معنى أُرِيدَ من الاشتقاق، كما يقول به الوثنية، ففي آلهتهم مَنْ هو إله، أبو إله، ومن هو إلهة، أم إله، ومن هو إله، ابن إله[1].
قال تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}:
الآية تنزيه لله تعالى عن أن يكون له كفؤ، يعدله في ذاته أو في فعله، وهو الإيجاد والتدبير.
ولم يقل أحد من الملّيّين وغيرهم بالكفؤ الذاتي، بأن يقول بتعدّد واجب الوجود عزّ اسمه، وأمّا الكفؤ في فعله، وهو التدبير، فقد قيل به، كآلهة الوثنيّة من البشر، كفرعون، ونمرود من المدّعين للألوهيّة، وملاك الكفاءة عندهم، استقلال مَنْ يرون ألوهيّته في تدبير ما فُوِّضَ إليه تدبيره، كما أنّه تعالى مستقلّ في تدبير مَنْ يدبّره، فهم الأرباب والآلهة، وهو ربّ الأرباب وإله الآلهة.
ومعنى كفاءة هذا النوع من الآلهة، استقلاله في فعله التدبيريّ واستغناؤه عن كلّ مَنْ سواه، والحال أنّه غير مستقلّ عن الله تعالى، لاحتياجه إليه، بإقرارهم أنّ الله تعالى هو ربّ الأرباب وإله الآلهة: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[2]، {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}[3].
فالآية في مقام نفي الكفاءة بهذا المعنى، الكفاءة الذاتيّة والكفاءة الفعليّة.
وهذه الصفات الثلاث المنفية في هذه الآية والآية السابقة عليها، وإنْ أمكن تفريع نفيها على صفة أحديّته تعالى بوجه، لكنّ الأسبق إلى الذهن تفرّعها على صفة صمديّته. ووجه التفريع:
• أمّا كونه لم يلد، فإنّ الولادة التي هي نوع من التجزّي والتبعّض، بأيّ معنى فُسِّرَت، لا تخلو من تركيب في مَنْ يَلِد، وحاجة المركَّب إلى أجزائه ضروريّة. والله سبحانه صمد ينتهي إليه كلّ محتاج في حاجته ولا حاجة له البتّة.
• وأمّا كونه لم يولد، فإنّ تولُّدَ شيء مِن شيء آخر، لا يتمّ إلا مع حاجة من المتولِّد إلى ما وُلِدَ منه في وجوده. وهو سبحانه صمد لا حاجة له.
• وأمّا أنّه لا كفؤ له، فلأنّ الكفؤ، سواء أفُرِضَ كفواً له في ذاته، أم في فعله، لا تتحقّق كفاءته إلا مع استقلاله واستغنائه عنه تعالى، في ما فيه الكفاءة. والله سبحانه صمد على الإطلاق يحتاج إليه كلّ مَنْ سواه، من كلّ جهة مفروضة.
ويويّد هذا التفريع على صفة الصمديّة، وما تقدّم في معناها ومعنى الصفات الثلاث المنفيّة عنه تعالى، ما ورد في الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، ومنها:
• ما رواه وهب بن وهب القرشي، قال: حدّثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه عليهم السلام: "أنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام، يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن، ولا تُجادلوا فيه، ولا تتكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: مَنْ قال في القرآن بغير علم، فليتبوّء مقعده من النار، وإنّ الله سبحانه قد فسّر الصمد، فقال: ﴿اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾، ثمّ فسّره، فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. {لَمْ يَلِدْ}، لم يخرج منه شيء كثيف، كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شيء لطيف، كالنفس، ولا يتشعّب منه البدوات، كالسِنَة والنوم، والخطرة والهمّ، والحزن والبهجة، والضحك والبكاء، والخوف والرجاء، والرغبة والسأمة، والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، وأن يتولَّد منه شيء كثيف أو لطيف. {وَلَمْ يُولَدْ}، لم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء، كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشمّ من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتميّز من القلب، وكالنار من الحجر، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء، ولا في شيء، ولا على شيء، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشىء الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفواً أحد"[4].
• ما رواه أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته، وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال: أبو إسحاق: فقلت للحارث: أوما حفظتها؟ قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه: "الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنّه كلّ يوم في شأن، مِن إحداث بديع لم يكن، الذي لم يُولَد، فيكون في العزّ مُشارَكاً، ولم يَلِدْ، فيكون موروثاً هالكاً"[5].
• ما رواه مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام يقول: "بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة، إذ قام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! صف لنا ربّك تبارك وتعالى، لنزداد له حبّاً، وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام، ونادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، حتّى غصّ المسجد بأهله، ثمّ قام متغيّر اللون، فقال: الحمد لله الذي لا يفره المنع، ولا يكديه الإعطاء... الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه من معبود كان قبله، ولم تحط به الصفات، فيكون بإدراكها إيّاه بالحدود متناهياً، وما زال - ليس كمثله شيء - عن صفة المخلوقين متعالياً... فليس له مثل، فيكون ما يخلق مشبّهاً به، وما زال عند أهل المعرفة به عن الأشباه والأضداد منزّهاً، كذب العادلون بالله، إذ شبّهوه بمثل أصنافهم... تعالى عن أن يكون له كفو، فيشبّه به، لأنّه اللطيف... فلا شبه له من المخلوقين، وإنّما يشبّه الشيء بعديله، فأمّا ما لا عديل له فكيف يشبّه بغير مثاله... أيها السائل! اعلم مَن شبّه ربّنا الجليل بتباين أعضاء خلقه، وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته، أنّه لم يعقد غيب ضميره على معرفته، ولم يُشاهد قلبه اليقين بأنّه لا ندّ له، وكأنّه لم يسمع بتبرّي التابعين من المتبوعين، وهم يقولون: {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[6]، فمن ساوى ربّنا بشيء، فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيّناته... فقال تنزيهاً لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعاً عن قياس المقدّرين له بالحدود من كَفَرِة العباد: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[7]. ما دلّك القرآن عليه من صفته، فاتبعه، ليوصل بينك وبين معرفته، وأتمّ به، واستضئ بنور هدايته، فإنّها نعمة وحكمة أوتيتهما، فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين"[8].
وبذلك يتبيّن أنّ النفي في الآيتين يتفرّع على صفة الصمديّة، والصمديّة بدورها متفرّعة على توحّده تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، بمعنى أنّه واحد لا يناظره شيء ولا يشبهه، فذاته تعالى بذاته ولذاته، من غير استناد إلى غيره، واحتياج إلى مَنْ سواه، وكذا صفاته وأفعاله، وذوات مَنْ سواه وصفاتهم وأفعالهم بإفاضة منه تعالى، على ما يليق بساحة كبريائه وعظمته. فمحصّل السورة وصفه تعالى بأنّه أحد واحد[9].
[1] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص388-389.
تَدَبُّر: وجه تقديم قوله تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾، على قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾، مع أنّ مقتضى الجري الطبيعيّ أن يُقال أوّلاً: "لم يولد"، ثمّ يُقال: "لم يلد". ونكتة ذلك: الردّ على عقيدة المشركين وأهل الكتاب الذين ادّعوا أنّ لله تعالى ولداً، ولم يدّعِ أحد منهم أنّه عزّ وجلّ متولِّد من شيء: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (سورة التوبة، الآية 30)، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ (سورة المائدة، الآية 18).
[2] سورة الزمر، الآية 3.
[3] سورة الزخرف، الآية 87.
[4] الصدوق، التوحيد، م.س، باب4، ح5، ص90-91.
[5] م.ن، باب2، ح1، ص31.
[6] سورة الشعراء، الآيتان 97 ـ 98.
[7] سورة الزمر، الآية 67.
[8] الصدوق، التوحيد، م.س، باب2، ح13، ص48-56.
[9] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص388-390.
تأويل: ما رواه وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق عليه السلام، يقول: "قَدِمَ وفد من أهل فلسطين على الباقر عليه السلام، فسألوه عن مسائل، فأجابهم، ثمّ سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه, الصمد خمسة أحرف: فالألف, دليل على إنّيّته, وهو قوله عزّ وجلّ: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ (سورة آل عمران: الآية 18), وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس، واللام, دليل على إلهيّته, بأنّه هو الله، والألف واللام, مدغمان لا يظهران على اللسان، ولا يقعان في السمع، ويظهران في الكتابة, دليلان على أنّ إلهيّته بلطفه خافية، لا تُدرَك بالحواس، ولا تقع في لسان واصف، ولا أُذن سامع, لأنّ تفسير الإله هو الذي أَلِهَ الخلق عن دَرْكِ ماهيّته وكيفيّته, بحسّ أو بوهم، لا بل هو مُبدع الأوهام وخالق الحواس، وإنّما يظهر ذلك عند الكتابة, دليل على أنّ الله سبحانه أظهر ربوبيّته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم يرَ روحه, كما أنّ لام الصمد لا تتبيّن، ولا تدخل في حاسّة من الحواس الخمسة، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف، فمتى تفكّر العبد في ماهيّة البارئ وكيفيّته, أًلِهَ فيه، وتحيّر، ولم تحط فكرته بشيء يتصوّر له, لأنّه عزّ وجلّ خالق الصُوَر، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنّه عزّ وجلّ خالقهم ومركّب أرواحهم في أجسادهم. وأمّا الصاد, فدليل على أنّه عزّ وجلّ صادق، وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده إلى اتّباع الصدق بالصدق، ووعد بالصدق دار الصدق. وأمّا الميم, فدليل على ملكه, وأنّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه. وأمّا الدالّ, فدليل على دوام ملكه, وأنّه عزّ وجلّ دائم تعالى عن الكون والزوال، بل هو عزّ وجلّ يكوِّن الكائنات، الذي كان بتكوينه كلّ كائن، ثمّ قالعليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزّ وجلّ حَمَلَةً, لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع, من الصمد، وكيف لي بذلك، ولم يجد جدّي أمير المؤمنينعليه السلام حَمَلَة لعلمه, حتّى كان يتنفّس الصعداء، ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني, فإنّ بين الجوانح منّي علماً جمّاً، هاه هاه، ألا لا أجد مَنْ يحمله، ألا وإنّي عليكم من الله الحجّة البالغة, فـ ﴿لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ (سورة الممتحنة، الآية 13). ثمّ قال الباقر عليه السلام: الحمد لله الذي منّ علينا ووفقنا لعبادته, الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وجنّبنا عبادة الأوثان, حمداً سرمداً، وشكراً واصباً" (الصدوق، التوحيد، م.س، باب4، ح6، ص92-93).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|