الحقّ يتجلّى في الموجودات
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص62-64
2025-12-18
43
ما أروع وأسمى ما توضّحه الآيتان 53 و54 من السورة 41:
فصّلت؛ يقول جلّ من قائل: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ ولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}.
ولمّا كان الضمير في «أَنهُ» عائداً إلى الله في الظاهر؛ و«شَهِيدٌ» إمّا بمعنى شاهد؛ وهو اسم فاعل؛ أو بمعنى مشهود، وهو اسم مفعول؛ فالآية- على كلّ التقديرين- تنبئنا أنّ الله مشهود في كلّ شيء؛ أو أنه شاهد وحاضر في كلّ شيء؛ فالأشياء- إذَن- مظهر لوجود الله؛ وينبغي أن نرى الله فيها، لأنها لا وجود لها إلّا بالحقّ؛ وأصالتها واستقلالها وجود الحقّ سبحانه وتعالى.
بَيدَ أنّ هذا الموضوع خافٍ على العامّة، فهم ينظرون إلى الأشياء نظراً استقلالياً، ولهذا فهم لا يرون الله؛ ومن هذا المنطق فهم في خيبة ومرية من لقاء ربّهم؛ وما أوهى هذا الشكّ، وأبين خطبه وخطأه! وربّهم بكلّ شيء محيط؛ وكلّ شيء يوجد به أوّلًا، ثمّ يتّخذ له وجوداً وانتماءً.
وحاصل الكلام أنه ليس هناك موجود مؤثّر في عوالم الوجود كلّها إلّا الله تبارك وتعالى. ولو كان هناك موجود مؤثّر فبحوله وقوّته وليس هناك إلّا ظهور الله تعالى وتجليّة؛ إذَن، كلّ ما هو قائم يستند على الحقّ سبحانه وتعالى.
ومن هنا يستبين لنا بجلاء أنّ الوَلايَة هي مع الموجودات جميعها، صغيرها وكبيرها؛ ذرّتها ومجرّتها؛ وهي مع كلّ شيء، من الهيولي الأوّليّة حتى الحجاب الأقرب والأعلى درجة من الموجودات القدسيّة المجرّدة.
لأنه ما لم تكن هناك ولاية، فلا وجود لايّ موجود، ولا يعقل أن يتقمّص موجود رداء الوجود.
ذلك لأننا قلنا أنّ الوَلاية هي عبارة عن حصول شيئين حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما.
وحيث ما يوجد كلّ موجود، فلا بدّ أن لا تكون بينه وبين الحقّ أيّ فجوة وثغرة، سواء في وجوده أو في علمه وقدرته وحياته، وذلك لكي يكون موجوداً، وإلّا فإنّ إيجاده محال.
ونحن نجد وندرك بالوجدان موجودات كثيرة بأشكال وسجايا متنوّعة، في الآفاق وفي الأنفس؛ وهذه كلّها خلقت مع الولاية؛ أي:
لا فجوة ولا حجاب بينها وبين ذات الحقّ المقدّسة إلّا وجودها وكيانها وتعيّنها. ولو صادف أحياناً وجود شيء بينها وبين الحقّ غير تعيّنها وماهيّتها، لاستحال الخلق في هذه الحالة، ولفصمت عرى الارتباط بين الله والموجودات.
أنّ الموجودات كلّها مع الله؛ ومرتبطة به، بل أنّ وجودها هو عين ارتباطها؛ وهذا هو معنى الوَلاية. إذَن، وجود كلّ موجود ملازم للولاية؛ والولاية لله الحقّ، وولايته مع كلّ موجود. ومن هنا نفهم حسناً قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ}[1]، وقوله تعالى: على كلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وبِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ.
وندرك جيّداً أيضاً كيف يكون الوليّ أحد أسماء الله، لأنّ ما يلزمه هذا الاسم هو وجود ولايته مع الموجودات جميعها، كالعليم، والقدير، والسميع، والبصير، ونفهم جيّداً أيضاً ما هو المعنى الذي تحمله الآيات الكريمة التي تنسب الولاية إلى الله. قال تعالى: {قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ والْأَرْضِ}[2] أي: أنّ ما يلزمه ويفرضه الخلق هو الولاية. إذَن، كيف يمكن أن نتّخذ وليّاً غير الله في عالم التكوين، أو في عالم التشريع؟
[1] الآية 5، من السورة 57: الحديد.
[2] الآية 14، من السورة 6: الأنعام.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة