أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-22
320
التاريخ: 2024-05-09
822
التاريخ: 3-10-2016
1560
التاريخ: 2024-02-11
1062
|
لقد شنَّ كل من «سيتي الأول» وابنه «رعمسيس الثاني» حروبًا طاحنة واسعة النطاق لها شهرة عظيمة في تاريخ الحروب العالمية، وكان الغرض منها إعادة الإمبراطورية المصرية في آسيا شمالًا، وفي بلاد السودان جنوبًا، وتمكين حدودها التي كانت عليها في عهد أباطرة الأسرة الثامنة عشرة الأماجد، غير أنهما لم يتمكنا من الوصول إلى هذا الغرض كاملًا غير منقوص، ولكن من جهة أخرى قد أفلح «رعمسيس الثاني» في إعادة ما كان لمصر من سؤدد ثقافي كرَّة أخرى؛ إذ إن الثقافة المصرية قد انتشرت وازدهرت بصورة بارزة حتى وصلت إلى أعلى درجة من السمو والرفعة في عهده، فحاولت أن تفوق ثقافة عهد «أمنحتب الثالث»، وكان من مظاهرها أن أصبحت الحكومة من جديد ثابتة الأركان، كما مكنت النظم العالمية التي كان يرغب الآلهة في نشرها في البلاد، ويعبر عنها بكلمة «ماعت» التي تدل على الحق والعدل والصدق، وهو النظام الذي وضعه والده «رع» عند بدء الخليقة، وسار عليه من أتى بعده من الملوك الذين ينسبون إليه (أولاد رع)، وبذلك أصبح من السهل تثمير موارد الدولة وأرزاقها إلى أقصى حد ممكن لتعظيم شأن الآلهة وأبنائهم الملوك الذين كان يربطهم بهم رباطًا لا انفصام له، وهو صلة الأبناء بالآباء، وقد كان جل همِّ «رعمسيس الثاني» أن يشيد لنفسه مجدًا مؤثلًا يفخر به بين أبناء إمبراطوريته مدة حياته، ويتحدث به أخلافه في الأزمان التالية.
والواقع أنه قد أُنشئت في عصر «رعمسيس الثاني» عمائر على نطاق ضخم لم يشهد العالم ما يماثله في اتساع رقعته وعظمته في كل أرجاء الوادي، فنعلم أنه في عهد «حور محب» قد بُدئ بوضع أساس قاعة العمد العظيمة القائمة للآن بمعبد الكرنك، واستمر في تنفيذ بنائها «رعمسيس الأول»، وفي عهد «سيتي الأول» بُنيت عمائر دينية في «منف»، و«هليوبوليس»، وغيرها من أمهات المدن في جهات القطر مثل معبد «أوزير» بالعرابة المدفونة، وكذلك شرع في إقامة معبده الجنازي في طيبة (معبد القرنة)، كما نحت قبره الضخم الذي يمتاز بفخامته، ودقة نقوشه في هذه الجهة أيضًا، فلما تولى بعده ابنه «رعمسيس الثاني» قام بإتمام كل هذه المباني التي بدأها والده، ثم شيد العمائر لنفسه ولآلهته في كل بلدة عظيمة في أنحاء الوادي على وجه التقريب من أول الدلتا شمالًا حتى الشلال الثاني جنوبًا، فنراه يقيم المعابد الجديدة من جهة، ويصلح المعابد التي كانت قد هُدمت مع الزيادة في رقعتها، ونقش اسمه عليه. وقد أسهبنا القول عن كل مبانيه في الدلتا، وبلاد النوبة في مكانه.
ويدل ما بقي لدينا حتى الآن من الآثار التي أقامها في «منف» و«هليوبوليس» — وهي التي لم يبقَ منها إلا دمن ضئيلة، على أنها كانت غاية في الفخامة والضخامة؛ أما مبانيه في «العرابة المدفونة» فلا يزال بعضها باقيًا؛ فقد أقام بجوار المعبد الفخم الذي رفع بنيانه والده وأتمه هو من بعده؛ معبدًا صغيرًا لإقامة الشعائر الجنازية الخاصة به في بلدة «أوزير» المقدسة؛ ومع صغره فإنه من آيات الفن والإبداع. وفي معبد الأقصر الذي أقامه «أمنحتب الثالث»، وأصلحه من بعده «توت عنخ آمون»، و«حور محب»، بني «رعمسيس الثاني» ردهة عظيمة، أقام أمامها بوابة هائلة لا تزال باقية حتى الآن، وقد اضطر لتنفيذ مشروعه في هذه الجهة إلى اغتصاب مقصورة صغيرة كان قد أقامها «تحتمس الثالث» العظيم.
وفي الكرنك أتم بعض مباني قاعة العمد العظيمة، كما أنهى كل نقوشها وزينتها، أما المشروع الضخم الذي بدأه على حسب أحدث البحوث «حور محب»، وهو إقامة معبد كامل من كل الوجوه للإله «آمون»، فلم يتم إنجاز الجزء الأمامي منه الذي كان يعد تتميمًا للبناء إلا في العصور التي أعقبت عصر «رعمسيس» بزمن طويل؛ أي في عهد الأسرة الثانية والعشرين، وذلك عندما أقام ملوك هذه الأسرة ردهة أمامية أمام قاعة العمد، وبوابة هذه الردهة بُدئ العمل فيها في عهد البطالمة، وقد اكتفى بذلك على ما يظهر، وأقيم أمام هذه البوابة الأخيرة طريق كباش تمثل الإله «آمون رع» في صورة «بولهول» وأيضًا برأس كبش، وتصل هذه الطريق إلى النيل القريب من المعبد.
وقد أقام «رعمسيس الثاني» غير معابد الآلهة السالفة الذكر معبدًا آخر لنفسه في «طيبة» الغربية، وهو معبده الجنازي المعروف الآن باسم «الرمسيوم»، وهو الذي تحدثنا عنه فيما سبق. والواقع أنه لم يبقَ من مبانيه إلا الشيء اليسير الذي يحدثنا عن ضخامته وعظمته الغابرة، وقد ترك لنا «هكاتا أبديرا Hekataeos Abdera «وصفًا مدهشًا لهذا المعبد نقله عنه «ديدور» المؤرخ (1).
ولا بد من التنويه هنا بأن هذه المعابد كلها كانت تقام على طراز واحد كما فصلنا القول في ذلك في الجزء الخامس عند التحدث عن معبد «أمنحتب الثالث «(2). وكذلك كان فن العمائر قد بقي طرازه على ما كان عليه في عهد الأسرة الثامنة عشرة، اللهم إلا أشكال العمد التي كانت تقام على صورة حزم سيقان البردي الظاهرة سيقانها متجاورة في الحزمة، مما كان يبينه المفتن في هيئة خطوط تدل على سيقان حزمة البردي، فقد حل مكان هذا الطراز من العمد؛ عمد سيقانها مستديرة الشكل ليس فيها أي تفصيل، وكان يحمل على قمتها السقف، والفكرة القديمة التي تفسر وجود هذه العمد على هذه الصورة القائلة بأنا تمثل نباتًا ينبت من الأرض، وينتهي بزهر أو تكون في هيئة حزم يراع يرتكز عليها السقف المصور في صورة سماء كانت لا تزال باقية، غير أن السقف في الواقع لم يكن يعتمد مباشرة على رأس العمد النباتية، كما في الصورة السالفة الذكر، بل كان يعتمد على كتل من الحجر مستطيلة ملصقة بالسقف مباشرة، ويلاحظ في قاعة العمد العظيمة في الكرنك أن تأثير منظر هذه العمد في مجموع البناء كان نابيًا لعدم تناسب تاج العمود مع ضخامة محيطه، ولكن رصَّ العمد متجاورة بكثافة بالغة — وقد وضعت عن قصد لتعوق المتفرِّج فيها عن إحاطته بنظرة عامة لكل أرجاء القاعة كما يقول البعض — جعلتها تبدو ثقيلة على النفس لا تُشعر بشيء من الأناقة والرونق. وقد كانت كل هذه العوامل عقبة في بلوغ المنزلة الفنية التي عليها معبد الأقصر من حسن الانسجام، وتناسب الأجزاء والروعة التي تستهوي النفس، وعلى الرغم من كل ذلك نلحظ أن هذه العمد في ذاتها قد أصبحت كاملة البهجة بالكتابات والنقوش، التي زينتها مما رفع من شأنها وأضفى على شكلها الأصلي صورة خلابة في ذاتها، ولفهم هذا الارتباك، وتلك البلبلة في نظام المعبد، وازدحامه بالعمد من غير داعٍ فني — يجب أن نفهم الفكرة الدينية في بناء المعبد وتكوينه، وسنشرح ذلك ببعض الاختصار.
............................................
1- راجع: Diodor. I, 47–49.
2- راجع مصر القديمة الجزء الخامس.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|