أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-12-2015
7106
التاريخ: 2024-09-14
280
التاريخ: 27-11-2015
1710
التاريخ: 2024-08-29
415
|
الربوبيّة[1]
1- معنى الربوبيّة:
الرَّبُّ في الأصل: التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام... ولا يُقال الرّبّ مطلقاً، إلا لله تعالى، المتكفّل بمصلحة الموجودات، نحو قوله تعالى: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾[2]. وعلى هذا قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا﴾[3]، أي: آلهة، وتزعمون أنّهم الباري مسبِّب الأسباب، والمتولِّي لمصالح العباد. وبالإضافة يُقال له تعالى ولغيره، نحو قوله تعالى: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[4]، و ﴿وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾[5]، ويقال: رَبُّ الدّار، ورَبُّ الفرس لصاحبهما، وعلى ذلك قول الله تعالى: ﴿اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾[6]، وقوله تعالى: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾[7]... والرّبوبيّة مصدر، يُقال في الله عزّ وجلّ.
2- حقيقة الربوبيّة:
الربّ هو المالك الذي يُدبّر أمر مملوكه، ففيه معنى المُلْك، ومعنى المُلْك (الذي عندنا في ظرف الاجتماع)، هو نوع خاصّ من الاختصاص، وهو نوع قيام شيء بشيء، يُوجِب صحّة التصرّفات فيه، فقولنا العين الفلانية مُلكنا، معناه: إنّ لها نوعاً من القيام والاختصاص بنا، يصحّ معه تصرُّفاتنا فيها، ولولا ذلك لم تصحّ تلك التصرُّفات، فالمَلِك هو الذي يملك النظام القومي والتدبير دون العين، وبعبارة أخرى يملك الأمر والحكم. وهذا في الاجتماع الإنسانيّ معنى وضعي اعتباري غير حقيقيّ، وهو مأخوذ من معنى آخر حقيقيّ، نُسمّيه أيضاً مِلْكَاً، وهو نحو قيام أجزاء وجودنا وقوانا بنا، فإنّ لنا بصراً وسمعاً ويداً ورجلاً، ومعنى هذا المِلْك أنّها في وجودها قائمة بوجودنا، غير مستقلّة دوننا، بل مستقلّة باستقلالنا، ولنا أن نتصرّف فيها كيف شئنا، وهذا هو المِلْك الحقيقي.
والذي يُمكن انتسابه إليه تعالى بحسب الحقيقة، هو حقيقة المِلْك والمُلْك، دون المُلْك والمِلْك الاعتباريّين اللذين يبطلان ببطلان الاعتبار والوضع، ومن المعلوم أنّ المُلْك لا ينفكّ عن المِلْك الحقيقيّ، فإنّ الشيء إذا افتقر في وجوده إلى شيء، بحيث لم يستقلّ عنه في وجوده، لم يستقل عنه -أيضاً- في آثار وجوده، فهو تعالى ربّ لما سواه، لأنّ الربّ هو المالك المدبّر. فمعنى المُلك متضمَّن في معنى المِلْك، وهو تعالى مالك المُلك.
3- مراتب الربوبيّة:
أ- الربوبية التكوينيّة: والمقصود بالتوحيد في الربوبية التكوينيّة، هو الإيمان بحقيقة أنّ تكوين العالم وتدبيره وإدارته بيد الله تعالى، بحيث لا يخرج عن ربوبيّته أيّ شيء، من حركة النجوم والكواكب، إلى حركة الرياح ونمو النباتات... لأنّها كلّها خاضعة لربّ العالمين وتحت تدبيره وإشرافه. والتوحيد في الربوبية التكوينية، من أدقّ المراحل وأصعبها في العقيدة التوحيدية، ويعدّ من المراحل المتكاملة للتوحيد.
وإنّ التدبّر والتفكّر في آيات القرآن يكشف عن حقيقة مفادها: أنّ المشكلة الاعتقادية للكثير من الكفّار والمشركين في أمم الأنبياء والرسل عليهم السلام، كإبراهيم عليه السلام، والرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم كانت تكمن في هذه المرحلة من التوحيد. مع أنّهم كانوا يؤمنون بتوحيد الذات وتوحيد الخالقية: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[8]. وعند سؤالهم عمَّن خلق السماوات والأرض، فإنّ جوابهم اعتراف بالتوحيد في الخالقية. فالذي يُميّز المشركين عن صفّ الموحّدين، يكمن في مرحلة التوحيد الربوبي، وهذا ما نراه من اعتماد نبي الله إبراهيمعليه السلام على الربوبية التكوينية للحقّ تعالى في احتجاجه على مشركي عصره: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾[9].
ب- الربوبية التشريعيّة: إنّ الإيمان بالتوحيد في الربوبية التشريعية، مرحلة متعالية للتوحيد، فلا يصل التوحيد إلى نصابه اللازم من دونها. وهذا القسم من الربوبية مرتبط بالأفعال الاختيارية والإرادة الحرّة للإنسان. وتمايز الإنسان عن باقي الموجودات يكمن في الإرادة الحرّة التي أعطاها الله للبشر. فالإنسان ينتخب ويسعى لرشده وكماله بالإرادة والاختيار الحرّ الذي يمتلكه. ولا يمكن أن يتحقّق هذا الكمال تحت الضغط والاختيار الإجباري، لأنّه بناءً على هذا الفرض، فإنّ الربيوبيّة الإلهيّة، بالنسبة إلى الأفعال والسلوك الإرادي والحر للإنسان - الذي تمتّع بالنعمة الإلهية بالإرادة الحرّة، وحقّ الاختيار في مجال الفكر والإيمان الداخلي، وفي مجال السلوك، والعمل الخارجي، ووهِبَ الأدوات والأسباب اللازمة لإعمال هذه الإرادة الحرّة - تقتضي أن لا يترك الإنسان وشأنه، بل إنّ الله تعالى قد أرشده إلى طريق السعادة المستقيم، وأظهر له سبيل السعادة والشقاء، والحسن والقبح، وهداه إلى برنامج الحياة الفردي والاجتماعي للوصول إلى الكمال والرشد، وليهتدي إلى الصراط المستقيم بإرادته ويؤمن به: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[10]. وعلى أساس التوحيد في الربوبية التشريعية، يجب على الإنسان فقط أن يطيع الله ومن أمره تعالى بإطاعته، وأن يلتزم بقوانينه وأوامره حصراً، ويؤمن بأنّ حقّ وضع الأوامر والتشريعات له تعالى فقط. فالإيمان بالربوبية التشريعية الإلهيّة من المراحل الصعبة للفكر التوحيدي، حيث يواجه الإنسان امتحاناً وبلاء شديداً في سبيل قبولها، لأنّه يجب عليه، بإرادته الحرّة، أن يؤمن بالأوامر الإلهية ويتّبعها، وأن لا ينصاع لأمانيه وميوله النفسية، ويقطع الصراط المستقيم الإلهي، فهذا أمر عظيم ومهمّ في مسير الرشد والسعادة الإنسانية. والشاهد على هذه الحقيقة، التأمّل في انحراف إبليس، على طبق تعاليم القرآن، فالقرآن الكريم يعدّ إبليس من الكفّار وفي عداد غير الموحِّدين: ﴿وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ﴾[11]. فما هو منشأ كفر إبليس وبداية انحرافه عن التوحيد؟ فعلى أساس المدارك والمعارف الدينية، كان لإبليس إيمان بالذات الإلهية، ولم يكن يُنكر ذلك، وعبَدَ الله تعالى ستّة آلاف عام. وعلى طبق الروايات لا يعرف هل كانت من السنوات الدنيوية أم الأخروية، حيث كلّ يوم منها كألف سنة من سني الدنيا. فإبليس يؤمن بالمبدأ والمعاد، ولذا طلب من الله تعالى الإمهال ليوم القيامة: ﴿قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[12]. ولم يكن نقص إبليس في أيّ من التوحيد الذاتي والصفاتي، أو التوحيد في الخالقية والربوبية التكوينية. وما يعدّ نقصاً لإبليس حتى أخرجه من زمرة الموحِّدين هو عدم إيمانه بالربوبيّة التشريعية. فهو لم يكن مطيعاً للأمر الإلهي، لأنّ الحكم والقانون الإلهي لم يكن موافقاً لميوله النفسية ومشتهياته الباطنية، وبذلك وقع في الكفر. وهذه حقيقة قرآنية مبيّنة للطريق الحسّاس وذي التعرّجات للتوحيد الربوبيّ التشريعيّ، الذي يُعدّ حدّ النصاب للتوحيد.
[1] انظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص336-337, الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص21-22, السبحاني، جعفر: محاضرات في الإلهيّات، ط1، بيروت، الدار الإسلاميّة، 1409هـ.ق/ 1989م، ص403-415.
[2] سورة سبأ، الآية 15.
[3] سورة آل عمران، الآية 80.
[4] سورة الفاتحة، الآية 2.
[5] سورة الصافات، الآية 126.
[6] سورة يوسف، الآية 42.
[7] سورة يوسف، الآية 50.
[8] سورة العنكبوت، الآية 61.
[9] سورة الأنعام، الآية 76.
[10] سورة البقرة، الآية 256.
[11] سورة ص، الآية 74.
[12] سورة الأعراف، الآية 14.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|