أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-26
441
التاريخ: 25-10-2020
2730
التاريخ: 9-2-2021
4639
التاريخ: 21-9-2016
2281
|
شروط العبودية
إنّ الأنبياء والأوصياء جاؤوا ليعلّموا الناس أدب الحضور في محضر الله تعالى، ولينذروهم بعاقبة ترك طاعته وعبوديته: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾[1]، فهذا المحضر لا يدخله من كان ملوّثاً بالذنوب والمعاصي: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[2]، لقد جاؤوا ليعلموا الناس العبودية لله عزّ وجلّ.
وإنّ لهذه العبودية ثلاثة شروط أساسية هي:
1- الالتزام التامّ بأوامر الله ونواهيه: فالعبد الحقيقي هو المطيع لسيده في كلّ ما يأمر به أو ينهى عنه، إلى الحدّ الذي تصبح فيه شريعة المولى هي الآمر الناهي في كلّ مملكة وجود هذا العبد. فإذا أراد الإنسان أن يكون عبداً شكوراً لله عليه أن يلتزم بكل ما يأمر به مولاه، فلا يقّدم ولا يؤخّر شيئاً إلَّا طبق إرادة الله.
2- التسليم التام لإرادة الله: فلا يكفي مجرد الالتزام والعمل، بل ينبغي لسالك طريق العبودية أن يسلّم أمره بالكامل إلى سيّده ومولاه، بمعنى ترك الاعتراض على الله مطلقاً، قال الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾[3]، فالمؤمن الحقيقي لا يجد في نفسه حرجاً من أدائه لحكم الله بل يسلّم أمره إليه ويرضى بحكمه، ولا يتذمر أو يتأفف على الإطلاق، لأنَّه على يقينٍ بأن الله تعالى ما شرّع من حكمٍ إلَّا لمصلحته وصلاحه في الدنيا والآخرة.
3- الإخلاص: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[4]، تبيّن الآية الكريمة بشكلٍ واضحٍ شرطين أساسيين للقاء الحقّ تعالى: الأوَّل العمل الصالح وهو الذي يظهر من خلال اتّباع الشريعة والعمل بأحكامها، والشرط الثاني هو عدم الشرك بالله تعالى أي الإخلاص، لأنّ الشرك يضادّه الإخلاص، فمن لم يكن مخلصاً فهو مشرك، فالله عزّ وجل أمر النّاس بالعبادة ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾[5]، ولكنّه لم يأمر بأيّ عبادة بل أمر بالعبادة الخالصة له التي لا يشاركه فيها أحدٌ سواه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[6]، وقوله تعالى: ﴿وفَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾[7]، وفي آية أخرى يوجّه القرآن خطابه إلى جميع المسلمين ويأمرهم قائلاً: ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾[8]، وفي مكانٍ آخر يخاطب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: ﴿إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾[9].
طريق العبودية
إنّ الطريق إلى العبودية يُسلك بتمرين النفس وترويضها بالعبادة والطاعة. فعلى أثر دوام الطاعة، يصبح الانقياد العملي ملكةً راسخة في النفس، ومن خلال المواظبة على الصالحات يصبح الباطن صالحاً، ومن خلال التصبّر والاصطِبَار نصل إلى خُلق الصبر، وهذا أحد أهداف تكرار العبادات في الإسلام، إنّ مفهوم العبودية وجميع لوازمها من التسليم والانقياد والطاعة وترك الأنا والفناء والذوبان والانتظار وغيرها هي من المفاهيم الوجدانية التي يدركها من تصوّرها وعرفها. فإنّ الخضوع والالتزام وترك الاعتراض مطلقاً من معاني العبودية، والعبد الحقيقي هو الذي لا يملك شيئاً أمام سيده ومولاه، لأنّ سيده هو الذي يملكه ويملك جميع شؤونه، ولا يعترض عليه فيما يفعله به، ويلتزم بكل ما يأمره.
إنّ العبودية مقامٌ للنفس وحالة للباطن والقلب، وهي تتجلّى في أعمال الإنسان وظاهره. والعبد هو الذي يلاحظ إرادة سيده، فيتبعها دون حرجٍ في نفسه، ويجعل إرادته تابعة لها مطلقاً. ولكي يتحقّق السالك بهذا المقام عليه أن يمارس هذه التبعيّة في باطنه وظاهره حتّى تصبح ملكةً راسخة لنفسه، فيكون عبداً لله تعالى بالحقيقة، فإذا أراد سلوك طريق العبودية عليه أن يسقط من نواياه ودوافعه ومن غايات أعماله وعباداته كل ما عدا الله. فلا يصدر عنه عملٌ أو فعل أو تفكّر إلَّا لله وحده، وهذا هو الإخلاص، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾[10].
الشريعة الإلهية هي الطريق الأوحد
خلق الإنسان ليصل إلى السعادة والكمال الذي لا حدّ له، إلى لقاء الله عزّ وجلّ ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾[11]، والطريق الوحيد الذي يضمن للإنسان هذا الهدف السامي والشريف هو الطاعة والعبودية التامّة لله تعالى، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في عهده إلى مالك الأشتر: "هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه...أمره بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلَّا باتباعها، ولا يشقى إلَّا مع جحودها وإضاعتها.."[12].
فإذا كان ما عند الله لا يدرك إلَّا بطاعته، وكانت الطاعة فاضلةً على ما سواها، وكان القرب منه تعالى متوقّفاً على ما فرضه علينا من الطاعة والتسليم له كما جاء في الحديث القدسي: "ما تقرب إليّ عبد بمثل ما يتقرب إليّ بالفرائض"[13]، فإنّ السؤال الجوهري والأساسي الذي ينبغي لنا الإجابة عنه هو كيف نطيع الله وبماذا؟
لقد أرسل الله تعالى إلى الناس شريعةً كاملة وشاملة تحتوي على كلّ احتياجاتهم ومتطلّباتهم، وهي تتضمّن أوامر الله تعالى ونواهيه في كل شأنٍ من شؤون هذه الحياة، ما ظهر منها وما بطن. وإنّ المبدأ الأساس الذي قامت عليه هذه الشريعة هو مصلحة الإنسان وسعادته. فكل ما جاء فيها إنَّما كان لمصلحة الإنسان وسعادته. وهي الدستور والقانون الذي ينبغي أن يطاع الله به. فإذا أراد الإنسان أن يكون عبداً صالحاً سالكاً نحو الله ورضوانه، ما عليه إلَّا أن يجتهد في اتّباع هذه الشريعة بكل تفاصيلها بعد التعرّف إليها وتعلّم أحكامها، حلالها وحرامها، فيسعى بجدٍّ ونشاطٍ لتطبيق هذه الأحكام حتّى تسري في كلّ تفاصيل حياته، فتصبح أحكام الله تعالى هي الحاكمة في مملكة وجود الإنسان لا الأهواء النفسية الباطلة.
فطريق الجنّة هو طريق الطاعة والتقوى لله، وهذه الطاعة إنّما تتجلّى من خلال الالتزام بشريعة الله: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾[14]، أما لو استكبر الإنسان وعصى فترك عبادة الله، فإنّ جهنم هي المثوى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[15].
فالعبد الحقيقي هو الذي يرجع إلى الشريعة قبل اتّخاذ أي موقف، علماً منه بأنَّها تمثّل إرادة الله، ومن لا يسلك طريق العبودية، فإنّه يسرع إلى اتّخاذ الموقف والقيام بالعمل من نفسه، وهذا هو السبب الأساسي في هلاك الإنسان، أي رجوعه إلى نفسه بدل الرجوع إلى ربه لمعرفة الحلال والحرام منه وما فيه مصلحته وخيره.
والشريعة الإلهية تنقسم إلى خمسة أحكام أساسية هي:
- الحرام: وهو الذي يعاقب الإنسان على فعله.
- الواجب: هو الذي يعاقب الإنسان على تركه.
- المكروه: وهو الذي يثاب الإنسان على تركه ولا يعاقب على فعله.
- المستحبّ: وهو الذي يثاب الإنسان على فعله ولا يعاقب على تركه.
- المباح: وهو الحكم الذي يفسح فيه الشارع المجال للمكلف ليختار الموقف الذي يريده.
فالعبد الحقيقي لا يبيح لنفسه شيئاً إلَّا بعد عرضه على الأحكام الشرعية الأربعة، فإنّ لم يجده محرّماً أو واجباً أو مستحباً أو مكروهاً يحكم بأنّه مباحٌ ويتصرّف وفقه، لأنّ الله تعالى قد فوّض إليه في هذه الحالة التصرّف في هذا الشيء، وفي الواقع المتصرّف هنا أيضاً هو إرادة الله التشريعية، وليس إرادة العبد واختياره، لأنّ الله تعالى هو الذي أباح له هذا الأمر، وعليه لكي يصبح الإنسان من السالكين لدرب الحق عليه:
أولاً: التعرّف إلى شريعة الله من خلال تعلّم الأحكام الشرعية.
ثانياً: العمل على تطبيق هذه الأحكام في حياته.
[1] سورة نوح، الآيتان: 2 - 3.
[2] سورة الأنبياء، الآيتان: 25.
[3] سورة النساء، الآية: 65.
[4] سورة الكهف، الآية: 110.
[5] سورة الإسراء، الآية: 23.
[6] سورة البيّنة، الآية: 5.
[7] سورة الزمر، الآية: 2.
[8] سورة الأعراف، الآية: 29.
[9] سورة الزمر، الآية: 11.
[10] سورة الأحزاب، الآية: 36.
[11] سورة الانشقاق، الآية: 6.
[12] نهج البلاغة، ج 3، ص 83.
[13] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج3، ص58.
[14] سورة مريم، الآية: 63.
[15] سورة غافر، الآية: 60.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|