أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-5-2019
![]()
التاريخ: 25-3-2016
![]()
التاريخ: 7-5-2019
![]()
التاريخ: 2024-08-17
![]() |
بمناسبة أيام عاشوراء يوجد أمران مهمان ، أرجو أن تتأملوا فيهما بعمق :
للعلامة الحلي أعلى الله مقامه كتابان : التبصرة ، ألفه لعامة الناس ، والتذكرة ألفها للفقهاء . وطبيعي أن لا يكون حديثي إليكم التبصرة وأنتم تحضرون هذا البحث ، وأكثركم والحمد لله من العلماء ، وعدة منكم أساتيذ السطوح العالية وبحوث الخارج .
المطلب الأول : ما هو واجبكم في موسم عاشوراء ؟
عاشوراء لها حكم ربيع القلوب ، فكما أن الأرض في الربيع تستعد لإنبات النبات وتنميته ، فإن قلوب الناس تستعد في موسم عاشوراء لتقبل بذور الحكمة والموعظة الحسنة ، ومن المهم جداً أن نستفيد من ربيع قلوب الناس من أجل تربيتها . . فماذا يجب عمله ؟
لقد عين الله تعالى في كتابه واجبنا بقوله تعالى : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَر مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ . ( سورة التوبة : 122 ) ، فواجبكم أمران : التفقه في الدين ، والإنذار ، وإنه لا يصح ولا يناسب أن نملأ وقت الناس بالقصص ومواد الجرائد ، فواجبنا تجاه أنفسنا التفقه ، وتجاه الناس الإنذار : رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( سورة النساء : 165 ) ، فلابد أن نقتدي في دعوة الناس إلى الله تعالى بالأنبياء عليهم السلام ، يعني أن تتعلموا مخاطبة الناس من طريقة مخاطبه الله تعالى لهم .
للقرآن في تربية البشر طريقتان : إحداهما التخويف من المسؤولية والمستقبل والثانية بعث الرجاء والأمل في نفوسهم .
فلماذا نرى التأثير في الناس قليلاً ، وتطبيقهم للأحكام الشرعية قليلاً ؟
إن السبب يكمن في تبليغنا وخطابنا للناس عندما لا يكون على أساس صحيح ، فنحن لم نستفد كما ينبغي من طريقة الرسل والأنبياء عليهم السلام في تحريك الفطرة التي فطر الله الناس عليها !
إن طريق تربية الناس توجب أولاً أن نتفقه نحن ! أرجو أن تتأملوا أن كلمة ( تفقُّه ) من باب ( التفعل ) الذي يعني قبول الفقه ، وأن تكون شخصية أحدكم بلون الفقه ، لا أقصد اللون الظاهري فقط ، بل أن يرسخ الفقه في الأعماق ، فينعكس لونه على الشخصية . فإن حصلتم على هذه المرحلة ، فقد حصلتم على التفقه . وإذا صار الإنسان متفقهاً ، فمحال أن لا يحدث في سلوكه تحول !
إن فقه الدين حالة إذا رسخ في فكر الإنسان وصار له خلقاً ، فإن نفسه تتغير لا محالة ، وإذا تغيرت نفسه نحو الكمال ، فقد آن الوقت الذي يكون فيه منذراً ، وحينئذ لابد أن يؤثر في الناس ويغيرهم .
المتفقه في دينه عندما يقول للناس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شئ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ . ( سورة الحج : 1 - 2 ) فإنه يحدث انقلاباً في القلوب بإنذاره !
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ، ثم : وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ .
من روايات الإمام الحسن العسكري عن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله أنه قال :
( من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا ، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به ، جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور ، يضئ لجميع أهل العرصات ، وحلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ، ثم ينادي مناد : يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان . فيخرج كل من كان علَّمه في الدنيا خيراً ، أو فَتَحَ عن قلبه من الجهل قفلاً ، أو أوضح له عن شبهة ) . ( الاحتجاج للطبرسي : 1 / 7 )
من كان عالماً بشريعتنا . . هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام . فالشرط هو العلم بالشريعة ، وكلمات الأئمة عليهم السلام تحتاج إلى دقة عالية لفهمها ، فقد استعمل الإمام هنا لفظ ( الشريعة ) وهي ولفظ ( المشرعة ) من جذر واحد ! وعند التأمل فيهما نفهم معنى : من كان عالماً بشريعتنا ، فمثل هذا الشخص يستطيع أن يخرج ضعفاء شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله من ظلمة جهلهم ، إلى نور العلم الذي تعلمه من أهل بيت النبوة عليهم السلام .
معنى هذه الجملة أنكم عندما تجلسون على منبر الخطابة والتبليغ ، فلا تطعموا الناس المساكين ما يلوكه زيد وعمرو ، وما يتجشأه هذا وذاك ! وليكن ما تقدمونه لهم علماً ينبع من عين معين القرآن المبين والعترة الطاهرة ، فبهذا الزلال فقط تحيون قلوب الناس .
من كان عالماً بشريعتنا . . ثم أخرج الناس من جهالتهم إلى نور علمنا ، فما هو جزاؤه ؟ ما جزاء تبليغكم في عاشوراء وغيرها ، إن أتقنتموه ؟
إن إتقانه بثلاثة أمور :
أن تعلموهم خيراً .
وأن تكسروا قفل الجهل عن ضعفاء شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله .
وأن تدفعوا شبهات أهل الريب التي يلقونها في قلوب الشيعة .
ولا بد أن تؤدوا هذه الأمور الثلاثة مستضيئين بنور علمهم عليهم السلام . وعند ذلك يكون جزاؤكم عندما تبعثون للمحشر أن يضع الله تعالى على رأس الواحد منكم تاجاً : من نور ، يضئ لجميع أهل العرصات ! والجزاء أيضاً : حلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ! هذا واجبكم في عاشوراء .
والمطلب الثاني : أن تُفهموا الناس ما هي عاشوراء ؟ ومن هو صاحب عاشوراء ؟ ونقصد بذلك قدر استطاعتنا من الفهم ، وإلا فلا يمكن أن ندعي أننا نفهم عاشوراء وصاحب عاشوراء صلوات الله عليه ، لا أنا ولا أنتم ولا ملايين من أمثال الشيخ الأنصاري ، والطوسي ، والعلامة ، أعلى الله مقامهم .
إنها قضية بلغت من أهميتها وعظمتها أن الإنسان مهما زاد تبحره في المعقول والمنقول ، لم يرجع من الغور فيها إلا بالإكبار والحيرة والذهول !
وأكتفي بعدة كلمات من مصادر الخاصة والعامة المتقنة ، لتعرفوا أن قضية الإمام الحسين عليه السلام فوق الوصف والتقرير ! بل إن ذلك الغلام الأسود الذي استشهد معه ، فوق وصفنا وبياننا ! لأنه بلغ مقاماً أن سيد المرسلين وخاتم النبيين يحضر من عالمه الأعلى بنفسه فيحفر له قبره ويدفنه !
نعم ، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله الشخص الأول في عوالم المخلوقات ، لكنه هو الذي يتولى حفر قبر أصحاب الحسين سلام الله عليه ، ورضوان الله عليهم ! !
إنها عظمة قضية كربلاء ، وعظمة الحسين عليه السلام وأصحابه !
فلنفكر في هذا الأمر ، وفيما يستلزمه !
والأمر الثاني أن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وصلوا إلى مرتبة بحيث أن جبرئيل قال للنبي صلى الله عليه وآله إن الله تعالى بنفسه يقبض أرواحهم !
فما هذا المقام ؟ ! الذي بلغ أن الله يقبض أرواحهم وليس عزرائيل عليه السلام !
والنبي صلى الله عليه وآله يحفر لهم ويدفنهم !
هذا عن أصحاب الحسين ، أما عن مقام الحسين نفسه عليه السلام فإني أورد لكم رواية من مصادر العامة صححها كبارهم ، تدل على أن قضية الحسين أعظم من كل ما ذكرناه ! فقد رواها إمام الحنابلة في مسنده ، والحاكم النيشابوري في مستدركه ، وآخرون من أئمة السنة ، كالخطيب ، وابن كثير ، وابن الأثير ، وابن حجر . وغرضي هنا فقه المطلب وإلا فالأحاديث والآثار كثيرة ، لكن المهم إدراك دقائق المعاني وفقه الحديث .
( قال ابن عباس : رأيت رسول الله في المنام نصف النهار أشعث أغبر ، معه قارورة فيها دم ، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ! قال عمار : فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه ) .
وقال ابن الأثير في تاريخه ( ج 1 ص 582 طبعة إحياء التراث - بيروت ) : ( قال ابن عباس : رأيت النبي الليلة التي قتل فيها الحسين ، وبيده قارورة يجمع فيها دماً فقلت : يا رسول الله ما هذا ؟ فقال : هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى الله تعالى ) ! . انتهى .[1]
أرجو أن تنتبهوا ، فإن أحاديث النبي والأئمة صلى الله عليه وآله فيها دقائق ، فقد وردت عبارة : ( كنت ألتقطه ) في رواياتهم التي صححوها وهي تعبير فيه رمز عجيب ! لأن مادة التقط تستعمل في اللغة لالتقاط الضائع ، وجمع المتفرق المنثور من سلكه ومجمعه ، فماذا يعني دم الحسين وأصحابه ؟ ولماذا يجمع النبي صلى الله عليه وآله دم الحسين عليه السلام ، وكيف يمكن جمعه ؟ ولماذا عبر عن جمعه بالإلتقاط ، ولماذا قام هو بالإلتقاط ؟ والى أين يريد أن يأخذ دمهم الطاهر المسفوك ؟
الجواب عن هذا السؤال الأخير بكلمة عجيبة ، نقلها هذا العالم السني الكبير والمؤرخ ابن الأثير ونقلها غيره أيضاً ، لكن لا أظنهم فقهوا معناها قال :
( قال النبي صلى الله عليه وآله : أرفعها إلى الله تعالى ) ! يعني أن هذه الدماء لا تذهب إلى الجنة ولا إلى اللوح ولا إلى القلم ، فمكانها أرفع من ذلك ! دم الحسين ، ومعه دم العباس قمر بني هاشم ، ودم علي الأكبر ، ودم القاسم بن الحسن ، وبقية الأنصار ، لا بد أن يسلمها النبي صلى الله عليه وآله بيده إلى حيث تصل إلى خالقها عز وجل الذي هو مبدأ الوجود والخلق ! فما معنى ذلك ، وما هو فقهه ؟
خلاصة معناه أن النبي صلى الله عليه وآله يقول لنا : أيها البشر ، إن الشجرة التي غرستها ببعثتي إليكم ، قد أزهرت وأثمرت ، وها أنا أجمع زهورها وثمارها لأسلمها إلى الله تعالى !
هذه هي عاشوراء ، فلا تصغروا قدر هذه الواقعة الكبرى . اتقوا الله تعالى ومحارمه وشعائره ، واحذروا العقاب إن صغرتم شأنها !
إن قضية الحسين وعاشوراء قضية عظيمة ، إلى حد أن أبي بن كعب كان عند النبي صلى الله عليه وآله عندما دخل عليه الحسين ، فرحب به النبي صلى الله عليه وآله وقال له : مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين ! فتعجب أبيٌّ من احترام النبي لهذا الطفل وتكنيته له ، ووصفه له بأنه زين السماوات كلها وزين الأرضين كلها ! فقال للنبي صلى الله عليه وآله : وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرضين أحد غيرك ؟
قال : يا أبيُّ ، والذي بعثني بالحق نبياً ، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل : مصباح هدى وسفينة نجاة . . .[2]
فالمسألة فوق صفته بأنه زين السماوات والأرض ، فقد كتبت على يمين العرش صفته أنه : مصباح هدى وسفينة نجاة ! فلماذا كتب في العرش أن الحسين سفينة نجاة ؟ وما هي فلسفة ذلك ؟ لابد أن نجد سر القضية وأساسها ، ومع أن التاريخ قد عمل على تغطية هذا السر وإخفائه ، لكن مضي العصور يكشف الكثير من مخبآت التاريخ ، فقد وصل أمر انكشاف بني أمية إلى حد أن عالماً شيخ الأزهر مثل محمد عبده ، يعلن رسمياً ويكتب أن دولة بني أمية قامت من أجل محو الإسلام كلياً ! ومعناه أن أمثال محمد عبده فهموا أن أصل خطة بني أمية كانت من أجل هذا ! لكن من المبكر أن يصل أمثال محمد عبده إلى كنه القضية ، فهل يمكنكم أنتم أن تصلوا ؟ !
إن هداية البشرية ، أو صرح هدايتها له علة محدثة وعلة مبقية ، كبناء هذا المسجد له علة محدثة وعلة مبقية . والعلة المحدثة لهداية البشر هي بعثة الأنبياء صلوات الله عليهم ، من نبي الله آدم إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله .
والعلة المبقية إنما هي الولاية الكبرى ، ولاية الأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام . فالحسين عليه السلام علة مبقية ولهذا كان زين السماوات والأرضين ! فالنبوة والإمامة معاً به باقيتان !
نعم ، نفهم ذلك عندما نتأمل في أن جماعة عملوا بمساندة اليهود والنصارى فتركوا جنازة النبي صلى الله عليه وآله مسجاة بيد أهل بيته ، وائتمروا بسرِّية وعجلة وأعلنوا تشكيل حكومة باسم النبي والإسلام ، وعزلوا أهل بيته !
ثم سرعان ما ظهر هدف ترتيباتهم السياسية فأوصلت قيادة الأمة الإسلامية إلى يد عثمان بن عفان الأموي ، ثم إلى معاوية ويزيد ، اللذين عملا بكل قدرتهما لتحقيق فكرة أبي سفيان بضرورة زوال اسم النبي صلى الله عليه وآله عن المآذن !
لقد ظهر أن هدف السقيفة أن يجلس على كرسي النبي صلى الله عليه وآله شخص مثل يزيد الذي شهد أئمتهم أنه كان لا يصلي ، ويشرب الخمر وينكح البنات والأخوات والأمهات ، فيرسل جيشاً إلى المدينة بقيادة شخص مثله ، ويأمره أن يرتكب فيها مجزرة ، فيقتل ثلاثة آلاف من أهلها وفيهم بقية الصحابة ، ويبيحها لجيشه للنهب والعدوان ثلاثة أيام ، وتدخل خيولهم مسجد النبي صلى الله عليه وآله ويرتكب جنوده القتل والسرقة والزنا قرب قبر النبي صلى الله عليه وآله ![3]
كانت هذه الأعمال مدروسة بجدية ، من أجل محو الإسلام ! يعني محو ذكر كل الأنبياء عليهم السلام ، ثم محو كل جهود أمير المؤمنين عليه السلام لإحياء الإسلام وإعادة العهد النبوي !
إن الحسين عليه السلام أحيا الدين كله من آدم إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وأحيا علياً عليه السلام إلى آخر الدهر ! فهذه هي نتائج عمله صلوات الله عليه !
في كامل الزيارات ص 222 : ( حدثني محمد بن عبد الله الحميري ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن الأشعث ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول : قبر الحسين بن علي عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً ، روضة من رياض الجنة ، وفيه معراج الملائكة إلى السماء ، وليس من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله أن يزوره ، ففوج يهبط وفوج يصعد ) !
وما ذلك إلا لأنه أحيا دين كل الأنبياء عليهم السلام .
والمسألة فوق هذا أيضاً . . ونقول ذلك لكي تعرفوا واجبكم في إقامة عزاء الحسين عليه السلام وتعظيم مقامه ، فكل ما نقوم به من ذلك ليس إلا يسيراً ، فالواجب الشرعي أن تحفظ الشعائر الحسينية بكل قوة وحسم ، وأن تكون في كل سنة أفضل من التي قبلها ! نعم ، المسألة بهذا المستوى . . لماذا ؟
لأن أساس عاشوراء إذا صار واهناً توجه الخطر إلى الدين كله ، فإن بقاء الدين بعاشوراء ، وبقاء توحيد الله تعالى مرتبط بيوم عاشوراء ! إقرؤوا هذا التعبير وافهموا معنى : وبذل فيك مهجته ! فقد بذل عليه السلام روحه من أجل بقاء توحيد الله تعالى ، فإحياء ذكراه وتعظيمها ، تعظيم للتوحيد .
روى في كامل الزيارات ص 278 ، بسند قوي عن الإمام الصادق عليه السلام ( حدثني أبي رحمه الله وعلي بن الحسين وجماعة مشايخي رحمهم الله ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن زيد الشحام قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما لمن زار قبر الحسين ؟ قال : كان كمن زار الله في عرشه . قال قلت : ما لمن زار أحداً منكم ؟ قال : كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله ) ! !
يا أبا عبد الله الحسين ، صلوات الله عليك .
ماذا فعلت حتى صار ثواب زيارتك كمن زار الله في عرشه ؟ !
بينما ثواب الذي يزور أمير المؤمنين عليه السلام كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ !
ماذا فعلت . . فجعلت من كربلاء عرش الله ، وزيارتك فيها زيارة الله ؟ !
ماذا فعل أبو عبد الله . . حتى روى ابن طاووس أن أخته زينب عندما هرعت إلى مقتله وأقبل الشمر ليحز رأسه ، قال لأخته : إرجعي إلى الخيمة ، فأطاعته ورجعت ، وسمعت وهي راجعة ضحكة أبي عبد الله الحسين عليه السلام !
هذا هو العمل الذي عمله أبو عبد الله الحسين : بذل فيك مهجته !
روحي لك الفداء يا من أعطيت روحك وأنت مبتسم ، وهويت إلى الأرض وأنت تقول : بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله .
السلام عليك يا أبا عبد الله ، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك .
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ) .
[1] في أمالي الطوسي ص 315 ، عن ابن عباس : ( فلما كانت الليلة رأيت رسول الله في منامي أغبر أشعث ، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه ؟ فقال لي : ألم تعلم أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه ) . انتهى .
ولا يصح للمخالف الإشكال علينا كيف يقبض الله تعالى روح الحسين عليه السلام وأصحابه بيده بدون توسيط عزرائيل ، لأن شبيه هذا التكريم ورد عندهم لمن يقرأ سورة يس . . ففي كنز العمال : 1 / 569 ، عن أبي أمامة : من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان الرب الذي يتولى قبض روحه بيده ، وكان بمنزله من قاتل عن أنبياء الله ورسله حتى يستشهد - ابن السني ، والديلمي ) .
والرواية التي أوردها الأستاذ في تاريخ ابن الأثير : 1 / 582 ، وفي طبعة أخرى : 3 / 38 ، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر : 14 / 237 ، ورواها ابن كثير في البداية والنهاية : 8 / 218 ، والصالحي في سبل الهدى والرشاد : 11 / 75 ، وابن الدمشقي في المناقب : 2 / 298 ، والغزالي في الإحياء : 4 / 507 ، وكلها فيها : أرفعه إلى الله عز وجل ، وفي بعض مصادرهم : أرفعه إلى السماء . ولكن أكثر مصادرهم روتها إلى قوله صلى الله عليه وآله : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ، ولم ترو بعدها : أرفعها إلى الله عز وجل . وفي مسند عبد بن حميد ص 235 : لم أزل إلتقطهم قد منذ اليوم .
ومن أبرز الذين رووا ها الحديث أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده : 1 / 242 وص 283 ، وقال عنه في مجمع الزوائد : 9 / 193 : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح . ورواية الطبراني في المعجم الكبير : 3 / 110 و : 12 / 143 .
ورواه ابن كثير في النهاية : 6 / 258 ، وقال عنه في : 8 / 218 : تفرد به أحمد وإسناده قوي .
وكذلك رواه أحمد في فضائل الصحابة : 2 / 778 ، وص 781 ، وفي 784 .
ومن أبرزهم الحاكم في المستدرك : 4 / 398 ، وفيه : فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم . وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . وقال المقريزي في إمتاع الأسماع : / 1 / 241 : ( قال الحاكم والذهبي : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ) .
وكذلك رواه الخطيب في تاريخ بغداد : 1 / 152 ، وابن عساكر في تاريخ دمشق : 14 / 237 ، و : 14 / 237 ، وابن الأثير في أسد الغابة : 2 / 22 ، وابن حجر في الإصابة : 2 / 71 ، وابن كثير في النهاية : 6 / 258 ، و : 8 / 218 ، والمناوي فيض القدير : 1 / 265 ، وابن العديم في تاريخ حلب : 6 / 2634 ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ص 572 . والذهبي في سيره : 3 / 315 ، وقال في هامشه : أخرجه أحمد : 1 / 283 ، والطبراني : 28 / 22 ، وسنده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في البداية : 8 / 200 وهو في تهذيب ابن عساكر : 4 / 343 . ونقله ابن نما الحلي في مثير الأحزان ص 62 عن تاريخ البلاذري . وفي نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 218 : ( دم الحسين وأصحابه ، ولم أزل أتتبعه منذ اليوم ! فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم ، رواه الإمام أحمد . وفي رواية . . . قال : دم الحسين أرفعه إلى السماء .
ورواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 208 ، عن البيهقي في الدلائل ، وقال قبله : وأخرج الترمذي عن سلمى قالت دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت ما يبكيك ؟ قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ! فقلت : مالك يا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً ! ) . انتهى .
وقال الأميني رحمه الله في سيرتنا وسنتنا ص 148 : ( قال السيد الشيخاني في الصراط السوي بعد روايته حديث أحمد المذكور : وفي رواية لأحمد : أن ابن العباس كان في قائلة فانتبه وهو يسترجع ففزع أهله ، فقالوا : ما شأنك ما لك ؟ قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله وهو يتناول من الأرض شيئاً . فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا الذي تصنع ؟ قال : دم الحسين أرفعه إلى السماء ) . انتهى .
وهذا يوجب الشك في إسقاطهم العبارة من نسخة أحمد المطبوعة !
وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 236 : ( وفي أثر ابن عباس : رأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه بعد قتل الحسين وهو مغبر الوجه حافي القدمين باكي العينين ، وقد ضم حجزة قميصه إلى نفسه ، وهو يقرأ هذه الآية : وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . وقال : إني مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الأرض وهو ذا في حجري ، وأنا ماض أخاصمهم بين يدي ربي ) .
[2] في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 62 ، قال : ( حدثنا أبو الحسن علي بن ثابت الدواليبي رضي الله عنه بمدينة السلام ، سنه اثنتين وخمسين وثلاث مأة قال : حدثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن محمد بن علي بن موسى ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي أبي طالب عليه السلام قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أبي بن كعب فقال لي رسول الله : مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين . قال له أبيُّ : وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرضين أحد غيرك ؟ قال : يا أبيُّ والذي بعثني بالحق نبياً ، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل : مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام خير ويمن ، وعز وفخر ، وعلم وذخر ، وإن الله عز وجل ركب في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية ، ولقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره الله عز وجل معه ، وكان شفيعه في آخرته ، وفرج الله كربه ، وقضى بها دينه ، ويسر أمره ، وأوضح سبيله ، وقواه على عدوه ، ولم يهتك ستره . فقال له أبي بن كعب : وما هذه الدعوات يا رسول الله ؟
قال : تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد : اللهم إني أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك ، وسكان سمواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي ، فقد رهقني من أمري عسراً ، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري يسراً . فإن الله عز وجل يسهل أمرك ويشرح صدرك ويلقنك شهادة أن لا إله إلا الله عند خروج نفسك . قال له أبيّ : يا رسول الله فما هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين ؟ قال : مثل هذه النطفة كمثل القمر ، وهي نطفه تبيين وبيان ، يكون من اتبعه رشيداً ومن ضل عنه هوياً ) . انتهى .
[3] وفي الموفقيات للزبير بن بكار ص 575 : ( عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال : دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه ، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لأمر حدث فينا ، فقلت : مالي أراك مغتماً منذ الليلة ؟ فقال : يا بني ، جئت من أكفر الناس وأخبثهم . قلت : وما ذاك ؟ ! قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه ؟
فقال : هيهات هيهات ! أي ذكر أرجو بقاءه ؟ ! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل : أبو بكر . ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : عمر . وإن أخا هاشم ليصاح به كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمداً رسول الله ! ! فأي عمل يبقى ؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا ، لا أباً لك ؟ لا والله إلا دفناً دفناً ! ) انتهى . ورواه المسعودي في مروج الذهب : 3 / 454 ، وفي شرح النهج : 5 / 130
وفي طبقات ابن سعد : 5 / 66 : ( أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، عن أبيه قال : وأخبرنا بن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسان قال : وحدثنا سعيد بن محمد عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم ، عن عمه عبد الله بن زيد ، وعن غيرهم أيضاً ، كل قد حدثني قالوا : لما وثب أهل المدينة ليالي الحرة فأخرجوا بني أمية عن المدينة ، وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه ، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة فأسندوا أمرهم إليه فبايعهم على الموت وقال : يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ! إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسناً ، فتواثب الناس يومئذ يبايعون من كل النواحي ، وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا المسجد . . الخ . ! !
وفي هامش سير أعلام النبلاء : 4 / 228 ، عن ابن حزم في كتابه جوامع السيرة ص 357 ما نصه : ( أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة حرم الله تعالى ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة ، وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخرومه ، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة ، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً ، وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر ! ! ولم تصلَّ جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا كان فيه أحد ، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد ، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان ، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله ! وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له ، إن شاء باع ، وإن شاء أعتق ! وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله ، فضرب عنقه صبراً ! وهتك مسرف أو مجرم الاسلام هتكاً ، وأنهب المدينة ثلاثاً ، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم !
وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى ، فحوصرت ورمي البيت بحجارة المنجنيق ، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام ، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال ، وولي مكانه الحصين بن نمير !
وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر ، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين ، وانصرفت الجيوش عن مكة ) . اه . انظر : معجم البلدان : 2 ص 249 والطبري ، والكامل ، والبداية ، وتاريخ الاسلام ، في أحداث سنة 63 وجوامع السيرة لابن حزم 357 - 358 .
وفي لسان الميزان : 6 / 294 : ( ثم إن أهل المدينة خلعوا يزيد في سنة ثلاث وستين ، فجهز إليهم مسلم بن عقبة المري في جيش حافل فقاتلهم فهزمهم ، وقتل منهم خلقاً كثيراً من الصحابة وأبنائهم ، وسبى أكابر التابعين وفضلاؤهم ، واستباحها ثلاثة أيام نهباً وقتلاً ، ثم بايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد ، ومن امتنع قتل ! !
ثم توجه إلى مكة لحرب ابن الزبير فمات في الطريق ، وعهد إلى الحصين بن نمير فسار بالجيش إلى مكة فحاصر ابن الزبير ونصبوا المنجنيق على الكعبة ، فوهت أركانها ثم احترقت ، وفي أثناء ذلك ورد الخبر بموت يزيد ) . ونحوه في الإصابة : 6 ص 232
وفي نهاية ابن كثير : 8 / 239 - 241 : ( قالوا : وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته : يزيد القرود ، شارب الخمور ، تارك الصلوات ، منعكف على القينات . . .
ثم أباح مسلم بن عقبة ، الذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاث أيام كما أمره يزيد لا جزاه الله خيراً ، وقتل خلقاً من أشرافها وقرائها وانتهب أموالاً كثيرة منها ، ووقع شر عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد . فكان ممن قتل بين يديه صبراً معقل بن سنان ، وقد كان صديقه قبل ذلك ، ولكن أسمعه في يزيد كلاماً غليظاً فنقم عليه بسببه ) !
وقال الحافظ ابن عقيل في النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ص 62 :
( نقل أبو جعفر الطبري في تاريخه ، وابن الأثير في الكامل ، والبيهقي في المحاسن والمساوي ، وغيرهم أن معاوية قال : ليزيد إن لك من أهل المدينة ليوماً ، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة ( هو الذي سمي مسرفاً ومجرماً ) فإنه رجل قد عرفت نصيحته . اه
عرف معاوية أن مسلماً لا دين له ، فأمر يزيد أن يرمي به أهل المدينة ، وقد فعل يزيد ما أمره به أبوه ، وفعل مسلم بأهل المدينة ما أريد منه ، حيث قال له يزيد : يا مسلم لا تردن أهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم ، فسار بجيوشه من أهل الشام فأخاف المدينة واستباحها ثلاثة أيام بكل قبيح ، وافتضت فيها نحو ثلاثمائة بكر ، وولدت فيها أكثر من ألف امرأة من غير زوج ، وسماها نتنة وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة ، وقتل فيها من قريش والأنصار والصحابة وأبنائهم نحو من ألف وسبعمائة وقتل أكثر من أربعة آلاف من سائر الناس ، وبايع المسلمين على أنهم عبيد ليزيد ! ومن أبى ذلك أمَرَّهُ مسلم على السيف ! إلى غبر ذلك من المنكرات !
قال المحدث الفقيه ابن قتيبة رحمه الله في كتاب الإمامة والسياسة ، والبيهقي في المحاسن والمساوي ، واللفظ للأول قال : أبو معشر دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال ؟ قالت : لا والله ما تركوا لي شيئاً ، فقال : والله لتخرجن إلَّي شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا ! فقالت له : ويحك إنه ولد أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولقد بايعت رسول الله يوم بيعة الشجرة على أن لا أسرق ولا أزني ، ولا أقتل ولدي ، ولا آتي ببهتان أفتريه ، فما أتيت شيئاً ، فاتق الله ! ثم قالت له : يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديك به ! قال فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الأرض ! قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثلاً .
وأمثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة ، فمسلم في هذا كله منفذ لأمر يزيد ، ويزيد منفذ لأمر معاوية ! فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين عليه السلام ومن معه في عنق معاوية أولاً ، ثم في عنق يزيد ثانياً ، ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثاً ، أفبعد هذا يتصور أن يقال لعله تاب ورجع ؟ ! كلا والله ، ولقد صدق من قال : أبقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية ، فهاهم أشياعه وأنصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل ! ( وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) .
أخرج مسلم في صحيحه : ( من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) . انتهى .
|
|
4 أسباب تجعلك تضيف الزنجبيل إلى طعامك.. تعرف عليها
|
|
|
|
|
أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في بريطانيا تستعد للانطلاق
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تبحث مع العتبة الحسينية المقدسة التنسيق المشترك لإقامة حفل تخرج طلبة الجامعات
|
|
|