أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-11-2017
3318
التاريخ:
3482
التاريخ: 18-4-2017
3272
التاريخ: 13-12-2014
3585
|
لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ولكنهم لا يبصرون !
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، سيما بقية الله في الأرضين ، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين .
قبل أسبوع ذكرنا فكرةً عن القرآن بمناسبة قوله تعالى : وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ( سورة الأعراف : 180 ) ومع أن قلوبنا كالحجارة ، فقد احتج علينا أحدهم بحجةٍ كانت نتيجتها أن نتكلم هذا الأسبوع حول القرآن ، القرآن الذي نعترف بظلمنا له ، لعل الله تعالى يعاملنا بفضله . .
على أنا نتخوف من الدخول في هذه المباحث بسبب قلة الباع ونقص الاطلاع ، وعدم لياقة الباحث ، فليس هذا من مباحث الفقه والأصول التي نتسلط عليها ، بل هو من المباحث المسلطة علينا ، التي نتحدث فيها بخوف وهيبة ، معترفين بالعجز عن الخوض في أعماقها !
توجد كلمة في القرآن للإمام الصادق عليه السلام وما أدراك من هو ؟ بها نعرف القرآن ونعرف الإمام الصادق عليه السلام . . فلنتوجه جميعاً بأدب وحضور قلب ، إلى روح الإمام الصادق المقدسة ، لعله يتفضل ويفيض علينا من بركة الله فيه ، فنفهم شيئاً من هذه الفقرة التي تجلى فيها عليه السلام .
والكلمة هي : ( لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ، ولكنهم لا يبصرون )[1].
إنه أمرٌ محيرٌ واقعاً ، أن يتجلى الله بكلامه لخلقه ولكنهم لا يبصرون ! وهذه الجملة في عالم العلم معجزة ، فالمعجزة للعوام تختلف عن المعجزة للخواص ، والإنسان الذي وصل إلى درجة البلوغ العقلي يعرف منها أن الإمام الصادق عليه السلام متحدٌ بكله مع القرآن ، وبهذا الاتحاد متحدٌ مع تجلي الله تعالى في القرآن ، فهو حكيم قرآني عليه السلام .
ومن هذه الجملة نفهم أن الإمام الصادق عليه السلام قصد بالتجلي كلام الألوهية التكويني ، لا الرحمانية ، ولا الرحيمية ، ولا العليمية ، ولا السميعية . . ! فقد اختار من الأسماء الحسنى اسم الله تعالى وقال : لقد تجلى الله ، ولم يقل تجلى العليُّ العظيم مثلاً ، ليفهمنا ما هو القرآن ، الذي لم نفهم ما هو !
لقد تجلى الله . . هذا هو القسم الأول ، وفي اسم الله تعالى ميزةٌ على التسع وتسعين إسماً ، ميزةٌ في المسمى ، وفي الاسم . .
أما في المسمى فإن المسمى به الله مقام يجمع كل الأسماء الحسنى والصفات العليا ، من الجمال ، والكمال ، والجلال .
وأما في الاسم ، فإن خصوصية اسم الله تعالى من بين أسمائه كلها ، أن حقيقة غيب الغيوب مندرجةٌ فيه ، وحقيقة المالكية الربوبية ، وحقيقة بساطة الذات ، الحاكية عن الوحدة الحقة الحقيقية . . كلها مندرجة فيه !
نحن عندما نقرأ كلام الإمام الصادق عليه السلام ، لا نستطيع أن نستفيد منه كما ينبغي ، لأنا لم نصل إلى عظمة ذلك الإمام الذي صدر عنه ! نعم ، نحن نقبل كلامه بدليل التعبد والتقديس لشخصيته صلوات الله عليه ، لكنا مع الأسف لانبذل جهدنا في فهمها ، بل ترانا نولي أهمية أكثر لسطور الشفاء ، وكلمات الأسفار ، وتأملات نهاية الدراية ، والمنظومة ، والكفاية !
يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ . ( سورة إبراهيم : 27 )
وعندما ننظر إلى عالَم الحروف المبني بحكمة ، نجد أن اسم الله تعالى يتكون من الألف في أوله ، وهو أول حروف الهجاء ، أما آخره فهو الهاء . والألف له الأولية والاستقامة والبساطة ، وهو يحكي عن الوحدة الحقة الحقيقية ، وقائل هذه الكلمة ومبينها وشارحها هو الإمام عليه السلام ، والذي أول حرف من اسمه الألف أيضاً !
وإذا رفعنا الألف ، صارت الكلمة ( لله ) : للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ . ( سورة لقمان : 26 )
وإذا رفعنا اللام ، صارت ( له ) : لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ . ( سورة الحديد : 2 )
وإذا رفعنا اللام الثانية ، بقيت الهاء ( هو ) : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ . ( سورة الإخلاص : 1 )
هذه رشحة من خصوصيات الاسم والمسمى ، فالقرآن إذن جلوةٌ لهذه الذات المقدسة ، بكل أسمائها الجمالية والكمالية ، وكل أسمائها الجلالية للخلق . . فهل فهمنا القرآن هكذا ، وهل عرفنا ماذا في أيدينا ؟ !
وهل عرفنا معنى قول النبي صلى الله عليه وآله عندما قال : كأني قد دعيت فأجبت ، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يزالا جميعاً حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . ( كمال الدين ص 238 ) ، وأنه بذلك سلم بأيدينا عصارة وجوده ! فالقرآن حرف الربط بين الخالق والخلق ، وهو تجلي الألوهية بتمامها ! فما الذي يجب علينا عمله لنستفيد منه ؟
الخطوة الأولى أن نعرف ما هو ؟ وأنتم أيها الفضلاء لستم عواماً ، فالقرآن للعوام عبارات ، لكنه للخواص إشارات . أرجو أن تنتبهوا إلى هذا الموضوع لأنفسكم وغيركم ، فكل واحد منا مسؤول حسب سهمه في القرآن .
لاحظوا أنه تعالى يستعمل صيغة ( تبارك ) في موارد خاصة كقوله تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . ( سورة الأعراف : 54 )
دققوا في التعبير ، فعند ما يجمع الله الخلق والأمر فقد جمع الملك والملكوت أي لب الكون وقشره ، وهنا يقول ( تَبَارَكَ ) .
وعندما ينهي الملك والوجود اليه تعالى يقول أيضاً ( تَبَارَكَ ) ، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ . ( سورة الملك : 1 )
ثم لاحظوا أنه عندما يصل العالم إلى ثمرته ، وتجتمع عصارة العالم في آدم وذريته . . من نطفةٍ إلى علقةٍ إلى مضغةٍ ، ثم يكسو العظام لحماً ، ثم ينشؤه خلقاً آخر . . يعبر عنه بقوله ( تَبَارَكَ ) : ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ، ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ، فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ( سورة المؤمنون : 14 ) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . ( سورة غافر : 64 ) .
ثم لاحظوا أنه سبحانه استعمل كلمة ( تَبَارَك ) في كلامه عن تنزيل الكتاب على عبده : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً . ( سورة الفرقان : 1 ) وذلك ليفهمنا أن الله الذي له الملك والملكوت ، والذي جعل عصارة العالم وخلاصته الإنسان هو : الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ !
وليحرك أذهاننا لنفهم ماذا في القرآن ، وماذا يجب أن نعمل لكي نفوز به ، ولا نضيع عمرنا ولا نصل اليه فنقول : يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا . ( سورة الأنعام : 31 )
روحي وأرواح العالمين فداء لصاحب تلك النفس المقدسة الذي قال : لقد تجلى الله ، لقد تجلى الله ! الكلمة التي كلما كررها الإنسان ، وجد منها فيضاً جديداً . . لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون .
الجملة الثانية : ولكنّهم لا يبصرون . . والسؤال : أنه ما دام الله تعالى قد تجلى في القرآن فلماذا لا نرى تجليه فيه ؟ ! والجواب هنا للقرآن نفسه ، لأن الكلام في هذا الموضوع للقرآن وليس لابن سينا وغير ابن سينا من الفلاسفة ، فالمكان الذي يتكلم فيه جعفر بن محمد ، يتطاير هؤلاء كالهباء في الهواء !
والقرآن يخبرنا أنا لا نراه لأن القرآن نفسه بصرٌ وبصيرة ، فلا بد أن نبصره ببصيرته ، وهذا هو المهم والمعجزة ! نحن البشر عندنا البصر أما البصيرة فهي موجودة في القرآن : هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . ( سورة الجاثية : 20 ) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . ( سورة الأنعام : 104 ) فأين نجد تلك البصيرة التي نبصر بها التجلي الإلهي في القرآن ؟
نختصر الموضوع وأرجو أن يوفقني الله تعالى أنا وأنتم لأن نجعل ما قلناه وفهمناه برنامج عمل لنا ، أن يوفقنا عندما نفهم المشروط أن نعمل على تحقيق شرطه في أنفسنا !
هذه البصيرة المطلوبة تحدث عنها الله تعالى في قوله : لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . ( سورة آل عمران : 164 )
وفي دعاء إبراهيم عليه السلام للأمة الخاتمة : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . ( سورة البقرة : 129 ) ، وفي كل القرآن نجد التأكيد على هذا الشرط : قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ( سورة المائدة : 15 - 16 )
إن البصيرة المطلوبة لرؤية التجلي الإلهي في القرآن ، تكمن في هذه الجملة : وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِه ! فماذا نعمل لكي نصل إليها ؟ !
لا تضيعوا وقتكم ، فليست المسألة دراسةً ولا بحثاً وتحصيلاً ، ومهما ألقيتُ عليكم دروساً فلا أثر لها هنا أصلاً ، ومهما درستم وقرأتم لتصير الزجاجة الموجودة في داخل الرمل والصخر مصباحاً ، ويتصل المصباح بالكهرباء ، ويضئ ، فلا أثر لقراءتكم ! لأن المسألة ليست فكرية ! ليست كتاب الكفاية ، ولا نهاية الدراية ، ولا جواهر الكلام ، لتدرسوها عند أستاذ !
الطريق هنا طريق آخر . . فلا بد أن يتم صهر صخرنا أو رملنا في أتون حتى يذوب ، ثم يفصل المعدن الذائب عن تفالته ، ثم يصنع منه المصباح . . وبعد ذلك يحتاج الأمر إلى ( يدٍ ) تصله بتيار الكهرباء حتى يضئ !
إن تيار الكهرباء ومنبعه من عند الله تعالى : اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍ عَلِيمٌ ) . ( سورة النور : 35 ) ، فأنا وأنت زجاجة مصباح ، وذلك هو مصنع الكهرباء ، ونحن في باطن الرمل والصخور ، فلا بد أن نخرج منها ، وأن ننصهر بدرجة حرارة عالية فنذوب ، ثم ننفصل عن بقية موادنا الزائدة ، ثم ندخل إلى المصنع ، ليصنع صاحبه منا زجاجة مصباح .
أما صاحب ذلك المصنع ، فهو الحجة بن الحسن عليه السلام فهو الذي يملك أن ينفخ فينا بإذن ربه ، لاغيره !
نعم ، إننا وجهاً لوجه أمام ذلك النور الإلهي عليه السلام ولا نحتاج إلى عمل آخر ولا إلى الذهاب إلى شرق أو غرب ، فهو عليه السلام حاضر دائماً ، وما علينا إلا أن نخرج معدن زجاجنا ونهيئه لصانع المصابيح ، ليتفضل بصنع مصباحنا منه ، ويصله بتيار الكهرباء ، وينتهي الأمر !
من أين يبدأ هذا الطريق . . ؟
يبدأ من هنا . . تأملوا فيما يقوله الله تعالى في قرآنه الذي هو فوق كلام البشر : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً . إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً . ( سورة المزمل : 1 - 6 ) .
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . . مَن يتكلم مع مَن ؟
المفتاح هنا ، فلنقرر جميعنا من هذه الليلة أن نطبق : قُمِ اللَّيْلَ ، فكل ما يوجد مخزون في ذلك الوقت ، فلنحرص عليه مهما كلفنا أمره !
إن هذه الآيات برهان ولا أقوى منه ، فأول السورة خطاب موجه إلى شخص النبي صلى الله عليه وآله : قُمِ اللَّيْلَ . . ثم قال له : وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً .
إن كل هذا التأكيد من الله تعالى على صلاة الليل له سرٌّ ، وهو محسوبٌ بحساب ، وهو تأكيدٌ على خير كبير . . وطريق الله لابد أن نتعلمه من الله تعالى ومن المعلمين الذين عينهم لنا .
لاحظوا أنه في آخر سورة المزمل وجه الله تعالى خطابه للنبي صلى الله عليه وآله الذي له حساب خاص لأنه النبي الخاتم ، ثم وجه الخطاب لأمته معه : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ، وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ، وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . ( سورة المزمل : 20 ) .
ليفكر أصحاب الفكر هنا أن الخطاب كان في أول السورة خاصاً للنبي صلى الله عليه وآله وصار في آخرها عاماً : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ، وهذا هو الإعجاز ، وهذا هو القرآن ، كتاب العلم والحكمة الذي نتحسر لأنه لم يفسر . . ولو تركوا مفسره يفسره للناس ، لعرفوا أبواباً من هذا الخير !
المهم هنا أيها الفضلاء : وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ، فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . . أما بعد قراءة مَا تَيَسَّرَ مِنه ، فصلاة الليل هي المفتاح ، فبها فافتحوا الأقفال !
فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . . لتصلوا به وبصلاة الليل إلى مطلوبكم ! والمطلوب من أول القرآن إلى آخره هو الوصول إلى الله تبارك وتعالى : وإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا . ( الكافي : 1 / 92 ) .
فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . . ثم أعادها : فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ . . إن في هذه الآية آياتٍ لمن كان له لب !
وإذا أكمل الإنسان هذا الطريق ، يصل رويداً رويداً إلى مستوى أن يفهم ماذا تعني : ق . وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وماذا تعني : ص . وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، وماذا تعني : يس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ .
يصل إلى معنى : الحكيم والمجيد والذكر . . ثم يواصل ليفهم الأحرف الثلاثة من الاسم الأعظم الربوبي ، ثم يفهم الربط بين حرف القاف في أول سورة قاف ، والقاف في اسم القرآن الكريم . . وبعد ذلك يمكن أن يسير رويداً رويداً حتى يكون من أهل : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . ( سورة الحشر : 21 ) .
ثم يترقى إلى درجة أعلى فيكون من أهل : وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ للهِ الأَمْرُ جَمِيعاً . أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ، وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله ، إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ . ( سورة الرعد : 31 )
[1] رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي : 4 / 116 ، وفيه : ( تجلى لخلقه في كلامه ) . وفي البحار : 89 / 107 ، عن أسرار الصلاة . والبهائي في مفتاح الفلاح ص 292 ، وفيه : ( تجلى الله لعباده في كلامه ) . وقال الزركشي في البرهان : 1 / 452 ، في أنواع القراءة : ( الأول ، من يشهد أوصاف المتكلم في كلامه ومعرفة معاني خطابه ، فينظر إليه من كلامه وتكلمه بخطابه . . . لأن الكلام ينبئ عن معاني الأوصاف ، ويدل على الموصوف . وهذا مقام العارفين من المؤمنين لأنه لا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ، ولا إلى تعلق الإنعام به ، من حيث أنه منعم عليه ، بل هو مقصور الفهم عن المتكلم ، موقوف الفكر عليه ، مستغرق بمشاهدة المتكلم ، ولهذا قال جعفر بن محمد الصادق : لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ولكن لا يبصرون ) . وقال الفيروزآبادي في هامش العروة الوثقى : 2 / 434 : ( الظاهر أن أمير المؤمنين وأولاده الطيبين سلام الله عليهم أجمعين ، لهم درجات أخرى فوق هذه ، بأن يعبدوه من غير أن يجعلوا شيئاً غاية يقصد ، ويكون لهم أمر زائد ملحوظ بالتفصيل يكون هو المحرك دون أن يلاحظ طلب وأمر ، بل المحرك مشاهدة جلال الله وجماله وشمول عنايته . قال عليه السلام : وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك . وقال عليه السلام : والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون ) . وفي توحيد الصدوق ص 115 : ( أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن سنان ، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الأشعريين ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، الغشية التي كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه الوحي ؟ فقال : ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ، ذاك إذا تجلى الله له ، قال ثم قال : تلك النبوة يا زرارة ) .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|