أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-03
314
التاريخ: 2024-04-01
792
التاريخ: 2024-02-05
942
التاريخ: 2024-08-26
379
|
كان قوم «خيتا» منذ ستين سنة يُعدون ضمن القبائل السورية الصغيرة التي ذُكرت في التوراة، وكان كل ما يُعرف عنهم مستقًى من كتاب «العهد القديم» أيضًا. وقد ظلت الحال كذلك حتى عام 1872 عندما ظهر مؤلف الأستاذ «وليم ريت» الإنجليزي عن أصل هؤلاء القوم، وكان أول محاولة علمية في هذا الصدد، غير أن علم الآثار الخيتية لم يبتدئ فعلًا إلا في عام 1886 عندما ظهرت الطبعة الثانية لهذا المؤلف الفريد في بابه. وقد جاءت المحاولة الثانية في كشف النقاب عن هذه الأمة على يد الأثري «هوجو فنكلر» (عام 1906-1907 م)؛ وذلك عندما عُثر على سجلات «خيتا» في بلدة «بوغاز كوي» ومنذ هذا الوقت وبخاصة بعد الحرب العالمية الكبرى أخذ شغف العلماء وميولهم تتجه إلى هذا العلم، ونخص بالذكر من بينهم «هروزوني» و«فيدنر» و«سومر»؛ فقد كانوا من أعلام الفاتحين في هذا المضمار. وفي عام 1911 قام «مسر شمت» بوضع سجل شامل لكل المتون الخيتية المعروفة حتى زمنه، ولكن منذ عصره ظهرت متون كثيرة أخرى. وعلى أية حال فإن الأخيرة مكتوبة على وجه عام بالخط المسماري في حين أن سجل «مسر شمت» لا يشمل إلا متونًا هيروغليفية. ويوجد غير هذه المتون الأصلية التي كُتبت بالهيروغليفية والمسمارية التي يقوم العلماء بدرسها مصادر أخرى عن «خيتا» وأهمها الرسوم المصرية والمتون الفرعونية التي خلَّفها لنا المصريون على جدران المعابد والمقابر، وكذلك توجد أسماء خيتية في المتون البابلية، كما توجد أسماء خيتية وفهارس في خطابات «تل العمارنة «. ولفظة خيتيين وصلتنا من كتاب العهد القديم، وقد وُجدت في الخط المسماري بلفظة «خاتي» وفي المصرية «ختي». أما اشتقاق كلمة «خاتي» فليس مؤكدًا عند الباحثين، ويظن البعض أن كلمة «خاتي» تعادل كلمة «خاني» وهي بلدة واقعة على نهر الفرات، واللفظة الأخيرة هي اختصار لكلمة «خانيجالبات» (راجع M. O. D. G, 21, pp. 50f; M. G. A. II, 1, 29). وإذا كان هذا الرأي يمكن الأخذ به فإن أقدم مركز للمدنية الخيتية يكون موقعه إذن على نهر الفرات، ثم انتقل فيما بعد إلى «بوغاز كوي» بآسيا الصغرى. وعلى أية حال تدل البحوث الحديثة الآن على أن دولة «خيتا» كانت تحتوي على عدة إمارات أو ممالك تمتد من غربي «آسيا الصغرى» حتى السهول الواقعة شرقي نهر «دجلة» ومن البحر الأسود حتى «دمشق «. وقوم «خيتا» على حسب ما جاء في المناظر المصرية القديمة كانوا رجالًا ذوي أنوف مقوسة بعض الشيء وجبهة غائرة وفكين عظيمين، وذقن قصير مستدير مزدوج وجلد أحمر، وكانوا من جنس مختلط يجري في عروقه الدم الآري والقوقازي معًا، وقد نشئوا من خمسة أقوام وهم: (1) قوم «خيتا الأول» الذين كانوا يسكنون جبال «كابادوشيا»، (2) وقوم اللويين الذين كانوا يسكنون شمال آسيا الصغرى وكليكيا، (3) وقوم «باتا» الذين كانوا يسكنون «بافالاجونيا»، (4) وقوم الحورانيين الذين كانوا متوطنين في الشمال الشرقي من «مسوبوتاميا»، (5) وأخيرًا قوم الكانيسيان Kanisian وقد نزحوا من إقليم بحر «مرمرة» وأسسوا ما يُسمَّى الآن الإمبراطورية الخيتية، وقد كُتبت معظم نقوش «بوغاز كوي» بلغتهم. وقد أسس قوم «الكانيسيان» الذين وفدوا من إقليم بحر «مرمرة» لنفسهم دولة منذ النصف الثاني من الألف سنة الرابعة قبل الميلاد، ويُحتمل أن عاصمتهم كانت «خانيجالبات»؛ إذ في هذه البقعة قامت دولة، ولكنها في نهاية الأمر انقسمت قسمين، وهما الحورانيون في «أرمنيا» والمتنيون في الجنوب الغربي منها. وحوالي عام 2100 ق.م انفصل عن قوم «متني» دولة سُمِّيَت باسم اختُصر من اسم العاصمة؛ أي إنها سُميت «خاني» أو «خاتي» وهي دولة «خيتا». وهذه الإمبراطورية كانت في الواقع من عمل الملك العظيم «لابارناش» الذي كان مقره «كوشار»، وكان أول ظهور «خيتا» على مسرح التاريخ في ساحة الوغى في عهد الملك «سامسو ديتانا» البابلي حوالي 1956–1926ق.م (راجع King, Chronicles II, 22). فقد اجتاحت جنودها «بابل» ومهدوا الطريق لسقوط أسرة «حمورابي» واستيلاء الكاسيين على البلاد. ومنذ ذلك العهد حتى عام 1300ق.م كان قوم «خيتا» أصحاب نفوذ عظيم جدًّا في العالم الشرقي القديم. وبعد هذا التاريخ بحوالي ثلاثة قرون نجد إشارة لغزو «خيتا» هذه البلاد «بابل» وذلك أن «أجومكا كريم» حوالي 1650ق.م قص (راجع King, Chronicles I, p. 149). علينا أنه استولى ثانية على صور الإله «مردوك»، و«ساربانيتم» وهي التي كانت قد حُملت فيما مضى إلى بلاد «خاني»، وفضلًا عن ذلك يظهر أنه يوجد براهين على أن «خيتا» قد اتصلوا بالآشوريين قبل حكم الملك «سامسو ديتانا»؛ وذلك لأن باني مدينة «آشور» في مملكة «آشور» وكذلك مؤسس معبد «آشور» في نفس المدينة كانا يحملان الاسمين الخيتيين، وهما «أوشبيا» و«كيكيا» (راجع Beitrage Zur Assyriologie VI, Heft 5. p. 12). على أننا لا نعرف الملك الذي خلف (لابارناش) Labarnas، ولكن على ما يظهر كان الملك الثالث في هذه السلسلة هو «خاتوسيل الأول»، وكذلك يحتمل أن الملك الخامس هو «مورسيل الأول» الذي حكم البلاد حوالي عام 1900ق.م، واتخذ «بوغاز كوي» عاصمة لملكه. وقد خلفه على عرش الملك «تليبنوش». والظاهر أنه كان آخر هؤلاء الملوك العظام لمدة الخمسين والثلاثمائة السنة التي تلت وفاته في تاريخ البلاد. وحوالي عام 1700ق.م نجد دولة «خيتا» تظهر على مسرح التاريخ كرة أخرى عزيزة الجانب قوية الشوكة، ويظهر أن الهكسوس قد هاجروا من جزئها الغربي ليفتحوا سوريا ومصر حوالي 1650ق.م. وقد ظل تاريخ بلاد «خيتا» غامضًا بعد تلك المدة قرابة قرنين من الزمن، وكان أول ما عرفنا عنهم شيئًا بعد ذلك في عهد الفرعون «تحتمس الثالث»؛ إذ نجد أنهم كانوا يدفعون له الجزية كما تكلمنا عن ذلك في مكانه. وقد كان اتصال المصريين بهم اتصالًا معروفًا لنا في عهد ملكهم المسمى «شوبيليوليوما»، والظاهر أن جده كان ملكًا على مدينة، وقد سمى نفسه بالاسم الضخم «الملك العظيم ملك خاتي»، ويحتمل أن هذا الملك هو «خاتوسيل» الثاني 1400ق.م. ومهما يكن من أمر فإن «شوبيليوليوما» كان رجلًا ذا سطوة وبأس؛ فقد فتح بلاد «متني» في عهد ملكها «دوشرتا» ونصب مكانه «ماتيوازا» على عرش متني، وقد اعترف «أزيرو» بسلطانه، وكذلك أصبح من القوة بحيث جعل «ريبادي» يحذر الفرعون «أمنحتب الرابع» من عظم قوته. وقد حكم من 1380 إلى 1350ق.م تقريبًا؛ أي إنه عاصر كلًّا من «أمنحتب الثالث» و«إخناتون»، وقد كتب للفرعون «أمنحتب الرابع» خطابًا يخطب فيه وده ويطلب تجديد العلاقات القديمة التي كانت بين البلدين. وقد خلف «شوبيليوليوما» ابنه «أرانداس» (1350–1345ق.م)، ولكنه لم يحكم طويلًا؛ إذ تُوفي بعد أن حكم خمس سنوات، وتولى العرش بعده «مورسيل الثاني» (1345–1315ق.م)، وهذا الملك أصبح ذا قوة وسلطان، وعقد معاهدة مع ممالك «أرزاوا» و«جاسجا» و«تيبيا» و«زيخريا»، وهو الذي حارب «رعمسيس الثاني» في موقعة «قادش»، وقد أُشير إليه في متون «بوغاز كوي». وقد رُزق أربعة ذكور وابنة واحدة، وقد امتد حكمه إلى ما بعد عهد خطابات «تل العمارنة» (راجع Hrozny Hethitische Texte pp. 156ff. & M. D. O. G, 58, 53ff). وقد تولى الحكم بعد «مورسيل الثاني» ابنه «موتالو» (1315–1300ق.م) و«خاتوسيل الثالث» (1300–1270ق.م) على التوالي. وقد جاء ذكر كل منهما في المعاهدة الشهيرة التي عقدها «رعمسيس الثاني» مع «خيتا «. وقد ذكرت لنا وثائق «بوغاز كوي» أن «مورسيل الثاني» هو فاتح بلاد الآموريين، هذا ونعلم أن معظم وثائق «بوغاز كوي» التي وصلتنا ترجع إلى عهد «موتالو». وقد اعتلى عرش «خيتا» بعد هذا العاهل ملكان لهما شهرة عظيمة في التاريخ وهما «دودخليا» (1270–1250ق.م) ثم «أرنوانتا» (1250–1240ق.م)، غير أنه قبل حكم أوَّلهما تُحدثنا الآثار أن آشور في عهد الملك «سلما نصر» الأول (1270ق.م) ذبحت جموع الجيوش الخيتية، وقد كانت إمبراطورية «خيتا» في تلك الفترة آخذة في التدهور حتى إنها في نهاية القرن الثامن فقدت معظم أملاكها، وانتهى آخر نفوذ وقوة لها في عهد الملك «سرجون» عاهل «آشور» الذي فتح «كركميش» عام 717ق.م. وهكذا خُتمت حياة دولة عظيمة حكمها ما لا يقل عن أربع وأربعين ملكًا لا نعلم الآن إلا القليل عنهم، ولكنا نأمل أن تكشف وثائق «بوغاز كوي» بعد حلِّها عن الكثير من مجد هؤلاء الملوك العظام. والواقع أن أهل «خيتا» شعب مختلطة أجناسة، وتدل البحوث الحديثة تدريجًا على أن لغتهم كذلك كانت مزيجًا من لغات مختلفة. ولا نزاع في أنه توجد عناصر آرية في لغتهم. هذا ولدينا أدلة على وجود لغات عدة أخرى. ويعتقد الأستاذ «فورر» أنه توجد ثماني لغات في نقوش «بوغاز كوي» وهي: (1) لغة أهل «خيتا» الأول. (2) اللغة اللووية. (3) اللغة البالية Balâin. (4) اللغة الحورانية. (5) اللغة الكانيسية أو الإزاوانية Azawan. (6) اللغة السومرية. (7) اللغة البابلية. (8) اللغة (الماندانية) Mandaian . ومنذ أن نشر «هروزني» رأيه عن لغة «خيتا» مبرهنًا على أنها لغة هندية جرمانية نقده الكثير من علماء اللغة بما له وما عليه، غير أنه إلى الآن لم يكن في مقدور أي عالم أن يدحض رأي «هروزني» تمامًا، وعلى أية حال فإن الموضوع لا يزال معلقًا، وسيبقى كذلك مدة طويلة حتى تظهر بحوث جديدة. ولا نعلم إلا القليل عن ديانة «خيتا». حقًّا لدينا أسماء آلهة كثيرة من آلهتها، ويُلاحظ أن عقيدة وجود الإله في كل شيء كانت منتشرة، ولا أدل على ذلك من وجود ألقاب مثل سيدة الجبال والأنهار، ونجد أحيانًا أن الإله نفسه يحمل أسماء مختلفة في أماكن مختلفة، فمثلًا إله الشمس كان يُسمَّى «تلبينوش« Telibinus بين قوم الكانيسيين ويُدعى «ووي« Woi بين قوم الخيتيين الأول، وينادي باسم «هبات» بين قوم الحورانيين. وكان يوجد عندهم شياطين كثيرة، وإليها كان يُنسب ما يصيب الإنسان من سوء الحظ، وكان للقوم معابد وصور كائنات مقدسة، كما كان يُحتفل بالأعياد تكريمًا للآلهة. وكان كلما اتصل قوم «خيتا» بالأمم الأجنبية العظيمة اتخذت آلهتهم أربابًا لها؛ فمثلًا الإله «رع» المصري، و«آشر» و«أسخارا» الآشوريان، و«مترا» و«فارونا» و«أندرا» ويحتمل «ناساتيا» آلهة الهند. وأكثر الآلهة معروفة لنا من بين آلهة «خيتا» هم إله الشمس «تشب» وإله العاصفة «ما» (؟) والأم العظيمة و«ساندان» ابنها و«تارخو» و«خبا» و«سالو» و«تيللا« . ولدينا دلائل عديدة تشير إلى أن شعب «خيتا» كان لهم أدب عظيم يشمل أناشيد وصلوات وأساطير وخطابات ملكية وتواريخ وعقود ورسائل، وغير ذلك من الموضوعات الأدبية، والأمل عظيم في أن المستقبل سيكشف أمامنا أن قوم «خيتا» من أعظم شعوب العالم القديم مدنية وثقافة. وبعد هذه المقدمة القصيرة عن هؤلاء القوم في استطاعتنا أن نتحدث عن الفقرات التي وردت في خطابات «تل العمارنة» خاصة ببلادهم. والواقع أن كلًّا من قوم «خيتا» وقوم «متني» قد انفصل بعضهما عن بعض منذ زمن طويل قبل عهد «تل العمارنة»، وفضلًا عن ذلك أصبحا يتناضلان على السلطة، وامتداد النفوذ في الأقاليم المجاورة. وقد ذكرنا من قبل أن «شوبيليوليوما» المؤسس لأسرة خيتية جديدة في زمن حكم «أمنحتب الثالث» قد فتح بلاد «متني» في عهد الملك «دوشرتا» ووضع على عرشها «ماتيوازا»، والظاهر على أية حال أنه قبل هذه الفترة كان «دوشرتا» منتصرًا على «خيتا» (راجع الخطاب 17 سطر 30). وقد أشار إلى هزيمة «دوشرتا» الوالي «ريبادي» في خطاب من الخطابات التي كان يرسلها للفرعون (75 سطر 36)، وفيه يحذر الفرعون من سطوة «شوبيليوليوما»، وقد كان من نتائج ذلك أن أصبحت الصداقة متينة العرى بين مصر و«متني» فترة من الزمن، ونرى صداها فيما دار من مراسلات بين البلدين في أثناء ذلك (1). وعلى أية حال نرى فيما بعد أن ملك «خيتا» كان على وئام عظيم مع كل من «متني» وملك «كاشي» (بابل) لدرجة أنهما قد موَّنوا «ريبادي» بالذخائر التي جعلت في استطاعته أن يهزم «عبدي أشرتا» وأولاده،(2)،ولكن أولاد «عبدي أشرتا» كان لهم يوم نصرهم لأنهم أصبحوا فيما بعد أقوياء بفضل سلطان الملك القوي، بعد أن أهدوه الذهب والفضة (3). ولا نزاع في أن عبارة «الملك القوي» تشير هنا إلى ملك «خيتا» أو ملك «متني» غير أن الرأي الأول هو الأفضل. وتدل شواهد الأحوال على أن «خيتا» كانت دائمًا في عداء مع المصريين وإن كان الفرعون لم يفطن لذلك في كل الأحيان؛ إذ قد حذر من شرهم في كثير من المناسبات، ولا أدل على ذلك مما جاء في خطاب ملك «قبرص» السالف الذكر. يُضاف إلى ذلك أن الخيتيين قد حرَّضوا ملك «أوجاريت» (رأس الشمرة) على أن يهجر الفرعون (4)، وساعدوا قوم «أوبي» في خروجهم على الفرعون (5)،وكذلك أغروا خدمًا وممثلين للفرعون على الانفصال عنه (6)، هذا إلى أنهم كانوا لا يتأخرون متى سنحت لهم الفرصة عن حرق أرض الفرعون وتخريبها (7)، ومع كل ذلك فإن ملك «خيتا» كان لا يتأخر في التحالف مع الفرعون، متى وجد ذلك في مصلحته، ولا أدل على ذلك من أن «شوبيليوليوما» عندما كان العداء بينه وبين «دوشرتا» طلب إلى فرعون مصر أن يجدد العلاقات الودية التي كانت بينه وبين «أمنحتب الثالث» (راجع الخطاب 41). ومن جهة أخرى كان الخيتيون معادين «لأزيرو»، على الرغم من محالفته لهم على «قطنا» (راجع الخطاب 55)، وكان «أزيرو» يخشى بأس ملك «خيتا» (راجع 157 سطر 28)، وقد كتب «أزيرو» للفرعون أنه لا يمكنه أن يأتي «لدودو» في البلاط المصري؛ لأن ملك «خيتا» كان في «نوخاشي» (راجع 165 سطر 18، 39؛ 166 سطر 22؛ 167 سطر 11، 20)، ومع كل ذلك فإن «أزيرو» كانت تضطره الأحوال إلى التحالف مع «خيتا» كما فعل ذلك على الأقل في حالة من الحالات (راجع 55)؛ وذلك لأننا نعرف من الخطاب 161 سطر 49 أن الفرعون قد وبخه؛ لأنه استقبل رسل «ملك خيتا»، والظاهر أن جنود «خيتا» كان عليها إقبال عظيم؛ فقد استعملوا في فتح جبيل (26 سطر 59) بقيادة رجل يُدعى «لوباكو»، وهم الذين استولوا على مدينتي «عمقي» و«عادومي» (راجع 170 سطر 14)، كما كانوا مصدر رعب للآموريين (راجع 165 سطر 20؟ 350؛ 166 سطر 24) ولأهل «تونب» (165 سطر 39؛ 166 سطر 25؛ 167 سطر 23). والواقع أن أهم رسائل «تل العمارنة» الخاصة بقوم «خيتا» خلافًا لما ذكرناه هما الخطابات الواحد والأربعون، والثاني والأربعون، وكلاهما من ملك «خيتا»، وقد تكلمنا عن أولهما، وهو الذي كتبه «شوبيليوليوما» لملك مصر، ويطلب فيه نفس المصادقة التي كانت بينه وبين الفرعون السابق، وبعد ذلك يعدد لنا الهدايا التي أرسلها لملك مصر، أما الخطاب الآخر 42 فيحتمل أن مرسله هو نفس ملك «خيتا» الذي أرسل الخطاب الأول، وإن كان ذلك ليس محققًا؛ لأن اللوحة مهشمة. والظاهر أن هذا الخطاب يتناول بعض سوء تفاهم كان بين العاهلين، وقد أراد كاتب الخطاب أن ينهي هذا الخلاف، ويقلل من أهميته بإرسال هدية خففت من وطأة غضب الفرعون، وأسدلت عليه ستارًا زينته تلك الهدية. وعلى أية حال فإن هذين الخطابين على الرغم من أنهما رسالتان تبودلتا بين العاهلين العظيمين فإنهما لم يضيفا الشيء الكثير لمعلوماتنا عن أي واحد منهما. وكل ما استفدناه تاريخيًّا منهما أننا علمنا اسم ملك خيتا «شوبيليوليوما» العظيم، وكذلك عرفنا أن لفظة «نبخوريا» الخيتية تقابل اسم ملك مصر (إخناتون)، وكذلك عرفنا من هذين الخطابين كيف كانت تُرسل التهاني، وكيف كانت تُبعث الرسل، وتعود ثانية بالتحيات والهدايا، كما تضع أمامنا صورة ناطقة عن حرص الملوك على استيفاء التحالف والمصادقة بينهم، وكيف أن «شوبيليوليوما» حكم في عهد كل من الفرعونين «أمنحتب الثالث» و«إخناتون «. وختامًا فإنه على الرغم من ضآلة هذه المصادر التي وجدناها في خطابات «تل العمارنة» عن الخيتيين، فإنا مدينون بالشكر لها؛ إذ لا بد أن تحتل مكانتها يومًا ما في بناء تاريخ حياة أو أخلاق شعب عظيم من شعوب الشرق القديم. دوَّنا هذه اللمحة العاجلة عن دول الشرق القديم الناشئة وعلاقاتها مع مصر وإمبراطوريتها الضخمة ليتسنى للقراء بها تتبع الحوادث التي سردناها في هذا الجزء من تاريخ مصر في عهد الأسرة الثامنة عشرة من جهة، وليستطيع من جهة أخرى اقتفاء أثر تلك العلاقات والحروب التي نشبت بين مصر و«خيتا» في عهد الأسرة التاسعة عشر عندما أراد فراعنتها استعادة مجد مصر في آسيا بعد أن كاد يُقضى عليه جملة في أواخر عهد إخناتون وأخلافه الضعفاء، لولا أن قيض الله للبلاد نخبة من رجال الحرب العظام اعتلوا عرش مصر متلاحقين، على رأسهم «حور محب»، ثم تلاه ملوك أسرة الرعامسة الذين أسسوا الأسرة التاسعة عشرة، وعلى يدهم استعادت مصر بعض مجدها وعزتها القومية.
...........................................
1- راجع الخطابين 54 سطر 40، 56 سطر 39 ... إلخ.
2- راجع الخطاب 116 سطر 17.
3- راجع الخطاب 126 سطر 66.
4- راجع الخطابين 45 سطر ،22 ،30؛ 151 سطر 55 ... إلخ.
5- راجع الخطاب 54 سطر 29، 33.
6- راجع 196 سطر 17؛ 197 سطر 24.
7- راجع 136 سطر 51؛ 174 سطر 11 ... إلخ؛ 175 سطر 11؛ 176 سطر 11.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|