أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-09
1071
التاريخ: 2024-06-15
714
التاريخ: 2024-09-08
323
التاريخ: 2024-10-17
440
|
وفي هذه الجهة من مدينة «طيبة» أقام «أمنحتب الثالث» قصرًا مُنِيفًا بجوار المكان المعروف الآن بمدينة «هابو»، وبذلك ضَرب بالتقاليد الموروثة مرة أخرى عرض الحائط، وذلك لأن السُّنَّة التي كانت متَّبَعة حتى عهده هي أن تكون الجهة الغربية من طيبة، مخصصة للمباني الجنازية وحسب، أما المباني الدنيوية فكانت مشاعة، ولعله أراد بذلك أن يكون بعيدًا عن جلبة المدينة وغوغائها، على الضفة اليسرى، وكذلك ليكون حُرًّا طليقًا في بحيرة نزهته التي بناها بجوار قصره. على أن كَرَّ الأيام وغِيَر الزمن، لم تُبْقِ من آثار هذا القصر الفاخر إلا قِطَعًا صغيرة من الحجر المنقوش، تمثل اثنتان منها انتصارات الفرعون على الآسيويين والسودانيين. وهذا المنظر بعينه قد عثرنا على مثيله، في جزء من بقايا عربة «تحتمس الرابع» السالفة الذكر (1) مرسومًا على ظاهرها. والواقع أنه لما كُشف عن بقايا هذا القصر حديثًا كشفًا علميًّا، لم نجد منه إلا بقايا ضئيلة جدًّا، مما يؤكد قول «ديدور» إن المصري كان يَعُدُّ مسكنَه مجرَّد مأوًى مؤقت. فلم تكن قصور الفراعنة تحوي من الآثار الضخمة ما كانت تحويه قصور «آشور»، بل كان بناءً من اللَّبِن مثل البيوت الأخرى، يحوطه إطار من الخشب، مرفوع على عَمَد، وله واجهات وأروقة، ويحتمل أنه كان قليل الارتفاع عظيم المساحة. وإذا أراد الإنسان أن يتخيل قصرًا مصريًّا في تلك الفترة فما عليه إلا أن يُرخِيَ لخياله العنان، من حيث العظمة والضخامة؛ إذ على ما يظهر كانت كل العناية موجَّهة إلى حسن الذوق في تنسيقه وزخرفته، وما بقي لنا من نتف صغيرة من زخرفة هذا القصر، يدل على أن «أمنحتب الثالث» كان مثله كمثل ابنه «أمنحتب الرابع» (إخناتون) يرغب في أن يجعل مناظر الطبيعة ممثَّلة داخل قصره لتكون متعة للعين، فلا بد أن مناظر طيور الماء وهي تسيح في أدغال نبات البشنين، والحمام وهو يرفرف في السماء الصافية الأديم، وغير ذلك مما صوَّره في مناظره، كانت تُدخِل على قلب هذا الفرعون السرور والغِبْطة، ولا بد أن حجرات هذا القصر كانت مؤثَّثة بأحسن ما يُنتِجه الفن المصري، من أنواع التصوير، والأداة الزخرفية الرشيقة، ولسنا مبالغين في هذا الخيال، ولا ذاهبين فيه شططًا، فإن فيما عُثر عليه من الأثاث الجنازي الفاخر في قبر «يويا» وزوجه «تويا»، وهما والدا الملكة «تي» زوج «أمنحتب الثالث» برهانًا ساطعًا على صِدْق ما تخيلناه. فقد وُجدتْ في هذا القبر قِطَع فنية من أحسن وأدقِّ ما أخرجه المفتنُّ المصري، وأحكم صناعته الصائغ الحاذق. ولسنا بذاهبين بعيدًا للبحث عن وصف قصر هذا الفرعون، ففيما خلفه لنا «توت عنخ آمون» من أثاث فاخر، وما كُشف عنه حديثًا من بقايا قصر «أمنحتب الرابع» في «إخناتون»، وقد كان يسكنه والده في آخر أيام حياته ما يُغني عن كل وصْف وتهويل. أما قصور عظماء القوم فسنتحدث عنها في حينها. حقًّا كان قصر «أمنحتب الثالث» مقامًا من اللبِن ومثله في ذلك كمثل كل قصور الفراعنة، غير أنه على ضوء ما عُثر عليه فيه من بقايا، وعلى ضوء محاكاته لقصور ابنه «أمنحتب الرابع» التي سنصفها بعد، كان لا بد مزينًا بأجمل الزينة، ويجب أن نتصوره بوصفه بيتًا صيفيًّا ذا ألوان جميلة بهيجة، له ممرات وردهات وسُقُف خفيفة الوزن، محمولة على عَمَد مزخرفة، متكئة على قواعد من حجر، وله مظلات مصنوعة من ألوان زاهية تحجب أشعة الشمس المحرقة، مقامة بجانب بحيرته الصناعية، التي أقامها بخاصة، في مكان أُطلق عليه اسم «زعر وخا» (مقصد النعيم) وقد كان يتنزه على مياهها «أمنحتب الثالث» وبجواره زوجه الملكة «تي» في قاربه المسمى «تحن آتون» (قرص الشمس يطلع). ولا يبعد أن «أمنحتب» قد أقام هذا القصر في الجهة الغربية من النيل ليتسنَّى له حَفْر بحيرة «تاروجا» التي تُعَدُّ من أحسن مباهج عصره. ويُعَدُّ الاحتفال العظيم الذي أُقيم تخليدًا لإنجاز هذه البحيرة بما فيه من عظمة وأبهة ظلًّا من ظلال الحوادث العظيمة التي امتاز بها حكم هذا الفرعون، وقد سجل «أمنحتب الثالث» تاريخ حفر هذه البحيرة على جِعْران ليكون ذكرى باقيةً، كما فعل بتسجيل أعماله الأخرى الخالدة، فاستمع لما نُقش عليه: «السَّنَة الحادية عشرة الشهر الثالث من الفصل الأول اليوم الأول في عهد جلالة (ألقاب الملك) الفرعون «أمنحتب الثالث» معطي الحياة، والزوجة الملكية العظيمة «تي» العائشة. لقد أمر جلالته أن تُصنع بحيرة (2) للزوجة الملكية العظيمة «تي» في مدينتها «زعر-وخا». ذَرْعها سبعمائة وثلاثة آلاف ذراع واتساعها سبعمائة ذراع. وقد احتفل جلالته بعِيد فتح هذه البحيرة في الشهر الثالث من الفصل الأول اليوم السادس عشر، عندما ساح جلالته فيها بالقارب الملكي المسمى «آتون يسطع».» (راجع Breasted, A. R. § 869). ولا نزاع في أن إتمام هذه البحيرة في هذه المدة القصيرة لأكبر دليل على النظام المدهش والمهارة الفائقة في تنسيق نواحي العمل في البلاد، فهذه البحيرة التي يبلغ طولها أكثر من ميل ويبلغ عرضها نحو نصف ميل قد أُنجزت في خمسة عشر يومًا. أهمية اسم القارب «تحن آتون»: على أن الأهمية الحقيقية للمؤرِّخ هنا، لم تكن في الواقع تُحصَر في بناء هذا القصر أو في حفر تلك البحيرة، بل ربما كانت الأهمية العظمى تنحصر فيما ينطوي عليه اسم هذا القارب الذي كان يمخر عباب البحيرة بالملك من معنًى عميق؛ وذلك لأن الاسم «تحن آتون» (قرص الشمس يسطع) كان أول مظهر رسمي لاسم إله جديد مُزج باسم هذا القارب «آتون» وسيكون له بعد خمسة وعشرين عامًا أكبر مكانة عند الفرعون، كما سيكون أكبر شؤم وأبغض شيء عند السواد الأعظم من المصريين. على أنه لا يمكن الجزم في هذه الآوِنَة بما إذا كان «آتون» الذي يحتفل «أمنحتب» بضوئه في اسم قاربه هو نفس «آتون» الذي كان يقصده والدُه «تحتمس الرابع» ثم ابنه «إخناتون» فيما بعد أم غيره، وإنْ كانت كل الدلائل والظواهر تدل على أنه هو بعينه كما سبق ذكره. وعلى أية حال فإن مجرد ظهور هذا الاسم في هذه الفترة، وبعد ذكره في عهد «تحتمس الرابع» يُعدُّ البذرة الأولى، لقيام هذا المذهب الجديد فيما بعد جملة. وعلى أية حال، فإنا نجد «أمنحتب الثالث» قد بقي — ولو ظاهرًا — مؤمنًا بآلهة آبائه الأولين؛ مما جعله يستمر في إقامة المباني الضخمة لهم في «طيبة» وفي جميع أنحاء جهات القُطْر.
.............................................
1- راجع: Porter and Moss, “Bibliography” , I. p. 200.
2- راجع: Bulletin de l’Institut de l’Egypte XX (1938) p. 51ff ، حيث تجد رأيا آخر عن سبب بناء هذه البحيرة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|