أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-3-2021
2205
التاريخ: 26-9-2020
10251
التاريخ: 22-4-2019
2125
التاريخ: 23-3-2022
1759
|
قد سبق في بحث اليقين ما استبان لك أنّ الرؤية عبارة عن كمال الإدراك ونهاية الكشف وأنّها لا تسمّى رؤية لكونها العين، بل لو خلق هذا القدر من الكشف في الجبهة أو الصدر استحقّ أن يسمّى رؤية، وأنّه إذا كان الحال في المحسوسات كذلك فكذا في المعلومات، فيسمّى آخر مراتب العلم بالنسبة إلى مباديه كشفاً ومشاهدة ولقاءً ورؤية، فكما أنّ سنّة الله جارية بأنّ تطبيق الأجفان يمنع من تمام الكشف بالرؤية في المحسوسات ويكون حجاباً بين البصر والمرئي ولا بدّ من ارتفاع الحجاب حتّى يصدق الرؤية والا كان خيالاً لا رؤية فكذا عادته تعالى جرت بأنّ النفس ما دامت محجوبة بعوارض البدن وعلائق الشهوات والصفات البشرية لم تنتهِ إلى المشاهدة واللقاء في المعلومات الإلهيّة.
ثم بعد ارتفاع تلك الحجب بالموت تبقى في النفس كدرتها ولا تنفكّ عنها دفعة بالمرّة وإن تفاوتت، فمن النفوس ما تراكم عليها الخبث فصارت كالمرايا الفاسدة بطول تراكم الخبث بحيث لا تقبل التصقيل واصلة إلى حدّ الرين والطبع فهم محجوبون عن ربّهم أبدا لآباد، أعاذنا الله منه بمنّه وجوده.
ومنها ما لم يصل إليه فيعرض على النار ليقمع منه الخبث العارض ويتفاوت ذلك بقدر حاجتها إلى التزكية، وأقلّها لحظة إلى سبعة آلاف سنة {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } [مريم: 71] فكلّ نفس تتيقّن بالورود عليها ولا يقين لأحد بالصدور منها، فإذا كملت التزكية وبلغ الكتاب أجله وفرغ عن جملة ما وعد الله به عباده من أحوال الموت وأهوال منكر ونكير والبرزخ والحساب والصراط وغيرها إلى أن يستوفي استحقاق الجنّة ويستعدّ بصفائه عن الكدورات حتّى لا يرهق وجهه غبرة ولا قترة ولا ذلّة لأن يتجلّى فيه الحقّ، تجلّى تجلّياً يكون انكشافه بالإضافة إلى ما علمه سابقاً كانكشاف المرئي بالنسبة إلى المتخيّل.
وهذا هو الرؤية والمشاهدة واللقاء دون الرؤية بحسّ الأبصار فإنّه ممّا يتعالى عنه ربّ الأرباب ولو في يوم الحساب كما وردت به الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام وشهدت به بصيرة العقل بنور الاعتبار وصارت من ضروريّات مذهب الشيعة كالشمس في رابعة النهار، وإنّما المقصود هو الأوّل، كما سئل أميرالمؤمنين عليه السلام: هل رأيت ربّك حين عبدته؟ فقال: ويحك لم أعبد ربّاً لم أره، قيل: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (1).
فما دلّ بظاهره من كلماتهم على خلاف ذلك ينبغي تأويله جمعاً بينه وبين النصوص المصرّحة بخلافه، فإنّ تأويل الظاهر بالقاطع أمر شائع وباب المجاز باب واسع.
فظهر أنّه لا يفوز بدرجة المشاهدة واللقاء الا العارفون في الدنيا؛ لأنّ المعرفة هي البذر الّذي ينقلب في الآخرة مشاهدة كما تنقلب النواة نخلة والبذر زرعاً ومن لا نواة له كيف يحصل له نخل، ومن لم يعرف الله في الدنيا كيف يراه الآخرة؟
ولمّا كانت مراتب المعارف في الدنيا مختلفة فمراتب التجلّيات في الآخرة كذلك كاختلاف النبات باختلاف البذور بسبب قلّتها وكثرتها وحسنها وضعفها وقوّتها فكما أنّ في الدنيا من يؤثر لذّة الرئاسة على الجماع والأكل والشرب، فكذا في الآخرة من يؤثر لذّة النظر إلى وجهه الكريم على ما في الجنان من الحور والنعيم.
وإذ علمت أنّ للعارفين في معرفتهم وفكرتهم ومناجاتهم مع الله سبحانه في الدنيا لذّات لو عرضت عليهم الجنّة في الدنيا بدلاً عنها لم يستبدلوا بها وعلمت أنّها مع كمالها لا نسبة لها إلى لذّة اللقاء والمشاهدة، فكما أنّ لذّة النظر إلى وجه المعشوق في الدنيا يتفاوت بكماله في الحسن ونقصانه وكمال الحبّ والشهوة ونقصانهما وكمال الإدراك وضعفه فإنّ رؤيته من وراء الستر الرقيق أو في الظلمة أو من بعد غير رؤيته في وسط النهار على قرب منه واتّصال به من دون حائل وحجاب.
وكذا بالخلّو عن المشاغل القلبيّة والعوائق النفسيّة ومشوّشات الخاطر وعدمه كالصحيح على (2) المريض والمهموم المشغول قلبه بحادث يزعجه عن السكون مع الفارغ المطمئنّ، فلو فرض عاشق ضعيف العشق ينظر إلى وجه معشوقه من بعد ومن وراء ستر رقيق مع اجتماع عقارب وحيّات تلدغه وتؤذيه وتشغل قلبه فلا يخلو حينئذ من لذّة ما من مشاهدة معشوقه، فلو عرضت له على الفجأة حالة انهتك معها الستر واندفعت عنه المؤذيات وبقي سليماً فارغاً وهجم عليه العشق المفرط، فانظر هل للذّة الحادثة له حينئذ نسبة إلى اللذّة الاولى، فالبدن ستر حاجب للنفس كما أشرنا إليه، والشهوات الحسيّة كالعقارب والزنابير والحيّات وفتور الشهوة مثال لقصور النفس ونقصانها عن الميل إلى الملأ الأعلى كقصور الصبّي عن إدراك لذّة الرئاسة وعكوفه على اللعب بالعصفور، فالعارف وإن قويت معرفته في الدنيا الا أنّه لا يخلو عن هذه المشوّشات وإن ضعفت في بعض الأحيان لاح عليه من جمال المعرفة ما يبهر به العقل بحيث يكاد القلب يتفطّر لعظمته، الا أنّه كالبرق الخاطف قلّما يدوم بل يعرض له من ضروريّات البدن من الشواغل والأفكار ما يشوّشه وينغصه، فالحياة الطيّبة بعد الموت وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، وسالك الآخرة ما لم يصل إلى المرتبة التي أعدّ لها يكره الموت طلباً للاستكمال في المعرفة، فإنّها بحر لا ساحل له، وهي بمنزلة البذر في القلب كلّما كثرت قويت المشاهدة وعظمت اللذّة والإحاطة بكنه صفات الله وأفعاله متعذّرة.
نعم ربّما عظمت اللذّة بحيث ذهل عن هذا المعنى وتفطّن بأنّ اللذّة الحقيقيّة إنّما تتم بعد الموت خاصّة واشتاق إليه، فمحبّة العارف للموت لشوقه إلى الوصل واللقاء ومحبّته للقاء لحرصه على المعارف التي لا تتناهى طلباً لقوّة اللذّة وعظم كيفيّة المشاهدة بزيادتها، ولذا عدّ طول العمر من أقسام السعادة وأسبابها، وطلب في الأدعية من الله سبحانه، بخلاف طالب الدنيا، فإنّه يكره الموت إذا اشتدت علاقته بالدنيا واستلذّ من حطامها، ويحبّه إذا ضاقت عليه الدنيا بحذافيرها.
__________________
(1) الكافي: 1 / 98، كتاب التوحيد، باب في إبطال الرؤية، ح 6، مع اختلاف.
(2) كذا، والظاهر: مع.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|