أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-7-2016
1619
التاريخ: 29-7-2016
1424
التاريخ: 2024-03-16
712
التاريخ: 2023-12-19
1159
|
الرضا أفضل مقامات الدين، وأعلى منازل المقرّبين، وهو ترك الاعتراض والسخط لأفعال الله تعالى ظاهراً وباطناً قولاً وفعلاً، وهو من ثمرات المحبّة، إذ المحبّ يستحسن ما يفعله المحبوب، وصاحب الرضا يستوي لديه الحالات كلّها، والآيات والأخبار في مدحه ممّا لا تحصى.
قال النبي صلى الله عليه وآله لطائفة: «ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون، فقال: ما علامة إيمانكم؟ فقالوا: نصبر عند البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء. فقال: حكماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء» (1).
وقال صلى الله عليه وآله: «إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه» (2).
وقال الصادق عليهالسلام: «أعلم الناس بالله أرضاهم بقضائه» (3).
وفي الخبر: «أنّ موسى عليهالسلام سأل ربّه أن يدله على ما فيه رضاه، فقال تعالى: إنّ رضاي في رضاك بقضائي» (4).
وبهذا المضمون أخبار كثيرة، وهذا من فوائد الرضا وهو من أعظمها ورضوان من الله أكبر.
وورد ذلك في تفسير: {ولدينا مزيد} يقول الله تعالى: «إنّي عنكم راضٍ وهو أفضل من النعيم والهديّة والتسليم» (5).
ورضا الله من العبد حبّه له، وهو سبب لدوام النظر والتجلّي وهو غاية مراد المريدين.
تنبيه:
أنكر بعض الناس تحقّق الرضا في أنواع البلاء وما يخالف الهوى وجعل الممكن فيها الصبر، وهو كما قيل في ناحية من إنكار المحبّة (6)، فإن حبّ المخلوق قد يستغرق الهمّ بحيث يبطل إحساس الألم فتصيبه الجراحات ولا يحسّ بألمها، بل الطالب المسارع في شغل قد يعدو فتصيبه جراحة من شوك يدخل في رجله ونحوه ولا يشعر به، وقد حكى الله تعالى عن النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ ما هو أعظم، وحكايات العشّاق مشهورة مسطورة نظماً ونثراً، وحبّ الله تعالى أعظم المحابّ وشغل القلب به من أعظم المشاغل فلا يقاس بجماله جمال، وكلّ جمال من آثار جماله ومظاهر قدرته وجلاله، فأيّ بعد في أن تدهش به عقول ذوي العقول فلا يحسّوا بما يجري عليهم من المصائب والآلام، وربما لم يبلغ المحبّ هذا المبلغ فيحسّ بالألم، لكن يرضى به ويرغب إليه بعقله دون طبعه، كالذي يفصد أو يحتجم بإرادته ترجيحاً للنفع المتوقّع على الألم العاجل أو لرضاء محبوبه على رضاه فيسعف مأموله وينجح مطلوبه ومسؤوله.
فإذا حصلت هذه المراتب في المحبّة الضعيفة الحاصلة للمخلوقين فيما بينهم فأولى بحصولها في محبّة الله تعالى سبحانه.
تمحيص وتحقيق:
الدعاء الذي تأكّد الأمر به في الآيات والأخبار لا ينافي الرضا، وكذا بغض الكفّار والعاصين والأمر بنهيهم عن مخالفة شعائر الدين المبين، ومع عدم الإنزجار بدفعهم وقمعهم ومع عدم التمكّن بالاعتزال الهجرة عنهم.
وما توهّمه بعضهم من أنّ ما يقصد ردّه بالدعاء من قضاء الله وقدره وكذا الكفر والعصيان فيجب الرضا بها، فرأوا السكوت عنها من مقامات الرضا، واضح الفساد، كيف ومقام الأنبياء والأوصياء من أعلاها وقد كثرت الأدعية المأثورة بما لا تحصى.
وكذا الحثّ والثناء في الكتاب والسنّة على الدعاء وأهل الدعاء وبولغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما وصرّح بموادّة المؤمنين وبغض الكفّار والمنافقين، بل مطلق المخالفين بما هو أظهر من أن يخفى، هذا مع ما يشاهد من إيجاب الدعاء لصفاء القلب وتنوّر النفس وكشف الأسرار وتواتر مزايا لطف الكريم الغفّار وإفاضة الخيرات والبركات بسببه إلى العباد، فإنكار ذلك جهل وغرور أو مكابرة وعناد، ولا منافاة بينها وبين ما دلّ على علوّ مرتبته الرضا بالقضاء، فإنّ عادة مبدع النظام الأصلح وربّ الأرباب قد جرت بترتيب المسببات على الأسباب وإسناد المبدعات والكائنات والأفعال طرّاً إلى الوسائط التي بها يتمّ الانتساب، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21].
والقدر عبارة عن وجود الأشياء مفصّلة في الخارج مرتّبة على أسبابها التفصيليّة واحدًا بعد واحد، والقضاء وجودها إجمالاً في العالم العقلي مجتمعة على سبيل الإبداع، وذلك أنّه قد لمع في محلّه بنيّر البيان واتّضح بنور البرهان أنّ واجب الوجود وإن كان علّة لجميع الأشياء، والوجودات بأسرها فائضة من وجوده الا أنّ حدوث الحوادث لمّا كان مفتقراً إلى تصرّف الطبائع وتحريك الموادّ، وذلك ممّا لا يليق بكبريائه تعالى، فلذا نسبت إلى الوسائط، ولا يلزم منه نفي الفاعل المختار على ما توهّم لما حقّق في محلّه، فيكون المعلول الأوّل على هذا واسطة لفيضان الوجود على سائر الموجودات التي بعده فكان وجوده مشتملاً على وجوداتها اشتمالاً إجماليّاً، فيكون القضاء عبارة عمّا ذكرناه من وجودها إجمالاً في العالم العقلي، أي المعلول الأول، والقدر عبارة عن وجوداتها الخارجيّة المترتّبة على وسائطها في الخارج مطابقة لمّا في القضاء، ولما كان وجود المعلول الأوّل بما يشتمل عليه من الوجودات على الوجه الكلّي مفاضاً من الوجود الواجبي الذي هو عين ذاته، وثبت أيضاً علمه بذاته بما هو عين ذاته لا جرم كان علمه محيطاً بالكلّ على ما هو عليه إحاطة تامّة، فنسبة القضاء إليه كنسبة القدر إلى القضاء، ويسمّى العالم المزبور بالعناية الأولى.
وإذا ثبت جريان عادته تعالى بترتب المسبّبات على الأسباب، وكان ذلك هو النظام الأصلح بحالها، فمن جملتها الصدقة والدعاء وأمثالهما، وكما أنّ شرب الماء سبب لإزالة العطش مثلاً فلا تحصل الا به فكذلك الدعاء سبب رتّبه الله تعالى لدفع البلاء ولو لم يدع نزل به كما لو لم يعالج المريض بالدواء والغذاء، فإنّه لا يصحّ بل يموت وهو واضح.
فإن قلت: إذا كان في علم الله وقضائه السابق أنّ زيداً يدعو ويتصدّق ويندفع بذلك بليّته لدعا وتصدّق واندفعت عنه والا فلا يفعل ولا يندفع عنه، فأيّ فائدة في سعيه واجتهاده؟
قلت: هذه شبهة تورد لنفي الاختيار في أفعال العباد، ولا ربط لها بحديث منافاة الدعاء للرضا.
ومجمل الجواب: أنّ علمه تعالى ليس علّة لفعل العبد وإن طابقه فالعبد لما كان يفعل باختيار، علم الله كذلك، لا أنّه لما علم كذلك فعل العبد.
والحقّ أنّ فعل العبد مخلوق له من دون واسطة بإرادته واختياره ومخلوق له تعالى بوساطة العبد كما في سائر الموجودات، لا أنّه ليس له إرادة واختيار في الفعل، كما يقوله المجبّرة ولا أنّه يحصل من غير علّة واجبة كما يقوله المفوّضة، بل هو أمر بين أمرين بالنهج المزبور، كما وردت به النصوص عن الأئمّة المصطفين، فالاختيار والإرادة مخلوق لله تعالى في العبد كسائر الآلات والأسباب المخلوقة فيه، وهو لا ينافي الاختيار، فإنّ المراد من الفعل الاختياري ما كان مبدؤه الاختيار، وأمّا صدور الاختيار أيضاً عن اختيار آخر، فلا ضرورة تلجئ إليه، غاية ما هناك صيرورة الفعل واجباً بسبب الاختيار وهو لا ينافيه، وتمام الكلام يحتاج إلى بسط يفوت به زمام المرام.
وبالجملة فالدعاء مباشرة سبب رتَّبه مسبّب الأسباب، والتمسّك بالأسباب جرياً على سنّة الله تعالى لا ينافي التوكّل ولا الرضا، كما أنّ شرب الماء وأكل الخبز ومعالجة المريض بالدواء والغذاء لا تنافيهما.
فإن قلت: ما دلّ على كراهة المعاصي ينافي ما دلّ على حسن الرضا بالقضاء الا أن يقال بعدم صدورها منه وهو قدح في التوحيد.
قلت: أفعال العباد وإن كانت كسائر الموجودات بقضاء الله وقدره، الا أنّه فرق بين المقامين حيث إنّ ما سوى أفعال العباد من الموجودات الخارجية جارية بقضاء حتم وقدر لازم منه تعالى.
وأمّا هي فمعلّقة باختيارهم وإرادتهم ومستندة إليهم، كما وردت في الأخبار عن العترة الأطهار، واقتضاها نور البصيرة والاعتبار للزوم الجبر و(7) الظلم من الله المجيد والعبث في التكليف والوعد والوعيد.
فالمراد من كونها بقضاء الله وقدره إمّا تعلقها بها كما فسّره أميرالمؤمنين عليه السلام فإنّها أسباب ذاتية للطاعة عرضيّة للمعصية. والمراد منهما هنا السببيّة في الجملة.
وإمّا كونها صادرة عن الأسباب وبتوسّط الوسائط التي هي فعل الله حقيقة، ومنها الارادة والاختيار كما عرفت، حيث أنّ وجوده مشتمل على سائر الوجودات وعلمه محيط بكلّ المعلومات كما أشرنا إليه.
فعلى الأوّل يكون معنى الرضا بالقضاء فيها الرضا بتكليف الشارع ووعده ووعيده بها وهو من لوازم الايمان، ولا منافاة له حينئذٍ أصلاً.
وعلى الثاني تكون لها جهتان واتّصافها بالمعصية والقبح وتعلّق الأمر ببغضها وزجر أربابها من حيث تعلّقها به وكونها أفعالاً اختياريّة لهم حقيقة، واتّصافها بكونها صادرة عن قضاء الله وقدره من الجهة الأخرى، وليس الاتصاف بالعصيان من تلك الجهة لتعلّقه بنفس الفعل الذي هو فعل العبد دون أسبابه التي هي فعل الله تعالى.
وعليك بالتأمّل فيما تلوته عليك في هذا المقام فإنّه من مزالق الأقدام، وقد خبط فيه بعض الأعلام بما يطول بنقله الكلام.
ومنه يظهر الجواب عن المنافاة بين ما دلّ على مدح الرضا وبين ما دلّ على بغض الكفّار والفجّار ومقتهم، فإنّهم وإن كانوا من آثار صنعه ووجودهم صارد بقضائه وقدره الا أنّ بغضهم ليس لأجل وجودهم الذي هو منه، بل هو خير محض يجب حبّه لأجله، وإنّما هو لأجل فعلهم الصادر عنهم بإرادتهم واختيارهم وليست الشرور الصادرة عنهم من لوازم وجودهم، فإنّ كلّ مولود يولد على الفطرة، والّا لما صحّ التكليف والثواب والعقاب، وما ينافي ذلك بظاهره من الآثار يجب تأويله بما ليس المقام مقام ذكره.
والعجب ممّن يزعم أنّ السكوت عن المعاصي والرضا بها من مقامات الرضا مع أنّه تعالى نهى عباده عنها وذمّهم عليها وبعث أنبياءه ورسله لردعهم عنها، وكيف يتصوّر الرضا بما يقطع بعدم رضاه تعالى بفعلها، إذ المعصية ما لا يرضى الله سبحانه بفعلها فالرضا بها مناف لغاية الرضا، مع أنه لو أمكن القول بصحّة الرضا بها لكونها بقضاء الله وقدره أمكن القول بصحّة فعلها أيضاً لذلك، ويلزم منه إنكار كون المعصية معصية.
تذنيب:
وأمّا طريق تحصيل هذا المقام المنيف فإنّما يتمّ بكمال المعرفة المستتبعة للمحبّة وتحصيل مرتبة اليقين بالتوحيد الفعلي، وأنّه لا مردّ لقضائه والكراهة لأفعاله تعالى تعجيل عقوبة من دون فائدة بخلاف الفائز بمقام الرضاء حيث إنّه دائماً في حال راحة وسرور وبهجة وحبور.
واعلم أنّ التسليم قريب من الرضا، ويسمّى تفويضاً أيضاً، بل هو أعلى مقاماته؛ لأنّ العلاقة ملحوظة في الرضا أعني موافقة الأفعال لطبعه بخلاف التفويض حيث يلاحظ فيه قطع العلائق بالمرّة وتفويض الأمر إليه بالكليّة، كذا قيل، فتأمّل.
وبالجملة؛ فهما مشتركان في كونهما من آثار المحبّة، والمحبّ لا يظهر البلاء في معرض الشكوى، بل ينكره بقلبه أبداً حتّى قال السلف: من حسن الرضا ألا يقول هذا يوم حارّ، وأنّ العيال تعب ومحنة، وأنّ في العبادة ونحوها كلفة ومشقّة إذا كان على سبيل التشكّي، أمّا إذا تعلّق به غرض صحيح فلا ينافيه، أرضانا الله بما يحبّ ويرضى، وجنّبنا عمّا لا يحبّ ولا يرضى.
__________________
(1) المحجّة البيضاء: 8 / 87.
(2) المحجّة البيضاء: 8 / 67.
(3) الكافي: 2 / 60، كتاب الإيمان والكفر، باب الرضا بالقضاء، ح 2، مع اختلاف.
(4) المحجّة البيضاء: 8 / 89.
(5) المحجّة البيضاء: 8 / 87 وفيه تفصيل يعرف به المراد من الهدية والتسليم، وليس فيه ذكر «النعيم».
(6) كذا، والظاهر أنّ الصحيح: كما قيل من ناحية إنكار المحبة.
(7) كذا، والظاهر زيادتها.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|