المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6234 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



التوبة.  
  
718   09:59 صباحاً   التاريخ: 2024-03-12
المؤلف : محمد حسن بن معصوم القزويني.
الكتاب أو المصدر : كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء.
الجزء والصفحة : ص 447 ـ 458.
القسم : الاخلاق و الادعية / الفضائل / التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-13 831
التاريخ: 2024-03-13 640
التاريخ: 12-7-2021 1768
التاريخ: 21-7-2016 1621

التوبة عن الذنوب مبدأ طريق السالكين ورأس مال الفائزين ومفتاح استقامة المريدين، وهي أصل النجاة، وبها ينقذ من شفا جرف الهلكات، والآيات والأخبار في مدحها وفضلها كثيرة.

قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8].

 والنصوح الخالص الخالي عن شوائب الأغراض.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222].

وقال النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله: «التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له» (1) وغير ذلك.

وفسّرها بعضهم بتنزيه القلب من الذنب والرجوع من البعد إلى القرب.

وقيل: إنّها ترك المعاصي في الحال والعزم على تركها في الاستقبال والتدارك لما سبق من التفريط.

وقيل: بل هي معنى ينتظم من العلم بضرر الذنوب وكونه حجاباً بين العبد والمحبوب، والندم، أي ألم القلب بفواته الحاصل منه، والعزم على الترك حالاً واستقبالاً مع التلافي لما مضى فيما يقبله بالجبر والقضاء، فالعلم مطلعها، إذ المراد منه الإيمان أي التصديق واليقين بأن الذنوب سموم مهلكة فإذا استولى على القلب وأبصر بنور الإيمان كونه محجوباً عن مطلوبه مفوّتاً (كذا) لمحبوبة أشرق عليه نار الندم وتألّم به كمن أشرق عليه نور الشمس بعد ما كان في ظلمة سحاب أو حجاب فرأى محبوبه مشرفاً على الهلاك حيث تشتعل نيران الحبّ في قلبه، فينبعث منه إرادة النهوض للتدارك.

وقد يطلق على الندم وحده ويجعل الأوّل مقدّمة سابقة والأخيرة ثمرة لاحقه.

ولذا قال صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله: «الندم توبة» (2).

وإليه نظر من حدّها بأنّها ذوبان الحشا لما سبق من الخطا، ومن قال: إنّه نار تلتهب وصدع في الكبد لا ينشعب.

وباعتبار معنى الترك قيل: إنّها خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء.

وما يقال من أنّ الندم غير مقدور إذ كثيراً ما يقع على أمور في القلب لا يريد أن يكون كذلك، والمقدور أسبابها أعني العلم المزبور، فلا يكون داخلاً في حقيقتها؛ لأنّها مقدورة حيث أمر بها، ضعيف لأنّ ماله سبب مقدور يكون مقدوراً كما تبيّن في محله.

ثم التوبة لا تكون الا عن ذنب سابق والا كان تقوى وورعاً، ولذا لا يصحّ أن يقال إنّ النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله تائب عن الشرك، ولا إشكال في توبة من لا يقدر على الإتيان بها في المستقبل إن فسّرناها بالندم خاصّة، كما هو الظاهر، فإنّ عدم ترتّب بعض الثمرات لا ينافي ثبوت الحقيقة مع ترتّب بعض آخر عليها كالتلافي بالتضرّع والطاعة، وكذا إن فسّرت بالمجموع، لأنّ جزأها العزم على الترك مطلقاً، فإنّ عدم كونه اختيارياً يجامع كون العزم عليه اختيارياً أي لو كان قادراً على الفعل، فلا حاجة إلى تقييده بترك ما سبق مثله وتعميم المثل بالنسبة إلى الصورة والمنزلة كما قيل (3)، لعدم تبادره من اللفظ، بل مخالفته لظواهر بعض الأخبار.

ومنه يظهر فساد ما قيل من عدم قبول توبة العنّين من الزنا الذي قارفه قبل طريان العنّة؛ لأنّها عبارة عن ندم ينبعث منه العزم على الترك فيما يقدر على فعله، وما لا يقدر عليه قد انعدم بنفسه لا بتركه إيّاه.

قيل: لو انكشف عليه بعدها ضرره وثار منه احتراق وندم بحيث لو بقيت فيه شهوة الوقاع قمعها وغلبها فهو ممّا يرجى تكفيره، إذا لا خلاف في قبول توبته قبلها وإن لم يطرأ عليه تهييج الشهوة وتيسّر أسباب قضائها، وليس إلا لبلوغ ندمه حدّاً صرف قصده عنه، فلا يستحيل أن يبلغه في العنّين أيضاً، فكلّ من لا يشتهي شيئاً يقدّر نفسه قادراً على تركه بأدنى خوف والله مطّلع على نيّته ومقدار ندمه وحسرته.

والحاصل محو ظلمة الذنب يكون بحرقة الندم وشدّة المجاهدة في الترك في المستقبل معاً فإذا امتنعت الثانية لم يبعد بلوغ الندم حدّاً يقوى على محوها بدونها، ولولاه لزم عدم قبولها ممّن لا يعيش بعدها مدّة يتمكّن من المجاهدة مرّات متعدّدة، وليس في ظاهر الشرع اشتراطه (4).

واعلم أنّ وجوب التوبة ثابت من الآيات والأخبار وإجماع الأمّة والاعتبار، فإنّ وجوب الأفعال وحرمتها على اختلاف مراتبها فيهما لأجل كونها وسائل إلى السعادة الأبديّة أو الشقاوة السر مدية سيّما على طريقة العدلية من عقليّة الحسن والقبح، وكون التكليف لطفاً، وإذا علمت انحصار السعادة الحقيقيّة في لقاء الله تعالى في دار القرار علمت أنّ المحجوب عنه شقي محترق بنار الفراق في دار البوار.

وإذا تبيّن لك أن لا حاجب عنه الا اتّباع الشهوات وارتكاب السيّئات لكونها إعراضاً عن الله [وانساً بالعالم الفاني، ولا مقرّب إليه الا قطع العلائق عنها والإقبال بالكلّية إليه طلباً للأنس] (5) بذكره الباقي علمت أيضاً انّ الانصراف عن طريق البعد واجب للوصول إلى القرب، ولا يتمّ الا بالثلاثة المشار إليها التي هي حقيقة التوبة كما عرفت. ومقدّمة الواجب واجبة عقلاً وشرعاً، ولا ينافيه كون الندم والألم ضرورياً لا يدخل تحت الاختيار؛ لأنّ سببه اختياري، والوجوب بالاختيار لا ينافيه.

ثمّ إذا علمت أنّ العلم المزبور من الايمان وأنّه من علوم الأعمال التي لا يمكن الخروج عن عهدتها الا إذا صارت باعثة على فعل أو ترك فمن لم يترك الذنب بعد العلم بضرره كان فاقداً لهذا الجزء من الايمان.

ولذا ورد « أنّ الزاني لا يزني حين يزني وهو مؤمن» (6)، حيث لم يرد من الايمان فيه العقائد الحقّة لعدم منافاتها للزنا وأمثاله، بل الإيمان بكونه مبعّداً عن الله تعالى، سبباً لمقته، فالعاصي ناقص الإيمان؛ لأنّه نيّف وسبعون باباً أعلاها شهادة أن لا إله الا الله وأدونها إماطة الأذى عن الطريق والتوحيد بالنسبة إليه كالروح للإنسان يوجب فقده فقده بالمرّة والطاعات بمنزلة الصورة والجوارح لا يتحقّق كمال النوع الا بها، فالمقرّ بالشهادتين بدونها كإنسان فاقد الجوارح والأعضاء والآلات في كونه قريباً من الممات شبيهاً بالأموات؛ لأنّه إيمان لم يثبت أصله في اليقين ولا فروعه في الأعمال لم يثبت على عواصف الأهوال، وخيف عليه الختم على أسوء الأحوال الا ما سقي بماء الطاعات على مرّ الدهور وتعاقب الأوقات حتّى اتّصف بالدوام والرسوخ والثبات، وهذا قاطع نياط قلوب العارفين خوفاً من دواهي الموت التي لا ثبات معها الا للأقلّين، فكما أنّ الصحيح الخائض في مضرّات المطعومات مغرور باستناده إلى صحّة بدنه في ظنّ عدم الممات لعدم وقوعها فجأة في أغلب الأوقات بل يمرض الصحيح ثم يصير من الأموات فكذا الموحّد المنهمك في معاصي الرحمن فإنّها كالمطاعم المضرّة بالنسبة إلى الأبدان فيخاف سواء الختم بسلب الإيمان وبه يخلّد في النار كسائر المشركين والكفّار، فإن وجب على الخائف من هلاك بدنه الحفظ عن أكل السموم ومضرّات الطعوم ومع أكله لها التقيّؤ والإخراج من المعدة كيف كان على الفور والبدار تلافياً لبدنه المشرف على الهلاك والتبار مع أنّه لا يفوت بها الا الدنيا الدنيّة الفانية، فبالحري أن يكون متناول سموم الذنوب أولى بالتدارك لما فاته من النعيم المقيم والملك العظيم، وما يتوقّع من فواته من العذاب الأليم ونار الجحيم، فالبدار يا إخوان الحقيقة وخلّان الطريقة إلى التوبة الرفيعة الأنيقة قبل أن يعمل سموم الذنوب بروح الإيمان ما لا ينفع بعده الاحتماء وينقطع عنه تدبير الأطبّاء، فلا ينجع نصح العلماء الأبرار ويحقّ القول عليكم من الله القهّار بالخسار والبوار، فيقول: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: 9، 10] .

 

تأكيد وتنصيص:

قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا..} [النور: 31] يعمّ الجميع مع أنّ معناها الرجوع عمّا يبعّد عن الله تعالى وعادته تعالى جارية بحصول كمال غريزتي الشهوة والغضب قبل حصول كمال العقل، لحصوله غالباً في الأربعين وإن تمّ أصله عند مراهقة البلوغ، وظهرت مباديه بعد سنّ التميز، فإذا كان كمال الأوّلين قبله فقد سبق جند الشيطان واستولى على المكان وأنس القلب بمقتضياتهما بالعادة، وتعسّر عليه النزوع عنها، فبعد ظهور العقل الذي هو حزب الله شيئاً فشيئاً إن لم يبلغ حدّ كماله سلمت مملكة القلب للشيطان اللعين وحقّ منه قوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83] وإن بلغه كان أوّل شغله قمع جنوده بمفارقة العادات وردّ الطبع قهراً إلى العبادات، وهذا معنى التوبة.

وليس في الوجودات الخارجية من لم يسبقه قوّتاه الشهويّة والغضبية على العقلية فكانت الأوبة عن مقتضياتهما إلى مقتضياته التي هي حقيقة التوبة ضرورية وحكماً أزليّاً مكتوباً على كلّ البرية. {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح: 23].

وحينئذ فعلى الكافر التوبة عن كفره، وعلى التابع في إسلامه لأبويه غافلاً عن حقيقته، التوبة عن غفلته، وعلى من فهم ذلك واسترسل وراء الشهوات التوبة عنها بالكفّ عن المقتضيات ومراعاة حدود الله فيها وفي الطاعات.

واعلم أنّك لا تخلو أبداً عن معصيته في جوارحك، ولو فرض فلا تخلو عن رذائل نفسك والهمّ بها، وإن سلمت فلا أقلّ من الخواطر المتفرّقة المذهلة عن ذكر الله، ولو سلمت فلا أقلّ من غفلة وقصور في معرفة الله وصفات جماله وجلاله وعجائب صنعه وأفعاله، وكلّ ذلك نقص يجب الرجوع عنه، ولذا تجب التوبة في كلّ حال.

حتّى قال أشرف الخلق صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: «وإنّه ليغان على قلبي حتّى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرّة» (7).

ولا ينافي إطلاق القول بالوجوب، إذ لا يراد منه الشرعي الذي يشترك فيه كافّة الخلق لاختصاصه بالمحرّمات وترك الواجبات الواردة في ظاهر الشريعة، ممّا لو اشتغلوا به لم يخرب العالم والا لاختلّ النظام وفسدت المعائش، بل بطلت التقوى أيضاً، بل المراد منه الشرطي أي ما لا بدّ منه للوصول إلى المطلوب والقرب إلى المحبوب، ولا يكفي فيه الأوّل لكونه بمنزلة أصل الحياة والباقي بمنزلة الجوارح والآلات كما أشرنا إليه، وفيه كان اهتمام الأنبياء والأولياء والأمثل من العلماء، ولأجله رفضوا الدنيا وأهلها، ولو تفكّرت في احوالهم وتدبّرت في آثارهم وصرفت الهمّة في فهم أخبارهم عرفت أنّ التوبة لازمة في كلّ نفس للسالك البصير ولو عمّر عمر نوح من غير مهلة وتأخير، فإنّ العاقل إذا ملك جوهرة نفيسة فضاعت منه من غير فائدة بكى عليها، ولو صار ضياعها سبباً لهلاكه اشتدّ بكاؤه عليها، وكلّ ساعة من العمر من أنفس الجواهر الّتي لا بدل لها حيث توصله إلى سعادة الأبد وتنقذه من شقاوة السرمد، فإن ضيّعها في الغفلة خسر خسراناً مبيناً، وإن صرفها في المعصية هلك هلاكاً عظيماً، فلو لم يبك عليه كان مصيبته بهذا الجهل من أعظم المصائب حيث لا يمكّنه من معرفتها لغفلته «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا» (8).

نقل عن بعض العرفاء أنّ ملك الموت إذا ظهر للعبد أعلمه أنّه قد بقي من عمره ساعة لا يستأخر عنها طرفة عين، فيبدو له من الأسف ما لو كانت له الدنيا بحذافيرها لخرج منها على أن يضمّ إليها ساعة أخرى ليستعين بها على تدارك ما فاته فلا يجد إليه سبيلاً {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون: 11].

ولذا قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [النساء: 18] بل {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17] أي عن قرب عهد بالخطيئة بأن يتندّم عليها ويمحو عنه أثرها بحسنة يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو، وتارك التوبة بالتسويف على خطر الرين فلا يمكنه الإمحاء وخطر الممات فلا يمكّن منه، وذلك أنّ كلّ شهوة يتبعها العبد يرتفع منه ظلمة إلى قلبه كما يرتفع من نفسه ظلمة إلى المرآة الصقلية فإن تراكمت صار ريناً كما يصير بخار النفس مع تراكمه خبثاً {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] ومع تراكم الرين يصير طبعاً كالخبث المتراكم الّذي طال بقاؤه في المرآة حيث يغوص في جرم الحديد ويفسده فلا يقبل التصقيل، فكما لا بدّ من التدارك فكذا لا بدّ في رفع آثار المعاصي مضافاً إلى تركها تداركها بالطاعات حتّى تنمحي ظلمتها بنورها.

هذا حال تصقيل الظلمة العارضة بعد الجلاء، وأمّا أوّله ففيه شغل طويل؛ لأنّ إزالة الصدأ عن المرآة أسهل من عمل أصلها، وإلى ما ذكرناه أشير فيما ورد عن الصادقين عليهما ‌السلام: «ما عبد الا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزّ وجلّ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]» (9).

وممّا فصّلناه علم أنّ وجوب التوبة فوري، فما ذهب إليه بعضهم من عدم فوريّتها استناداً إلى بعض الأخبار كقول الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة: «إنّ العبد إذا أذنب ذنباً أجّل من غدوة إلى الليل، فإن استغفر الله لم يكتب عليه» (10) وأمثاله ممّا وقعت الاشارة إليها في باب الرجاء ضعيف لما عرفت من الأدلّة العقلية الدالّة على فوريّتها.

والأخبار المذكورة لا تنافيها، ولعلّ ذلك تفضّل منه تعالى بتأخير العذاب لا أنّه استحقاق منّا له، يدلّ عليه قول سيّد العابدين عليه‌السلام في دعاء التوبة: «إذ كان جزائي في أوّل ما عصيتك النار» (11)، مع أنّه مقتضى إطلاقات الأوامر الشرعيّة أيضاً.

فعلى هذا لو تركها المكلف كان ذلك الترك أيضاً ذنباً يجب التوبة عنه وتأخير التوبة عن هذا أيضاً ذنب آخر، وهكذا إلى أن يحصل أعداد لا تتناهى من الذنوب في زمان متناه. وهذا هو السرّ في تفسير الباقر عليه‌السلام الاصرار بترك التوبة [في قوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]] (12) فافهم.

 

تفريع:

إنّك إذا فهمت معنى التوبة علمت أنّ صحيحها مقبول، فإنّ القلب نقيّ في الأصل، كلّ مولود يولد على الفطرة، وإنّما تغيّرها الذنوب وتظلمها، ونار الندم تدفع غبرتها، ونور الطاعة ظلمتها كنور النهار الماحي لظلمة الليل، والصابون المزيل لوسخ الثوب، فالقلب يوسّخ بالشهوات كالثوب يوسّخ بالكثافات، وماء الدمع يغسله، ونار الندم ينظّفه كتنظيف الصابون والماء الحارّ للثوب الوسخ.

قال النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله: في قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]: «كما يذهب الماء الوسخ» (13).

والقلب النقيّ مقبول عند الملك الكريم كما قال:

{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89].

فعليك يا حبيبي بالتوبة المزكّية للقلوب عن أوساخ المعاصي والذنوب، والا فالقبول ممّا سبق به القضاء {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَ} [الشمس: 9] {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3].

قال بعض العرفاء: إنّ الله عباداً نصبوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب وسقوها بماء التوبة فأثمرت ندماً وحزناً فجنّوا من غير جنون وتبلّدوا من غير عيّ ولا بكم وأنّهم لهم البلغاء الفصحاء العارفون بالله ورسوله، ثم شربوا بكأس الصفا شربة فورثوا الصبر على طول البلاء، ثم تولّهت قلوبهم في الملكوت وجالت فكرتهم بين سرادقات حجب الجبروت واستظلّوا تحت رواق الندم وقرأوا صحيفة الخطايا فأورثوا أنفسهم الجزع حتّى وصلوا إلى علّو الزهد بسلّم الورع فاستعذبوا مرارة الترك للدّنيا واستلانوا خشونة المضجع حتّى ظفروا بحبل النجاة وعروة السلامة وسرحت أرواحهم في العلى حتّى أناخوا في رياض النعيم وخاضوا في بحار الحياة وردموا خنادق الجزع وعبروا جسور الهوى حتّى نزلوا بفناء العلم واستقوا من غدير الحكمة وركبوا سفينة الفطنة وأقلعوا بريح النجاة في بحر السلامة حتّى وصلوا إلى رياض الراحة ومعدن العزّ والكرامة (14).

 

تلميع:

كلّما كان ألم الندم وتأثير القلب به أشدّ كان تكفير الذنوب أرجى وعلامة صدقه تبدّل حلاوة المعاصي في القلب بالمرارة.

وفي الاسرائيليات: « أنّ نبيّاً سأل من الله قبول توبة عبد بعد اجتهاده سنين في العبادة فقال: وعزّتي لو شفع فيه أهل السماوات والأرض ما قبلت توبته، وحلاوة ذلك الذنب الذي تاب منه في قلبه» (15) ولا يستحيل ذلك، فإنّ المتناول للعسل الذي فيه سمّ لم يدركه واستلذّ منه إذا مرض وطال مرضه وتناثر شعره وفلجت أعضاؤه فقدّم إليه مثله وكان في غاية الجوع والشهوة تنفّر منه وكرهه قطعاً، بل كره مطلق العسل لشبهه به فذوق كلّ ذنب كالعسل وأثره كالسمّ فلا تصحّ التوبة الا بمثل هذا الاعتقاد، ولعزّته عزّت التوبة وفقد التائبون.

وينبغي له اعتقاد ذلك في كلّ ذنب لم يرتكبه أيضاً كما أنّ المتناول للعسل المزبور يتنفّر من الماء الذي فيه السمّ أيضاً فلا مدخل لخصوصيّة الذنب بل الباعث للسمّية مخالفة الأمر وهو جار في الجميع، فهذا شرط الندم.

وأمّا القصد المنبعث منه فلا بدّ من تعلّقه بترك كلّ محظور وأداء كلّ فرض في الحال وإدامتها إلى الموت في الاستقبال وتدارك ما فرط في الماضي من الأحوال ويرد فكره فيه إلى أوّل يوم بلغ فيه ويفتّش يوماً فيوماً فينظر إلى ما فرط فيه من الطاعات وقارفه من الذنوب فيطيل الندم والبكاء ويقضي العبادات ويخرج من مظالم العباد ويذيب عن بدنه كلّ لحم نبت من المشتهيات المحرّمة والمشتبهة.

قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: «الاستغفار اسم واقع على ستّة معان: أوّلها الندم على ما مضى، ثمّ العزم على ترك العود إليه أبداً، وأن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة، وأن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها تؤدّي حقّها، وأن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، وأن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله» (16).

وينبغي أن تكون الطاعة من جنس المعصية كي يتمّ العلاج بالضدّ، فإنّ البياض يزال بالسواد دون الحرارة والبرودة وإن كان لكلّ من الطاعات نوع تضادّ مع كلّ معصية، ولذا تؤثر مطلقاً الا أنّ الثقة بما ذكرناه أظهر.

وممّا يدلّ على كون الضدّ كفّارة للضدّ أنّ حبّ الدنيا والسرور بها رأس كلّ خطيئة، وهو أثر اتّباعها فكلّ أذى يصيبك يبعدك عنها وتتجافى بالهموم والغموم من دارها.

وفي الخبر: إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له عمل يكفّرها أدخل الله عليه الغموم ليكون كفّارة لذنوبه (17).

وربّما يقال: إنّ الهمّ ظلمة الذنوب وشعور القلب بموقفه للحساب.

والأخبار الدالّة على تكفير المصائب الدنيوية حتّى الشوكة تدخل في الرجل كثيرة، فحبّ الدنيا خطيئة، والتمتّع منها متمّمها والحرمان عنها كفّارتها، ولا بدّ من عقد قلبه مع الله عقداً مؤكّداً وعهداً موثّقاً ألا يعود إليها وإلى أمثالها، ومن مهمّاته إذا لم يكن عالماً تعلّم ما يجب عليه ويحرم حتّى يتمكّن من الاستقامة.

 

 

__________________

(1) المحجة البيضاء: 7 / 7.

(2) بحار الأنوار: 77 / 159، المحجة البيضاء: 7 / 5.

(3) جامع السعادات: 33 / 52 ـ 53.

(4) القائل في الإشكال والجواب هو أبو حامد كما في المحجة البيضاء: 7 / 74 ـ

(5) ساقط من «ج».

(6) المحجة البيضاء: 7 / 13.

(7) المحجة البيضاء: 7 / 17.

(8) المحجة البيضاء: 7 / 42، شرح ابن ميثم على المائة كلمة: ص 54.

(9) الكافي: 33 / 273، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح 20.

(10) الكافي: 2 / 437، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستغفار من الذنب، ح 1.

(11) الصحيفة السجاديّة: الدعاء 16، في الاستقالة.

(12) في «ج» فقط.

(13) المحجة البيضاء: 7 / 25.

(14) إحياء العلوم: 4 / 15 عن ذي النون المصري.

(15) المحجة البيضاء: 7 / 63.

(16) نهج البلاغة: الحكمة 417 مع اختلاف.

(17) المحجة البيضاء: 7 / 66.

 

 

 

 

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.