العوامل البيئية وعلاقتها بحشرات المواد المخزونة

Ecological Factors and Their Relation To Stored Products Insects

ان العوامل الرئيسية التي تساعد على معيشة وتكاثر الحشرات هي الغذاء والحرارة والرطوبة والضوء والتزاحم مع الاعداء الطبيعة. وقد هيأت مخازن الحبوب ومنتجاتها وخاصة في المناطق المعتدلة الحرارة محيطا مناسباً تتوفر فيه عوامل الحياة الاساسية للحشرات، كالغذاء والحرارة والرطوبة وقلة عامل الاعداء الطبيعية. وفيما يلي شرح لهذه العوامل.

1- الغذاء Food

تتغذى جميع الكائنات الحية وبضمنها حشرات الحبوب المخزونة لكي تعيش فعامل الغذاء اذن هو أهم العوامل التي تؤثر على حياتها ولا تختلف متطلبات الحشرات من المواد الغذائية من حيث الاساس عن متطلبات الكائنات الحية الأخرى، فهي تحتاج الى:

1 - البروتينات والحوامض الامينية لبناء الجسم وتعويض المستهلك منه.

2 - الكاربوهيدرات لتجهيز الطاقة.

3 - كميات مناسبة من بعض انواع الستيرول sterol

4 - مكونات أخرى كالماء والفيتامينات وخاصة مجموعة فيتامين B.

توفر الحبوب والاغذية المخزونة هذه المتطلبات لحشرات المخازن بنسب مختلفة تفي بحاجتها. ومع توفر هذه المواد فان عددا قليلا من المليون والنصف نوع من الحشرات المعروفة في الوقت الحاضر كان قد تكيف للمعيشة في المحيط الذي توفره المخازن. فقد ذكر Hinton ( 1975 ) عدد الآفات الحشرية من غمدية الاجنحة التي تعيش على الحبوب في المخازن بحوالي 600 نوع تنتشر في مختلف انحاء العالم وتسبب خسائر تتفاوت مع أهمية النوع.

ان الحشرات التي تكيفت لمحيط المخازن ذات كفاءة حيوية عالية. فقد قدر عدد الأفراد الناتجة عن زوج واحد من سوسة الرز خلال ستة اشهر بـ 675 مليون حشرة. غير أن هذا العدد لا يحصل فعلا بسبب دور الافراد الناتجة في تغيير المحيط الذي تعيش فيه بحيث يصبح غير ملائم لمعيشتها وتكاثرها. ويعزى تغير المحيط الى نشاطها الحيوي وتغذيها وبرازها وتزاحمها.

2- الحرارة Temperature

تكون الحرارة والرطوبة والضوء عوامل المناخ Climate في المحيط الذي يتوفر في مخازن الحبوب والاغذية. وتعتبر الحرارة والرطوبة من أهمها. ومناخ المخازن ثابت لحد ما وخاصة في المناطق معتدلة الحرارة أو التي تكون فيه مدى تغيرات هذه العوامل ضيقاً في اغلب الاحيان. ومع ذلك فان الحشرات تتأثر بهذه العوامل تأثرا مباشراً أو غير مباشر.

وبالنسبة للحرارة، فان الحشرات بصورة عامة تعيش وتنمو وتتكاثر ضمن مدى حراري خاص بالنوع وبكل مرحلة من مراحل نمو وتطور افراده. وحينما تخرج الحرارة عن مدى نشاط النوع يبطأ النمو والتكاثر وقد تسبب الموت عند وصولها الى الحدود القصوى.

فلو اخذ تأثير درجات الحرارة المنخفضة والمميتة في نظر الاعتبار، لوجدنا تفاوت درجة تأثر الحشرات بها. فقد بين Tsuetkov ( 1965 ) ان تعريض الحشرات لدرجة الصفر المئوي يسبب قتلها بفترات تختلف باختلاف الانواع. فتموت سوسة الرز Sitophilus oryzae بمدة اسبوعين وخنفساء الحبوب المنشارية Oryzaephilus surinamensis بمدة ثلاثة اسابيع وعثة طحين حوض البحر المتوسط Ephestia kuhniella بمدة 24 يوما وعثة الجريش الهندية Plodia interpunctella بفترة 28 يوما. وتقصر مدة التعريض التي تسبب الموت حينما تنخفض درجة الحرارة الى دون الصفر المئوي.

اما بالنسبة للحدود القصوى للحرارة المميتة فأنها تقع بين 40 و 50 م لمعظم الحشرات. وفي هذه الحدود تتأثر الحشرات بسرعة أكثر من حدود الحرارة المنخفضة فمثلا وجد العزاوي وجماعته (1979) ان الاطوار المختلفة لحشرة عثة التين Ephestia cautella. تختلف في حساسيتها لدرجات الحرارة المختلفة. فحينما عرضت هذه الاطوار لدرجة 50 م حصل نسبة قتل 100 ٪ بعد 180 و 45 و 90 - 105 و 180 240 و 75 دقيقة لأطوار البيضة ويرقات العمر الاول والرابع والعذراء والكاملة على التوالي. وحينما عرضت هذه الاطوار لدرجة 40 م فان قتل 100 ٪ حصل بالأيام وعلى التوالي كما يلي: 3 و 37 - 49 و 49 و 4 و 3 ايام. وحينما عرضت الى درجة 60 م ماتت جميع الاطوار بعد تعريضها لمدد 20 و 10 و 30 - 35 و 30 و 20 - 25 دقيقة على التوالي.

جدول يبين ايام التعريض لدرجات الحرارة المنخفضة ( مئوي ) واللازمة لقتل كافة الاطوار لبعض حشرات المواد المخزونة (عن Cotton)

لقد استخدمت الحرارة المرتفعة او المنخفضة في حماية الحبوب ومنتجاتها من الاصابة بالحشرات.

3- الرطوبة Moisture

تتوفر الرطوبة في المحيط الذي تعيش فيه حشرات المخازن أما بشكل بخار الماء في الهواء ويعبر عنه بالرطوبة النسبية أو بشكل محتوى مائي في الحبوب. ولرطوبة الهواء هذه علاقة بسرعة تبخر الماء من أجسام الحشرات. وسرعة التبخر من أجسام الحشرات تعتمد على كمية الرطوبة في الهواء وعلى درجة حرارة المحيط وسرعة الرياح.

فهي تزداد حينما تنخفض رطوبة الهواء وترتفع الحرارة وتزداد سرعة الرياح وتعوض الحشرات الماء المفقود من أجسامها بالماء المتوفر في الغذاء وبعضها من الماء الناتج عن الفعاليات الحياتية في الجسم.

وكما أن للحرارة مدى يقع ضمنه نشاط النوع أو أطواره فأن للرطوبة النسبية مدى يقع فيه نشاط النوع أو أطواره. وحينما تخرج الرطوبة عن هذا المدى يقل نشاط الحشرة وقدرتها على التكاثر وعند وصولها الى حدود التطرف فأن ذلك يؤدي الى الموت. وأن انخفاض الرطوبة عن المدى المناسب يؤدي الى زيادة سرعة تبخر الماء من أجسام الحشرات وأن لم يعوض كما هو الحال في الأطوار التي لا تتغذى كالبيض والعذارى فأنها تموت. وعند ارتفاع الرطوبة النسبية في الهواء فوق المدى المناسب لها واقتران ذلك بارتفاع الحرارة فأن الحشرات لا تستطيع تبريد أجسامها بالتبخر مما يؤدي الى موتها أيضاً.

وللرطوبة في المحتوى الغذائي مدى يناسب الحشرات، الا أنه أضيق بكثير من مدى الرطوبة النسبية في الهواء. ويقع هذا المدى بين 11,5 - 14.5 % والمستوى الرطوبي المثالي هو 12٫5٪ من وزن الحبوب بالنسبة لمعظم حشرات المخازن. وحينما يتعدى المحتوى المائي للحبوب المدى المبين أعلاه فأن ذلك يؤثر تأثيراً مباشراً على تكاثر الحشرات أو نمو أطوارها. فاذا أرتفع فوق 14.5% تنبت البذور وتنمو عليها الفطريات التي تهاجم الحشرات ذاتها مسببة موتها. وأن أنخفض دون مستوى 11,5 % فأن عدداً قليلاً من الحشرات يستطيع العيش على الحبوب. وتعتمد قدرة هذه الحشرات للعيش على عوامل أخرى اضافية والصفات الطبيعية للغذاء.

وعلى سبيل المثال تنشط خنفساء الحبوب المشابهة Tribolium confusum وتتكاثر بسرعة على حبوب رطوبتها 12 - 14 ٪ ولكنها لا تتكاثر حينما تنخفض الرطوبة الى 10 % وذلك تحت درجات الحرارة المناسبة. ولا تستطيع أنواع سوس الحبوب .Sitophilus spp العيش على حبوب انخفضت رطوبتها الى 10% وتحت 32 م. ولهذا يمكن خزن الحنطة وحمايتها من السوس اذا خفضت رطوبتها الى 10 ٪ أو دون ذلك.

وقد وجد العزاوي ومحمود ( 1980 ) أن انخفاض رطوبة حبوب الحنطة أدى خفض نشاط وسرعة تكاثر حشرة الخابر T. granarium . فتحت درجة 30 م ورطوبة حبوب 12 و 7 و 5 % ماتت 89 و 72 و 29 ٪ من اليرقات وطال عمر الطور البرقي الى 165 و100 و 34 يوما وطول دورة الحياة الى 179 و 113 و 48 يوماً على التوالي.

وبين الحرارة والرطوبة في محيط حشرات الحبوب المخزونة علاقة متينة. فنشاط الحشرات داخل كتلة الحبوب وفعالياتها الحيوية يسببان رفع حرارة كتلة الحبوب في أماكن معيشتها الى ما يقارب 42 م. ويسبب هذا تبخر الماء من الحبوب وتسخين الهواء بينها فيرتفع للأعلى حاملا معه بخار الماء. وحينما يلامس هذا البخار السطح العلوي البارد لكتل الحبوب يتكثف فتزداد الرطوبة عليه فتنمو الفطريات وتنبت البذور مما يؤدي الى تلفها.

4 - الضوء Light

تتأثر الحشرات بصورة عامة بالضوء أما بالانجذاب نحوه أو بالابتعاد عنه أو باستخدامه دليلاً في أتجاه الحركة أو الطيران. وبالنسبة لحشرات المخازن فأنها على العموم تبتعد عن الضوء وتتجه نحو الظلام أي أنها سلبية الانجذاب للضوء negatively phototropic ولهذا تميل للاختبار في الثغور والشقوق. فلو وضع عدد من أفراد حشرة سوسة الحبوب في أناء مستطيل قرب ضوء شباك فأنها ستنتقل بعيداً ونحو الجهة الأخرى القليلة الضوء. ولهذا السبب وجد أن الضرر الناتج عن تغذي حشرة الخابرا Trogoderma بوجود الضوء أقل منه عند انعدامه، وأن الطبقات السفلى المظلمة من الحبوب تتضرر بها أكثر من الطبقات العليا.

وتتأثر بعض الحشرات المخزنية بألوان الضوء المختلفة، فقد وجد محمود والعزاوي ( 1980 ) بان اللون فوق البنفسجي (UV) يطيل من حياة أطوار وطول جيل خنفساء الخابرا أكثر من الألوان الأخرى. فقد بلغ طول الجيل تحت هذا اللون 74 يوماً مقارنة بـ 34 يوماً في اللون الأصفر و 38 يوماً للأزرق. أما بقية الالوان كالأحمر والأخضر والظلام فأنها تقع بين أطوال هذه الفترات، ووجد أيضاً أن اللون فوق البنفسجي أدى الى زيادة عدد أطوار الطور البرقي الى 9 أطوار مقارنة ب5 أطوار تحت اللون الأحمر و 6 أطوار تحت الالوان الأخرى. كما أن الالوان المختلفة أثرت على معدل عدد البيض الذي تضعه الأنثى الواحدة ونسبة فقسه فقد بلغ أقل معدل له تحت اللون فوق البنفسجي 16 بيضة للأنثى ولن يفقس كله بينما وصل اعلى معدل له تحت اللون الأحمر حيث بلغ 46 بيضة للأنثى ونسبة فقسه كانت 63 %.

5 - التنافس Competition

يحصل التنافس بين أفراد النوع الواحد وعند وجود أكثر من نوع واحد من الحشرات التي تعيش على غذاء معين. ويكون التنافس على اشده حينما تكون المتطلبات الغذائية للأنواع المتنافسة واحدة وبنفس الوقت تكون العوامل البيئية من حرارة ورطوبة مناسبة. وعند تغير أحد الظروف البيئية، فأن أحد الأنواع المتنافسة الذي يلائمه التغير هو الذي يعيش ويبقى بينما تقل أو تختفي الأنواع الأخرى. فمثلاً تتنافس سوسة الحبوب Sitophilus granarium وسوسة الرز S. oryzae تنافساً شديداً حينما تكون الحرارة ملائمة لكليهما. ولكن عند انخفاض الحرارة في الخريف تنجح سوسة الحبوب وتسود في الوسط الغذائي بينما تقل أعداد سوسة الرز وذلك لأن الحرارة المنخفضة تناسب الحشرة الأولى. واختلاف مقاومتهما للحرارة يعود الى أصل كل منهما. فالمعروف ان أصل سوسة الرز هو الشرق اي انها متكيفة للحرارة العالية، واصل سوسة الحبوب هو المناطق الباردة فتكون متكيفة لها.

6 - الافتراس والتطفل Predation and Parasitism

الافتراس هو عملية القبض والتغذي والقضاء السريع على العائل host من قبل حشرة أخرى تابعة لنوع آخر أكبر حجماً هي المفترس Predator. أما التطفل فهو المعيشة والتغذي على العائل من قبل حشرة أخرى هي عادة أصغر منه هي الطفيلي. يقضي المفترس على فريسته بسرعة ويحتاج الى عدد من الفرائس خلال حياته في حين أن الطفيلي يحتاج الى عائل واحد خلال حياته ويقضي عليه ببطء وبفترة طويلة نسبياً.

من بين المفترسات الحشرية الشائعة في مخازن الحبوب ومنتجاتها بعض أنواع الخنافس التابعة لعوائل الخنافس الأرضية Carabidae وعائلة الخنافس المراوغة Staphylinidae وكذلك بعض أنواع الحلم. وقد يحصل أحياناً افتراس بين أفراد النوع نفسه وهو ما يسمى بالافتراس الذاتي Cannibalism كما هو الحال بين أفراد خنافس الطحين .Tribolium spp

تعود الحشرات الطفيلية التي تتطفل على حشرات المواد المخزونة الى عائلات مختلفة من رتبة غشائية الاجنحة Hymenoptera ومن أهم هذه العائلات، عائلة Braconidae وعائلة Ichneumonidae

من أعداء حشرات المواد المخزونة الاخرى غير الحشرية الجراثيم المرضية كالفيروسات والباكتريا والفطريات والبروتوزوا. وتوجد البكتريا Bacillus thuringiensis بصورة طبيعية في يرقات عثة الـ .Ephestia spp وخاصة عثة التين E. cautella.

ليست للحشرات المفترسة والطفيلية ولا للجراثيم اهمية كبيرة في المكافحة الحياتية لحشرات المخازن. ومع ذلك فان بعضها يسبب نسبة ليست قليلة في قتل الحشرات. فالطفيلي Bracon hebetor Say ) عائلة Braconidae ( من رتبة غشائية الاجنحة تتطفل يرقاته داخل يرقات عثة التين E. cautella بكثرة في مخازن التمور في العراق، ووفقا لـ علي عبد الحسين ( 1974 ) فان نسبة الموت بين يرقات العائل بسبب هذا الطفيلي تختلف بين جيل وآخر وتصل في الجيل الثاني للعثة الى 58٪. واضافة لذلك يموت قسم من يرقات هذه العثة بسبب اصابتها بالبكتريا Bacillus thuringiensis.