أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-6-2017
1942
التاريخ: 2024-01-08
971
التاريخ: 21-6-2017
1371
التاريخ: 2024-01-07
797
|
لقد اختلفت الحياة الدينية لمسلمي الصين حسب العصور التي عاشوها في المجتمع الصيني. ففي عهد التانغ، تميزت الحياة الدينية للمسلمين بالعبادة والحفاظ على الواجبات الدينية من صلاة وصوم وزكاة (1)، فالمسلمون في بداية استقرارهم في الصين لم يتمكنوا من تأسيس دار للقضاء الإسلامي(2)، وكانت البداية صعبة لأن أمور الشريعة وتعيين علماء ومسئولين يتطلب المزيد من الوقت، ولكن مع مرور الوقت وتعاظم عدد العرب والمسلمين في المدن الساحلية الشرقية من الصين وعلى رأسها مدينة كانتون العالمية ، استطاع العرب المسلمون أن يوحدوا أنفسهم كجالية مهمة وقوية حتى أصبح أكبر ميناء تجاري في الصين بأيدي العرب والمسلمين وبالتالي تم تأسيس نظام الحياة الدينية الإسلامية مبنية على الشريعة والقضاء والفقه وذلك مع بداية القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي(3). وفي تلك الحقبة كان القاضي الذي تم تعيينه رسمياً من قبل السلطات الصينية يقوم بعمل واجباته الدينية نحو المسلمين المقيمين في مدينة كانتون وكانت هذه المهام تشمل إلقاء خطبة الجمعة، وحضور المناسبات الدينية، وبهذا يكون المسلمون هم أول جالية مقيمة في الصين تطبق شريعتها وقوانينها في ظل الحكومة الصينية وداخل المجتمع الصيني. ويعد هذا الأول من نوعه في تاريخ الصين (4). ويبدو أن تمسك المسلمين بدينهم و زيادة عدد المقيمين منهم بالصين بالإضافة لعدد التجار والزوار القادمين من بلاد المسلمين جعلت الجالية المسلمة تعمل جدياً في تنظيم حياتهم اليومية والاجتماعية والدينية وفق الشريعة والقيم الإسلامية. لكن العامل الأهم في تصوري هو الحرص الشديد للمسلمين على الالتزام بشريعتهم، واعتبار الخروج عنها من المحرمات التي تجعلهم يفضلون الهجرة من الصين على الوقوع فيها، ومن المتوقع أنهم طالبوا السلطات بقوة باحترام التزامهم بشريعتهم، فاضطرت أمام هذا الحرص والمطالبة، وكذلك المصالح إلى السماح للمسلمين بممارسة شريعتهم واحترامها وفي عهد السونغ، استمرت الجالية الإسلامية في النمو، ومعها ترسخت الحياة الدينية الإسلامية، وأصبح المسلمون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الصيني من حيث أسمائهم الصينية وأشكالهم، ولم تعد الجالية المسلمة تقتصر على العرب والفرس، بل الأغلبية أصبحوا مسلمين صينيين، يتكلمون الصينية لكن دينهم الإسلام (5)، وقد حرصوا على التواصل مع العالم الإسلامي من أجل معرفة المزيد عن الدين الإسلامي. لو سافر رجل إلى الصين حتى ينظر في كتاب تفسير ابن جرير الطبري لم يكن كثيراً (6). ولنا أن نتصور أهمية المكتبات الدينية بالنسبة لمسلمي الصين فإن تواصلهم مع العالم الإسلامي، وجلبهم للكتب من العالم الإسلامي له غاية الأهمية في حياتهم الدينية. وقد عرف عن مسلمي الصين أنهم حرصوا على الدعاء للسلطان أو الخليفة المسلم في خطبة الجمعة، وخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام، ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى آخر بلاد اليمن (7)." ويبدو أن ارتباطهم بالخليفة وحرصهم على دعائهم للسلطان أو الخليفة في خطبة الجمعة يبين أنهم يعدون الخطبة للخليفة جزءاً أساسياً من الحياة الدينية. لقد أيقن مسلمو الصين أنهم ينتمون إلى أمة أكبر وأشمل من المجتمع المحلي، وهذا لا يتعارض عندهم مع انتمائهم إلى بلدهم الصين فالخطبة والدعاء للخليفة قد لا تعني الكثير من الناحية العملية للمسلم الصيني في القرن الثالث أو الرابع الهجريين، لكنه معنوياً ودينياً يدفعه إلى الشعور بالانتماء لعالم أكبر وأمة ممتدة على مسافات شاسعة، لا فرق عندها بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. وتوضح لنا رحلة ابن بطوطة الكثير من جوانب الحياة الدينية لمسلمي الصين ، وإن كانت تلك الرحلة قد تمت في القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي، أي بعد انتهاء عصر الخلافة العباسية، إلا أن واقع الحياة لمسلمي الصين الذي وصفه له علاقة مباشرة مع ما سبق من حياة المسلمين قبل زيارة ابن بطوطة، فالواقع الاجتماعي والديني لا يتغير كثيرا ، وقد تكون الحياة الدينية التي وصفها هي امتداد لحياة دينية سابقة تشبه في الكثير من الأحيان الوصف الذي وصلنا عبر هذه الرحلة، ونحن نعرف أن ابن بطوطة كان رجلاً متديناً، ويحب أهل العلم والدين. عندما وصل ابن بطوطة لمدينة الخنساء، خرج إليه قاضيها فخر الدين وشيخ الإسلام بها (8)." ويدل وجود قاض مسلم وشيخ كبير للمدينة على حرص مسلمي مدينة الخنساء والتي تعد من أكبر المدن الصينية على تعاليم تطبيق الدين الإسلامي فيها. ويقول ابن بطوطة: ولابد في كل بلد من بلاد الصين من شيخ للإسلام تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه وقاض يقضي بينهم." ولهذه العبارة أهمية كبيرة وهي تقدم وصفاً شاملاً ودقيقاً لطبيعة حياة مسلمي الصين في المجتمع الصيني، وهي دلالة واضحة من شاهد شهد بنفسه على طبيعة الحياة الدينية لمسلمي الصين، حيث أنهم حرصوا على وجود مرجعية دينية قضائية وشرعية ترعى حياتهم وتنظم قوانينهم الإسلامية. ويتضح أن المسلمين استمروا عبر قرون طويلة منذ القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي لغاية القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي، على الحفاظ على حياتهم الدينية من خلال القضاء والشرع الإسلامي. ويتضح الحياة الدينية للمسلمين في الصين كانت عاملاً مهماً في الحفاظ على هويتهم كمسلمين، فمع مرور الزمن، تحولوا لمواطنين صينيين وهذا أمر طبيعي إلا أن الهوية الإسلامية استمرت وحافظوا عليها عبر الحفاظ على حياة دينية إسلامية خلال قرون طويلة من تواجد المسلمين في الصين.
...................................................
1- Esposito, John, Islam in Asia, P.135.
2- IBID, P.135.
3 William, Edward, A Short History of China, P.159; Fitzgerald, Flood tide in China, P.330.
4- Fitzgerald, Flood Tide in China, P.330
5- Esposito, John, Islam in China P.141; So kee long Dissolving Hegemony, P.153.
6- ابن كثير، البداية والنهاية، حـ 11، ص 146؛ الذهبي، أبو عبد الله، معرفة القراء الكبار، ج 1، ص65؛ البغدادي، أحمد بن على أبو بكر الخطيب تاريخ، بغداد (بيروت، دار الكتب العلمية)، ج2، ص163؛ ابن العماد، شذرات الذهب، ج 1، ص 260.
7- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص 481؛ القلقشندي، مآثر الإنافة، ج2، ص 3؛ ابن العماد، شذرات الذهب ج 3، ص 98.
8- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، ج2، ص728.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|