أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-21
195
التاريخ: 2023-11-02
905
التاريخ: 2024-08-10
499
التاريخ: 2024-09-18
209
|
ونفَّذ كلٌّ من الطرفين المتعاقدين ما نَصَّتْ عليه المعاهدةُ وساد الحب والوئام، وقام أليكسيوس من القسطنطينية على رأس جيشٍ قويٍّ؛ ليلتحق بالصليبيين، ولكن بودوان استأثر بالرها وجهاتها ولم يُعِدْها إلى الفسيلفس، وطغى بوهيموند وتجبر وطمع بأنطاكية وملحقاتها، وكذب على تتيكيوس القائد الرومي فقال له: إن زعماء الصليبيين لا يُضمرون إلا السوء له ولسيده وحرَّضه على الخروج ثم وصمه بالجبن، وقام كربوقا أمير الموصل لصد الصليبيين، فخشي أليكسيوس هجومًا تركيًّا جديدًا على فُتُوحاته في آسية الصغرى فعاد إلى عاصمته (1). وما إن تربع بوهيموند في أنطاكية حتى بدأ يَطمع في توسيع إمارته، فحاول في حُزيران السنة 1099 أن يخرج الروم من اللاذقية، وفي السنة 1100 هجم على أبامية وحلب، ثم مرعش، وكانت هذه قد أُعيدت إلى الروم بموجب شروط المعاهدة، وعلى الرغم من وُقُوع بوهيموند في يد الأتراك أسيرًا في تموز السنة 1100، فإن نسيبه تنكريد الذي تولى الحكم في أنطاكية في غيابه استولى على طرسوس وأدنة، ثم حاصر اللاذقية ثمانية عشر شهرًا واستولى عليها في السنة 1102 وأخرج الروم منها، (2). وأفسد هذا الطمع السياسي مرة أُخرى العلاقة بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة اللاتينية؛ فإنه على الرغم مما كان قد حدث في السنة 1054 بين البطريرك المسكوني وبابا رومة، ظَلَّ البطريرك الأنطاكي يذكر بابا رومة في الذبتيخة (3)، ولكنَّ طمع بوهيموند دَفَعَهُ إلى طَرْدِ البطريرك الأنطاكي يوحنا السابع من أنطاكية؛ لأنه كان يونانيًّا وإلى إسناد هذا الكرسيِّ الرسولي إلى القس برناردوس فلانسية اللاتيني، ولا صحة في القول بأن يوحنا السابع استقال استقالةً فشغر كرسيه فنُصب برناردوس؛ لأن يوحنا لم يَسْتَقِلْ قبل وُصُولِهِ إلى القسطنطينية، ولأن استقالته هذه ارتبطتْ منذ لحظتها الأُولى بانتخاب خلف أرثوذكسي له يوحنا الثامن (؟) وذلك بالطريقة القانونية المرعية الإجراء آنئذٍ (4). وعاد بوهيموند من الأسر في صيف السنة 1102، واستقر في أنطاكية، فطلب إليه أليكسيوس الفسيلفس أن ينفِّذ شروط المعاهدة المعهودة ويعترف بسلطته على أنطاكية، فرفض بوهيموند، فلجأ أليكسيوس إلى العنف والحرب، واحتل الروم طرسوس وأدنة ومميسترة، وحاصروا اللاذقية وأنزلوا قواتهم في نقاط متعددة على الشاطئ السوري، وهَبَّ السلاجقةُ للأخذ بالثأر وأوقعوا بالصليبيين هزيمة شنعاء عند الرقة، ثم حاصروا الرها، وخشي بوهيموند سوء العاقبة فانسلَّ من بين قوات الروم البحرية ووصل إلى كورفو وكتب منها رسالته الشهيرة إلى أليكسيوس الفسيلفس: «وسأصل إلى القارة الأوروبية وسأجمع اللومبارديين واللاتينيين والألمان ومواطني الإفرنج فأعود إليك مالئًا مدنك بجثث القتلى وبالدم، ولن أتوقف إلا بعد أن أكون قد غرزت رمحي في أرض بيزنطة«(5). ووصل بوهيموند إلى إيطالية في أوائل السنة 1105 واتصل بحبر رومة، فرحب به وعين ممثلًا يطوف معه؛ ليستنهض الهمم، ثم زار فرنسة، فاستقبله مليكها فيليب الأول بالإكرام والاحترام وأصهر إليه، وكان بوهيموند حيثما حلَّ يطعن بفسيلفس الروم ويلقي على عاتقه مسئولية إخفاق الصليبيين في سورية الشمالية، فأوغر الصدور ضد الروم في عواصم أوروبة وأمهات مدنها، ونشأ كرهٌ لأليكسيوس دام قرونًا طوالًا، وما فتئت أوروبة تلوم هذا البطل الشرقي حتى قام علماؤها يبحثون ويدققون في النصف الثاني من القرن الماضي، وفي خريف السنة 1107 أنزل بوهيموند أربعةً وثلاثين ألفًا في أَفلونة. ثم قام إلى ديراتزو وبدأ بحصارها، وما إن فعل حتى هَبَّ أليكسيوس لقتاله برًّا وبحرًا، فقطع أُسطول الروم كل علاقة بين بوهيموند وأوروبة الغربية، وحصر الفسيلفس بنفسه بوهيموند في البر، فقَلَّت المؤنُ لدى بوهيموند واضطربت جُموعُهُ، فاضطر إلى أن يفاوض في الصلح، فأملى عليه الفسيلفس شروطًا أهمها أن يعتبر بوهيموند نفسه أحد رجال الإقطاع في خدمة الفسيلفس، وأن يُقسم يمينَ الولاء والطاعة للفسيلفس ولولي عهده من بعده، وأن يمتنع عن حمل السلاح في وجهه، وأن يحارب في صفوف الفسيلفس كلما قضت الحاجةُ بذلك، وألا يطمع في توسُّع سلطته على حساب دولة الروم، وأن يُعيد إلى الروم جميعَ الأراضي التي كان قد اقتطعها من جسم الدولة، وأن يُعيد إليها اللاذقية وغيرها من شاطئ سورية، وأن يحكم أنطاكية باسم الفسيلفس، وأن يكون بطريركها أرثوذكسيًّا من رجال كنيسة الحكمة الإلهية، ثم أنعم أليكسيوس على بوهيموند بالهدايا وبلقب سفاستوس (6). وعاد بوهيموند إلى إيطالية وتُوُفي فيها بعد قليل فلم يبصر أنطاكية ثانية، ورفض تنكريد أن ينفذ شُرُوطَ هذه المعاهدة، وعاد إلى التوسُّع على حساب الروم فاحتل أبامية في السن 1106، فاللاذقية ومميسترة وجزءًا من قيليقية في السنة 1108، فجبلة في السنة 1109، وجرتْ مفاوضاتٌ حول هذه الأُمُور في طرابلس وفي مدينة القدس فلم تُسفر عن شيء، وتُوُفي تنكريد في السنة 1112 وبقيت مشكلة أنطاكية تنتظر الحل طوال القرن الثاني عشر (7).
..............................................
1- Grousset, R., Hist. des Croisades, I., 100; Dolger, F., Regesten, 1210
2- Grousset, R., Croisades, I., 382–386
3- Runciman, S., First Crusade, 237
4- Grummel, Les Patriarches d’Antioche du nom de Jean, Echos d’Orient, XXXII, 286–298; Runciman, S., First Crusade, 320-321.
5- Anne Comnène, Alexiade, II, 129-130
6- Anne Comnène, Alexiade, III, 228–248
7- Diehl, C., Europe Orientale, 26-27
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|