الحياة في اثينا (أفلاطون وأرسطو) في القرن الرابع قبل الميلاد
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 570
2025-05-19
627
من المدهش حقًّا أن نجد في هذا الوقت المليء بالاضطرابات والحروب الداخلية أن الحياة في «أثينا» كانت لامعة مزدهرة، فسفنها كانت تمخر عباب البحار قاصيها ودانيها محملة بالسلع، وهذه التجارة مع البلاد الأخرى كانت تدر عليها الثروة، كما كانت تمدها بالمعلومات الجديدة والآراء المستحدثة، حتى إنها أصبحت مركز الفكر والثقافة، ووفد عليها الناس لدراسة فن الخطابة وتلقي الفلسفة.
أفلاطون وأرسطو
وفي هذا العهد عاش كل من «أفلاطون» و«أرسطو»، وكان «أفلاطون» أعظم تلميذ نهل الحكمة عن «سقراط» (427–347ق.م) وهذا الفيلسوف كتب بلغة إغريقية بليغة حياة أستاذه وتعاليمه، كما أضاف الكثير من فيض علمه فكتب أفكاره عن الحكومة والتعليم وعقل الإنسان وروحه، وعن طبيعة الصدق والطيبة والجمال، وعن الأسباب الإلهية لكل الأشياء. ومن أحسن مؤلفاته الذائعة الصيت «الجمهورية» التي يصور لنا فيها حكومة مثالية، وقد وضعها لتعبر عن آرائه الفلسفية (1). وقد درس «أفلاطون» في «الأكاديموس» Academus، وهي مدرسة «جمنازيوم» على مقربة من «أثينا» تحليها أشجار وارفة الظلال ومياه جارية، وتعرف مدرسته باسم «أكاديمي».
وبعد وفاة «أفلاطون» في الستين من عمره كان تلميذه «أرسطو» قد اشتهر اسمه في عالم الفلسفة، وكان يعلم في طرقات «ليسيوم» Lyceum الظليلة، وهي مدرسة على مشارف «أثينا». وكان يبحث في كل نوع من المعرفة، فضرب بسهم في العلوم بكل فروعها. وبخاصة علم النبات وعلم الحيوان وعلم الأخلاق وسلوك الإنسان والمنطق والسياسة وصناعة الشعر. ولا نزاع في أن العالم كان متأثرًا في كل الأزمان بهذين المفكرين العظيمين، فيُنعت «أفلاطون» بأنه والد الفلسفة الحديثة، ويُلقب «أرسطو» بوالد العلوم الحديثة.
وفي هذه الفترة لم تقم مبانٍ كثيرة في «أثينا»، ولكن نحتت تماثيل كبيرة غاية في الجمال، وكثيرًا ما كان المغنون الإغريق يسيحون في الخارج، ويعملون في المدن الأجنبية، وبذلك نشروا الثقافة الإغريقية والفن الإغريقي.
وعلى الرغم من كل هذا الازدهار فإن السخط وعدم الاستقرار والفقر أمور كانت ضاربة أطنابها في «أثينا» وغيرها من المدن الإغريقية، وقد ترك كثير من الرجال المخاطرين مدنهم، وانخرطوا جنودًا مرتزقين في جيوش بعض الأمم المجاورة، ونخص بالذكر من بينها مصر وفارس. وأشهر فرقة من هؤلاء المرتزقة تلك التي قامت بأكبر مخاطرة في التاريخ القديم، وهي المخاطرة المعروفة «بموكب عشرة الآلاف» وهؤلاء كانوا يؤلفون فرقة من الإغريق في خدمة أمير فارس يدعى «كورش» كان قد أراد أن يستولي عنوة من أخيه على عرش فارس الذي كان يعتليه «كورش» الأكبر منذ مائة وخمسين سنة مضت. وقد حدثنا «أكزنوفون» أحد تلاميذ «سقراط» عن أعمالهم العظيمة، فيخبرنا عن انتصارهم في موقعة بالقرب من «بابل» على ملك الفرس، ثم يذكر لنا هربهم من المكيدة التي كانت قد نصبت لهم بقيادة «أكزنوفون»، وتقهقرهم في أراضٍ مجهولة لهم عابرين الأنهار وسائرين على الثلوج الكثيفة وشاقين طريقهم في مضايق الجبال التي كانت محروسة بأعدائهم، وأخيرًا عندما وصلت مقدمة هؤلاء الشجعان إلى قمة جبل صاحوا على حين غفلة قائلين: البحر! البحر! وذلك لأنهم وقتئذ كانوا قد وصلوا في سفرهم الشاق إلى البحر الأسود، ومن ثم وجدوا طريقهم بسهولة إلى وطنهم. وهذه المخاطرة الهائلة قد برهنت مرة أخرى على أن الإغريق جنود أحسن من الفرس. وقد ترك لنا «أكزنوفون» نفسه تاريخ هذا الحادث في كتاب ممتع.
......................................................
1- وقد وضع الكتاب المحدثون كتبًا خيالية على غرارها، نذكر من بينها كتاب «يوتوبيا» (أي: لا مكان) لصاحبه «سير توماس مور» وكتاب «أخبار من لا مكان» News from Nowhere لصاحبه «وليم موريس».
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة