المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



أبي أمي ـ أقبّل يديكما  
  
1201   10:19 صباحاً   التاريخ: 2023-11-05
المؤلف : جماعة من العُلماء
الكتاب أو المصدر : نحو حياة أفضل
الجزء والصفحة : ص 197 ــ 200
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / الأبناء /

أبي! أمي! اشكركما ولا أنسى محبتكما ابداً فوجودي منكما وبدني وروحي مرهونان للمشاق التي تحملتماها فما أكثر فضائلكما أني لخجل حقاً إذ لا أستطيع أبداً ان اشكركما وأجازيكما بما ينبغي للآلام والأتعاب التي تحملتماها من أجلي... كنت صغيراً ضعيفاً وكنت مشقة كبيرة لكما ولكنكما أمطرتماني رحمة وحناناً وأخذتما بيدي وربيتماني بعرق الجبين وبهجة القلب. وقد بذلتما في سبيلي كل منافعكما، لا طمعاً في شيء وإنما لإسعادي، وبدون ان تنتظرا جزاءً قمتما بتمريضي وإعانتي على حياتي حينما كنت لا اقوى على ان اشد بيد أو أمشي برجل، سهرتما من أجلي وبذلتما وقتيكما لئلا تؤذي راحتي ذبابة تطن حولي، وحينما كنت لا أفقه شيئاً كنتما تراقباني بحذر ودقة لئلاّ أقع في خطر.

انتما في مقام سام بحيث يذكركما القرآن مع ذكر الله ويجعل الاحسان لكما مع الاحسان لله تعالى فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].

وانتما في مقام سام من الاحترام بحيث ان الله امر الابناء بخدمتكما وعدم أذيتكما حتى بلفظ (أفّ).

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

وما أروع كلام الإمام الرابع زين العابدين (عليه السلام) حيث يقول: (واما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد احداً ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبالِ ان تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك، وتضحي وتظلك، تهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه) (1).

(وأما حق ابيك فان تعلم انه اصلك فأنك لولاه لم تكن فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم ان اباك أصل النعمة عليك فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله) (2).

نعم يا ابي وامي: اعرف مقاميكما وأقيَّم شخصيكما واعلم انه يجب ان اطيعكما على اي حال وأسمع لأوامركما اللهم إلا أن تأمراني بسوء - والعياذ بالله - فيجب أن لا اتبعكما لأن امر الله فوق أمريكما: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

مقام رفيع ومسؤولية أرفع

امي العزيزة وأبي الكريم! إن الله جعل احترامكما والشكر لكما من. الواجبات ولكنه مقابل ذلك جعل عليكما مسؤوليات جلى ووظائف كبرى... انها مسؤوليات التربية الروحية لأبنائكما والتخطيط الصحيح لبناء الشخصية الاخلاقية والدينية لهم.

أبي: لقد كان اللازم عليك أن تختار زوجة من الافراد الطاهرين الشرفاء المصونين النجباء وتتجنب الحسناء في منبت السوء والعوائل الفاسدة اللواتي ليس لهن إلا حسن ظاهري عابر فإن مثل هؤلاء النسوة كنبات اخضر نما في مزبلة ومحل قذر يقول الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله): (إياكم وخضراء الدمن. قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء) (3).

وكان هذا الواجب عليك لئلا يتصف إبنك بحكم الوراثة أو التربية الأولية في حضن الأم بالصفات السيئة ويتلوث بأوبئة الفساد وانت يا أمي ايضاً!.

كان يجب عليك أن تتوجهي منذ الأول فلا تنتخبي زوجاً تخدعين بمظهره المكار أو ماله أو جاهه بل تعملين الدقة في اختيار رجل كامل، قدير عالم، واعٍ، في شخصية متماسكة طاهرة متدين غيور وقد قال الصادق (عليه السلام): فإن من زوج ابنته لشارب خمر فكأنما قادها إلى النار (4).

ومن المسلم به ان سائر المفاسد في الرجال توجب انواع الشقاء في الحياة الزوجية والانحراف في تربية الاطفال.

نعم ابي وامي العزيزين! فقد كانت هناك مسؤوليات عديدة تنتظركما بعد ان عقدتما رباط الزوجية باختيار الزوج اللائق وشروع الحياة المشتركة؛ وكان اي تقصير في أداء اي منها مؤثراً في مصير اولادكما فلماذا لم تراعياها ولم تعتنيا بها مما انتج نشوئي في محيط منحرف انا الآن مبتلى، فبدلاً من ملامتي إعملا على مساعدتي، واسمعا إلى آلام قلبي التي ابثها اليكم، خذا بيدي، وانقذاني من هذا الوحل المميت ... أنا متألم بالمقدار الكافي من هزائمي وشقائي فلا تقطعا أملي بتقريعكما ودعائكم علي... انتما تريان عوامل كثيرة اخرى قد ساعدت على انحرافي من مثل المحيط الملوث، والتعاليم والدروس المنحرفة التي بثتها وسائل الاعلام، والأفلام المعينة، والنشرات والصحف والمجلات القذرة المنحرفة... إنها كلها جرتني للهاوية فلا تبعداني انتما بجفائكما وإعراضكما... ولا تمطراني بوابل الألقاب القاتلة (ملوث) (كافر) (منحرف) ... فتصبان في جرحي ملحاً وتساعدان على شقائي.

انظرا!! فاني بعد كل هذا الشقاء اصطدمت بصخرة الواقع فعرفت غلطي وأدركت ان طريق السعادة مفتوح بلطفه تعالى وإن كان الامر يحتاج إلى سعي أستطيع معه ان اعبّد طريق الرجوع إلى الصواب.

وعلى أي حال فقد صممت واريد الرجوع وسأرجع حتماً وأعوض عن الماضي. ولكني بكل اعتذار اريد أن استعرض الوظائف الاخلاقية والدينية والانسانية التي يحملها الأبوان تجاه مصير الابن، عسى ان يكون ذلك لكما ولسائر الآباء مصباحاً ينير الطريق لحل المشاكل فلا يبتلى الأبناء في المستقبل بنفس المصير الذي ابتليت به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 621 و622 طبع مكتبة الصدوق.

2ـ المصدر السابق.

3ـ بحار الأنوار، ج 103، ص 232، ووسائل الشيعة، ج 14، ص 29.

4ـ وسائل الشيعة، ج 17، ص 249. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.