أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-02
471
التاريخ: 2023-10-15
1028
التاريخ: 2023-11-13
1084
التاريخ: 2023-10-22
779
|
وأخطب خطباء هذا العصر وأفصحهم أنطاكيَّان: أحدهما وثنيٌّ ليبانيوس، والآخر مسيحيٌّ يوحنا الذهبي الفم، وقد يكون ليبانيوس لبنانيًّا وقد لا يكون، ولد في أنطاكية في السنة 314 بعد الميلاد وتُوُفي فيها في السنة 393، وتعلم في أنطاكية ثم في آثينة، وعلم في نيقية ونيقوميذية والقسطنطينية، وعاد إلى بلده في الأربعين من عمره وما فتئ فيها يعلِّم ويخطب ويكتب حتى قضى نحبه بعد أربعين عامًا، ولا يزال قسم كبير من خطبه ورسائله محفوظًا حتى يومنا هذا، وفيها صورٌ رائعةٌ لحياة ذلك العصر، وكان ليبانيوس يعتز باليونانية ويزدري اللاتينية، فلا يتنازل لتعلمها، واحتقر النصرانية واعتبرها عدوةَ الحضارة وحَزِنَ لموت يوليانوس الجاحد فقال قوله المأثور: «إني ذاهبٌ إلى الحُقُول لأتحدث إلى الحجارة.» ولما شُرع في هدم الهياكل الوثنية قال: «إن هدم الهيكل كقلع العين؛ فالهياكل روح المناطق وأعرق المباني فيها» (1). وأما يوحنا الذهبي الفم فقد سبق لنا عنه الحديث، ولعل أفضل ما يعبر عن أثره في النفوس ومنزلته في التاريخ ما قاله نيقوفوروس كاليستوس في القرن الرابع عشر: «لقد قرأتُ أكثر من ألف عظة له تتدفق حلاوة، ولقد أحببته منذ حداثتي وأصغيت إلى صوته كأنه صوت الله، وإني مَدِينٌ له بجميع ما أَعْرِفُهُ، وبنفسي أيضًا» (2). واشتهرت أنطاكية أيضًا بأميانوس مرسلوس (330–401)، وُلد في أنطاكية من أبوين يونانيين عريقين في الشرف، والتحق بالجيش وتَوَلَّى القيادة العامة، ولمع في غالية وفيما بين النهرين، ثم تقاعد فعُني بالتأريخ فكتب تكملة لتاريخ تاسيتوس، وذلك بعبارةٍ لاتينية متينة فصيح (3)، ولم يكن يرى فضلًا في النصرانية، ولكنه كان أَقَلَّ تعصبًا من ليبانيوس، وأَحَبَّ أنطاكية وسورية ولبنان، وفاخر بها: «أنطاكية لا مثيل لها، وفينيقية عند قدم لبنان فَتَّانة جميلة ». وكان طبيعيًّا جدًّا أَنْ تَهْتَمَّ الأوساطُ النصرانيةُ في أنطاكية في القُرُون الأولى اهتمام الإسكندرية للدفاع عن النصرانية، وأن تنشأ فيها مدرسةٌ من طراز ذيذاسقاليون الإسكندرية، فنحن نقرأُ أنه في السنة 269 اتخذ مجمع أنطاكية المحلي قرارًا بقطع بولس السميساطي أسقف أنطاكية وصديق زينب التدميرية، ونقرأ أَنَّ الذي تولى أمر تفنيد أضاليل هذا الأسقف كان الأب ملكيون «رئيس مدرسة العلوم اليونانية» في أنطاكية، ثم نقرأُ أنه في السنة 290 اتفق القسان لوقيانوس ودوروثاوس وجماعة من الأساقفة والقسوس على جَعْلِ دَارِهِمْ مدرسةً لتدريس الأسفار المقدسة وشرحها. وكان لوقيانوس (235–312) سميساطي الأصل درس على الأسقف بولس السميساطي الذي علَّم أن الآب والابن والروح القدس ليسوا سوى أقنوم واحد، وأن المسيح لم يكن ابن الله — على الحقيقة — وإنما كان إنسانًا حَلَّ فيه اللاهوت، وتشرَّب لوقيانوس شيئًا من تعاليم معلمه، فأصابه حكم المجمع الذي قطع أستاذه، وبقي مبعدًا عن الكنيسة حتى نكل عن بعض ما قاله فرَدَّهُ البطريرك كيرلُّس (277–299) إلى درجته في الكهنوت، وعني لوقيانوس بِتَحَرِّي نص التوراة السبعينية ونص الإنجيل، فضبط لهذين السفرين الترجمة التي عَمَّ استعمالُها الكنائسَ الشرقية، وتُوُفِّيَ لوقيانوس وزميلُهُ دوروثاوس شهيدين في نيقوميذية «أزميد» في السنة 312. وأشهر الآباء الأنطاكيين في تاريخ الفكر الديني العقائدي: ديودوروس الطرسوسي (+394) ويوحنا الذهبي الفم (+407) وثيودوروس المبسوستي (+429) وثيودوريطس القورشي (+457)، ولد ديودوروس في أنطاكية في بيتٍ عريقٍ في الشرف والنفوذ، ودرس في آثينة ثم في أنطاكية، وقام بأعباءِ الخدمة في أنطاكية في أثناء المحنة التي أَدَّتْ إلى نَفْيِ سيده البطريرك ملاتيوس الشهير (360–378)، وسيم أسقفًا على طرسوس في السنة 378. وبوصفه أسقفًا اشترك في أعمال المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية سنة 381، وكتب في الفلسفة واللاهوت وفي تفسير الأسفار، وأما ثيودوروس المبسوستي أو الأنطاكي، فإنه أَبْصَرَ النور في أنطاكية في السنة 350 أو ما يقاربها، في بيت وفرٍ ويسارٍ ونفوذٍ واقتدارٍ، ودرس على ليبانيوس، ثم اجتذبه يوحنا الذهبي الفم إلى الدين المسيحي، فتقبل النعمة وتَنَسَّكَ وجاور ديودوروس الطرسوسي، وكان هذا لا يزال في أنطاكية، ولم يقدر على متابعة الزهد فعاد إلى أنطاكية ليتزوج، فوجه إليه يوحنا الذهبي الفم رسالته Ad Theodorum Lapsum فعاد إلى الرهبانية والزهد، وما فتئ يدرس العلوم الدينية على ديودوروس حتى السنة 378 سنة سيامة أستاذه أسقفًا على طرسوس، فأما ثيودوروس فإنه سِيمَ كاهنًا في السنة 383، ورحل بعدها إلى طرسوس والتحق بمعلمه، وما زال فيها حَتَّى سيم أسقفًا على مبسوستي في جوار طرسوس، وتُوُفي في السنة 428، وهو أكبر مَن صَنَّفَ في اللاهوت من رجال أنطاكية، ولم يبق من تآليفه إلَّا نزر يسير؛ نظرًا لموقف المجمع المسكوني الخامس من تعاليمه، وهو أستاذ نسطوريوس، ويروى أن نسطوريوس زاره في مبسوستي، وهو في طريقه إلى القسطنطينية لِيتبوأ كرسيها البطريركي، فرحب به ثيودوروس وأوصاه بالاعتدال (4)، أما ثيودوريطس القورشي فإنه أنطاكيٌّ أيضًا، ولد في أنطاكية سنة 393، وبشَّر بولادته مقدونيوس الناسك مُعلنًا استعدادَ المولود الجديد لتكريس نفسه لخدمة المسيح، فنشأ ثيودوريطس راهبًا، وأخذ كثيرًا عن يوحنا الذهبي الفم وعن ثيودوروس المبسوستي، ورافق في عهد التلمذة نسطوريوس ويوحنا الأنطاكي، وقد سيم أسقفًا على قورش في السنة 423، وكانت وفاته في السنة 457، وكتب كثيرًا، وأنفع ما صنف تكملة تاريخ يوسيبيوس (5). وكانت مبادئ مدرسة أنطاكية تُوجب في كل موضوع بساطةً في المنهج وكمالًا في الإيضاح وإدراكًا في تعليم الإيمان، وكانت تؤثر الأخذ بظاهر النصوص المقدسة، فتبتعد كل الابتعاد عن التأويل، وكانت تعتمد أرسطو أكثرَ من أفلاطون، ومِنْ ثَمَّ كانت هذه الفروقُ بينها وبين مدرسة الإسكندرية. ولهذا السبب كانت تميز مدرسة أنطاكية بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح واحد، ومع أنها كانت تعتقد بأن المسيح واحدٌ وليس اثنين، فإنها كانت ترفض التعليمَ بالاتحاد الطبيعي وبالمزج بين الطبيعتين، وكانت تعتبر اتحادهما إضافيًّا بمعنى السكنى والارتباط حفظًا لكمال الطبيعة البشرية التي زعم أبوليناريوس أنها كانت ناقصةً، وشهد بذلك يوحنا الإنجيلي بقوله: إن الكلمة «سكن فيها»، وبقول بولس الرسول إن الكلمة «ظهر بها»، وكانت تنكر على الناسوت خواصَّ اللاهوت، كالحضور في كل مكان والقُدرة على كل شيء، وعلى اللاهوت أهواءَ الناسوت وآلامه، كالولادة والتألُّم والموت. ولهذا السبب كان مُعَلِّمُوها يتجنبون كُلَّ تعبير يؤدي إلى مِثْلِ ذلك المعنى كتسمية العذراء بوالدة الإله، ومع اعتقادِهِم بكمال الطبيعة الإلهية كانوا يعتقدون بوجوب كمال الطبيعة البشرية أيضًا؛ لأن لوقا الإنجيلي يقول في الإصحاح الثاني: إن يسوع «كان يتقدم بالحكمة والقامة.» وهذا لا يُقال إلَّا في طبيعةٍ بشريةٍ، وكانوا يعلمون «بوجوب السجود للناسوت، بمعنى أنه إناءٌ للكلمة، فيقولون: إننا نسجد للأرجوان من أجل المتردي به، وللهيكل من أجل الساكن فيه، ولصورة العبد من أجل صورة الله، وللحمل من أجل رئيس الكهنة، وللمتخذ من أجل الذي اتخذه، وللمكوَّن في بطن البتول من أجل خالق الكل». على أنهم ما كانوا يعلمون بأقنومين بل بأقنوم واحد ذي طبيعتين متحدتين، بلا انمزاج ولا اختلاط ولا تشويش، ولهذه الأسباب كانوا يقدمون للمخلِّص سجودًا واحدًا من الجهة الواحدة، ويرفضون من الجهة الأُخرى الاعترافَ بالاتحاد الطبيعي أو الجوهري؛ حذرًا من حَصْرِ اللاهوت أو مِنْ تأليه الناسوت. «فينتج مما تقدم أن معلمي أنطاكية والإسكندرية كانوا يعلمون التعليم المستقيم على مناهجَ مختلفةٍ، مع محاذرة استعمال عباراتٍ مستقيمة، أو مع استعمال عبارات أَشَدَّ من المستقيمة تحصينًا للتعليم القويم بحسب اقتضاء مراكزهم، فكان المصريون يشدُّون العبارات المتعلقة بإيضاح كمال طبيعة اللاهوت حذرًا من بدعة آريوس التي ظهرت في إقليمهم ضد التعليم بكمال اللاهوت، وكان الأنطاكيون يطلبون إيضاحَ كمالِ طبيعةِ الناسوت؛ حذرًا من بدعة أبوليناريوس التي ظهرتْ في إقليمهم ضد التعليم بكمال طبيعة الناسوت. ولكنه قام في المدرستين أناسٌ تطرفوا في التعليم فسقطوا في الضلال، فقام في مدرسة أنطاكية مَنْ تَطَرَّفَ في التعليم بالطبيعتين إلى التعليم بشخصين أو أقنومين حتى أنكر الاتحاد الحقيقي، وهذا هو نسطوريوس وأتباعه، وقام في الإسكندرية مَنْ تطرف من التعليم باتحاد الطبيعتين إلى التعليم باختلاطهما طبيعة واحدة، ولم يعد يميز بين اللاهوت والناسوت، وهذا هو أفتيشيس أو أوطيخة وأنصاره (6)».
.....................................
1- Monnier, E., Hist. de Libanius, Paris, 1866; Sievers, Das Leben des Libanius, Berlin, 1868; Seeck, O., Die Briefe des Libanius elc. Leipzig, 1906; Pack, R. A., Studies in Libanius, Michigan, 1935.
2- Patrologia Graeca, CXLVI, 933
3- Res Gestae
4- Amann, E., Théodore de Mopsueste, (Dict. de Théologie Catholique); Sweete, H. B., Theodor von Mopsuestia, (Dict. of Christian Biography).
5- Hist. Ecclesiastica; Bardy, G., Theodoret, Evêque de Cyr, (Dict. de Theol. Cath.)
6- الكلام لرئيس أساقفة بيروت جراسيموس في كتابه: تاريخ الانشقاق، ج1، ص201–203، بيروت، 1931.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|