أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-14
346
التاريخ: 2023-10-16
986
التاريخ: 2023-09-26
1483
التاريخ: 2023-10-26
1110
|
وكان والنس قَدْ أَظْهَرَ تحيزًا شديدًا لآريوس والآريوسيين، فنفى جميع الأساقفة النيقيين وقهر رهبانهم على اللحاق بالجيش وقتل وأحرق، فلما سقط في أدريانوبوليس في السنة 378 ورضي ثيودوسيوس أن يتسلم الحكم (379)، اشتد التنافر بين الآريوسيين وبين النيقيين وعم جميع الأوساط الشعبية رجالا ونساءً. ومن ألطف ما جاء في المراجع في وصف تَدَخُل «العوام في علم الكلام» قول غريغوريوس أسقف نيسة اليونانية: «والجميع في الشوارع والأسواق وفي الساحات وعند مفترق الطرق يتكلمون فيما لا يفقهون، فإذا سألت أحدًا من الباعة: ماذا أدفع؟ أجابك: هو مولود أو هو غير مولود، وإذا أنت حاولت أن تعرف ثمن الخُبز أجابوك أن الآب أعظم من الابن، وإن سألت هل الحمام جاهز سمعت جوابًا أن الابن جاء من العدم (1).» ویرى رجال الاختصاص أن ثيودوسيوس عَزَمَ منذ أن تسلم أزمة الحكم على أن يجعل العقيدة الكاثوليكية الأرثوذكسية عقيدة الدولة(2) ، فإنه منذ السابع عشر من حزيران سنة 379 عندما أَصْدَرَ براءَته الأولى وحدد فيها واجبات كبير الكهنة الوثنيين في أنطاكية؛ امتنع عن أن يشير إلى نفسه باللقب الوثني الحبر الأعظم، ولعل السبب في هذا أنه ولد مِنْ أَبَوَيْنِ مسيحيين إسبانيين وأن حبر رومة دماسوس الكبير استغل نفوذ الحاشية الإسبانية المسيحية لحمل الإمبراطور على مراعاة الكنيسة، وعاد ثيودوسيوس في الثامن والعشرين من شهر شباط من السنة 380 فأصدر براءَةً خاصة جَعَلَ بها العقيدة النيقاوية عقيدة الدولة، فقال ما معناه: وعلى جميع شعوبنا أن تجتمع حول العقيدة التي نقلها بطرس الرسول إلى الرومان العقيدة التي يقول بها أسقف رومة دماسوس وأسقف الإسكندرية بطرس؛ أي أن يعترفوا بالثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس، وللذين يقولون بهذه العقيدة وحدهم حق التلقب بالمسيحيين الكاثوليكيين (3) ، أما الآخرون فإنهم هراطقة موصومون بالعار لا يحق لهم أَنْ يَدَّعُوا الأبنية التي يجتمعون فيها كنائس، وسينتقم الله منهم ونحن أيضًا بعده(4)». وما كاد الإمبراطور يدخل العاصمة القسطنطينية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني سنة 380 حتى أخرج منها أسقفها الآريوسي وأدخل إليها (26 تشرين الثاني سنة 380) «بلبل قبدوقية الأزرق» غريغوريوس الثاولوغوس النازيانزي بجميع مظاهر الأبهة والإجلال وغريغوريوس هذا العظيم ولد بالقرب من نازيانزة في قبدوقية في السنة 330، ودرس في الإسكندرية وقيصرية وآثينة – كما مرَّ بنا ــ وكان قد اشتهر بعِلْمِهِ وفلسفته وفصاحته، وسيم أسقفًا. على ساسمة فنازيانزة، وأراده ثيودوسيوس أسقفًا. على العاصمة. وفي العاشر من كانون الثاني سنة 381 أردف ثيودوسيوس براءته هذه الأولى ببراءة ثانية فصَّل فيها العقيدة الأرثوذكسية الكاثوليكية كما كان قد أقرَّهَا المجمع المسكوني الأول في نيقية، وأبان أن الهرطقة (5) في نظر دولته شملت أقوال فوتيانوس وآريوس وأفنوميانوس. وفي الثاني من أيار من السنة نفسها حرم جميع المسيحيين المرتدين إلى الوثنية من حق الوصية الوصاية، وفي الثامن منه ضرب المنيكيين ضربة قاضية. وكان ثيودوسيوس قد أعلن رغبته - وهو لا يزال في ثيسالونيكية – في عقد مجمع مسكوني عام؛ للنظر في أُمور الكنيسة جمعاء، فنفذ أمنيته هذه في ربيع السنة 381، وأم القسطنطينية عددٌ مِنْ أعاظم رجال الكنيسة، بينهم ملاتيوس بطريرك أنطاكية، وغريغوريوس النازيانزي بطريرك القسطنطينية ــ فيما بعد ــ وتيموثاوس بطريرك الإسكندرية، وكيرلس أسقف أوروشليم، وأمفيلوشيوس أسقف إيقونية، وبيلاجيوس أسقف اللاذقية، وذيذوروس أسقف طرسوس، وأكاكيوس أسقف حلب، وكثيرون غيرهم بلغ مجموعهم مائة وخمسين. وكان دماسوس بابا رومة قد ألح بوجوب انعقاد هذا المجمع المسكوني في رومة نفسها، ولكن ثيودوسيوس الإمبراطور أبَى وأَصَرَّ على عَقْدِهِ في القسطنطينية، فلم تشترك رومة في أعمال هذا المجمع ولم يكن هنالك مَنْ يُمثلها، ولكنها وافقت على جميع قراراته بعد واعتبرته مجمعًا مسكونيًّا قانونيًّا. وكان ملانيوس البطريرك الأنطاكي قد اشتهر بجهاده ضد الآريوسية وبعلمه أسقفًا وفضله وتَقْوَاه، فأجمع الأعضاء عليه رئيسًا، فسام غريغوريوس النازيانزي القسطنطينية، وتُوفي في أواخر أيار، فانتخب المجمع غريغوريوس النازيانزي رئيسًا، ولكنه كان عصبي المزاج سريع الغضب فاستعفى، وعندئذٍ انتخب المجمع – بإشارة من الإمبراطور ــ نكتاريوس القاضي رئيسًا، وهو الذي أصبح فيما بعد بطريركا على القسطنطينية بعد غريغوريوس. ونظر المجمع في بدعة مقدونيوس أسقف القسطنطينية الذي كان يقول بخلق الروح القدس من الله الآب بواسطة الابن، فنبذ المجمع هذا القول وأقرَّ مَرَاسِيمَ المجمع النيقاوي، وأضاف إلى دستور الإيمان النيقاوي بعض إيضاحاتٍ، وخصوصًا فيما كان يتعلق بأمر تَجَسُّد ابن الله وألوهية الروح القدس، فجاء في اثني عشر بابا – كما يلي ــ وهو لا يزال دستور المسيحيين حتى يومنا هذا
(1) أؤمن بإله واحدٍ آب ضابط الكل، صانع السماء والأرض، كل ما يُرى، وما لا يرى. (2) وبرب واحدٍ يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء.
(3) الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا نزل من السماوات، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنس.
(4) وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، وتألم وقُبر.
(5) وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب.
(6) وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب.
(7) وأيضًا يأتي بمجدٍ، ليدين الأحياء والأموات، الذي لا فناء لملكه (6).
(8) وبالروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الآب (7)، الذي هو مع الآب والابن، مسجود له وممجد، الناطق بالأنبياء (8).
(9) وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية.
(10) وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا.
(11) وأَتَرَجَّى قيامة الموتى.
(12) والحياة في الدهر العتيد، آمين.
وكان المجمع المسكوني الأول قد شرع في تنظيم الكنيسة على غرار نظام الدولة الرومانية، فأعطى أسقُف عاصمة الولاية حَقَّ التقدُّم على أساقفة مدنها الأخرى، وجعله متروبوليتا عليها كلها، وكانت الولايات الرومانية المائة والعشرون قد انتظمت ذيقوسيات اثنتي عشرة، فجاء المجمع المسكوني الثاني يُعطي متروبوليت عاصمة الذيقوسية حَقَّ التقدم على جميع المطارنة فيها، وأصبح بطريرك أنطاكية بموجب هذا الترتيب عاصمة ذيقوسية الشرق متقدمًا على جميع مطارنة هذه الذيقوسية، ومثله بطريرك الإسكندرية في ذيقوسية مصر، ومتروبوليت قيصرية قبدوقية في ذيقوسية البونط ، ومتروبوليت إفسس في ذيقوسية آسية، ومتروبوليت هرقلية في ذيقوسية تراقية. ويُرجح بعض رجال الاختصاص أن أساقفة هذه الذيقوسيات كانوا يتمتعون بلقب إكسارخوس أو الأسقف الأول، وأنه كان لبعضهم ألقاب خاصة احتفظوا بها، فكان أسقف رومة يدعى أسقف المدينة أو حبرًا أو بابا أو بطريركا، وكان أسقف الإسكندرية يدعى بابا وبطريركًا ولا يزال «بابا وبطريرك الإسكندرية»، كما كان أسقف أنطاكية يدعى بطريركا أيضًا، واللفظ بابا يوناني في الأرجح مأخوذ من الكلمة باباس ومعناها الأب، واللفظ بطريرك يوناني أيضًا، وهو مركب من كلمة باتريا ومعناها العشيرة، وكلمة أرشيس ومعناها الرئيس. ولما كان بروقنصل القسطنطينية وحاكمها لا يخضع لنائب الذيقوسية التي فيها هذه المدينة، ولما كانت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الثانية «رومة الجديدة»، فإن المجمع رأى أن يعطي أسقفها حق التقدم على جميع الأساقفة بعد أسقف رومة، وأن يُصار إلى تسميته في مجمع. خاص، يشترك فيه جميعا أساقفة الذيقوسيات الشرقية (9). ودعا دماسوس حبر رومة الأساقفة إلى مجمع في رومة في السنة 372، ولكن ثيودوسيوس طلب إليهم متابعة العمل في القسطنطينية في الوقت نفسه، وسمح بأن يسافر وفد منهم إلى رومة؛ يراقب أعمال مجمعها ولا يشترك فيها، وتدخل غراتيانوس إمبراطور الغرب وحضَّ الآباء المجتمعين في القسطنطينية على الاشتراك في مجمع رومة ولكن على غير جدوى، فاضطرب دماسوس ورأى في هذا إهانة له ونذير انشقاق بين الشرق والغرب (10).
..................................................
1- Patrologia Graeca, XLVI, 557
2-Piganiol, A., Emp. Chrétien, 216
3- Christiani Catholici
4- Cod. XVI, 2, 25 r
5- وكانت قد جرت العادة منذ عهد قسطنطين الكبير أن يفرّق بين الكثلكة النيقية ecclesia catholica وبين الهرطقة Haeretici.
6- وكان النص النيقاوي: نزل من السماء، وتجسد، وصار إنسانًا، وتألم وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات، وسيأتي ليدين الأحياء والأموات.»
7- Lagier, C., Orient Chrétien, II, 282 خلاصة تاريخ الكنيسة، ترجمة الخوري يوسف البستاني، مطبعة الآباء اليسوعيين، الجزء الأول، ص 225.
8- وفي النص النيقاوي: «نؤمن بالروح القدس.»
9- المجمع الثاني: القانون الثالث، اطلب أيضا مقال لوران V. Laurent، في المجلة Byzantion في سنتها السابعة، ص 512.
10- Piganiol, A., Emp. Chrét. 220
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|