أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-03
1891
التاريخ: 14-10-2017
6915
التاريخ: 14-10-2017
3579
التاريخ: 4-4-2017
26057
|
يعنى المشرع بوضع الأسس العامة عند التشريع دون الخوض في التفاصيل الدقيقة، وقد تبين أن أغلب التشريعات الجنائية لم تضع مفهوماً يحدد بموجبه السر الوظيفي بصورة عامة، وإن كانت قد أظهرت بعض الأمثلة الممثلة لمعنى السرية، لذلك يتم اللجوء إلى القضاء لتحديد ما يُعد من أسرار الوظيفة في كثير من الوقائع المراد عرضها عليه، فالقضاء يستطيع الاستعانة بالقواعد العامة في هذا الشأن، كما يقوم باستطلاع آراء الجهات الإدارية كونها أكثر احتكاكا بالموضوع، لكي ينهض القضاء بهذا الدور ومن ثم التوصل إلى تقدير ملاءمة ما يُعد من الأسرار الوظيفية في كل مسألة على حدة، بشرط أن لا يؤدي ذلك الدور بالقضاء إلى أن يخلق أنواعاً من الأسرار غير متفقة مع مقاصد التشريع، مما يشكل خروجاً على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي وجد لحماية الحرية الفردية.
وأمام غموض النص بصدد هذه المسألة، فأن القاضي سوف يقوم بتفسير النص لرفع الغموض عنه، من خلال الإستهداء إلى معرفة ما تتسع له أغراض المشرع ومقاصده، حتى لو كانت حرفية النص لم تشر إلى ذلك (1). ولا تؤثر على جوهر سلطة القاضي التقديرية طبيعة النزاع أو الواقعة، لأن القاضي هو الذي يعطي للنص القانوني فاعليته في حالة غموضه من خلال إزالة ذلك الغموض، والمنطق يرشد العقل نحو البحث عن الحقيقة على أساس إن هذا العلم يوصل إلى التفكير السليم (2). وتتمثل السلطة التقديرية للقاضي من خلال قيامه بالمواءمة بين نص القانون والحالة الواقعية المتعلقة بتحديد السر الوظيفي (3) ، فالقاضي له سلطة تقديرية واسعة تظهر في مبدأ حرية اقتناع القاضي الجنائي في إيجاد الحكم السليم للواقعة المتعلقة بإضفاء السرية على الوقائع، وما تظهره ظروف وأدلة الدعوى (4) ، إذ يستقل قاضي الموضوع بتقديره للأدلة كونها مسألة موضوعية، وتتمركز سلطة القاضي بشكل جلي في جميع المسائل التي تكون مضامينها غير باتة، لذا يكون ترك شأنها للقاضي أمراً لا ضير فيه لغرض الوصول إلى تقدير حكم عادل (5) ، وإذا عرض النزاع على القاضي بشأن تحديد السر وتحقق إفشائه فإنه يستخدم أسلوب التفسير القضائي للنص عند تطبيقه له، ولا يعد القضاء مرجعاً لتفسير القانون، وإنما يحصل ذلك التفسير بمناسبة نظر القضية، والتفسير القضائي غير ملزم، حيث لا يقيد القاضي ذاته أو قاضياً أخر، ويجوز العدول إلى تفسير آخر عند نظره في الدعوى الجزائية(6). ويمكن للقاضي أن يستخدم قواعد الاستنتاج والاستنباط ويقوم بالموازنة بين مقدمات القضية ونتائجها، ولكن عليه أن لا يُنشئ واقعة جديدة غير موجودة في أوراق دعوى إفشاء السر الوظيفي، كما إن تفسيره للنص الجزائي المجرم لإفشاء الأسرار الوظيفية يجب أن يتم حسب المنهج القانوني، الذي ينصرف إلى مضمون النص أي المصلحة التي يحميها وليس الإطار الشكلي للنص وحده، لكي تتم معرفة ما أراده المشرع بصورة تلاءم الواقع(7).
أما عن اتجاه القضاء لاستطلاع رأي الجهات الإدارية في موضوع تحديد السر الوظيفي، فلا بد للقاضي لكي يكون قناعته عن القضية أو إذا التبس عليه الأمر من أن يطالع ما تصرح به هذه الجهات بصدد ذلك، فالغالب أن تكون هذه الجهات هي التي اكتشفت الواقعة كما أنها أكثر دراية من غيرها بسرية المعلومات أو الوثائق بحكم ممارسة عملها اليومي، ولا غنى للمحاكم عن رأي الإدارة إذا ما أرادت توخي الصواب، ولكن هذا الامر داخل ضمن السلطة التقديرية للمحكمة (8)، وهناك من يرى من الفقه الفرنسي (9) ، أن رأي السلطات الإدارية ذات العلاقة لا يكون ملزماً، وللمحكمة خيار الأخذ به من عدمه ويترك لها استنباط الطبيعة السرية للمعلومات بناءً على ما تقتنع به. وفي المسألة نفسها أفصح المشرع المصري في المذكرة الإيضاحية لقانون العقوبات، إذ ورد فيها أنه في أحوال كثيرة تكون طبيعة الوثيقة أو المعلومات بحيث لا تدع مجالاً للشك في أنها تتضمن سراً من الأسرار ... بينما قد تقع حالات لا يتبين منها معنى السرية بطريقة واضحة، لذلك يتم الرجوع إلى المحكمة لتقدير الأمر، ولها أن تأخذ برأي السلطات الإدارية ذات العلاقة فهي أقدر من غيرها لتقرير سرية المعلومة أو الوثيقة التي تجري المحاكمة بشأن سريتها (10).
وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في أحد أحكامها الذي قضت به الدائرة الجنائية أن: (المشرع لم يقتصر في المادة (378) من قانون العقوبات الفرنسي القديم على عقاب الإفشاء للأسرار إذا كانت ضارة بل حتى لو لم تضار مصلحة الجهة الإدارية)(11)، وكذلك قضت محكمة النقض في أحكامها الحديثة بأن : الوقائع المعروفة تكتسب صفة السرية، التي تكون معروفة إجمالاً دون تحديد لتفاصيلها، لأن تدخل الأمين على السر وكشفها يضفي عليها مزيداً من الوضوح والإظهار ، فالإفشاء الصادر من شخص اختصاصي يأتي مؤكداً للواقعة في حدود لم تكن مؤكدة فيه) (12) ، وتعد الواقعة المعروفة ولكن أمرها مشكوك فيه سرية أيضاً، لأن إفشاءها سيزيد من خطورة الضرر الناجم عنه بما يثبته صاحب الوظيفة (13).
أما القضاء الإيطالي، فقد وسع من مفهوم السر من ناحية موضوعه وطبيعته، عدا المسائل المعروفة في الوسط الإداري، إذ قضت محكمة النقض الإيطالية في حكم لها بأنه: ((كل خبر يجب أن يظل في طي الكتمان عن الأشخاص، فيما عدا أشخاص تتوافر فيهم صفات معينة)) (14).
وبالنسبة للقضاء الأمريكي، فأنه لم يَعُدَّ ما قام به مأمورو إدارة الدخل حسب ما صدر لهم من التخويل في تقنين الدخل الداخلي لعام 1954، بفحص سجلات البنوك إفشاء لمعلومات العملاء وخصوصياتهم من قبل البنك، ولكنه جعل من هذا الأمر بمثابة طريقة تسهل عمل الحكومة في الحصول على المعلومات الضرورية (15).
وفي مصر، لم يعرف القانون الجنائي السر، واستحسن ذلك الفقه المصري، فالمشرع لا يستطيع التحديد لو أراد أن يفعل لان التحديد غير ممكن (16) ، مما ترك ذلك الأمر أثره في القضاء المصري فهو لم يتبنَّ تحديداً ثابتاً للسر، إذ قضت محكمة النقض: ((إن القانون لم يبين معنى السر، وترك الأمر لتقدير القضاة، فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف وظروف كل حادثة على انفرادها )) (17)، أما عن الوقائع المعروفة، فلا تشكل سراً عند محكمة النقض(18)، في حين ساير القضاء المصري موقف القضاء الفرنسي بصدد الوقائع التي تكون معروفة ولكنها مشكوك فيها عادا إياها سرية (19).
وفيما يتعلق بمحكمة التمييز الأردنية، فأنها قضت بأن أسئلة امتحانات الثانوية العامة وثائق سرية ومحمية تصنف بدرجة محدودة وفق المعنى المقصود في المادة (8/أ) من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم (50) لسنة 1971 ، وأن إفشاءها إلى أشخاص غير مصرح لهم بذلك قبل عقد الامتحان يضر بمصالح الدولة، والقصد من ذلك هو توفير الثقة بشهادة الدراسة الثانوية العامة وكذلك توفير الثقة بمؤسسات الدولة التي تشرف عليها (20).
أما بالنسبة لموقف القضاء العراقي، فأنه لم يتعرض إلى تحديد السر وفق معيار معين و على الرغم من السعي للبحث في المجموعات القضائية والنشرات والقرارات الجنائية والإدارية، لم أتمكن من العثور على قرار قضائي يتعلق بتحديد سر الوظيفة، وهناك قرار قضائي صادر حديثاً عن محكمة الجنايات المركزية العراقية تناول جريمة إفشاء أسرار الوظيفة، ولكنه لم يتبنَّ معياراً لتحديد السر، سوى ، أنه تضمن الحكم على موظف يعمل كمسؤول إعلامي في جهاز المخابرات الوطني العراقي على وفق المادة (437) من قانون العقوبات بالحبس لمدة سنة واحدة، وذلك لقيامة بنشر معلومات وأسرار خاصة بدائرته في الصحف المحلية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً (21)، وهناك من يرى أن من أسباب قلة التطبيقات القضائية في هذا الجانب، الإجراءات المطولة في حسم القضايا أمام المحاكم وتعدد جلساتها وكثرة المصاريف والرسوم والتأجيلات التي تحصل بسبب مماطلة الخصوم، الأمر الذي يكتفي معه بالصمت أما من جهة الادارة او الافراد وعدم إثارة النزاع أمام القضاء (22) وبما أن قانون العقوبات العراقي قد ترك سلطة تقديرية للقاضي تتمثل في عمومية بعض العبارات التي وردت في نصوصه، مثل الباعث الدنيء والرأفة بالمجرم (23)، أو من ناحية تقدير الأدلة (24) ، فأن قيام القاضي الجنائي باستخدام سلطته التقديرية وبما أن المشرع لم يعرف السر في المادة (437) ، فأن ما يدرك من ذلك التوجه هو التوسع في مفهوم السر، والظاهر من القرار المذكور تحديد السر على وفق طبيعته ومحتوى المعلومات الخاصة بالدائرة المذكورة، وكون تلك الأسرار لها أهمية كبيرة من الناحية الأمنية والإدارية لتعلقها بالصالح العام وتحقيق الاستقرار.
لغرض تحديد الأمور التي تعد سرية من عدمه لا يشكل ضيراً ، فهو لا يُنشئ جريمة تتعارض مع مبدأ الشرعية، وإنما يستخدم نشاطه الفكري في تفسير النص الجزائي(25)، الخاص بتجريم إفشاء الأسرار ومن ثم تحديد السر الوظيفي إذا ما عرض عليه الأمر، كما أنه لا مانع من أن يقوم القاضي بالاستعانة برأي الخبراء في هذه المسألة.
_______________
1- Ancel Marc, a propos de quelques discussions récentes sour la regle "nulla poena sine lege lege" revue de science criminelle et de droit pénal comparé, Paris, 1937, p678 ets.
نقلاً عن د. مجدي محمود محب ،حافظ موسوعة جرائم الخيانة والتجسس، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2008 ، ص 243.
2- يوسف جوادي، حدود سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2011، ص 10.
3- د. عمر سالم، شرح قانون العقوبات المصري القسم العام، ج2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007، ص 72.
4- يوسف جوادي، مصدر سابق، ص 150.
5- المصدر نفسه، ص 150 وما بعدها.
6- د. سامي النصراوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، ج 1، دن، بغداد، 1977، ص32.
7- د. أحمد فتحي سرور، النقض الجنائي، ط 2 ، دار الشروق القاهرة، 2005 ، ص287؛ يوسف جوادي، المصدر السابق، ص186.
8- د. مجدي محمود محب ،حافظ، مصدر سابق، ص 248 وما بعدها.
9- Herzog J.B, atteints a la sureté de 1 état, encyclopédie juridique Dalloz, droit pénal, vol, 1967, p 27.
نقلاً عن سعد إبراهيم الأعظمي، جرائم التجسس في التشريع العراقي رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون بجامعة بغداد 1980 ، ص 171 وما بعدها.
10- د. حسن صادق المرصفاوي، قانون العقوبات معلقاً عليه بالأحكام والمذكرات الإيضاحية، دار المعارف، مصر، د ت، ص72.
11- قرار محكمة النقض الفرنسية، الدائرة الجنائية، 1901 في 1901/11/9. نقلاً عن د. أحمد كامل سلامة الحماية الجنائية لأسرار المهنة دار النهضة العربية ، القاهرة، 1988، ص 41 وما بعدها.
12- Crim, 7mars, 1989, bull, crim, no 109, 8 fev, 1994, gaz, pal. Véron Michel, droit penal spécial, 5 édition masson, Paris, 1996, p143.
نقلاً عن د. سعيد عبد اللطيف حسن الحماية الجنائية للسرية المصرفية جريمة إفشاء السر المصرفي)، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص231.
13-Bouzat Pierre, la protection juridique du secret professionnel en droit pénal comparé, 1950, p544.
نقلاً . عن د. سعيد عبد اللطيف حسن الحماية الجنائية للسرية المصرفية جريمة إفشاء السر المصرفي)، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص232
14- قرار محكمة النقض الإيطالية في 1958/6/28 . نقلاً عن د. أحمد كامل ،سلامة، مصدر سابق، ص37؛ د. سعيد عبد اللطيف حسن، مصدر سابق، ص 202.
15- د. سعيد عبد اللطيف حسن المصدر السابق، ص 248 وما بعدها.
16- د. أحمد أمين بك، شرح قانون العقوبات الأهلي، ج 3، ط3، الدار العربية للموسوعات، لبنان، 1982، ص 836.
17- قرار محكمة النقض المصرية رقم 843 1942 في 1942/2/2 نقلاً عن عدنان خلف محي، جريمة افشاء سر المهنة في القانون العراقي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون بجامعة بغداد، 1998، ص35؛ جابر مهنا ،شبل الالتزام بالمحافظة على سر المهنة، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون بجامعة بغداد، 1984 ، ص 10؛ أحمد عيد النعيمي، جريمة إفشاء أسرار مهنة المحاماة، ط 1، دار وائل للنشر، عمان،2010، ص29.
18- قرار محكمة النقض المصرية / 1907 في 1907/4/30 نقلاً عن د. أحمد كامل سلامة الحماية الجنائية لأسرار المهنة دار النهضة العربية ، القاهرة، 1988 ، ص 43.
19- سعيد عبد اللطيف حسن الحماية الجنائية للسرية المصرفية جريمة إفشاء السر المصرفي ، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص232
20- قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية رقم 2000/72 في 2000/4/18. نقلاً عن عبد الرحمن عبيد الله عطا الله الحماية الجزائية للأسرار المهنية في قانون العقوبات الأردني، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا، 2010، ص 92 ، منشورة في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.meu.edu.jo/library/34327252499040048.pdf
(آخر زيارة للموقع في 2012/3/3).
21- قرار محكمة الجنايات المركزية العراقية / 2011 في 2011/7/17، منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.shababek.de/razuma03/modules/xnews/article.php?storyid=1660
(آخر زيارة للموقع في 2012/4/9).
22- جابر مهنا شبل، مصدر سابق، ص 63.
23- المادتان (135 / ف 1 ، 132) من قانون العقوبات العراقي.
24- المادة (249) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي.
25- د. هدى سالم محمد الأطرقجي، التكييف القانوني للجرائم في قانون العقوبات العراقي، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون بجامعة الموصل، 2000 ، ص 76.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|