المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



المبهم والمبين  
  
3079   04:50 مساءً   التاريخ: 2023-08-08
المؤلف : السيد مرتضى جمال الدين
الكتاب أو المصدر : الأصول المنهجية للتفسير الموضوعي
الجزء والصفحة : ص 335-348
القسم : القرآن الكريم وعلومه / تأملات قرآنية / مصطلحات قرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2015 2852
التاريخ: 14-12-2015 15009
التاريخ: 21-10-2014 2580
التاريخ: 4-06-2015 11538

وهذا زوج دلالي آخر من مفاهيم الإصطلاح القرآني، وقد سبق القول أن علماء علوم القرآن وأساتذة علم الأصول يقابلون البيان بالإجمال وذكرنا أن الإجمال يقابلهُ التفصيل، وأما البيان فيقابلهُ الإبهام ولابد من الإجابة.

أولاً: على بعض التساؤلات قبل الغور في أسباب الإبهام فما هو الإبهام، وهل يحتوي القرآن على الإبهام؟

فالمبهم لغةً:

أبهمَ البابَ: أغلقهُ، وأبهم الأمر: لم يجعل لهُ وجهاً يعرفهُ.

تَبَهَّمَ واسْتَبْهَمَ الأمرُ عليه: إشتبه وإستغلق.

البُهَم: مشكلات الأمور.

والمُبهم: كلامٌ مبهم: لا وجه له، طريق مبهم: غير مستبين، حائط مبهم: ليس فيه باب [1].

فالمعاني الحسية والمعنوية للمبهم تصب في باب واحد وهو الاستغلاق: غير مستبين: لا وجه له.

ونلاحظ أنه عبر عن المبهم بأنه غير مستبين مما يؤكد المقابلة بين المبهم والمبين.

والبيان لغةً عكسهُ:

بيناً وتبيناً وتبيناً، إتضح وظهر فهو بيِّن[2] وبين الشيء: إتضح وظهر وقد عرفنا أن البيان هو التفسير في الفصل الأول في تعريف التفسير فيكون البيان أشمل وأوسع وبهذا يكون المفهوم بالمعنى الأعم.

وأما البيان الذي يقابل الإبهام فيكون معناهُ الوضوح والظهور فيكون المفهوم هذا بالمعنى الأخص. وبذلك يكون المبهم في قبال المبين فالمبهم: غير المستبين، المستغلق، لا وجه لهُ.

بينما المبين: الواضح، الظاهر.

  هل القرآن مبهم؟

        إذا عرفنا هذا فهل في القرآن شيء مبهم، وهل أنزل الله تعالى كتاباً مبهماً –وهو كتاب بيان- مستغلقاً على الناس؟ وهو القائل عز وجل{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهَ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[3]،{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهَ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [4]{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهَ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[5] فوصف القرآن بالبيان في هذه الآيات وغيرها لكي يتفكرون فيهتدون فيتقون.

نعم، ربما كان مبهماً على بعض دون بعض، أو كان مبهماً في وجه دون وجه.

ويمكن رفع هذا الإبهام بالعلم، فتكون المسألة من الأمور النسبية الإضافية. وإلى هذا تشير بعض النصوص: عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: من زعم أن الكتاب مبهم فقد هلك وأهلك [6] بل إنه مبين ولكن عند أهلهِ وحملتهِ وتراجمتهِ، كأهل البيت والرعيل الأول من الصحابة القُراء. فالإبهام ليس من صفة القرآن إذن، إنما هو بسبب جهل الإنسان.

ولكن للإبهام أسباب إذا ما عُرفت يتحول إلى بيان وبذلك يكون الإبهام عارضاً وليس ذاتياً للقرآن يمكن إزالته بالعلم.

ولهذا يسأل أحدهم الإمام الصادق(عليه السلام): أنت الذي تقول: ليس شيءٌ من كتاب الله إلا معروف، قال لي: ليس هكذا، إنما قلت: ليس شيءُ من كتاب الله إلا عليه دليلٌ ناطق من الله في كتابه مما لا يعلمهُ الناس، إلى أن قال... إن للقرآن ظاهراً وباطناً، ومعاني، وناسخاً ومنسوخاً، ومحكماً ومتشابهاً وسنناً وأمثالاً وفصلاً ووصلاً، وأحرفاً وتصديقاً، فمن زعم أن الكتاب مبهم فقد هلك وأهلك [7]. نفهم من ثنايا الحديث أن للإبهام أسبابٌ إذا زالت إنقلب الإبهامُ بياناً، فلابد أن نكتشف أسباب الإبهام.

أولاً: أسباب الإبهام:-

إن للإبهام أسبابٌ عدة إذا ما شُخصت سَهُلَ الوصول إلى ما يُبينها. فقبال كل إبهام بيان من نوعهِ وجنسهِ. ولعلنا نرصد بعض أسباب الإبهام في نقاط علنا نوفق في بيانها:

الإبهام في المفهوم المعنى.

الإبهام في المصداق.

الإبهام في السبب بعد معرفة المعنى.

الإبهام في متعلق الحكم.

الإبهام في وجه الحكمة.

الإبهام في السؤال.

الإبهام بسبب الإختلاف.

الإبهام في تأويل الأحلام.

الإبهام في صفات الله.

ثانياً: الإبهام في المفهوم المعنى:

ويرجع سبب إبهام المعنى إلى عدة حيثيات فمنها يرجع إلى اللغة كون الشراح لم يحدوا المعنى حداً تاماً، أو لكونه انتقل عبر العصور بمعاني متفاوتة ومتطورة، أو هناك بعض المفردات خرجت من معناها اللغوي إلى معنى شرعي كالصلاة والحج وغيرها فتبدل المعنى وذلك يمكن معالجتهِ عبر اقتران سياقات متناظرة في القرآن لتحديد معاني هذه الدوال المجهولة فما كان مبهماً في آية يكون مبيناً في آية أخرى.

ومنها ما يرجع إلى لغات العرب كالبعل، سامدون، بوراً، فنقبوا [8] حيث نزل القرآن بلغة العرب والغالب فيه لغة قريش. وقد ألف في هذا الفن كثيرون لكن المهم ما هي فائدة ورود هذه اللغات في القرآن؟

إن القرآن حفظ لغة العرب بلهجتها ولغاتها.

إن القرآن استثمر معاني هذه اللغات مما جعل القرآن كثير الوجوه والمعاني:

الإلمام بهذا العلم يعطي للمفسر مساحة أوسع للفهم والتفسير وفي إمكانية إستثمار هذه اللغات في تفسير القرآن هو ما تحملهُ المفردة القرآنية من معاني في القبائل العربية، فقولهُ تعالى: وأنتم سامدون [9] أي نائمون، لكن عند أهل اليمن الغناء، أتدعون بعلاً [10] البعل هو الزوج، لكن عند أهل اليمن الرب وهذه اللهجات إلى اليوم موجودة وبنفس الآلية فقد تكون مفردة من المفردات لها معنى في بلد ونفسها لها معنى آخر في بلدٍ آخر.

فإذا وردت هكذا لفظة يمكن أن تكون محل إبهام في المراد منها. فيأتي البيان لرفع الإبهام وهو تحكم السياق من جهة، وتحكم الموضوع الذي يُفسر من جهةٍ اخرى. فإذا كان البحث حول الغناء تدخل مفردة وأنتم سامدون على هذا الأساس وهكذا، وإذا كان البحث عن النوم فتدخل هذه المفردة فيها ومنها ورود الألفاظ الأعجمية [11] على خلافٍ في ذلك. أيضاً مورد للإبهام لولا ما اشتهر معانيها التي دونها المفسرون فخرجت من حيز الإبهام إلى حيز البيان. ومن هذه الألفاظ الأعجمية الأباريق، إستبرق، أسباط، طوبى، طاغوت. [12]

ومنها مصطلح الغريب في القرآن[13]، وقد ألف فيه كثير من أهل العلم والمراد منه إيضاح معاني ألفاظ القرآن الكريم. وقد وردت أحاديث مرفوعة إلى النبيx قائلاً: إعربوا القرآن والتمسوا غرائبه [14]. وأوردوا فيه عدة أمثلة توقف عندها بعض الصحابة فأصبح اللفظ فيه مبهماً، كما توقف عمر في فاكهةً وأباً. وتوقف ابن عباس في غسلين، وحناناً، أواه، الرقيم.

وكان النبيx وأمير المؤمنين(عليه السلام) يجيب على ما أبهم من ألفاظ القرآن، ولو حللّنا بعض النصوص لوجدناها من باب تفسير القرآن بالقرآن، إذ تَحْتَكِم الى موضوع واحد، فلما استشكل عمر في قوله تعالى وفاكهةً وأبا وبلغ ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: يا سبحان الله أما علم أن الأب هو الكلأ والمرعى و أن قوله فاكهةً وأبا لهم ولأنعامهم فهذا الغريب فسره السياق المكاني {وَ فاكِهَةً وَ أَبًّاً  مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُم} [15] ونقل الذهبي أن أحمد والشيخين وغيرهم رووا عن ابن مسعود: لما نزلت هذه الآية:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[16] شق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: أنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[17] إنما هو الشرك[18]. وهذا من باب تفسير القرآن بالقرآن إذ يربطه موضوع واحد وهو الظلم.

ثالثاً: الإبهام بالمصداق:

قد يكون المفهوم المعنى واضحاً، إلا أنه يُجهل المصداق، أي الانطباق على مؤداه المادي أو الواقعي وأكثر ما يكون ذلك عندما يُعبر القرآن عن المصاديق بالضمائر. فبعضها يكون في سياق واحد فيكون المبهم والمبين المتصل كما في قوله تعالى: {وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّه‏...} [19] فالهاء في حبهِ هل ترجع الى الطعام أم إلى الله. وهذا نظير قوله تعالى: { وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكين‏} [20]. وقد ذكرهُ السيوطي في النوع السبعون المبهمات [21] إلا أنه قصر على عود الضمير فقط وذكر له أسباباً كالاستغناء بالضمير عن ذكر الأمر الصريح لأنه مفسر أو لإشتهاره لأنه معروف، أو لستره، أو لعدم ذكره مزيد فائدة.

ثم أعطى مصاديق لآيات كُنيَ عنها بالضمير لم تُعرف إلا بالسُنة والنص عليها وبعضها يعرف من القرآن: مثالهُ.

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ}[22] وهم{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}[23]، وهذا من نوع المبهم والمبين المنفصل.

رابعاً: الإبهام بالحروف المقطعة: وهي من المبهمات.

الحروف المقطعة في القرآن فيها من الأسرار ما لم يكتشف بعد، وتعامل معها المفسرون بشيء من الإحتمال او الإلتزام بما ورد من نصوص مفسرة لها.

وقد أظهر الأئمة(عليهم السلام)عدة وجوه منها:

تحويل الحروف المقطعة إلى الأرقام الأبجدية المعروفة وهذا وجه.

ووجهٌ آخر تعاملوا معها كتعامل الكلمات المختصرة في اللغات الأخرى.

فمثال الوجه الأول: قال الإمام الباقر(عليه السلام): من زعم أن كتاب الله مبهم فقد هلك وأهلك، ثم قال: أمسك الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون والصاد تسعون، فقلت: هذه مائة وإحدى وتسعون فقال: إذا دخلت سنة إحدى وستين ومائة سلب الله قوماً سلطانهم [24].

ومثال الوجه الثاني: وسئُل الإمام الباقر(عليه السلام): عن معنى ألم، المص، ألر، ألمر، كهيعص، طه، طس، طسم، يس، ص، حم، حمسق، ق، ن. فقال(عليه السلام): أما ألم البقرة: فمعناه، أنا الله الملك وأما ألم آل عمران فمعناه أنا الله المجيد، وألمص: معناه أنا الله المُقتدر الصادق... وكهيعص معناهُ أنا الله الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد [25] فنلاحظ أن كل حرف يكتنز معنى كلمة كاملة وهذا نفسه ما يطبق في المصطلحات العلمية عندما يكتبونها بالحروف اختصاراً. [26]

خامساً: الإبهام في السبب:

بعد معرفة المعنى والنتيجة قد يكون الإبهام في السبب فنبحث عنه في القرآن ونتبع الأشباه والنظائر أيضاً، وأحياناً يعرف السبب من آية واحدة في سياقٍ واحد كما في قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبيلِ اللـَّهَِ كَثيرا} [27]، فالطيبات حُرمت عليهم بسبب ظلمهم وصدهم وقال تعالى: {وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّار} [28].

وأحياناً يكون السبب في آية أو سورةٍ أخرى.

قال تعالى:{خَتَمَ اللهَُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[29] فما هو سبب الختم؟ نجد أن سبب الختم هو الكفر كما في الآية السابقة لها،{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[30]. ومثال آخر قال تعالى:{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي..}[31] والإبهام ناشئ عن السبب الداعي لهذا الدعاء من شرح الصدر وحل العقدة. نجد أن آيةً أخرى تبين هذا السبب في قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ولهم عليَّ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}[32] فهذه الآية بينت أسباب عدة لهذا الدعاء فطلب شرح الصدر ناتج عن معاناة موسى من خوفه من التكذيب ومن خطر القتل لقتله رجل من آل فرعون فهذه الأسباب تؤثر في إنعقاد لسانه إضافة إلى ما ذكر من أنه يشكو من دقة نطق بأحد الحروف. فنجد أن الآيتين كل منها في سورة فالسبب في سورة والمُسبب في سورة آخرى. والرابط بينهما موضوع واحد وهناك عدة نجوم قرآنية موصلة كالصدر واللسان.

وكقوله تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهَ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}[33] فمنشأ الإبهام سبب بعثة الأنبياء، فإذا كان الناس أمةً واحدة فما الداعي لبعث الأنبياء ونحن نعلم أن الأمة إذا كانت واحدة يجمعها شرعة واحدة، فأجابت الآية لتبين الإبهام في سبب البعثة إذ قالت:{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا...}[34] فسبب بعثة الانبياء الاختلاف.

سادساً: الإبهام في متعلق الحكم:

كقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}[35] فالحرمة مبينة مفهوماً ولكن ما هو متعلق الحكم هل الأكل فقط أو البيع والشراء أيضاً، فبيانه يأتي من السنة في هذا المجال.

قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[36] فالإبهام ناتج من الإطلاق في نجاسة المشركين فلماذا خُص المسجد الحرام فقط والحال أن كل مسجد لا يمكن دخول النجس فيه، ولهذا اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة بسبب هذا الإبهام.

سابعاً: الإبهام في وجه الحكمة:

كما في قصة نبي الله موسى(عليه السلام) والعبد الصالح. عندما خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار[37] فكانت هذه الأمور في حيز الإبهام حتى بيّنها العبد الصالح.

ثامناً: الإبهام في السؤال:

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [38]،{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ}[39]{يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ}[40] فكل سؤال في حيّز الإبهام وكل جواب في حيّز البيان، والجواب يتصدر بـقل قل الأنفال لله والرسول، قل الروح من أمر ربي، قل العفو

تاسعاً: الإبهام في تأويل الأحلام:

فالأحلام هي نوع من الألغاز والإشارات التي تخفى على الناس إلا على العالم بتأويل الأحلام كما عن يوسف(عليه السلام) وأحلام الانبياء نوع من أنواع الوحي وهي في حيّز الإبهام ويأتي التأويل لحل هذه الإشارات.

عاشراً: الإبهام في صفات الله: حتى ظهرت فرق إسلامية ما بين معطلة وصفاتية فالمعطلة ينفون التشبيه والتجسيم كالمعتزلة والصفائية يثبتون ذلك وهم الأشاعرة وكل ذلك نابع من الإبهام في الصفات.

حادي عشر: الإبهام في اختلاف الآيات:

ذكر السيوطي في الإتقان في النوع الثامن والأربعون [41] في مشكلة وموهم الاختلاف والتناقض والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات وكلامهُ تعالى منـزهٌ عن ذلك إذ قال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[42]. ثم ذكر أمثلة وردت عن ابن عباس فاستطاع أن يحل التناقض الظاهري إلا أنه توقف في بعض الآيات، ولكن الحق إن الذي فتح باب هذا العلم هو الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) عندما إدعى رأس الخوارج ابن الكواء التناقض في القرآن فأجابه الإمام(عليه السلام) على كل شبهاته وفي عدة مناسبات وعدة أشخاص[43]. وسوف نعرض الأمثلة التراثية ونحاول أن نستخلص منها فوائد تنفعنا في التفسير الموضوعي منها:

جاء بعض الزنادقة[44] إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) وقال: لولا ما في القرآن من الإختلاف والتناقض لدخلتُ في دينكم، فقال له علي(عليه السلام): وما هو؟ قال: قولهُ تعالى:{نَسُوا اللهََ فَنَسِيَهُمْ}[45] وقولهُ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا}[46] وقوله:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}[47] ففي الآيتين الأوليتين وصف نفسه بالنسيان وفي الآية الأخيرة نفى النسيان عنه أليس هذا تناقض؟

فأجابه الإمام علي(عليه السلام): فأما قولهُ{نَسُوا اللهََ فَنَسِيَهُمْ}يعني إنما نسوا الله في دار الدنيا إذ لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئاً فصاروا منسيين من الخير، وكذلك تفسير قوله عز وجل:{فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا}يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله وخافوهُ بالغيب.

وأما قوله:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}فإن ربك تبارك وتعالى علواً كبيراً ليس بالذي ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول العرب قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لهم بالخير ولا يذكرهم به..

الملاحظة المهمة التي نستفيد منها هو أن هذا المدعي إتبع الأشباه والنظائر في القرآن إذ إتبع مفردة النسيان وهذه هي الخطوة الأولى لكنه لم يهتدِ إلى ما يحكمها إذ اتبع ما تشابه إبتغاء الفتنة وقد وقع فيها فلم يعرف وجوه هذه النظائر، لكن الإمام علي(عليه السلام) رد كل متشابه إلى محكمه، كذلك نحن في التفسير الموضوعي قد يقع الباحث في هذا التناقض نتيجة إخفاقه في رد المتشابه إلى محكمه فيلتبس عليه الأمر ولا يصل إلى المطلوب. فيكون عليه مبهماً وإذا كُشف الإبهام صار مبيناً واضحاً.

وما ذكره السيوطي عن ابن عباس يصبُ في هذا المنحى أيضاً:

فقد جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء تختلف عليَّ من القرآن، فقال ابن عباس ما هو؟ أشكٌ؟ قال: ليس بشك ولكنه اختلاف، قال: هات ما اختلف عليك من ذلك قال: أسمع الله يقول: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كُنا مشركين [48] وقال:{وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً}[49] فقد كتموا[50]. فإن علم الله بهم يغني عن مسائلتهم فأجاب ابن عباس: أما الآية الأولى: فإنهم لما رأوا يوم القيامة وأن الله يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفرهُ، جحدهُ المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين فختم الله على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً [51] وهكذا وقع الكثير من وهم التشابه والاختلاف فأدى ذلك عندهم إلى مفاهيم مشوهة. ثم حاول الزركشي[52] في البرهان أن يبين

 

سبب الاختلاف والتناقض:

أحدها: وقوع المخبر به على أنواع مختلفة وتصورات شتى كما في خلق آدم من تراب ومن حمأٍ مسنون، ومن طين لازب ومن صلصال كالفخار.

فهذه معاني وأحوال مختلفة وإن كانت تصب في موضوع واحد.

الثاني: إختلاف الموضوع كقوله تعالى:{وقفوهم إنهم مسؤولون}[53] وقوله:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[54] فالسؤال في الآية الأولى عام والسؤال في الآية الثانية يخص الرسل.

الثالث: الإختلاف في جهتي العمل:

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى}[55] فأضيف القتل إليهم، والنبي(صلى الله عليه واله وسلم) على جهة الكسب والمباشرة ونقاهُ عنهم وعنه باعتبار التأثير.

الرابع: لاختلاف الحقيقة والمجاز وترى الناس سكارى وما هم بسكارى[56].

الخامس: اختلاف الوجوه والاعتبارات{إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ}[57] وقوله:{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا}[58] فالأولى في الأمر الشرعي والثانية في الأمر الكوني بمعنى القضاء والقدر.

 

 


[1] المنجد /مادة: بهم ص52.

 

[2] المنجد /مادة بان ص57.

 

[3] البقرة /266.

 

[4] البقرة /187.

 

[5] آل عمران /103.

 

[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة 27/191، باب /13 ح33570. البرقي، المحاسن 1/270 باب /26.

 

[7] ن. م

 

[8] راجع السيوطي في الإتقان 20/78.

 

[9] السيوطي، الإتقان 2/78.

 

[10] ن. م

 

[11] السيوطي، الإتقان 91-102.

 

[12] ن.م 2/ 95.

 

[13] السيوطي، الإتقان 2/1.

 

[14] السيوطي، الإتقان 2/3.

 

[15] عبس /31-32.

 

[16] الأنعام /82.

 

[17] لقمان /13.

 

[18] الذهبي، التفسير والمفسرون 1/45-46.

 

[19] الإنسان /8.

 

[20] البقرة /177.

 

[21] السيوطي، الإتقان 4/78.

 

[22] البقرة /132.

 

[23] الإنعام /78-86.

 

[24] البرقي، المحاسن 1/270 باب 36.

 

[25] الطباطبائي 18/14، تفسير القمي ص595.

 

[26] عبد الجبار حميد شرارة، الحروف المقطعة في القرآن ص13-18. وينظر السيوطي، الإتقان 3/19.

 

[27] النساء /160.

 

[28] هود /113.

 

[29] البقرة /7.

 

[30] البقرة /6.

 

[31] طه /25.

 

[32] الشعراء /13.

 

[33] البقرة /213.

 

[34] يونس /19.

 

[35] المائدة /3.

 

[36] التوبة /28.

 

[37] الكهف / 77 82.

 

[38] الأنفال / 1.

 

[39] الإسراء / 85.

 

[40] البقرة / 219.

 

[41] السيوطي، الإتقان 3/67.

 

[42] النساء /82.

 

[43] المجلسي، بحار الأنوار ج/90 ص98-127، الطبرسي، الاحتجاج، 1/384 – 389.

 

[44] الطبرسي، الاحتجاج 1/ 358 – 384.

 

[45] التوبة / 37.

 

[46] الأعراف / 51.

 

[47] مريم / 64.

 

[48] الأنعام /23.

 

[49] النساء /42.

 

[50] السيوطي، الإتقان 3/67.

 

[51] النساء /42.

 

[52] الزركشي / البرهان.

 

[53] الصافات /6.

 

[54] الأعراف /6.

 

[55] الأنفال /17.

 

[56] الحج /2.

 

[57] الأعراف /28.

 

[58] الإسراء /16.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .