أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-17
428
التاريخ: 2024-08-12
440
التاريخ: 2024-06-13
691
التاريخ: 2024-05-29
737
|
تدل الكشوف الأثرية على احتمال وجود بعض علاقات تجارية معينة بين مصر وجزر البحر الأبيض المتوسط، ولا سيما بين مصر وجزيرة كريت منذ عهد ما قبل الأسرات. غير أن الآراء متضاربة في هذا الصدد بين علماء الآثار فبعضهم يرجح وجود هذه العلاقات (1) وبعضهم ينكرها إنكارًا باتًا (2). ولكن من جهة أخرى تعوزنا النقوش والوثائق المدونة عن العصرين الطيني والمنفي معًا لإثبات وجود علاقات تجارية بين مصر وجزر البحر الأبيض المتوسط، وكل ما لدينا من المعلومات ينحصر في المواد الأثرية فقط. وقد غالى بعض علماء الآثار في أهمية هذه الآثار وبنوا عليها نظريات هائلة في علاقات مصر مع جزر البحر الأبيض المتوسط، وكل ما لدينا من المعلومات ينحصر في المواد الأثرية فقط، على حين أن البعض الآخر كان على العكس إذ نظر إلى هذه الكشوف نظرة سطحية دون أن يعيرها أي اهتمام جدي، وسنعرض نحن للموضوع دون التحيز لأحد الطرفين. يقول المؤرخ الألماني «كوستر» (3): إن الأسباب التي حدت بالمصريين إلى التوغل في البحر حتى جزيرة قبرص هي نفس الأسباب التي حدت بهم إلى شق عباب اليم حتى سواحل سوريا. ولا نزاع في أن السياحة إلى هذه الجهة كانت أكثر خطرًا ولذلك كانت قليلة، ولكن وجود معدن النحاس في هذه الجزيرة كان من الأشياء التي تستحق المجازفة بمثل هذه الرحلة. والواقع أن قبرص كانت تورد النحاس لفراعنة مصر، في عهد الدولة الحديثة عندما كانت مصر صاحبة فتوح عظيمة وسلطان ضخم وتجارة نامية في آسيا وجزر البحر الأبيض وغيرها، غير أنه لا يمكننا أن نقول مثل هذا القول عن مصر في عهد الدولة القديمة، إذ كان النحاس الذي يستعمل في ذلك العهد يستخرج من مناجم سيناء كما شرحنا ذلك في مكانه، بل إنه ليس لدينا أي دليل في مصر ولا في قبرص على ما ظنه العالم «كوستر» ولذلك نعتبر كل ما قاله غير مقطوع به من هذه الناحية، وعلى أية حال فلا يمكن المؤرخ أن يطبق ما وجد في عصر من عصور التاريخ على عصر آخر وبخاصة إذا كان أقدم منه بعدة قرون. وعلى الرغم من كل ذلك فإنه توجد بعض علاقات بين مصر وكريت ولكن يجب ألا نبالغ في أهميتها.» وذلك أن الأستاذ «بتري» قد كشف في مقابر العهد الطيني بالعرابة المدفونة بعض أنواع من الفخار يعتقد هو من أشكالها وطراز صنعها أن موطنها الأصلي جزر بحر إيجة (كنوسوس) (4) غير أن هذا الرأي لم يشاطره فيه معظم العلماء المتخصصين فقال «إرك بيت»: إن الفخار الذي عثر عليه الأستاذ «بتري» لا ينتمي إلى أية صناعة إيجية(5) ولكن من جهة أخرى يوجد بالمتحف البريطاني آنية صغيرة من الفخار الأسمر اللون المحزز كشف عنها في انتباروس Antiparos يدل نموذج صناعتها على أنها مصرية بدون شك، ويرجع عهد صناعتها إلى ما بين الأسرتين الثالثة أو الرابعة(6). هذا إلى أنه عثر على أوان في مصر وجد لها مثيل فيما كشف عنه في حفائر سهل مسارا (Messara) وفي كنوسوس، ففي الأخيرة عثر السير «أرثر إيفانز» على قطع ذات أهمية أثرية بعضها أجزاء آنية من الديوريت، بينها وبين الأواني التي عثر عليها في عهد الملك «سنفرو» شبه عظيم. وقد عثر على أوان أخرى من نموذج نفس العصر ولكنها مصنوعة من الطلق الأيوليتي (في آسيا الصغرى) (7). وإنه لمن الصعب جدًّا أن تنسب القطعة الأولى لمصدر غير مصر، إذ الواقع أن المادة التي صنعت منها والشكل الذي ركبت به عليها الطابع المنفي، أما الثانية فإنه من المحتمل جدا أن نقلها الصانع الكريتي عن نموذج مصري كان لديه. ورغم ذلك فإن الأستاذ «بيت» قد عارض في ذلك أيضًا، ولكن حجته ضعيفة (8). وأهم من كل ما سبق أنه قد عثر على أختام على شكل أزرار في مصر في عهد الدولة القديمة وكشف عن مثيلاتها في «كريت» (9). ولكن ذلك لا يهم في موضوع بحثنا، إذ الحقيقة التي وصلنا إليها والتي لا تقبل الشك استعمال هذه الأختام في البلدين وفي عصر واحد وهذا ما يؤكد الرأي القائل بوجود علاقات بين مصر وكريت في عهد الدولة القديمة، ويضاف إلى ذلك، أنه عثر على بعض آثار مصنوعة من حجر الأبسديان (الزجاج البركاني) في المقابر المصرية منذ عصر ما قبل الأسرات، وهذه المادة لا توجد في جبال مصر قط، ولكنها من جهة أخرى توجد في جزر بحر إيجة بكثرة في (ميلو) ولذلك ظن بعض العلماء أنها قد جلبت من هذه الجزر، وهذا الرأي يعارضه طائفة أخرى من العلماء إذ يقولون إن هذا الحجر يوجد في بلاد الحبشة وفي أرمينيا ويجوز جدًّا أن مصر كانت تستورده منها. يضاف إلى ما ذكرنا أنه عثر على بعض أشياء مصنوعة من مادة الصنفرة في مقابر عصر ما قبل الأسرات، ولا يمكن أن يكون أصلها إلا من جزر الأرخبيل وبخاصة جزيرة (نكسوس) أو آسيا الصغرى (10). ومما سبق يجوز لنا أن نستخلص وجود رابطة بين مصر وجزر البحر الأبيض المتوسط وبخاصة مع (كريت) في عهد الدولة القديمة، غير أنه لا يمكننا بحال ما أن نؤكد أهمية هذه العلاقات أو استمرارها أو صبغها بصبغة تجارية أو ودية، ولكن كان المصريون على أية حال يعرفون جزر «البحر الأخضر» جدًّا (البحر الأبيض المتوسط)، إذ ذكر في ورقة بردي محفوظة الآن في برلين ويرجع تاريخها إلى الأسرة الثانية عشرة، أن هذه الجزر كانت معروفة سماعًا لدى عصر الدولة القديمة. وقد جاء ذكر سكان هذه الجزر «حاو نبو» في متون الأهرام حتى إن «مسبرو» قال عنهم: (إن وجود هؤلاء القوم كان معروفًا منذ أمد بعيد قبل تدوين متون الأهرام» (11). وليس بعيدًا أن البحارة المصريين بما لهم من الجرأة في اقتحام البحار قبل أية أمة في التاريخ كانوا يخاطرون أحيانًا في عرض البحار عندما تسمح الأحوال الجوية لهم بخوض غمارها، والواقع أنه توجد ريح شمالية في البحر الأبيض عندما تهب بشدة تقود السفن من جزر «سيكلاد» Cyclades إلى (كريت)، ومن ثم إلى مصر (12). أما الأستاذ «برستد» فيقول إن الثلاثمائة والأربعين ميلا البحرية التي تفصل مصبات النيل عن سهل (مسارا) يمكن قطعها في مدة ثلاثة أيام أو أربعة. وفي هذه الأحوال لا نظن أن البحارة المصريين كانوا يحجمون عن القيام بمثل هذه الرحلات وبخاصة إذا كانت تعود عليهم بالفائدة، ولا سيما أنهم قد شقوا غمار البحار من قبل إلى ببلوص وسواحل فينيقية عامة. على أن مثل هذه السياحات لم تكن وقفًا على المصريين، بل لا بد كان يقوم بمثلها أهالي كريت، إذ كانوا متعودين الملاحة بين جزر بحر إيجة فكان من الجائز أن يندفعوا في سياحاتهم نحو الجنوب حتى الدلتا أو يتقابلون مع السفن المصرية على الساحل السوري. كل هذه النظريات والفروض ممكنة في ظاهرها، ولكن ليس هناك ما يلزمنا على أن نقرر هنا مع السير «إيفانز» أن الكريتيين كان لهم الشرف الأول في شق عباب اليم حتى السواحل المصرية والسورية (13).
...........................................
1. Hall, The relation of Aegean with Egyption Art, in J. E. A. 1914,
.pp. 110–118
2. Herman Kees, Ægypten, p.p. 109–110
3. Koster, Schiffahrt und Handelsverkehr p. 23; Seefahrten der
.Ægypter, p. 17
4. Petrie, Royal tombs, t. II, pl. 54. p. 46. Abydos, t. I, pl. 8, p. 6; t.II, p. 42, 28; Social life in Ancient Egypt, p. 164–5
5. E. Peet, Early Egyptian Influence in the Medit (Ann. Of the British.school of Athens.) XVII (1910–1911) p. 253–254
6. Hell, Relations of Aegean with Egyptian Art in J. E. A. 1912, p. 114 pl. XVII, Fig. 2
7. Evans, Palace of Minos, t. I, (Oxford 1921) p.p. 85 sq. 54–55;
Early Nilotic, Lybian and Egyp. Relations with Minoan Crete p.p. 11 sq.; .Peet, Early Egyp. Influence p. 255
8. Peet, Early Egypt. Influence p. 255
9. Fimmen und Reisinger, Die Kretisch Mykenische Kultur, p. 154; Evans, Scripta Minoa, p. 121; Newberry, Scarabs, p.p.56 sq.
10. Petrie, Nagada and Ballas, p.p. 29, 44, 45, 48 ; Petrie, Prehist.
.Egypt p. 41
11. Maspero, Historie Ancienne, t. I, p. 391 No. 3
12. G. Glotz, La Civilisation Egéenne, p. 5
13. Evans, Early Nilotic Relations, p. 6 sq
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|