أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-13
914
التاريخ: 2024-03-19
866
التاريخ: 2024-02-27
968
التاريخ: 2024-10-09
239
|
تدل التطورات التي حدثت في الدلتا في عصر ما قبل الأسرات على أنه قد نشأت مدن عظيمة عند مصبات فروع النيل قديمًا، بالقرب من البحر الأبيض المتوسط. وقد كان رخاء هذه البلاد وثراؤها مثل «متليس» (فوة) وصا الحجر وأبو صير وغيرها يرجع بلا نزاع إلى تبادل سلعها مع مدن سواحل سوريا في الخارج، ومع. مقاطعات الوجه القبلي في داخل البلاد. وقد كان من نتائج تبادل التجارة الداخلية اختلاط سكان الوجه القبلي الذين تنسب ثقافتهم إلى مدينة نقاده القديمة بسكان مدن الشمال التجارية الذين كانوا أكثر منهم تحضرًا وأعرق مدنية وأرقى ثقافة. وقد جاء مؤكدًا لهذه الاستنتاجات التي ترتكز على وثائق قديمة وبحوث أثرية حديثة، ما أسفرت عنه حفائر ببلوص (جبيل) (1) إذ وجد مودعا في أساس معبد هذه البلدة بلط من الحجر المصقول، وسكاكين من الظران، ولوحات، وخرز من الذهب، والبلور الصخرى، ومن العقيق ومن المرمر، هذا إلى صور أشياء أخرى مختلفة، وبالاختصار عثر على عدة أشياء وجد ما يماثلها بين التي كشف عنها في عصر ما قبل الأسرات ومحفوظة الآن بالمتحف المصري. وسنتكلم فيما يلي عن العلاقات التي كانت قائمة بين مصر وسوريا في عهد الدولة القديمة، وذلك حسب الآثار والشواهد التي عثرنا عليها في خلال تاريخ هذا العصر. أنه بعد انتصار أمراء «نخن» (الكوم الأحمر) على مدن الدلتا لم تتوان هذه المدن في إعادة علاقاتها التجارية الخارجية ولكن تحت سيطرة ملوك طينة الأول. إذ الواقع أنه عثر في مقابر جبيل (ببلوص) على بعض آثار من طراز صناعة عصر ما قبل الأسرات في مصر. وقد استمر استعمالها في وادي النيل بعد عهد الملك «مينا»، وبخاصة إذا علمنا أنه عثر على اسم الملك «خع سخموي» (2) منقوشًا على قطعة أثرية، أي إنها ترجع إلى عهد الأسرة الثانية. يضاف إلى ذلك أن حجر «بلرم» قد ذكر لنا وجود علاقات بين مصر وآسيا في عهد الملك «سنفرو» أول ملوك الأسرة الرابعة، إذ قص لنا عودة أسطول مؤلف من أربعين سفينة محملة بأخشاب لبناء السفن البحرية ولإتمام إقامة القصر الملكي. هذا فضلًا عن أنه عثر في أساس معبد ببلوص على قطع أثرية متنوعة عليها أسماء ملوك من الأسرة الرابعة منها إناء من حجر الديوريت، وقطع نقش عليها خرطوش الملك خوفو) وكذلك عثر على قدح من البلور الصخري مهشم حفر عليه بإتقان فائق اسم الملك «منكاورع»، وقطعة من المرمر عليها ألقاب الملكة «مريت اتس» زوج «سنفرو»، ثم زوج «خوفو» من بعده (3). وقد عثر كذلك في نفس المكان على إناء آخر من المرمر نقش عليه ملك الوجهين القبلي والبحري وناس» عاش أبديًّا (4)، وهذا يتفق مع صور السفن البحرية التي عثر عليها في طريق معبد «وناس» الجنازي في حفائر سقارة، (5) وكذلك يتفق مع ما عثر عليه من الرسوم في معبد الملك «سحورع» (6). إذ نشاهد تمثيل الأسطول المصري عائدًا إلى مصر يحمل الآسيويين من رجال ونساء وأطفال ودبتين مقيدتين في أغلال من غابات لبنان. أما في عهد الأسرة السادسة والآثار التي عثر عليها يرجع تاريخها إلى عهد «تيتي» و «بيبي الأول» ثم «بيبي الثاني» وكلها على وجه عام أوان وتماثيل صغيرة نقش عليها اسم الفرعون. (7) ويوجد في متحف بيروت نقش غائر من عهد الدولة القديمة له أهمية خاصة. وهو مقسم إلى منظرين مثل فيهما الملك «ابيبي الأول» أو الملك «بيبي الثاني» يقدم قربانًا إلى إله ثم إلى إلهة، وقد نقش عليه ما يأتي: «محبوب حتحور سيدة ببلوص»، هذا إلى قطعة أخرى محفورة حفرًا غائرًا قد أحضرها معه الكاتب الشهير «رينان» الفرنسي وهي الآن في متحف اللوفر(8). وقد مثل عليها فرعون يقدم تضحية إلى إلهة لابسة ملابس مصرية. ولا يتردد الأثرى عند رؤية هذا النقش في نسبته إلى عصر الدولة القديمة، وليس هناك مجال للشك في أن كل هذه الأشياء تدل دلالة واضحة على مقدار تأثير الحضارة المصرية في بلاد سواحل سوريا في عهد الدولة القديمة على أننا من جهة أخرى نجد في نقوش عظماء المصريين في عهد الأسرة السادسة ما يضع أمامنا تفاصيل غاية في الأهمية عن العلاقات بين القطرين، ولا أدل على ذلك من متون «وني» ... وكذلك في عهد الأسرة الخامسة شاهدنا حاكم المقاطعة «إنتا» قد مثل في مقبرته بدشاشة كيفية الاستيلاء على مدينة ( نديا) وحصنها من أعمال سوريا (جزء أول ص336-337). وتدل كل ظواهر الأمور على أن فراعنة مصر كانوا يراقبون عن كثب كل حركات الأقوام والقبائل التي كانت تهدد البلاد من حين إلى حين وتكون سببا في قطع العلاقات التجارية الخارجية وما ينجم عنها من نضوب موارد الدولة، فكانوا يقضون على كل حركة عدائية من هذا النوع كما كانت الحال في سيناء التي كانت منبعًا فياضًا لاستخراج النحاس والفيروز، وذلك يفسر لنا مناظر نزول الجنود المصرية الممثلة في معبد «سحورع» مقلعة إلى ببلوص. ولا شك في أن الجنود في هذا العصر كانوا أهم عامل في تسيير التجارة؛ إذ كان كل بحار في الوقت نفسه جنديًا يستولي على كل المحاصيل التي لم يسلمها الأهلون طائعين، وقد كانت هذه نفس الطريقة التي تستعمل في البعوث التي ترسل إلى شواطئ البحر الأحمر وبلاد النوبة والسودان (9). والظاهر أن نفوذ المصريين وسلطانهم لم يكن عظيمًا في ببلوص كما كان في فلسطين، ولكن على الرغم من ذلك لا حظنا أن نفوذهم كان ناميًا في ببلوص لدرجة أنهم قد أقاموا هناك بعض آثار مصرية، ولا يبعد أنه قد أسست هناك مستعمرة صغيرة لربط العلاقات التجارية بين البلدين وبخاصة لتحضير البضائع وشحنها في السفن إلى مصر، وكانت في الغالب تحتوي على الأخشاب السورية التي لا نظير لها في مصر كخشب الأرز والصنوبر وخشب الوشح والبان والسرو وغيرها من الأخشاب التي كان يحتاج إليها النجارون وصانعو السفن والمهندسون المعماريون للقصر الملكي، ومطعمو العاج الذين كانوا يصنعون الأثاث الفاخر هذا إلى الأخشاب ذات الروائح العطرية والصموغ التي كانت لها أهمية عظيمة في تحنيط الأجسام وفي الشعائر الدينية والقرابين الجنازية. والواقع أن الأخشاب وأنواع الصموغ كانت تجلب من منحدرات جبال لبنان التابعة لإقليم «جبيل» وهي ببلوص القديمة، وقد سميت قديمًا بلاد «نجا» (10) وإله هذه الجهة المحلي كان يسمى «خاي تاو» وقد توحد معه الملك «بيبي» في متون الأهرام: «أن. بيبي هو «خاي «تاو» وساكن بلاد نجا (11). وكذلك يقول أحد أمراء بني حسن في عهد الدولة الوسطى: لقد صنعت بابا ذرعه سبعة أذرع من خشب (الأرز) «عش نجا» لمدخل مقبرتي الأول. وقد كان وقوع أي حادث يكون من جرائه شل حركة تجارة ببلوص يظهر تأثيره المباشر في نظام مصر الاقتصادي والاجتماعي، فيلاحظ أن في عهد التدهور الذي أعقب سقوط آخر ملوك الأسرة السادسة كان المصري يتحسر على تبدد شمل التجارة البحرية: والآن وقد أصبح ولا أحد يمكنه أن يبحر إلى ببلوص، فكيف يمكننا أن نجلب لمومياتنا خشب الأرز الذي كنا نصنع منه توابيت الكهنة، والذي كان يستعمل صمغه لتحنيط العظماء؟ (12). ومن هنا نفهم السر في حرص المصريين على المحافظة على حسن سير نظام البعوث البحرية، وفي اهتمامهم بذكر الشحن التجارية في نقوشهم. على أن المصري لم يجلب إلى بلاده من سوريا الأخشاب والعطور المستخرجة منها فحسب، بل كان يستورد زيت الزيتون، والنبيذ الذي كانت تنتجه هذه البلاد بكثرة، والواقع أن كروم فلسطين قد ذكرها «وني» في نقوشه (صفحة 372 جزء أول). ورغم أن النبيذ المصري كان من مختلف الأنواع الجيدة جدًّا في الغالب، فإن النبيذ الآسيوي كان يجلب إلى مصر. أما. زيت الزيتون فقد كان ضمن المحاصيل التي شحن بها أسطول الملك «سحورع» (13). ويلاحظ في نقوش هذا الملك أن الأواني الأجنبية كانت تحتوي على سوائل مختلفة الأنواع جيء بها من بلاد سواحل سوريا. ومن المدهش أنه عثر في مقابر العصر الطيني على أوان تدل أشكالها حسب فحص المختصين على أنها غير مصرية (14). وعلى أية حال فإن المصريين كانوا يجلبون سلعا أخرى لم تكن معروفة أو متداولة في مصر إلا قليلا، ولم يصل إلينا منها شيء قط اللهم إلا الدب الذي أحضر من جبال لبنان ليوضع في حديقة حيوان الملك «سحورع». ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن اللازورد الذي كان معدومًا في جبال مصر قد استعمل منذ عصر ما قبل الأسرات، ولا بد أنه كان يستورد من آسيا، ولا غرابة في ذلك إذ سنجده ضمن النفائس التي كانت تقدم جزية للفراعنة في عهد الدولة الحديثة. ولا بد أن البحار المصري كان ينتخب الوقت المناسب للإبحار إلى هذه الجهات. وأحسن الأوقات الصالحة كانت في شهري مايو ويونيو، إذ في تلك الآونة كان يقلع البحارة بسفنهم عندما كانت تهب رياح جنونية وجنوبية غربية فتملأ قلاع سفنهم وتزج بها في البحر نحو سوريا، ويصل المسافرون إلى ببلوص في مدى أربعة أيام، ويبلغ طول هذه الرحلة نحو 550 كيلومترًا. وكان البحار المصري في خلالها يتوخى محاذاة الشاطئ غير مجازف بالتوغل في البحر. وقد كان أكبر خطر يخافه البحارة هو هبوب ريح غربية أو شمالية غربية إذ كانت تجنح بالسفن إلى الشاطئ، ولكن ذلك لحسن الحظ كان نادرًا جدًّا، اللهم إلا في شهري يناير وفبراير. وقد كانت «جبيل» مجهزة بمرفأ ترسو فيه السفن لتشحن. أما عند العودة فكانت السباحة متعبة شاقة، إذ كان لا بد للسفن من أن تمخر عباب البحر في تيار معاكس وريح غير ملائمة، ولذلك كانت تجهز السفن بمجدفين أشداء وتستغرق السياحة مدة لا تقل عن ضعف مدة الذهاب، وفي أغلب الأحيان كانت تنقضي هذه المدة دون حدوث أي عائق (15). ومن كل ما سبق يمكننا أن نستخلص بحق أن العلاقات التجارية بين مصر وسوريا كانت من الحقائق التاريخية التي لا تقبل الجدل أو الشك، وكان لها أثر فعال في نمو مصر وتقدمها في عهد الدولة القديمة، وهذه العلاقات لم تكن بحرًا فحسب بل كانت كذلك بالطرق البرية أيضًا، وبخاصة إذا علمنا أن هناك ما يحملنا على الظن بأن بلاد فلسطين الجنوبية كانت تابعة للفراعنة بعض الشيء ولا سيما في خلال النصف الأخير من عهد الدولة القديمة.
........................................
1- Montet, Byblos et l’Egypte, p. 272 ; Montet, Les Egyptiens a
.Byblos, p. 243
2- Montet, Byblos et l’Egypte, p. 271; Br. A. R. t. I, p.p. 55, 146–147.
3- Montet, Byblos ET l’Egypte, p. 73 No. 58.
4- Op. Cit. p. 69, No. 46; Les Egyptiens à Byblos p. 255.
5- Ann. Serv. A. t. XXXVIII, p. 520.
6- انظر الجزء الأول صفحة 352 وما بعدها.
7- Borchatdt, Das Grabdenkmal des Konigs Sahure, t. II, p.p. 25–28, .86 et pl. XI, XII
8- .Montet, Byblos et l’Egypte p.p. 70 No. 47–63
9-. Montet, Byblos ET l’Egypte, p. 35 pl. 24, 27; p. 38, pl. 28
10-. Boreux, Etudes de Nautique Egyptienne, p. 469
11-. Montet, Byblos ET l’Egypte, p. 268. Sq
12- Sethe, Pyr. 518 d
13-. Gardiner, A dmonitions, p. 32
14-. Borchardt, op. cit. t. I, fig. 13
15-. Petrie, Royal tombs, t. I, p. 8
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|