أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-6-2021
1938
التاريخ: 25-9-2019
1833
التاريخ: 2023-07-08
741
التاريخ: 2023-07-18
823
|
عندما توجه بوسيدونوس الرودسي إلى (قادس) في إسبانيا، حيث أقام مدة شهر كامل هناك، لاحظ التيارات المائية في المحيط الأطلسي وحركة المد والجزر فيه، وقد عزا الظاهرة إلى وجود تأثير مشترك للشمس والقمر. 41 كما وجد أن دورات المد والجزر السنوية متزامنة مع الاعتدالين والانقلابين ولكنه عندما بحث عن سبب ذلك عاد مرة أخرى إلى نظرية الريح التي وضعها أرسطو. 42
كما انطلق بوسيدونوس من فكرة التعاطف الكوني ليقدم لنا – ربما – أول تفسير لحركة المد والجزر من خلال ربطها بأطوار القمر. 43 حيث كتب لفكرة التعاطف الكوني أن تظهر مرةً أخرى لدى بعض الفلاسفة الطبيعيين في عصر النهضة، الذين يؤمنون بأن الأجسام يمكن أن تؤثر على بعضها بعضًا عن بعد، عن طريق قوى سحرية من التعاطف، أو التجاذب أو التنافر. نجد ذلك في قول مارسيلو فيشنو (توفي 1499م) M. Ficino في شرحه لكتاب «المأدبة» لأفلاطون: «كل قوة السحر تنطوي على الحب، إن عمل السحر هو انجذاب شيء إلى آخر بفضل تعاطفهما الطبيعي. إن أجزاء العالم تُشبه أعضاء الحيوان، موحدة فيما بينها في طبيعة واحدة. ومن علاقاتها المشتركة يُولد حُب مشترك ومن هذا الحب يُولد تجاذب مشترك، وهذا هو السحر الحقيقي. وهكذا؛ [فإن] حجر المغناطيس يجذب الحديد والعنبر يجذب القش، والكبريت يجذب النار، والشمس تسحب الأوراق والأزهار باتجاهها، والقمر يجتذب البحار.» 44 أي يُوجد مواد تجذب إليها الحرارة فتتأثر بها، ويُوجد مواد أخرى لا تتأثر بالحرارة وتنفعل بها، كما أنه يُوجد مواد لا تتأثر بالمغناطيس وتنفعل به.
لقد كرس بوسيدونوس جزءًا من أعماله المكتوبة لمراجعة المعرفة المدية في زمنه. للأسف لم يعد عمل بوسيدونوس محفوظًا بل اقتبسه سترابو في كتابه الرائع الجغرافية Geographika. وقد ظهر هذا الكتاب في سنة 32 للميلاد وهنا بإمكاننا أن نقرأ نص بوسيدونوس الموجود عن النظرية المدية: «عندما يرتفع القمر فوق الأفق إلى حد الإشارة البرجية (30 درجة)، يبدأ البحر بالانتفاخ، ويُعزى بشكل ملحوظ إلى كون القمر في خط الطول؛ لكن عندما بدأ الجرم السماوي بالانحسار، تراجع البحر ثانية، رويدا رويدا، ومن ثم غمر اليابسة مرةً أخرى حتى وصل القمر إلى خط الطول أسفل الأرض ... يُصبح الفيض والغيض أكبر حوالي مرة من الاقتران (قمر جديد)، ومن ثم يتناهى إلى أن يُصبح نصف القمر؛ ومرة ثانية، يزدادان في حالة البدر ويتناهيان ثانية حتى محاق نصف القمر. وإذا كان القمر في الحالات الاعتدالية (الميل صفر)، فإن سلوك المد والجزر يكون منتظمًا، إنما في حالات الذروة الشمسية (أقصى الميل)، غير المنتظم، بالنسبة إلى الكمية وإلى السرعة، فإن العلاقة تكون متناسبةً مع النقطة الأقرب لاقتراب القمر.» وقد كتب سترابو مضيفًا: «يُوجَد ينبوع في «معبد هيراكليوم» في قادس، وقد كان يظهر الماء (الجيد للشرب) بشكل مفاجئ لخطوات قليلة، ويتصرف الينبوع بشكل عكسي مع تدفق وجريان البحر، حيث يفرغ في كل مرة من المد الفيضي ويملأ في كل مرة مع انحسار الجزر.» هذا الموضوع عن المد والجزر المعكوسين في البئر هو موضوع مهم؛ لأنه يُمثل في الواقع الملاحظات الأولى للمد الأرضي (أي على شكل بُقَع مَدِّية). مع أن الظاهرة في البئر كانت معروفة لفترة طويلة من الزمن إلا أنه يظهر أن بوسيدونوس كان أول عالم يدرسها في أثناء سفراته العلمية المذكورة آنفًا إلى إسبانيا. في حين أن بوسيدونوس يُقر بأن «الجزر» يحدث في زمن معين من تدفق البئر. إلا أنه لم يعتقد حقًّا بأنه كان لديه أي شيء يتعلق بالمد والجزر. على كُلِّ، ناقش سترابون المشكلة بالتفصيل، ووصل إلى استنتاج بأن الظاهرة يجب أن تكون ظاهرة مدية بعض الشيء. 45 ظاهرة المد والجزر التي تظهر في الآبار ستعود للظهور مرةً أخرى من خلال محمد بن حوقل البغدادي الموصلي (توفي بعد 367 هـ / بعد 977م) وكيف قام بالتحقق منها والرد على الخرافات المتعلقة بها. 46
التفسيرات التي وردت أعلاه عند بوسيدونوس عن التفاوتات اليومية (مرتين يوميا) والشهرية (مرتين شهريا) هي صحيحة تمامًا. ربما يفترض أحدنا أن «فعل المدة والسرعة» كان يعني بها بوسيدونوس أو سترابو ازدياد المستوى العالي وسرعة تعاقب المياه عالية «المد»، وبالتالي فإن «السرعة» هي أكبر بقليل عند المد والجزر الربيعي. غير أن تفسير التفاوت السنوي خطأ بشكل ملفت؛ لأننا نعلم حديثا، أنه في أي نظام مد نصف يومي يصل المد والجزر في الربيع إلى مستويات هي «الأعلى» حوالي الاعتدالين تقريبًا وإلى المستويات هي «الأدنى» عند الانقلابين. 47
نخلص مما سبق إلى أن بوسيدونوس تمكن من المساهمة في نظرية تُقدم تفسيرًا لحركات المد والجزر على أساس الجذب المشترك لكلِّ من الشمس والقمر، وتمكن من خلالها أيضًا من تفسير سبب نشوء حركة أعلى المد وحركة أخفض المد. 48 كما لاحظ بوسيدونوس وعرف بشكل صحيح الأسباب العامة الكامنة وراء ظاهرة المد والجزر في البحار، وكيف تؤثر المقابلة والاقتران بين الأرض والقمر والشمس على هذه الظاهرة. 49
ويرى الباحث و. كابيل W. Capelle أن تفسير بوسيدنوس هذا كان آخر تفسير مستقل قائم على مشاهدة الظاهرة الكونية وتفسيرها وصلنا من العصور القديمة. 50
__________________________________________________
هوامش
(41) فريلي، جون، مصباح علاء الدين ترجمة: سعيد محمد الأسعد ومروان البواب، دار الكتاب العربي، بيروت، 2010م، ص93.
(42) تارن و. و، الحضارة الهلنستية، ص322.
(43) سعيد جلال الدين، فلسفة الرواق، مركز النشر الجامعي، تونس، 1999م، ص37.
(44) الشوك، علي، الثورة العلمية وما بعدها، دار المدى، دمشق، 2004م، ص42.
(45) Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 585-586
(46) انظر الفصل الثالث تفسير ظاهرة المد والجزر عند العلماء العرب والمسلمين، فقرة ابن حوقل.
(47) Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, Cambridge University Press, .Cambridge, 1999, p. 8
(48) سارتون جورج، تاريخ العلم، ترجمة: لفيف من العلماء، ج 5، ط 1، المركز القومي للترجمة، العدد 1638، القاهرة، 2010م، ص150.
(49) كلوزييه رينيه تطور الفكر الجغرافي تعريب عبد الرحمن حميدة، دار الفكر، دمشق، 1985م، ص 35.
(50) سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (أحكام التنجيم والآثار العلوية)، ط1، المجلد 7، ص368.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|