أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-15
526
التاريخ: 2024-01-31
965
التاريخ: 2023-05-29
1198
التاريخ: 7-2-2021
1973
|
عادة ما يقدِّم علماء الفيزياء الرياضية أفضل أعمالهم وهم في سن صغيرة نسبيًّا، كما حدث أينشتاين ونظرية النسبية الخاصة. كذلك كان أول من طبق معادلات نظرية مع النسبية العامة على السفر عبر الزمن في السابعة والعشرين من عمره فقط حينها، وكان عمر النظرية نفسها أقل من عمره؛ إذ كان عمرها 22 عامًا فحسب. نشر ويليام جاكوب فان ستوكوم حلوله لمعادلات أينشتاين في العام 1937؛ لكننا لن نعرف أبدًا كيف كانت عبقريته ستتطور؛ ذلك أنه التحق بسلاح الجو الملكي وقُتِل وهو يلقي بقاذفة لانكستر فوق أوروبا التي كانت محتلة من النازيين في عام 1944.
لم تتعامل حلول فان ستوكوم للمعادلات مع أي شيء واقعي ولو من بعيد. فهي تصف ما يحدث للزمكان بالقرب من أسطوانة غبار ذات طول لا نهائي تدور حول محورها. وطبقًا للمعادلات، فإن أي شخص أو أي جسم يدور حول هذه الأسطوانة في مسار حلقي محدد سيعود إلى حيث انطلق قبل أن يغادره. وقد اعتُبر هذا من غرائب رياضيات نظرية النسبية، لكن مثل هذه الغرائب دائمًا ما تثير فضول علماء الرياضيات، وفي هذه الحالة كان الشخص الذي أُثير فضوله هو كورت جودل، أحد أعظم علماء الرياضيات على مر العصور. ولد جودل في عام 1906 فيما يُعرف الآن بجمهورية التشيك، إلا أن المآل انتهى به في الولايات المتحدة الأمريكية.
«السفر عبر الزمن ممكن لكن لن يتمكن أحد أبدًا من قتل ذاته الماضية.»
كورت جودل
في عام 1931، أذهل جودل عالم الرياضيات بورقة بحثية أوضحت أن علم الحساب علم غير كامل. فقد أثبت أنه لو وضع أي نظام قواعد لوصف عمليات حسابية بسيطة، فلا بد أن يكون ثمة عبارات أو مسائل حسابية لا يمكن أن نثبت صحتها أو خطأها باستخدام قواعد ذلك النظام. هذه هي مبرهنة «عدم الاكتمال لجودل». وهي غير مهمة في الحياة اليومية. فمجموع 2 + 2 لا يزال يساوي 4. لكن قد يكون ثمة شيء في الرياضيات لا يمكن إثبات صحته ولا خطئه.
الأمر هنا أشبه بعض الشيء بعبارة «هذه الجملة خاطئة». إن كانت الجملة صحيحة، فلا بد أن العبارة خاطئة؛ وإن كانت الجملة خاطئة، فلا بد أن العبارة صحيحة. لا توجد إجابة للسؤال «هل الجملة صحيحة أم خاطئة؟». وهذا لا يمنعنا من استخدام اللغة، مثلما لا تمنعنا مبرهنة عدم الاكتمال من استخدام الحساب. لكن بالنسبة إلى رجل بإمكانه إثبات أن علم الحساب غير كامل كانت نظرية النسبية العامة لعبة طفولية، وكان عمل جودل التالي أكثر روعة.
في عام 1949، حين لم تكن فكرة الكون المتمدد غير مقبولة بعد، وكان الناس (وأقصد هنا علماء الكونيات) في حيرة من أمرهم لماذا لا تقوم الجاذبية بجذب أجزاء الكون كله معا وجعله ينهار، اقترح جودل إمكانية منع انهيار الكون إذا كان الكون بأكمله يدور. ما كان الكون ليحتاج إلى مركز فريد ليدور حوله، مثلما لا يملك الكون المتمدد مركزا فريدًا يتمدد منه. في الكون المتمدّد، وأينما كنت، يكون من الواضح ظاهريا أن التمدد متمركز عليك؛ أما في كون جودل، فأنت ترى الكون يدور حولك أينما وجهت بصرك. لكن هناك المزيد، حسبما اكتشف جودل حين حل المعادلات المناسبة.
حين تدور الأجسام الضخمة، فإنها تسحب الزمكان معها، مثلما تسحب الملعقة العسل السائل عند تقليبه بها في الوعاء والكون الدوّار يسحب معه الزمكان بالطريقة نفسها التي تحدث في أسطوانة غبار دوّارة ذات طول لا نهائي. يمكنك أن تتخيل ذلك مكافئًا لقلب مكعب في ثلاثة أبعاد ويفضّل أنصار النظرية النسبية الحديث عن قلب «مخروط الضوء»، لكن الأمر سيان بالنسبة إلينا. فإن قلبته بعيدًا بما يكفي، يصبح ما كان القمة جانبًا من جوانب المخروط، وما كان أحد الجوانب يصبح هو القمة. بالمثل، عند قلب الزمكان الرباعي الابعاد، ينتهج احد ابعاد المكان سلوكا كسلوك الزمن، ويصبح الزمن احد ابعاد المكان. والسفر في هذا الاتجاه هو السفر عبر الزمن.
يبدو الامر وكان الكرة الأرضية الدوارة كانت مغموسة في العسل. حين تدور، فانها تجر العسل معها. وعلى النحو ذاته، تسحب الأرض الزمكان معها.»
فرانسيس ايفيريت
في كون جودل، يمكنك الانطلاق من نقطة في الزمكان والسفر حول الكون في مسار مغلق عبر ما يبدو بُعدًا مكانيًّا، لكنه يعيدك إلى المكان والزمان نفسيهما اللذين انطلقت منهما. ويطلق على هذا حلقة مغلقة شبيهة بالزمن أو منحنى مغلق شبيه بالزمن). واختيار طريق (أو مسار بلغة الفيزيائيين) مناسب يمكن حتى أن يعيدك إلى الماضي. لكنها ستكون رحلة طويلة عبر ما قد نطلق عليه الفراغ الزائف؛ لأن الزمن، طبقًا لساعتك، لا يزال يمر بينما تتحرك.
ومن أجل إحداث حلقة مغلقة شبيهة بالزمن سيتعين على الكون أن يدور مرةً واحدة كل 70 مليار عام. فلو كان الكون يدور بهذه السرعة، فإن أقصر حلقة مغلقة ستكون بطول 100 مليار سنة ضوئية. وهكذا يمكن حتى لشعاع من الضوء أن يستغرق 100 مليار سنة ليدور حول الكون ويعود إلى النقطة نفسها التي بدأ منها في الزمكان. وعمر الكون أقل قليلًا من 14 مليار سنة، وعلى أي حال، فإن الدراسات التي أُجريت على أشياءَ مثل إشعاع الخلفية الكوني لا تشير إلى حدوث أي دوران لكن الشيء المهم بشأن حل جودل لمعادلات أينشتاين أنه يؤكّد أن النظرية العامة لا تحظر السفر عبر الزمن. و«أي شيء ليس محظورًا هو شيء إلزامي.
خلاصة القول إن السفر عبر الزمن متاح في قوانين الفيزياء
براین جرین
ليست هذه نهاية قصة الأسطوانات الدوّارة والحلقات المغلقة الشبيهة بالزمن. ففي عام 1973، أدرك فرانك تيبلر – وهو باحث في جامعة ماريلاند – إمكانية تنفيذ الحيلة نفسها بكتلة أقل بكثير من كتلة الكون بأكمله، شريطة أن تكون المادة قيد التجربة مضغوطة بما يكفي وتدور بسرعة كبيرة جدا بالفعل. وقد ناقشت هذه الأفكار لأول مرة مع تيبلر حين كنت أعمل في مجلة «نيو ساينتست» وتابعت هذه القصة من ذلك الحين. ظهر مخطط لآلة زمنية عملية وفاعلة في شكل مطبوع في عام 1974 في دورية « فيزيكال ريفيو دي» 1 تحت عنوان «الأسطوانات الدوّارة وإمكانية انتهاك السببية». واقتبس كاتب الخيال العلمي لاري نيفن العنوان من ورقة تيبلر البحثية ووضعه عنوانًا لقصة قصيرة، ويمكن أن تجد هذه القصة في مجموعة عنوانها «المتسلسلة المتقاربة»؛ 2 وتعني عبارة «انتهاك السببية العالمية» هنا «السفر عبر بالزمن».
لم يسلّم تيبلر بصحة أي شيء اعتباطًا حين انطلق في استكشاف الاحتمالات، بل استنبط كل شيء من المبادئ الأولى. فقام بحل المعادلات بنفسه ليتأكد من أن النظرية العامة تسمح بوجود حلقة مغلقة شبيهة بالزمن، ما يعني أن المسافر يسافر بالزمن إلى الماضي لجزء من الرحلة. ثم تحقق من إمكانية توافر الظروف التي تسمح بمثل هذه الرحلات في مناطق محلية داخل حدود الكون، دون أن يتخلل ذلك إدخال أجسام ذات طول لا نهائي أو الكون بأكمله. وكانت الإجابة «نعم». حينها فقط بحث في مدى إمكانية تخليق مثل هذه الظروف – من حيث المبدأ على الأقل – اصطناعيًا. بعبارة أخرى، إنشاء آلة زمن فاعلة وناجعة. وجاءت الإجابة بـ «نعم» مرة أخرى.
والسمة الأساسية هنا هي ذلك الدوران. لكن آلة زمن من هذا النوع (سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية) تنطوي أيضًا على شيء يُدعى المتفردة المجردة، أو على وجه التحديد، متفردة مجردة دوارة والمتفردة هي ما يكمن في قلب الثقب الأسود (سنتحدث أكثر عن الثقوب السوداء في تصوري التالي) حيث انسحقت المادة من الوجود بفعل الجاذبية. والمتفردة المجردة هي متفردة لا تختبئ بداخل ثقب أسود، وقد تنكشف مثل هذه الأجسام للعالم الخارجي لفترة وجيزة حين تنفجر الثقوب السوداء، أو حين تنهار الأجسام الضخمة السريعة الدوران. وتلك «الفترة الوجيزة» هي كلُّ ما تحتاج إليه من وقت.
في موضع بعيد عن المتفردة – حيث يكون مجال الجاذبية ضعيفًا – يتصرف الماضي والمستقبل بالطريقة المعتادة عند الزمكان المنبسط. لكن كلما اقتربت من المتفردة الدوارة انقلب الزمكان في اتجاه دوران الجسم المركزي. سيبدو كل شيء طبيعيًّا بالنسبة إلى أي أحد في تلك المنطقة من نسيج الزمكان؛ فسيمر الوقت كالمعتاد، وستظل قوانين نظرية النسبية سارية. لكن بالنسبة إلى شخص يشاهد كلَّ هذا من مكان بعيد في الزمكان المنبسط، تكون الأدوار التي يلعبها الزمان والمكان بالقرب من الجسم الدوّار مشوشة. فالزمن يدور حول الجسم المركزي.
فرانك تيبلر
الصورة الرسمية لجامعة تولين
ويمكن للمسافر أن يتحرَّك من الزمكان المنبسط إلى المنطقة المتأثرة، ثم عبر مسار يشكّل بالنسبة إلى المراقب من بعيد دائرةً حول المكان، وذلك دون أن يتحرك في الزمن أبدًا! سيكون المسافر موجودًا في كل مكان عبر المسار في الوقت نفسه. ولو أراد، يمكن له أن يتبع مسارًا في منحنى حلزوني معتدل حول محور الزمن، متحركا بذلك في الزمن إلى الماضي؛ سيظل المسافر يعود إلى المكان نفسه الذي بدأ منه، لكن في أوقات أسبق وأسبق. بعد ذلك يمكن له أن يتحرّك بعيدًا عن الجسم الدوّار في اتجاه الزمكان المنبسط الطبيعي، ولكن في الماضي.
وبحسب تعبير تيبلر يمكن للمسافر أن يبدأ رحلته في المناطق ذات الجاذبية الضعيفة – ربما بالقرب من الأرض – ثم يذهب إلى منطقة المخروط الضوئي المقلوب ثم في اتجاه الزمن السالب، ثم يعود إلى منطقة الجذب الضعيف ... وإذا ما قطع مسافة كافية في اتجاه الزمن السالب فيما لا يزال في منطقة الجذب القوي، يمكن له أن يعود إلى الأرض قبل أن يغادرها؛ ومن ثم يمكن أن يذهب إلى أبعد ما يريد في ماضي الأرض. هذه حالة من الحالات الحقيقية للسفر عبر الزمن.
ثمَّة ميزة إضافية في إنشاء آلة زمن تستند إلى نظرية تيبلر، وقد أشرت إليها بالفعل. لا يحتاج وجود المتفرّدة المجرَّدة إلا وهلة؛ لأن الحلقات المغلقة الشبيهة بالزمن المرتبطة بالمتفردة تقطع الطريق كله في تلك الوهلة من الزمن الخارجي إلى المستقبل، منذ اللحظة التي تُنشأ فيها الآلة. لكن هذا يطرح تساؤلا: أنَّى لنا أن ننشئ جهازا كهذا من الأساس؟ لعل الطريقة الأنجح والأفضل لذلك أن نجد جسمًا دوارًا مضغوطًا للغاية نشأ طبيعيًّا في الكون، ونسرع حركته نحو النقطة التي تتكون فيها حلقة مغلقة. وأكثر الأجسام المعروفة كثافة واكتنازًا تُسمى النجوم النيوترونية، التي يكدس كلُّ نجم منها كتلةً أكبر من كتلة الشمس بقليل في جسم بحجم جبل إيفرست تقريبًا. وتظهر الكثير من تلك النجوم إلى أجهزة الرصد لدينا؛ لأنها تطلق موجات راديوية، تنبعث كضوء فنار، فتومض أمام الأرض في كل مرة يدور فيها النجم. تُعرف هذه النجوم باسم النجوم النابضة أو النباضات، ويدور بعضها بسرعة كبيرة جدًّا، تصل إلى مئات الدورات في الثانية الواحدة. وهذه السرعة قريبة على نحو مثير جدًّا من السرعة التي يمكن أن تنشأ عندها آلة زمن. ويقدِّر تيبلر أن الطبيعة لو كونت أسطوانة دوارة هائلة طولها 100 كيلومتر وعرضها 10 أو 20 كيلومترًا، ولها كتلة تضاهي كتلة الشمس وتدور حول نفسها مرتين كل ملي ثانية، فإن متفردًا مجردًا سيتشكل في مركزها، يرافقه حلقات مغلقة شبيهة بالزمن مرتبطة به. وسرعة الدوران لا تعادل سوى ثلاثة أضعاف أسرع النجوم النابضة المعروفة. إذا كان بإمكانك أخذ عشرة نجوم نيوترونية وربط أقطابها معًا وتدويرها بسرعة كافية، فستحصل على آلة زمن تتبع نظرية تيبلر.
سيكون هذا إنجازا هندسيا رائعًا إلى حد كبير. أولا عليك أن تجد عشرة نجوم نيوترونية، ثم عليك سَحبها إلى الموقع ذاته في الفراغ ثم لصقها معًا من الأطراف، وفي الأخير عليك أن تجعلها تدور بسرعة تسمح لحافة الأسطوانة التي صنعتها بالتحرك في دائرة بسرعة تعادل نصف سرعة الضوء. سيكون قدر الطاقة المرتبطة بهذا الدوران هو نفس قدر طاقة الكتلة الساكنة للأسطوانة (mc2). وعن ذلك يقول تيبلر: «هذه طاقة ضخمة للغاية حتى إن قوة الطرد المصاحبة لها يمكنها تدمير الجسم الدوار.» وفي حين تحاول الأسطوانة تدمير نفسها من الجانب، تحاول أيضًا أن تنهار طوليًّا؛ وذلك بسبب قوة جذب النجوم النيوترونية العشرة التي تجذبها معا داخل ثقب أسود والأمل الوحيد هنا هو وجود قوة طاقة لها من القوة ما يكفي للإمساك بالأسطوانة والقبض عليها بشدة.
المفاجأة أن قوةً كهذه قد تكون موجودة. فهي خاصية لظاهرة غريبة تنبأ بها علم الكونيات، تُدعى الوتر الكوني. والوتر الكوني – إن كان له وجود – هو بقايا مادية من نوع ما تخلفت من الانفجار العظيم، تشكل خيوطا تمتد عبر الكون، أو حلقات مغلقة كالشرائط المطاطية، إلا أن عرضها أقل بكثير من عرض الذرة. ولعل أفضل طريقة لتخيل الوتر الكوني هو تخيله كأنبوب متناهي الصغر (فيما يتعلق بقطره) يمتلئ بطاقة على حالة كالتي كان الكون عليها حين ولد لا يمكن لهذه الأوتار أن يكون لها نهايات مفتوحة، وإلا تسربت منها الطاقة. لذا لا بد لها إما أن تشكّل حلقات مغلقة، أو أن تمتد عبر الكون بأكمله. ورغم أن قطر الوتر أقلُّ بكثير من قطر النواة الذريَّة، فإنه يحوي قدرًا هائلًا من الطاقة، حتى إن قطعة من ذلك الوتر يبلغ طولها مترًا (في شكل حلقة) يمكن أن تزن نفس وزن كوكب الأرض.
ومن بين خصائصه المثيرة الأخرى، نجد أن الوتر الكوني يختبر توترًا سلبيًّا؛ بمعنى أنك لو قمت بمط قطعة منه، فستتمدد أكثر بدلا من أن تحاول الرجوع إلى شكلها الأصلي. يقدم هذا وسيلة مفيدة لمساعدة آلة تيبلر زمنية من الصمود طويلًا بما يكفي لتتشكل حلقة مغلقة؛ شريطة أن تتمكّن من أن تحوز قطعة من وتر كوني. والفترة التي ستصمد فيها الآلة طويلًا بما يكفي ليست طويلة على الإطلاق تذكَّر أن المتفردة تتشكل لوهلة خاطفة فحسب.
هذه قصة مألوفة. إن تيبلر يخبرنا بأن السفر عبر الزمن ممكن بالفعل من حيث المبدأ، إلا أن الصعوبات العملية المرتبطة بإنشاء آلة الزمن هي صعوبات ضخمة. لكن هل أن الطبيعة فعلت ذلك لأجلنا؟ فالطبيعة في النهاية تمتلك وفرةً من النجوم النيوترونية السريعة الدوران ووفرة من الوقت أيضًا. فالنباضات الملي ثانية تدور بسرعة كبيرة جدا؛ لأنها تجذب المادة من نجمٍ مرافق قريب منها، مما يزيد من سرعتها مثل متزلج الجليد الذي يدور حول نفسه ويضم ذراعيه لزيادة سرعة الدوران. وهناك ما يربو على 3 آلاف نجم نابض ملي ثانية والكثير منها يوجد في شكل عناقيد كروية، وهي مجموعات شبه دائرية من النجوم لا يتجاوز قطرها بضع عشرات من السنين الضوئية، ويحتوي كل عنقود منها على ما يقارب مليون نجم. وتعتبر هذه الظروف مثالية لتشكيل نجوم ثنائية؛ فمن بين كل خمس نجوم نابضة في العناقيد الكروية هناك أربعة منها نباضات ملي ثانية، والعنقود المعروف باسم الطوقان 47 يملك وحده 25 نجما منها.
ونباضات الملي ثانية تكاد تكون آلات زمنية طبيعية، حتى إنه من الصعب مقاومة تخمين ان بعضها ربما انتقل إلى الخطوة التالية. وإن تمكّن أحفادنا من اكتشافها وفك شفرتها في المجرَّة في عمومها، فالأرجح أنهم سيجدون آلة زمن لا أن يصنعوا واحدة.
إن وجدت صعوبة في قبول هذا الحديث عن سحب نسيج الزمكان وقلبه على محمل الجد، فلتُعد التفكير ثانية. فقد قيس تأثير ذلك بالفعل، وإن كان على نطاق أصغر بكثير مما ستحتاج إليه لبناء آلة زمن الأمر يحدث مع أي كتلة دوارة، مهما كانت صغيرة. لكنها كبيرة بما يكفي لرصدها بالنسبة إلى الأجسام الصغيرة التي تدور حول الأرض. في ستينيات القرن العشرين، أدرك باحثون يعملون في جامعة ستانفورد أن هذا السحب للزمكان لو حدث كما تنبَّأت نظرية أينشتاين العامة، فإنها ستظهر في صورة تأثير على سلوك الجيروسكوبات أو المدوارات الدوّارة في مدارها حول الأرض. فوفقًا للنظرية، سيؤدي السحب الذي تتسبب به الأرض أثناء دورانها للزمكان إلى تمايل المدوارات – أو دورانه – بعض الشيء. والتأثير المتوقع ضئيل للغاية؛ لكن فريق جامعة ستانفورد أمضى نحو 50 عاما في إنجاز مشروع لقياسه. فصنعوا مدوارات متوازنة تمامًا، في شكل كرات من الكوارتز شبه كاملة الاستدارة بحجم كرات البنج بونج ومغطاة بالنيوبيوم الفائق التوصيل لإنتاج حقل مغناطيسي، ما أتاح إمكانية مراقبة دورانها؛ إذ كانت تدور بسرعة 5 آلاف لفة في الدقيقة.
قامت مجموعة من الأجهزة برصد حركة المدوارات وهي تدور بحرية في ظروف من انعدام الوزن بداخل سفينة الفضاء، وذلك لقياس مداورتها. وقد عُرف المشروع حين بدأ باسم «تجربة ستانفورد للمدوارات المنعدمة الوزن»، لكن مع إطلاق تلك المدوارات، أصبحت تعرف رسميًّا أكثر باسم «مسبار الجاذبية ب» (كانت تجربة مسبار الجاذبية أ هي التجربة الأسبق). دار مسبار الجاذبية ب حول الأرض من القطب إلى القطب طيلة سبعة عشر شهرًا بدأت من يوم العشرين من شهر أبريل عام 2004. رصدت الأجهزة على متن السفينة الفضائية حركة أربعة مدوارات، وقارنت تناسق محاور دورانها مع اتجاه يشير إلى نجم دليل. وعلى المدار القطبي للمسبار، أخذ تباطؤ الإطار المرجعي الناتج عن دوران الأرض يدفع المدوارات شيئًا فشيئًا بين الشرق والغرب.
غير أن هذا لم يكن التأكيد الأول لتأثير تباطؤ الإطار المرجعي. ففي عام 2004، قاس إجنازيو سيوفوليني بجامعة روما وزملاء له تباطؤ الإطار المرجعي عن طريق تتبع مدارات الأقمار الصناعية المعروفة باسم «لاجيوس 1» و «لاجيوس 2». كان هذان القمران الصناعيان عواكس بسيطةً، أطلقت في العامين 1976 و1992، واستُخدمت في الأساس لرصد حركة سطح الأرض. تتكون هذه الأقمار الصناعية من كرات نحاسية بسيطة مغطاة بالألومنيوم يبلغ قطرها 60 سنتيمترًا وكتلتها 400 كيلوجرام و11 كيلوجرامًا على التوالي. وكلٌّ منها مغطّى بعدد 426 عاكسا؛ لذا يبدوان وكأنهما كرتا جولف ضخمتان. كان هدف مهام لاجيوس هو إرسال نبضات ليزرية من الأقمار الصناعية لقياس المسافة بين نقاط على سطح الأرض ما يقدِّم – بين أشياء أخرى – قياسًا مباشرًا لحركة القارات المرتبطة بالصفائح التكتونية («الانجراف القاري»). لكن سيوفوليني أدرك أن بالإمكان استخدام تلك الأقمار بطريقة أخرى. فعن طريق الرصد الدقيق للاتجاه الذي دارت فيه المستويات المدارية للأقمار الصناعية، بمساعدة أشعة الليزر، قاس الفريق تأثير تباطؤ الإطار المرجعي بدقة تصل إلى 10%. 3 لكن وكما أشاروا، لا يعني هذا أن مسبار الجاذبية ب كان مضيعةً للوقت. فقد قال سيوفوليني «علي أن أثني على فريق مسبار الجاذبية ب لما توصلوا إليه من نتائج؛ لأن تجربة هذا المسبار صعبة وجميلة للغاية.»
هذا يعني وجود تجربتين صعبتين وجميلتين تؤكّد كلٌّ منهما على نحو مستقل عن الأخرى أن عملية الدوران تقلب الزمكان إن معادلات أينشتاين على حق (لا عجب في هذا)، ويمكن لآلة زمن واحدة على الأقل أن تُوجد إما بفعل الطبيعة أو بفعل هندسة غاية في التقدم. لكن هذا ليس كل ما في الأمر. فمعادلات أينشتاين تضع في الاعتبار أيضًا إمكانية وجود نوع ثان من آلات الزمن.
________________________________________________________
هوامش
(1) المجلد 9، الصفحات 2203-2206.
(2) ديل راي، نيويورك، 1979.
(3) تباطؤ الأطر القصورية مجلة «نيتشر»، العدد 449، صفحة 41، عام 2007.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|