أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2016
3301
التاريخ: 6-5-2021
3634
التاريخ: 6-11-2016
6995
التاريخ: 2024-01-21
908
|
العرب بين قوى الشرق والغرب:
طوال المرحلة التي ابتدأت في العقود الأخيرة قبل الميلاد وامتدت حتى الشطر الأخير من القرن الثالث الميلادي رأينا العلاقات العربية تتجه أساسا نحو الغرب، حيث الإمبراطورية الرومانية بنشاطها العسكري والسياسي الدائب. ورغم وجود الإمبراطورية الفارسية في تحفز دائم نحو الشرق ومتاخمة حدودها لحدود الإمبراطورية الرومانية عبر القسم الشمالي من شبه الجزيرة العربية، إلا أن شبه الجزيرة دارت بشكل أو بآخر في دائرة النفوذ الروماني، وفي قسم من المنطقة على الأقل، وهو القسم الشمالي، جاء الوقت الذي دخلت فيه في تبعية مباشرة للإمبراطورية الرومانية التي أدارت معها حوارا دائما، إذا جاز لي أن أستخدم هذا التعبير المجازي، في ليونة مرة وفي ضغط أو عنف مرة، وأولتها ثقتها في بعض الأحيان، ووضعتها في ظل الشك في أحيان أخرى حتى جاء عام 272م الذي دمر فيه الإمبراطور الروماني أورليانوس مملكة تدمر لتختفي هذه المدينة ككيان سياسي من المسرح التاريخي.
أ- الإمارات العربية الحدّية:
وقد شهدت الفترة التي تلت هذا الحدث واستمرت حتى ظهور الدعوة الإسلامية في بدايات القرن السابع الميلادي، ظروفًا من نوع جديد أدت إلى اتخاذ العلاقات العربية الخارجية اتجاهين جديدين. وأول هذين الاتجاهين هو أن الصراع بين القوتين الكبيرتين اللتين تحيطان بشبه الجزيرة العربية من الشرق ومن الغرب، رغم استمرار ما بينهما من توتر كان يصل إلى الصدام العسكري السافر في بعض الأحيان "كما حدث على سبيل المثال في أواسط القرن السادس حين هاجم الإمبراطور الفارسي خسرو "كسرى" أنوشروان أراضي الإمبراطورية الرومانية فاجتاح سورية وأسقط أنطاكية ودمرها عن آخرها" (1) إلا أن ظروفًا جديدة كانت قد ظهرت في غضون القرن الثالث الميلادي أدت إلى اعتماد هاتين الإمبراطوريتين على إمارتين عربيتين حديتين، كل منهما تتبع قوة من القوتين الكبيرتين وتدافع عن حدود هذه القوة في مجابهة القوة الأخرى، وفي بعض الأحيان كان الأمر ينتهي بأن ينحصر الصراع بين هاتين الإمارتين نفسيهما، دفاعًا عن مصالح القوى الكبرى.
وقد انقسمت الظروف التي أدت إلى هذا الوضع إلى قسمين بعضها خارجي يخص الدولتين الكبيرتين، وبعضها داخلي يخص شبه الجزيرة. وفيما يخص الظروف الخارجية نجد أن كلًّا من هاتين القوتين شهد تغييرات في غضون القرن الثالث والذي يليه كان لها أثرها على اتجاه كل منهما. ففي الغرب كانت القبائل الجرمانية المتبربرة قد بدأت مواقعها ووقعها على حدود الإمبراطورية الرومانية وتلت ذلك فترة من التدهور انتهت بتقسيم الإمبراطورية من الناحية الفعلية في عهد الإمبراطور قسطنطين "306-337م" الذي اتخذ بيزنطة "على مداخل البحر الأسود" عاصمة له بعد أن أعاد تسميتها لتصبح القسطنطينية. ثم انتهى الأمر بتكريس رسمي لهذا التقسيم الفعلي في 395م. كما شهدت هذه الإمبراطورية الرومانية الشرقية التي بدأت تعرف باسم الإمبراطورية البيزنطية عددًا من الصراعات العسكرية على عرش الإمبراطورية أثر إلى حد ملموس على فاعليتها في مجال الصراع الخارجي. أما فيما يخص الإمبراطورية الفارسية فكانت قد شهدت اضطرابا داخليا حول الحكم انتهى بسقوط الأسرة الحاكمة الفرثية وقيام الأسرة الساسانية مكانها في 226م لتنشغل بعد ذلك بعض الوقت في تثبيت دعائم حكمها في الداخل وسيطرتها على إمبراطوريتها في الخارج.
فإذا نظرنا إلى داخل شبه الجزيرة العربية وجدنا تحركات من نوع آخر تأخذ مجراها في منطقة الهلال الخصيب في القسم الشمالي من شبه الجزيرة، ففي غربي هذا القسم كانت بعض القبائل التي ربما جاءت مهاجرة من اليمن قد بدأت تستقر على الحدود السورية وهم بنو غسان. بينما كانت تجمعات قبلية أخرى قد بدأت تستقر في القسم الشرقي من الهلال الخصيب على الحدود الغربية للفرات وهم بنو تنوخ الذين كانوا ينتمون إلى تجمع أكبر هو قبائل اللخميين. وانتهى الأمر، كما مر في مناسبة سابقة إلى أن أصبح كل من هذين التجمعين القبليين يشكل كيانا أساسيا يمكن أن نسميه دولة أو إمارة، ما لبثت أن دخلت في علاقة تبعية مع الدولة الكبيرة المتاخمة لها، فالغساسنة دخلوا في دائرة النفوذ البيزنطي والتنوخيون "أو اللخميون" دخلوا في دائرة النفوذ الفارسي.
وقد أدت كل من الإمارتين دورها كدولة حدية تحمي حدود القوة الكبيرة التي تتبعها ضد غارات الإمارة الأخرى كما حدث في الشطر الأوسط من القرن السادس الذي شغلته سلسلة من الحروب الضارية بين كل من الحارث "الثاني" بن جبلة الغساني، والمنذر "الثالث" بن ماء السماء اللخمي، ولكن مع ذلك فإن دور هاتين الإمارتين لم يكن كلمة تبعية للدولتين الكبيرتين. ففي عام 563م، على سبيل المثال، نجد الحارث الثاني يذهب إلى القسطنطينية وينتزع من الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس "جستنيان" الأول موافقة على تعيين يعقوب البردعي أسقفًا للعرب السوريين على المذهب المونوفيزي رغم مخالفة هذا المذهب للمذهب الرسمي البيزنطي، رغم أن الدولة البيزنطية كانت تعتبر نفسها حامية لهذا المذهب في العالم المسيحي، كذلك نجد المنذر الأول اللخمي "814-862م" يقوم بدور يتخطى حدود التبعية الإمبراطورية الفارسية، فيتدخل في شئون العرش الفارسي ذاته، كما حدث حين فرض على رجال الدين الفرس أن يتوجوا بهرام "الذي كان ربيبًا لوالده" في مواجهة منافس قوي من أمراء البيت الحاكم الإمبراطوري (2).
ولكن مع ذلك فإن هذا القدر من حرية الحركة بالنسبة لأمراء هاتين الإمارتين يبدو أنه لم يكن واردًا إلا في حالات إما تعتمد على الشخصية القوية لأحد هؤلاء الأمراء أو ترتبط بظروف تخلخل مؤقت في الأسرة الحاكمة في إحدى الدولتين الكبيرتين. أما الخط الأساسي الذي أثبت نفسه بصفة متواترة فقد كان دائما حرص هاتين الدولتين على إزاحة أي أمير من هؤلاء الأمراء من الطريق إذا بدأت تصرفاته تثير الشك في مدى ولائه للدولة التي يتبعها. وقد مر بنا في مناسبة سابقة موقف الإمبراطور البيزنطي تيبريوس الثاني الذي ساق كلًّا من الحارث الثاني وابنه النعمان إلى السجن في المنفى حين بدأ الشك يساوره في تصرفات كل منهما، كما رأينا، على الجانب الآخر، الإمبراطور الفارسي يعين بعد النعمان الثالث اللخمي أميرا من طيء هو إياس بن قبيصة "602-611م" ويعين إلى جانبه مقيما فارسيا أخذ في قبضته زمام الأمور ليصبح الأمير العربي مجرد من أية سلطة فعلية (3) .
ب- الدين والسياسة في الصراع الدولي:
وأنتقل الآن إلى الحديث عن الاتجاه الثاني الذي سارت فيه العلاقات الخارجية العربية في المرحلة التي نحن بصدد الحديث عنها. وهذا الاتجاه يشكله تداخل العامل الديني في نسيج هذه العلاقات الخارجية وهو أمر بدأ يظهر بوضوح خاص في القرن السادس الميلادي في الصراع الثنائي بين الفرس والبيزنطيين على السيطرة على القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وفي هذا الصراع تدخل الحبشة كقوة من الدرجة الثانية تساند سياسة الحكومة البيزنطية وتنفذها، وإن كانت الأمور لا تثبت دائمًا على هذا الوضع فتتخذ هذه الدولة مواقف تبدو فيها كأنها بدأت تعمل لحسابها.
ونحن نجد مثالًا على ذلك في حادثة الأخدود حين أحرق "ذو نواس" الملك الحميري اليهودي في 523م عددًا كبيرًا من المسيحيين في فترة الصراع الديني الذي نشب بين المسيحية واليهودية في نجران. لقد أرسل المسيحيون يستنجدون بالإمبراطور البيزنطي يوستين "جستن justin" الأول الذي كان يعتبر نفسه حاميا للمسيحية والمسيحيين أينما وجدوا. لقد كتب يوستين إلى نجاشي الحبشة، وهو ملك أقرب دولة مسيحية للمنطقة ليخف لنجدة المسيحيين، وكان بذلك يعمل في حقيقة الأمر على مد نفوذه على العربية الجنوبية حتى يبعدها عن نفوذ الإمبراطورية الفارسية التي كانت تسعى جاهدة لأن تجد لنفسها موطأ لقدم في المنطقة. وقد تدخلت القوات الحبشية وانتصرت في مناسبتين؛ مرة في 523م تحت قيادة أرباط، ومرة في 525م تحت قيادة أبرهة. ولكن الأحباش الذين دخلوا كمنجدين بقوا كمستعمرين لمدة نصف قرن حتى 575م (4)
وقد شهد هذا العام تكملة، ولكن من الجانب الآخر، لهذا الصراع الديني السياسي المتداخل الذي عرفته العلاقات العربية في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها. فنحن نسمع في ذلك العام عن حركة وطنية يقودها سيف بن ذي يزن وهو من سلالة البيت الحاكم الحميري قبل الاستعمار الحبشي، وفي هذه الحركة يحاول هذا الأمير أن يستنجد بالإمبراطور البيزنطي لإنهاء الحكم الحبشي، ولكن دون جدوى، فسياسة بيزنطة هي محاولة احتواء العربية الجنوبية عن طريق دولة مسيحية صديقة حتى تبعد المنطقة عن النفوذ الفارسي. وهنا يتوجه الأمير العربي حيث ينجح، عن طريق أمير الحيرة في الحصول على نجدة من الإمبراطور الفارسي الذي وجد في هذا الموقف فرصة لمد النفوذ الفارسي إلى المنطقة. وهنا مرة أخرى كما حدث في حالة التدخل الحبشي، بدأ الفرس كمنجدين وانتهى الأمر بهم كمستعمرين، وتحولت العربية الجنوبية إلى ولاية "ستربية" فارسية حتى عام 628م (5) .
على أن أمورًا أخرى كانت قد بدأت تجد في وسط شبه الجزيرة في ذلك الوقت، ففي أوائل القرن السابع كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بدأ يرسي في منطقة الحجاز، الدعوة الإسلامية الوليدة. وقد قدر لهذه الدعوة أن تغير مجرى التاريخ لقرون طويلة تالية، وأن تغير معه كل ما يتصل بالمجال الدولي من علاقات وأبعاد.
__________
(1) maxime rodinson: mohammed ص6.
(2) hitti: ذاته، صفحات 79 و83.
(3) ذاته: صفحات 80 و84.
(4) H. rodinson: ذاته، صفحات 31-32.
(5) hitti: ذاته، ص66.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|