أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-09-2015
6676
التاريخ: 5-8-2018
3858
التاريخ: 5-7-2019
7035
التاريخ: 13-7-2019
10668
|
هو، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد الغرناطي، ولد عام 713 للهجرة، وهو من بيت عرف قديما ببني الوزير، وحديثًا ببني الخطيب(1)، وهو بيت اشتهر بالعلم والفقه والأدب والطب، وقد روى صاحب نفح الطيب لأبيه شعرًا منه قوله (2):
الطب والشعر والكتابة ... سماتنا في بني النجابة
وقد نسج لسان الدين على منوال أبيه، فكان "نفيس العدوتين، ورئيس الدولتين، بالاطلاع على العلوم العقلية، والإمتاع بالفهوم النقلية"(3)، وقد ذكره ابن خلدون، وهو معاصر له فقال: "قرأ وتأدب على مشيخة غرناطة، واختص بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل، وأخذ عنه العلوم الفلسفية، وبرز في الطب، وانتحل الأدب، وأخذ عن أشياخه، وامتلأ حوض السلطان من نظمه ونثره مع انتقاء الجيد منه، ونبغ في الشعر والترسل بحيث لا يجارى فيهما، وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بني الأحمر لعصره، وملأ الدنيا بمدائحه، وانتشرت في الآفاق، فرقاه السلطان إلى خدمته، وأثبته في ديوان الكتابة ببابه مرؤوسًا بأبي الحسن بن الجياب شيخ العدوتين في النظم، والنثر وسائر العلوم الأدبية"(4)، فلما توفي ابن الجياب ورث رتبته من بعده(5)، وثم توفي أبو الحجاج فازدادت منزلته عند ابنه أبي عبد الله إلى أن نشبت ثورة أبعدت السلطان، عن عرشه، وقبض فيها على ابن الخطيب وصودرت أملاكه، ولكنه تخلص من ذلك بشفاعة السلطان أبي سالم المريني، صاحب المغرب ولحق بسيده أبي عبد الله هناك وصحبه في غربته، ولما رجع أبو عبد الله أخيرًا إلى عرشه في غرناطة، استدعاه وألقى إليه بمقاليد الملك والسياسة "وانفرد بالحل
والعقد، وانصرفت إليه الوجوه، وعلقت عليه الآمال، وغشي بابه الخاصة والكافة، وغصت به بطانة السلطان وحاشيته، فتوافقوا على السعاية فيه"(6)، وأحس لسان الدين بذلك، ففر إلى أبي فارس المريني وكان قد ملك تلمسان فأكرمه(7)، إلا أن رجال حاشيته سرعان ما أوغروا صدره عليه، إذ اتهموه بالزندقة، فألقى به في غياهب السجون ودس إليه من قتله عام 776، وبذلك انتهت حياته هذه النهاية الدامية.
وقد كان لسان الدين أبرع كاتب أخرجته الأندلس في عصورها الأخيرة، حتى قيل: إنه كاتب الأرض إلى يوم العرض، وخصص له المقري مجلدين من نفح الطيب عرض فيهما عرضًا واسعًا لأساتذته، وحياته السياسية والأدبية.
وإذا كان لسان الدين لم ينجح في حياته السياسية، فقد نحج نجاحًا عظيما في حياته الأدبية، وهي حياة كانت منوعة، إذ لم تقف كتابته عند الرسائل الديوانية أو الشخصية، بل كتب كتبًا كبيرة في التاريخ والتصوف، والموسيقى والفقه والطب، وقد نهج لسان الدين في هذه الكتب نهج السجع، وإن كان لا يلتزمه دائمًا على نحو ما نعرف في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، وهو مطبوع فإنه قلما يسجع فيه، ومن يرجع إلى رسائله يجدها تمتاز بالإطناب المسرف، وما يطوى في هذا الإطناب عادة من لف ودوران يجعلنا نذكر أصحاب التصنع في المشرق، وإنه ليتسع بإطنابه حتى يفقد قارئه نشاطه؛ لأن منظر المعاني ينبسط أمام بصره انبساطًا يخرجها من حيز التنوع إلى حيز الاستمرار والإملال، وتنبه لذلك بعض السابقين فقال: "هو كاتب مترسل بليغ لولا ما في إنشائه من الإكثار، الذي لا يخلو من عثار، والإطناب، الذي يفضي إلى الاجتناب، والإسهاب، الذي يقد الإهاب"(8)، وليست ظاهرة الإطناب هي كل ما اقترضه في سجعه برسائله من أصحاب التصنع من المشارقة، بل تقترن بها ظاهرة أخرى معروفة لديهم، وهي ظاهرة التصنع لمصطلحات العلوم وخاصة العلوم اللغوية، وحقًا إن ابن الخطيب لا يكثر منها، ولكنها موجودة -على كل حال- في نثره ورسائله، ونحن ننقل إلى القارئ صدر رسالة كتب بها عن سلطانه إلى خليفة الموحدين بالأندلس، وهي رسالة طويلة تقع في نحو عشرين صحيفة من القطع الكبير، وهو يستهلها على هذا النمط(9):
"الخلافة التي ارتفع عن عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف، واستقلت مباني فخرها الشائع، وعزها الذائع، على ما أسسه الأخلاف، ووجب لحقها الجازم وفرضها اللازم، الاعتراف، ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف، فامتزاجنا بعلائها المنيف، وولائها الشريف، كما امتزج الماء والسلاف، وثناؤنا على مجدها الكريم، وفضلها العميم، كما تأرجت الرياض الأفواف، لما زارها الغمام الوكاف، ودعاؤنا بطول بقائها، واتصال علائها، يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا الاستشراف، وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة وفواضلها العميمة، لا تحصره الحدود، ولا تدركه الأوصاف، وإن عذر في التقصير عن نيل ذلك المرام الكبير، الحق والإنصاف".
واستمر لسان الدين في هذه المقدمة طويلًا، ونحن نكتفي بهذه القطعة منها؛ لأننا نستطيع أن نتبين فيها الصفات لبعض مصطلحات العلوم، إذ تصنع لألفاظ القواعد، والمباني والجزم والحدود، وليس ذلك كل ما تميزه في هذه القطعة، فهناك جانب لعله أهم، وأدخل في باب التصنع، وذلك أنه بنى سجعاته في هذه القطعة كلها على الفاء، ولكن تأمل في القطعة، فإنك تراه استخرج من كل سجعة سجعتين داخليتين، وما من شك في أن هذا ضرب جديد من التصعيب، وصل إليه لسان الدين؛ لأنه يريد أن يثبت تفوقه في عصره، فإذا هو لا يسجع سجعًا بسيطًا على طريقة الكتاب الأندلسيين من قبله، وإنما يسجع هذا السجع المركب إن صح هذا التعبير، واستمر معه في الرسالة فستراه يصف حصار سلطانه لقرطبة على هذا النحو:
"ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة، وخزائن المزاين الوافرة، وربة الشهرة السافرة والأنباء المسافرة، قرطبة، وما أدراك ما هيه، ذات الأرجاء الحلية الكاسية، والأطواد الراسخة، والمباني المباهية، والزهراء الزاهية، والمحاسن غير المتناهية، حيث هالة بدر السماء، قد استدارت من السور المشيد البناء ونهر المجرة، من نهرها الفياض، المسلول حسامه من غمود الغياض، قد لصق بها جارًا، وذلك الدولاب، المعتدل الانقلاب، قد استقام مدارًا، ورجع الحنين اشتياقًا إلى الحبيب الأول وادكارًا، حيث الطود كالتاج، يزدان بلجين العذب المجاج، فيزرى بتاج كسرى ودارا، حيث قسي الجسور المديرة، كأنها عوج المطي الغريرة، تعبر النهر قطارًا، حيث آثار العامري المجاهد، تعبق بين تلك المعاهد شذى معطارًا، حيث كرائم السحائب، تزور عرائس الرياض الحبائب، فتحمل لها من الدر نثار، حيث شمول الشمال تدار على الأدواح، بالغدو والرواح، فترى الغصون سكارى، وما هي بسكارى، حيث أيدي الافتتاح، تفتض من شقائق البطاح، أبكارًا، حيث ثغور الأقاح الباسم، تقبلها بالسحر زوار النواسم، فتخفق قلوب النجوم الغيارى، حيث المصلى العتيق قد رحب مجالًا وطال منارًا، وأزرى ببلاط الوليد احتقارًا، حيث الظهور المثارة بسلاح الفلاح تجب عن مثل أسنمة المهارى، والطبون كأنها -لتدميث الغمائم- بطون العذارى".
وأنت ترى لسان الدين في هذه القطعة، يلتزم لازمة السجع المركب التي لاحظناها في القطعة السابقة، وقد ظهرت هنا عليه آثار التكلف بأوسع مما ظهرت في القطعة السالفة؛ لأنه كان هناك بادئًا للرسالة، أما هنا فقد طال به النفس، فظهرت علامات التعب عليه، وكلمة التعب لا تكفي، فإن ما أداه في هذه القطعة لا تنهض به هذه الكلمة، وإنما تنهض به كلمة أخرى كالتصعيب أو التعقيد، والحق أن لسان الدين كان يسعى حثيثًا في أعماله إلى التمسك بأهداب مذهب التصنع، الذي شاع في المشرق، وقد ذهب يقترح على الكتاب هذا السجع المركب ليدل على مبلغ تفننه وجودة ترسله، وإنه ليضيف إلى ذلك تكلفًا واسعًا، لألوان البديع وزخارفه، وخاصة السجع والجناس:
وكانت يشغف -كما نرى في هذه القطعة- بالجناس الناقص، ولكن لا تظن أن هذا هو منهج لسان الدين الدائم، فقد كان الكاتب الأندلسي يتنقل بين المفاهيم المختلفة للمشارقة، ومن أجل ذلك كنت ترى عند لسان الدين رسائل كهذه الرسالة تندمج في ذوق أصحاب التصنع، وما تلبث أن ترى له رسائل أخرى تندمج في ذوق أصحاب التصنيع، وقد ينفر من الذوقين جميعًا، كما نرى في كتابه "الإحاطة"، وإذا فابن الخطيب لا يرتبط بمذهب معين من مذاهب المشرق، بل هو يتنقل بين هذه المذاهب، وإن كان أقرب مذهب إلى ذوقه وذوق عصره هو مذهب أصحاب التصنع، ولكن ذلك لا يمنع أن نجد عنده نماذج يحاكي بها أصحاب الصنعة والتصنيع، وهذا شيء لا يختص بلسان الدين ولا بنماذجه، بل هو عام في الأندلس لعصره وقبل عصره، فدائمًا نجد الكاتب الواحد تتوزعه مذاهب المشرق المختلفة، وغاية ما في الأمر أن الأندلسيين، كان يغلب عليهم في العصر الأموي ذوق أصحاب الصنعة، بينما كان يغلب عليهم في عصر ملوك الطوائف ذوق أصحاب التصنيع، أما بعد ذلك فقد غلب عليهم ذوق أصحاب التصنع، ومع ذلك فقد درسنا ابن شهيد، فوجدناه يتوزعه المذهبان الأولان، بينما كان ابن زيدون في عصر ساد فيه ذوق التصنيع، ومع ذلك، فقد رأيناه في بعض رسائله، ينحو نحو أصحاب التصنع من بعض الوجوه، وهذا لسان الدين ذوقه وذوق عصره تصنع، واندمج في التصنع، ومع ذلك فله رسائل تخلو من هذا التصنع، بل قد تخلو من التصنع والتصنيع جميعًا، وهذا نفسه هو ما نريد أن نصل إليه، وهو أن الكتاب في الأندلس، كانوا يخلطون في محاكاة المذاهب المشرقية ونماذجها، فلم يتقيد أحد منهم بمذهب معين من جهة، ولم يدرسوا مذاهب المشرق دراسة علمية منظمة من جهة أخرى، بحيث تتيح لهم هذه الدراسة أن يبتكروا مذهبًا أو يستحدثوا اتجاهًا، فقد كانوا جميعًا يعيشون في إطار المذاهب المشرقية معيشة، تجعلنا نزعم أن أصول هذه المذاهب، كانت أثبت وأروع في تاريخ النثر العربي من أن يصيبها الأقاليم المختلفة بتبديل، أو تغيير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نفح الطيب 3/ 3.
2- نفس المصدر 3/ 7.
3- نفح الطيب 3/ 334.
4- تاريخ ابن خلدون 7/ 332.
5- نفس المصدر 7/ 333.
6- تاريخ ابن خلدون 7/ 335.
7-أزهار الرياض "طبع لجنة التأليف" 1/ 193.
8- نفح الطيب 3/ 335.
9- انظر الرسالة بأكملها في صبح الأعشى 6/ 536، وما بعدها.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|