المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تكاثر وطرق زراعة البطيخ الاحمر
22-9-2020
Categorical Game
18-10-2021
المنوال
16-4-2018
Free and not-so-free variation
2023-12-14
تطبيقات الحبيبات الكمومية
2023-12-05
الارث حق طبيعي
12-10-2014


تحدُّر فن المقامات  
  
5434   06:10 مساءاً   التاريخ: 25-12-2015
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج2، ص413-416
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / النثر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2015 8919
التاريخ: 8-10-2015 36618
التاريخ: 8-10-2015 4158
التاريخ: 10-2-2016 5622

ليس فيما أثر عن العرب مقامات سابقة على مقامات بديع الزمان الهمذاني (358-398 ه‍) ، فهو من أجل ذلك مخترع هذا الفن (1). على ان نفرا من الأدباء يحبون أن يقولوا إن بديع الزمان اشتقّ فن المقامات من فن قصصي سابق. و يريد الدكتور زكي مبارك (2) أن يثبت ان مقامات بديع الزمان مشتقّة «من أحاديث ابن دريد» ؛ و ابن دريد هذا كان راوية و عالما و لغويّا و قد عني برواية أحاديث عن الاعراب و أهل الحضر. و لا ريب في ان بين أحاديث ابن دريد و بين المقامات شبها قويا من حيث القصص و السجع، و لكنّ هناك أيضا فروقا كبيرة في الصناعة و في العقدة و في وجود بطل للمقامات هو المكدي، و في انبناء المقامة على الكدية و على الهزء من عقول الجماعات مع إظهار المقدرة في فنون العلم و الأدب، إلى ما هنالك من خصائص فن المقامات.

على ان هذا لا يعني أن بديع الزمان لم يطلع على أحاديث ابن دريد أو على ما روي عن العرب من قصص و أحاديث و أسمار، و لكن الفرق بين تلك الأحاديث و بين المقامات من حيث الغاية و الاسلوب كبير جدا. و على كل فان بديع الزمان إن لم يكن مخترع فن المقامات، فان مقاماته أقدم ما وصل الينا من هذا الفن الأدبي الرائع.

خصائص المقامات:

و للمقامات خصائص نستعرضها مع شيء من التبيان لأوجهها:

1. المجلس:

يجب أن تدور حوادث المقامة في مجلس واحد لا تنتقل منه إلا في ما شذّ و ندر (وحدة مكان ضيقة) .

2. الراوية:

و لكل مجموع من المقامات راوية واحد ينقلها عن المجلس الذي تحدث فيه.

3. المكدي:

و لكل مجموع من المقامات مكد واحد أيضا-أو بطل.

و هو شخص خيالي في الأغلب، أبرز ميزاته انه واسع الحيلة ذرب اللسان ذو مقدرة في العلم و الدين و الأدب، و هو شاعر و خطيب، يتظاهر بالتقوى و يضمر المجون، و يتظاهر بالجد و يضمر الهزل. و هو يبدو غالبا في ثوب التاعس البائس إلا أنه في الحقيقة طالب منفعة.

و تنعقد المقامة دائما بأن يجتمع الراوية بالمكدي في مجلس واحد. و يكون المكدي دائما متنكرا، و لذلك قلما يفطن الراوية لوجوده-إذا كان قد سبقه إلى المجلس-أو لحضوره إذا حضر بعده. و تنحلّ عقدة المقامة بأن ينكشف أمر المكدي للراوية في الأقل أو يكشف المكدي أمره للراوية (و أحيانا للحاضرين) في الأغلب. و لا يكشف المكدي أمره إلا بعد أن يكون قد نال من أهل المجلس مالا أو ثيابا، بعد أن استدر عطفهم. و كثيرا ما يعلم أهل المجلس ان المكدي قد خدعهم و سلبهم، و لكنهم لا يضمرون له شرا لأنه أطربهم أو سلاّهم أو أفادهم.

4. الملحة (النكتة أو العقدة) :

و هي الفكرة التي تدور حولها القصة المتضمّنة في المقامة، و تكون عادة فكرة طريفة أو جريئة، و لكنها لا تحثّ دائما على الاخلاق الحميدة، و قد لا تكون دائما موفقة.

5. القصة نفسها:

كل مقامة وحدة قصصيّة قائمة بنفسها، و ليس ثمة صلة بين المقامة و المقامة إلا أن المؤلف واحد و الراوية واحد و المكدي واحد. و قد تكون القصص من أزمنة مختلفة متباعدة و ان كان الراوية واحدا.

6. موضوع المقامة:

موضوعات المقامات مختلفة منها أدبي و منها فقهي و منها فكاهي و منها حماسي، و منها خمري أو مجوني. و هذه الموضوعات تتوالى على غير ترتيب مخصوص عند بديع الزمان. أما الحريري (فيما بعد) فالتزم أن تكون الموضوعات متعاقبة على نسق مخصوص. و قد تكون المقامة طويلة أو قصيرة.

7. اسم المقامة:

و اسم المقامة مأخوذ عادة من اسم البلد الذي انعقد فيه مجلس المقامة نحو: المقامة الدمشقية، التبريزية، الرملية (نسبة إلى الرملة بفلسطين) ، المغربية، السمرقندية، البلخية، الكوفية، البغدادية، العراقية، الخ. . . أو من الملحة التي تنطوي عليها المقامة نحو المقامة الدينارية، الحرزية، الشعرية، الإبليسية، الخمرية الخ. . .

8. شخصية المقامة:

ان الشخصية التي تبدو في المقامة ليست شخصية المكدي و لكنها شخصية المؤلف. و تنبني هذه الشخصية على الدراية الواسعة بكل شيء يطرقه المكدي، أو المؤلف على الأصح، فهو واسع الاطلاع على العلوم العربية خاصة، بصير بالفنون الأدبية من شعر و نثر و خطابة، حاد الذهن قوي الملاحظة في حل الألغاز و كشف الشبهات، مرح طروب في اجتياز العقبات و سلوك المصاعب.

9. الصناعة في المقامات:

فن المقامات فن تصنيع و تأنق لفظي (و خصوصا عند الحريري) فهناك إغراق في السجع و إغراق في البديع من جناس و طباق، و إغراق في المقابلة و الموازنة و في سائر أوجه البلاغة حتى ما لا يدخل في باب البلاغة على وجه الحصر: كالخطبة التي تقرأ طردا و عكسا و الخطبة المهملة (التي لا نقط فيها) أو التي تتعاقب فيها الأحرف المهملة و الأحرف المعجمة (المنقوطة) و ما إلى ذلك.

10. الشعر:

المقامة قصة نثرية و لكن قد يتخللها شعر قليل أو كثير من نظم صاحبها على لسان المكدي، أو من نظم بعض الشعراء، فيما يروى، على لسان المكدي أيضا. و قد يكون إيراد الشعر لإظهار المقدرة في النظم أو لاظهار البراعة في البديع (عند الحريري خاصة) .

و يتبع القصص و المقامات فنّ الفكاهة و هي رواية الحكاية في حال من المرح مع الاشارة إلى ما يستطيبه الناس عادة من اللهو و الجنس و الهزؤ و الإضحاك و الإطراف. و المقامات نفسها مملوءة بالفكاهة. و تجيء الفكاهة في الشعر أيضا، و تكون في الشعر لفتة بارعة أو ملحة نادرة أو نكتة صائبة أو تعبيرا جديدا طريفا، و قد تكون عرضا لأمور لا تقتضي الإنسان تفكيرا بل يأخذ الإنسان منها بظاهر القول هونا. و في هذا الباب أخبار المكدين (المتسوّلين) و الطفيليّين (3). و مثل ذلك الأحاجي، و هي أسئلة على غير المنهاج المنطقي تحتاج في الإجابة إلى نباهة و ذكاء أكثر مما تحتاج إليه من العقل و المعرفة. و في المقامات شيء كثير من هذا كلّه مبنيّ على التوريات و راجع إلى أحوال مفردة، و هو المسمّى «ألغازا» . فمن الفكاهة العاديّة قول ابن لنكك:

لا تخدعنك اللّحى و لا الصّور... تسعة أعشار من ترى بقر

و من الألغاز سؤال في مقامات بديع الزمان هو: أيّ بيت (من الشعر) أوله يغضب و آخره يلعب؟ -و جواب هذا السؤال الملغز: هو قول عمرو بن كلثوم:

كأنّ سيوفنا منّا و منهم...مخاريق بأيدي لاعبينا (4)

(لأنّه يبدأ بالكلام على السيوف-و هي من آلات الحرب-ثم ينتهي باللعب بالمخاريق، و المخراق خرقة ملفوفة يتضارب بها الصبيان) .

___________________

1) مقامات الحريري (بيروت 1873) ص 13.

2) النثر الفني 1:197 و ما بعدها.

3) الطفيلي هو الذي يذهب إلى المآدب من غير أن يكون مدعوا اليها (و يسلك مسلكا فيه لباقة أو وقاحة) .

4) المخراق: منديل (أو قطعة من نسيج) يلف على شكل العصا و يضرب به.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.