أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-08-2015
2574
التاريخ: 26-06-2015
1801
التاريخ: 21-06-2015
3023
التاريخ: 10-04-2015
2363
|
هو أحمد بن الحسين الْجُعفي نسبة إلى عشيرة جعفي اليمنية، ولد بالكوفة سنة 303 للهجرة بِحَارة بني كندة لأسرة متواضعة، ولحظ أبوه فيه مخايل الذكاء؛ فألحقه بإحدى المدارس العلوية(1)، وبذلك اتصل مباشرة بتعاليم الشيعة. وحدث أن نهب القرامطة الكوفة سنة 312 فانتقل به أبوه إلى بادية السماوة بين العراق وتدمر وظل بها عامين(2) أتاحا له أن ينهل من ينابيع اللغة الأصيلة، ويعود إلى الكوفة مع أبيه، وقد تفتحت ملكته الشعرية، ورأى أن يتجه إلى المديح، لعله يحظى بما كان يحظى به المادحون من أموال؛ فمدح أبا الفضل الكوفي، ولزمه، وكان من المتفلسفة، فدرس الفلسفة عليه(3)، ويظهر أنه كان في أبي الفضل نزعة قرمطية، لقنها المتنبي، ولقنه الآراء الفلسفية؛ مما كان له أثر واسع في تصوره للحياة؛ إذ بدت فيه منذ حداثته نزعة شديدة إلى التشاؤم والثورة على الدهر والناس. على أنه لم يلبث أن ترك الكوفة إلى بغداد سنة 316 فامتدح بها محمد بن عبيد الله العلوي، وفي ذلك ما يدل على اتصاله بالشيعة، كما امتدح متصوفًا يسمى هرون بن علي الأوارجي. كان له شأن في قصة الحلاج(4) واتصاله به ومديحه يدل على أنه لقنه مبادئ المتصوفة.
ونراه يرتحل إلى الشام فيمدح بعض شيوخ البدو وبعض الأشراف في طرابلس واللاذقية. وتظهر بين البدو حركة للقرامطة، فينضم إليها، ويأمل أن يحقق أحلامه السياسية، ويستجيب كثير من البدو إليه، وسرعان ما انقلب يدعو إلى نفسه حانقًا على ما صارت إليه الأمور في البلاد العربية؛ إذ أصبح زمام الحكم بيد الأعاجم، ولم يعد للعرب نفوذ ولا سلطان، يقول:
وإنما الناسُ بالملوكِ وما ... تفلحُ عُرْبٌ ملوكها عجمُ
غير أن ثورته لم تنجح، فقد قضى عليها لؤلؤ والي حمص، من قبل الإخشيدين وزجَّ به في السجن حوالي سنة 322 وظل فيه نحو عامين، ثم رُدَّت إليه حريته وإلى هذه الثورة يرجع لقبه المتنبي الذي اشتهر به(5)؛ ولكن هل تنبأ حقيقة؟ أكبر الظن أن هذه القصة وما اتصل بها من نثر يقال: إنه حاكى به القرآن(6) منتحلة عليه، وكأن من انتحلوها أرادوا أن يفسروا بها لقبه ويقول ابن جني: إنه لقب بذلك لقوله:
ما مقامي بأرض نَخْلة إلا ... كمقامِ المسيحِ بين اليهودِ
أنا من أمةٍ تداركها اللـ ... ـهُ غريبٌ كصالحِ في ثمودِ
فهو لم يتنبأ؛ وإنما خلع عليه اللقب لتشبهه بالأنبياء في هذين البيتين(7)، وربما لقب بذلك لفطنته في الشعر ونبوغه(8).
وشعره في هذه الفترة الأولى من حياته يزهر بالفخر والاعتداد بالنفس اعتدادًا مفرطًا؛ فهو يرفع نفسه على الناس من حوله ويزدريهم ويحقد عليهم حقدًا شديدًا، بل إنه ليحقد على الزمن، وتتسع المبالغة عنده، ونظن ظنًّا أنها جاءته من عقائد الشيعة في أئمتهم وما كانوا يخلعونه عليهم من صفات إلهية، وقد تحول بها إلى فخره وحديثه عن نفسه، ومديحه وحديثه عن غيره، وكأنه يظن ممدوحيه أنصاف آلهة.
ويخرج من السجن وقد آمن بأن سلطانه الذي ينبغي أن يفرضه على الناس هو الشعر؛ فعاد إليه، وتجول في بلاد الشام يمدح الولاة والعمال، وسرعان ما تعرف على بدر بن عمار والي دمشق، ووجد عنده ما كان يأمله من عطاء، كما وجد فيه الأمير العربي الذي يبحث عنه، فخصه بخير مدائحه في تلك الحقبة. ومدح كثيرين غيره ونال جوائزهم، وشعره في هذه الفترة كسابقتها يملؤه بالمبالغة والفخر المسرف بنفسه. والأصل أن الشاعر حين يمدح لا يفكر إلا في ممدوحيه، أما المتنبي فكانت تشغله نفسه وكان دائم الذكر لها ولم يحسه من ثورة على الناس ونظاميهم السياسي والاجتماعي. ومن ثم جعل مدائحه شركة بينه وبين ممدوحيه، وهو يضع فيها نفسه أولًا، ولعل ذلك ما جعله ينصرف غالبًا عن الغزل والنسيب يقدم بهما قصائده، فهو يعيش في نفسه، ومثله لا يحس الحب، إنما يحس آماله ومطامحه وما يجيش في صدره من ثورة على الزمن والمجتمع. وكل ذلك يضعه في مستهل قصائده مقدمة تميز بها من بين شعراء العربية. وقدمنا في غير هذا الموضع أن أبا تمام كان ينزع هذا المنزع في بعض مدائحه، ولكنه كان يخلط شكواه بالحب، أما المتنبي فجعل شكواه خاصة بنفسه وبأفكاره عن المجتمع وأخلاق الناس مضيفًا إليها ضربًا واسعًا من التشاؤم.
ويلمع أمام عينيه أمير عربي شيعي كان يحارب الروم حربًا عنيفة باعثًا في حاضرته حلب نهضة أدبية وعلمية رائعة، هو سيف الدولة، فتطمح نفسه إلى الانتظام في سلك شعرائه، ويلقاه سنة 337 للهجرة فيجد عنده كل ما كان يأمله، فقد وفر له المال، كما وفر له كرامته؛ إذ رضي منه أن ينشده شعره وهو جالس توقيرًا له. ورأى فيه المتنبي رمز دولة العرب المفقودة؛ فقد كان عربيًّا من تغلب بين ولاة كثرتهم من الأعاجم، وكان في الوقت نفسه الدرع الذي يحمي البلاد العربية ضد دولة الروم الشرقية، وانتصر عليها انتصارات عظيمة في غير معركة حربية؛ فوجد فيه مثله الأعلى الذي طالما حلم به؛ كما وجد في حروبه وانتصاراته ضد الروم والبدو الموضوع الذي يشغل به قصائده، فلم تعد كلامًا يقال، وإنما أصبحت ملاحم رائعة. ومن الحق أنه كان يستشعر معاني العروبة إلى أقصى حد، وكل ذلك جعل سيف الدولة يملأ الفراغ الذي كان يحسه في داخله منذ مطالع حياته، ومن هنا تختفي في مدائحه حينئذ ثورته على الناس والزمان، وكأنما غاضت في نفسه.
وعاش نحو تسع سنوات في هذا الحلم يحظى بمنزلة رفيعة من سيف الدولة، وينعم بلقاء من جذبهم إليه من الفلاسفة والعلماء مثل الفارابي وابن جني، ولا نشك في أنه أفاد من محاضرات الأول في الفلسفة، وقد انعقدت صلة متينة بينه وبين الثاني فروى عنه ديوانه وشرحه شرحًا مشهورًا إعجابًا به وافتتانًا بفنه.
ومدائحه لسيف الدولة تعد في الذروة لا من شعره وحده، بل من الشعر العربي عامة؛ فقد صور فيها وقائعه وحروبه تصويرًا تشيع فيه البهجة بالنصر والاعتزاز بالعرب والعروبة، ونحس كأن نفسه لانت. وفرق بعيد بين هذه القصائد وقصائده السالفة بل قصيدته الأولى
التي أعدها للقاء سيف الدولة:
وفاؤكما كالرَّبع أشجاه طاسمه ... بأن تُسْعدا والدمعُ أشفاه ساجِمُهْ(9)
فإن فيها شيئًا من القلق النفسي، يصوره ما في هذا المطلع من تعقيد، ولعله أراد به أن يغرب على من في حاشية سيف الدولة أمثال ابن جني وابن خالويه، وقد مضى يكثر من الألفاظ الغريبة والأساليب العويصة، والمعاني غير المألوفة حتى يلفت العلماء والفلاسفة أمثال الفارابي. وفعلًا حظي بإعجابهم جميعًا. وردت إليه نفسه بعد ذلك؛ فلم يعد يعنى بالألفاظ الغريبة والمعاني البعيدة؛ إنما عني بالموضوع نفسه، فإذا هو يؤلف ملاحمه التي خلدت اسمه واسم سيف الدولة جميعًا، ويظهر أن غروره المسرف الذي كان يصوره في شعره السالف لم يزايله في سلوكه وإن زايله في أشعاره فحقد عليه كثير من الملتفين حول الأمير، وكان من بينهم من ينفس عليه مكانته منه وعطاياه الجزيلة، وعلى رأسهم أبو فراس الحمداني الشاعر المعروف ابن عم سيف الدولة وأحد أبطال معاركه الحربية. وكانت تحدث مشادات بينه وبينهم(10). فتغير سيف الدولة عليه، وأحس ذلك فمسح الحزن على أشعاره، وكان ينتهز فرصة الرثاء حين يتوفى بعض أقرباء الأمير ليعبر عما في نفسه من حزن وأسى؛ ولكن في كبت، وعاتب سيف الدولة حين فاض به الكيل بقصيدته:
واحرَّ قلباه ممن قلبُه شَبِمُ ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم(11)
وهي تصور مأساته في أميره فهو يستمع إلى ما يقوله الحساد والخصوم ويصدقهم فيما يقولون. ويعاوده تشاؤمه القديم وحقده على الزمن والأحياء، ويضطر اضطرارًا. وقد أحس الخطر على حياته أن يفر مع أسرته خفية من حلب إلى دمشق سنة 346.
وولى وجهه نحو الفسطاط وكافور، وهو يشعر في أعماقه أنه طرد من فردوسه الأرضي، وأنه بذلك يهدر مسئوليته الأدبية؛ فقد ترك أميرًا عربيًّا إلى أمير حبشي، وهو الذي طالما تغني بأمجاد العرب الماضية مؤملًا أن تعود إليهم مقاليد الحكم، ويقال إن كافورًا وعده بولاية صيدا (12)؛ غير أن هذا لا يشفع له فيما انتهى إليه أمره من مديحه. وإن كان حقًّا لم يخلص في هذا المديح وطبيعي أن لا يخلص فيه وهو يشعر في قرارة نفسه بالنفاق وأنه غير صادق فيما يقول. ومن أهم ما يميز المتنبي أنه لا يستطيع أن يخفي ما يضطرب في دخائل نفسه. ولم يكن يؤذيه في كافور أنه حبشي فحسب؛ بل كان يؤذيه منه أيضًا أنه كان يماطله فيما مناه به من بعض الولايات. وعلى نحو ما وجد عنده من مكر به كان هو الآخر يقابل مكره بمكر فني؛ فكان يسوق إليه كثيرًا من الأبيات الموجهة التي يمكن أن تحمل على الذم والمدح(13). ووجد في مصر مولى آخر للإخشيد لم يكن حبشيًّا، وإنما كان روميًّا هو فاتك، وكان الإخشيد أقطعه الفيوم، حتى لا ينفس على كافور ما صيّره إليه من وصايته على ابنه وإدارته لشئون الدولة. ومدحه المتنبي دون أن يراه ليؤذي كافورًا، ولذلك نشعر في مديحه له بالفتور وأن الحيوية التي عهدناها تنقصه. وحاول أن يَفِدَ عليه، ولكن كافورًا منعه.
ويموت فاتك سنة 350 فيرثيه رثاء مؤثرًا كيدًا لخصمه وكأنه يريد بهذا الرثاء أن ينتقم منه، ولا يلبث أن يهجو كافورًا ويفر في عيد الأضحى تحت جنح الليل.
وشعره في كافور مدحًا وهجاء يفيض بالثورة على الزمن والتشاؤم الشديد، وقد ظل يذكر فردوسه المفقود ويحن إلى سيف الدولة، وربما فكر في العودة إلى رحابه؛ غير أن كرامته أبت عليه أن يعود إليه كسيرًا مهزومًا؛ فاتجه إلى الكوفة مسقط رأسه، وتحول عنها إلى بغداد، وحاول الوزير المهلبي أن يجذبه إليه، ولكن من كانوا حوله من العلماء والأدباء تعرضوا له يُزْرون على شعره، فانقبض عنه، ولم يمدحه. وكان سيف الدولة كاتبه ليعود إليه، فوقع ذلك من نفسه موقعًا حسنًا وبلغه أن أخته الكبرى توفيت فرثاها رثاءً حارًّا. ويظهر أنه كان على وشك الرجوع؛ غير أنه رأى أن يذهب إلى فارس وعضد الدولة ووزيره ابن العميد، لعله يحظى عندهما بما فاته عند كافور، فذهب إليهما، وقدم لهما مدائحه، وأعطياه نائلًا غمرًا، ونراه يؤثر العودة إلى العراق، ولعله كان ينوي الذهاب إلى سيف الدولة؛ غير أنه لا يصل إلى دير العاقول بجوار النهروان حتى يخرج عليه بعض قطاع الطرق، ويقاتلهم، ويُقتل هو وابنه وغلامه مفلح في أواخر رمضان سنة 354.
وشعره منذ خروجه من لدن سيف الدولة شركه بين وبين ممدوحيه؛ فهو يتغنى فيه بنفسه وبهمومه ونوائب الزمن وأحداثه وهو فيها جميعًا يعرف كيف يروغ عن الموضوع، فيتحدث عن تجاربه وشكواه أو يصف شعب بوّان.
وقد يبالغ على نحو ما نجد في مديحه لعضد الدولة، ولكن لا نحس عنده صدقًا ولا عاطفة، وبذلك تظل قصائده في سيف الدولة هي القطع المتوهجة من شعره.
وواضح مما قدمنا أن شعر المتنبي يتطابق مع حياته، ونراه فيه يمثل ثقافته، وهي ثقافة واسعة يمتزج فيها التشيع والتصوف والفلسفة، وأتيح له ذلك كما أسلفنا منذ نشأته؛ إذ نشأ في الكوفة وتربى في مدرسة للعلويين ودرس الفلسفة على أبي الفضل الكوفي والتصوف على الأوارجي. ويظهر أنه كان مطلعًا على كثير من النِّحل والعقائد كما يدل على ذلك مثل قوله:
تمتَّع من سهادٍ أو رقادٍ ... ولا تأمل كَرىً تحت الرِّجامِ(14)
فإن لثالثِ الحالين معنىً ... سوى معنى انتباهك والمنام(15)
وهو يشير بثالث الحالين إلى التناسخ الذي لا يقع فيه -كما يقول من يؤمنون به- موت ولا نوم، وكما كان يعرف التناسخ وما إليه من مذاهب هندية دهرية كان يعرف المجوسية ومعتقداتها، كقوله في هجاء ابن كيغلغ:
يا أختَ معتنقِ الفوارسِ في الوغى ... لأخوك ثَمَّ أرق منك وأرحمُ
يرنو إليك مع العفافِ وعنده ... أن المجوسَ تصيبُ فيما تحكمُ
يقول العُكْبَرِيّ: على هذا البيت بقوله: "إن المجوس يحلون تزوج الأخوات فأخوها من حسنها يرى أن المجوس أصابوا في حكمهم(16). ويقول في بعض ممدوحيه:
وكم لظلامِ الليل عندي من يدٍ ... تخبِّر أن المناويةَ تكذبُ
ويعلق العُكْبَري على هذا البيت بقوله: "المانوية قوم ينسبون إلى ماني وكان يقول الخير من النور والشر من الظلمة فرد عليه المتنبي؛ فقال: كم نعمة لظلام الليل عندي تبين أن المانوية الذين نسبوا الشر إلى الظلام كاذبون"(17)، ونراه يشير في بعض هجائه لكافور إلى القائلين بالدهر والتعطل والقدم؛ إذ يقول:
ألا فتى يورد الهنديّ هامتَه ... كيما تزول شكوك الناس والتهمِ
فإنه حجةٌ يؤذي القلوب بها ... من دينه الدَّهرُ والتعطيلُ والقدمُ
والحق أن ثقافته العقلية كانت واسعة، وسنراه بعد قليل يحشد منها محصولًا كبيرًا في شعره، وكذلك كانت ثقافته اللغوية والنحوية، يقول صاحب معاهد التنصيص: "لقد كان المتنبي من المكثرين من نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيّها، ولا يسأل عن شيء إلا ويستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر؛ حتى قيل إن الشيخ أبا على الفارسي قال له يومًا: كم لنا من الجموع على وزن فِعْلى؟ فقال المتنبي في الحال: حِجْلى و ظِرْبى، قال الشيخ أبو على: فطالعت في كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهذين الجمعين ثالثًا فلم أجد(18).
ويذكر البديعي: "أنه لما وقع الجدل بين أبي الطيب اللغوي وابن خالويه في حضرة سيف الدولة طلب إليه أن يشترك في الجدل؛ فناصر أبا الطيب وأتى من الحجج ما أعانه"(19). و يقال إنه لما رحل إلى بغداد ناظر الحاتمي في اللغة(20)، كما يروى أن ابن العميد قرأ عليه بعض الكتب اللغوية(21).
وهذه المعرفة باللغة ومسائلها كان يؤازرها معرفة -لعلها أوسع- بالنحو ومشاكله، وكان يتصنع له كثيرًا في ألفاظه، كقوله:
إذا كان ما تنويهِ فعلًا مضارعًا ... مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازمُ
ويحس قارئ ديوانه أنه لم يكد يترك شاذة نحوية إلا وتكلفها في قصائده ونماذجه، وكان يجنح إلى المذهب الكوفي ويعمم شوارده في شعره. وهذه الكوفية لا نثبتها له من تلقاء أنفسنا، فمن قبلنا يقول العُكْبَري في التعليق على قوله:
إلى واحدِ الدنيا إلى ابن محمّدٍ ... شجاعِ الذي لله ثم له الفضلُ
"شجاع بدل من ابن وحذف منه التنوين على مذهبه"(22). ويفسر العُكْبَري هذا المذهب في التعليق على قوله:
وحمدانُ حمدونٌ وحمدونُ حارثٌ ... وحارثُ لقمانٌ ولقمانُ راشدُ
إذ يقول: "ترك صرف حمدون وحارث ضرورة وهو جائز عندنا غير جائز عند بعض البصريين"(23). وفصل ابن الأنباري في كتابه "الإنصاف" القول في هذه المسألة والخلاف فيها بين البصريين والكوفيين(24). وهذا الجانب عنده هو الذي أولى شعره عناية خاصة من الشراح والمفسرين؛ فقد وجدوا أنفسهم إزاء شاعر من طراز جديد؛ إذ كان الشعراء قد اتبعوا مذهب البصرة وقلما لجئوا إلى شذوذات الكوفة ومسوغاتها في التعبير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- خزانة الأدب: للبغدادي 1/ 382.
2- الصبح المنبي للبديعي ص6 وانظر أنساب السمعاني ص506ب.
3- خزانة الأدب 382.
4- L. MASSIGNON, AL HALLAJ, MRTYR MYSTIQUE DE L;ISLAM, P. 240.
5-الصبح المنبي ص25، وتاريخ بغداد 4/ 104 وأنساب السمعاني ص506ب.
6- تاريخ بغداد 4/ 104.
7- اليتيمة للثعالبي 1/ 8.
8- العمدة لابن رشيق 1/ 45.
9- أشجاه: أحزنه، طاسمه: دارسه. بأن تسعدا: بالمساعدة في البكاء. يقول لصاحبيه: ابكيا معي بدمع ساجم فإنه أشفى للغليل، كما أن الربع أشجى للمحب إذا درس.
10- انظر في ابن خلكان ما يرويه من مشادة وقعت بين المتنبي وابن خالويه.
11- شبم: بارد، يقول: واحر قلبي واحتراقه ممن قلبه عنِّي بارد لا يعنى بي ولا يقبل علي، ومن بجسمي وحالي من إعراضه سقم يؤلمني ويؤذيني.
12- الصبح المنبي 1/ 115.
13- الصبح المنبي ص125.
14- الرجام: القبور.
15- يريد بثالث الحالين: الموت.
16- شرح العُكْبَري على المتنبي "طبعة الحلبي" 4/ 122.
17- العُكْبَري 1/ 187.
18-معاهد التنصيص 1/ 11.
19-الصبح المنبي ص25.
20- الصبح المنبي ص79.
21-خزانة الأدب للبغدادي 1/ 380.
22- العُكْبَري 3/ 184.
23- العكبري 1/ 277
24-الإنصاف"طبعة أوربا" ص205.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|