تأثير الشبكات الاجتماعية في تشكيل الرأي العام 

أصبحت وسائل الاتصال والإعلام الرقمية من ضروارت الحياة، وهي بمثابة حلقة الوصل بين كل مؤسسات ومكونات البناء الاجتماعي، وعلى عاتقها تقوم عمليات شرح وتقديم ما لدى كل مؤسسة اجتماعية للأخرى، إذ تؤدي وسائل الإعلام دورا بالغ الأهمية والخطورة في تشكيل الرأي العام وفي تعبئة الجماعات وحشدها حول أفكار وآراء واتجاهات معينة، مهما كانت هذه الجماهير متباعدة جغرافيا أو غير متجانسة ديموغرافياً. وزادت التطورات التكنولوجية الهائلة قدرة وسائل الاتصال الرقمية في تحقيق المزيد من التأثير على الجماهير، وتوجيهها نحو آراء وأفكار معينة.

وساهم الانتشار الحر للمعلومات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية في خلق إمكانية كبيرة للتحرك الشعبي على أساس معرفة واسعة ودقيقة بالأحداث السياسية، وبالتالي التأثير على تصور المواطن للسياسة، وتتخذ هذه الشبكات موقفا فريدا في هذه العملية، إذ تمارس تأثيرات قوية على صانعي القرار وفي تشكيل الرأي العام، فوسائل الاتصال تمثل حلقة وصل بين الرأي العام وصانعي القرار.

يقول بعض الخبراء أن وسائل الإعلام تؤثر في السياسة من وجهتين يرتبط بعضهما ببعض أشد الارتباط:

- ترتكز الوجهة الأولى على تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صانعي القرار.

- وترتكز الوجهة الثانية على تأثير وسائل الإعلام المباشر على صانعي القرار، بتوفير المعلومات والأفكار والصور المختلفة التي تشكل رؤيتهم للعالم.

ويختلف تأثير وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات الرأي العام تبعا للبيئات الاتصالية التي تتم من خلالها عمليات التلقي، إذ تختلف باختلاف وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية، فلكل وسيلة إعلامية عدد من المزايا التي تجعلها تختلف من حيث التأثير عن الوسيلة الأخرى، وتكرار التعرض لوسائل الاتصال يزيد من قوة تأثيرها في تشكيل اتجاهات الرأي العام، وقد تميزت شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية بقوة التأثير؛ لأنها جمعت كل مزايا وسائل الاتصال التقليدية المقروءة والمسموعة والمرئية في الرسالة التي تقدمها .

وهناك اتجاهين مختلفين في دارسة تأثير الشبكات الاجتماعية، الاتجاه الأول يربط بين التغيرات التي تحدث في الرأي العام على المستوى الجمعي والتغييرات التي تحدث في محتوى وسائل الاتصال؛ وبالتالي فإن وسائل الاتصال حين تقدم اتجاهات مختلفة ومتعارضة بصدد قضية معينة، فقد يكون ممكنا قياس تأثير كل من هذه الاتجاهات في الرأي العام.

أما الاتجاه الثاني، فهو على المستوى الفردي، فيوضح اختلاف تأثير وسائل الإعلام من فرد لآخر، حيث تعتمد التأثيرات على عملية ذات مرحلتين، وهما:

1. التعرض لرسائل الاتصال التي تقدمها وسائل الإعلام وفهمها (مرحلة التلقي).

2. وقبول محتوى هذه الرسائل (مرحلة القبول).

وهاتان العمليتان بدورهما تتأثران بمستوى الوعي السياسي لدى الأفراد. ومن وجهة نظر جونز يللر ، وهو أحد الباحثين في العوامل المؤثرة في تشكيل اتجاهات الرأي العام، فإن للميول السياسية والوعي السياسي وخطاب الصفوة دورا في تشكيل الرأي العام، إضافة إلى طبيعة البيئة المعلوماتية التي تقدم من خلالها الرسائل الإعلامية، واعتبرها زيللر عاملا مهما في طبيعة التأثير الذي تحدثه وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات الرأي لهذا تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي من قبل التجمعات السياسية والتنظيمات كوسيلة للتحفيز السياسي، وخلق الأنصار والمؤيدين، والتفوق على المنافسين أو المناقشة وطرح الأفكار، حتى إن معظم رؤساء العالم والسياسيين لديهم مدونات شخصية يتواصلون مع الناس من خلالها ، وذهب بعض الرؤساء مثل الرئيس الأمريكي السابق ترامب الى الاعتماد على منصة تويتر بصورة أساسية خلال فترة ادارته وتجاهل وسائل الإعلام التقليدية في اغلب الأوقات...

ويشير مصطلح المعلومات الذي استخدمه زيللر إلى المعلومات السياسية المتدفقة في وسائل الاتصال وتشمل التقارير الإخبارية والتعليقات، وأحاديث الصفوة عن التوجهات الإيدلوجية والحزبية للرسالة الإقناعية. وهناك عدة متغيرات يتم من خلالها فهم تأثير نوع الوسيلة الإعلامية التي تقدم من خلالها الرسالة على أسلوب معالجة المعلومات وتشكيل الاتجاهات. ومن هذه المتغيرات ما يتعلق بالرسالة مثل: قابلية الرسالة للفهم، وحيوية الرسالة، وقوة البراهين، بالإضافة إلى متغيرات متعلقة بخصائص القائم بالاتصال، وتحافظ على انتباه الأفراد لكونها معلومات ملموسة ومثيرة للخيال وقريبة زمنيا ومكانيا وحسيا، وبناء على ذلك فإن المعلومات المقدمة من خلال الإذاعة والتلفزيون تعد أكثر حيوية من تلك المقدمة من خلال الصحافة المطبوعة، والمعلومات المقدمة من خلال شبكات

التواصل الاجتماعي الرقمية أصبحت أكثر حيوية من المعلومات المقدمة من الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون، ومن المفترض أن تكون المعلومات الأكثر حيوية هي الأكثر تأثيرا في تشكيل اتجاهات الرأي العام؛ ذلك لأن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية؛ ومن ثم التلفزيون يعد أكبر من تأثير الإذاعة والصحيفة المطبوعة، فضلا عن تفوق هذه الشبكات على وسائل الإعلام الأخرى لكونها أدوات اتصال تفاعلي متزامن وغير متزامن تضمن وصول رسائلها إلى الجمهور بسرعة فائقة.