المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9095 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

نظرة سريعة عن حياة الهادي "عليه السّلام"
30-5-2022
ذكر الله عند الإِنتفاع بالنعم
28-09-2014
Linguistic convergence
2024-03-13
الاستقلالية في ممارسة الأعمال التجارية
24-11-2020
العالَم مظهرٌ لصفات الله وأسمائه‏
6-12-2015
نشأة ومفهوم علم العقاب
5-7-2022


حوار الإمام الرضا (عليه السلام) مع أرباب المذاهب الإسلامية  
  
2021   03:07 مساءً   التاريخ: 2023-03-22
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 10، ص207-217
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / التراث الرضوي الشريف /

لما حضر عليّ بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان . فقال المأمون : « أخبروني عن معنى هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا[1] ؟

فقالت العلماء : أراد اللّه الامّة كلّها .

فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : لا أقول كما قالوا ولكن أقول : أراد اللّه تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة ( عليهم السّلام ) .

فقال المأمون : وكيف عنى العترة دون الامّة ؟

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : لو أراد الامّة لكانت بأجمعها في الجنة ؛ لقول اللّه : فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ[2]. ثم جعلهم في الجنة فقال عزّ وجلّ : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها[3] فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم . ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : هم الذين وصفهم اللّه في كتابه فقال : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[4]. وهم الذين قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي - أهل بيتي - لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض . انظروا كيف تخلفوني فيهما ، يا أيها الناس لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم .

قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل ؟

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : هم الآل .

فقالت العلماء : فهذا رسول اللّه يؤثر عنه[5] أنه قال : امّتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه : آل محمد امّته .

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد ؟

قالوا : نعم . قال ( عليه السّلام ) : فتحرم على الامّة ؟ قالوا : لا .

قال ( عليه السّلام ) : هذا فرق بين الآل وبين الأمة . ويحكم ! أين يذهب بكم ؟ ! أصرفتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون ؟ ! أما علمتم أنّما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم ؟ !

قالوا : من أين قلت يا أبا الحسن ؟

قال ( عليه السّلام ) : من قول اللّه وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ[6] فصارت وراثة النبوّة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم أنّ نوحا سأل ربّه ، فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ[7] وذلك أنّ اللّه وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربّه تبارك وتعالى : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [8].

فقال المأمون : فهل فضّل اللّه العترة على سائر الناس ؟

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : إنّ اللّه العزيز الجبّار فضّل العترة على سائر الناس في محكم كتابه .

قال المأمون : أين ذلك من كتاب اللّه ؟

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : في قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ[9] وقال اللّه في موضع آخر : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً[10] ثمّ ردّ المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[11] يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين والملك ههنا الطاعة لهم .

قالت العلماء : هل فسّر اللّه تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا . فأوّل ذلك قول اللّه : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[12] - ورهطك المخلصين - هكذا في قراءة ابيّ بن كعب وهي ثابتة في مصحف عبد اللّه بن مسعود فلمّا أمر عثمان زيد ابن ثابت أن يجمع القرآن خنس هذه الآية[13] وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى اللّه عزّ وجلّ بذلك الآل فهذه واحدة .

والآية الثانية في الاصطفاء قول اللّه : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند لأنّه فضل بيّن .

والآية الثالثة حين ميّز اللّه الطاهرين من خلقه أمر نبيّه في آية الابتهال فقال : فَقُلْ - يا محمد - تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ[14] فأبرز النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) عليّا والحسن والحسين وفاطمة ( عليها السّلام ) فقرن أنفسهم بنفسه . فهل تدرون ما معنى قوله : وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ؟

قالت العلماء : عنى به نفسه . قال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : غلطتم ، إنما عنى به عليّا ( عليه السّلام ) . ومما يدلّ على ذلك قول النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) حين قال : لينتهينّ بنو وليعة[15] أو لأبعثنّ إليهم رجلا كنفسي يعني عليّا ( عليه السّلام ) . فهذه خصوصيّة لا يتقدّمها أحد . وفضل لا يختلف فيه بشر .

وشرف لا يسبقه إليه خلق ؛ إذ جعل نفس عليّ ( عليه السّلام ) كنفسه فهذه الثالثة .

وأمّا الرابعة : فاخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة حين تكلّم الناس في ذلك ، وتكلم العبّاس ، فقال : يا رسول اللّه تركت عليّا وأخرجتنا ؟ فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : ما أنا تركته وأخرجتكم ولكنّ اللّه تركه وأخرجكم . وفي هذا بيان قوله لعلي ( عليه السّلام ) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى .

قال العلماء ، فأين هذا من القرآن ؟

قال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : أوجدكم في ذلك قرآنا أقرؤه عليكم ، قالوا : هات .

قال ( عليه السّلام ) : قول اللّه عزّ وجلّ وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً[16] ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى وفيها أيضا منزلة عليّ ( عليه السّلام ) من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) . ومع هذا دليل ظاهر في رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) حين قال : انّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب ولا لحائض إلّا لمحمد وآل محمد .

فقالت العلماء : هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلّا عندكم معشر أهل بيت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ؟

قال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : ومن ينكر لنا ذلك ورسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها » . ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلّا معاند . وللّه عزّ وجلّ الحمد على ذلك . فهذه الرابعة .

وأمّا الخامسة : فقول اللّه عزّ وجلّ : وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ[17] خصوصية خصّهم اللّه العزيز الجبّار بها واصطفاهم على الامّة . فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال :

ادعوا لي فاطمة فدعوها له . فقال : يا فاطمة . قالت : لبيّك يا رسول اللّه . فقال : إنّ فدك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وهي لي خاصّة دون المسلمين . وقد جعلتها لك لما أمرني اللّه به فخذيها لك ولولدك . فهذه الخامسة .

وأمّا السادسة : فقول اللّه عزّ وجلّ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى[18] فهذه خصوصية للنبي ( صلّى اللّه عليه واله ) دون الأنبياء وخصوصيّة للآل دون غيرهم .

وذلك أنّ اللّه حكى عن الأنبياء في ذكر نوح ( عليه السّلام ) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ[19] وحكى عن هود ( عليه السّلام ) قال : . . . لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ[20].

وقال لنبيّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى . ولم يفرض اللّه مودّتهم إلا وقد علم أنّهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلالة أبدا .

وأخرى أن يكون الرجل وادّا للرجل فيكون بعض أهل بيته عدوّا له فلا يسلم قلب فأحبّ اللّه أن لا يكون في قلب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) على المؤمنين شيء . إذ فرض عليهم مودّة ذي القربى ، فمن أخذ بها وأحبّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأحبّ أهل بيته ( عليهم السّلام ) لم يستطع رسول اللّه أن يبغضه . ومن تركها ولم يأخذها وأبغض أهل بيت نبيّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فعلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أن يبغضه ؛ لأنّه قد ترك فريضة من فرائض اللّه . وأيّ فضيلة وأيّ شرف يتقدم هذا . ولمّا أنزل اللّه هذه الآية على نبيّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قام رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في أصحابه ، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : أيّها الناس إنّ اللّه قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه فلم يجبه أحد . فقام فيهم يوما ثانيا ، فقال مثل ذلك . فلم يجبه أحد . فقام فيهم يوم الثالث ، فقال : أيّها الناس إنّ اللّه قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه فلم يجبه أحد . فقال : أيّها الناس إنّه ليس ذهبا ولا فضة ولا مأكولا ولا مشروبا .

قالوا : فهات إذا ؟ فتلا عليهم هذه الآية . فقالوا : أمّا هذا فنعم . فما وفى به أكثرهم . ثمّ قال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : حدثني أبي ، عن جدّي ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي ( عليهم السّلام ) قال :

اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فقالوا : إن لك يا رسول اللّه مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم بها بارّا مأجورا ، أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج . فأنزل اللّه عزّ وجلّ عليه الروح الأمين فقال : يا محمد قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى لا تؤذوا قرابتي من بعدي ، فخرجوا ، فقال أناس منهم : ما حمل رسول اللّه على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثّنا على قرابته من بعده إن هو إلّا شيء افتراه في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيما . فأنزل اللّه هذه الآية أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[21] فبعث إليهم النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) فقال : هل من حدث ؟

فقالوا : إي واللّه يا رسول اللّه ، لقد تكلّم بعضنا كلاما عظيما [ ف ] كرهناه ، فتلا عليهم رسول اللّه فبكوا واشتدّ بكاؤهم ، فأنزل اللّه تعالى وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ[22] فهذه السادسة .

وأمّا السابعة فيقول اللّه : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [23] وقد علم المعاندون [ منهم ] أنّه لمّا نزلت هذه الآية قيل : يا رسول اللّه ، قد عرفنا التسليم [ عليك ] فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : تقولون : « اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد » وهل بينكم معاشر الناس في هذا اختلاف ؟ قالوا : لا . فقال المأمون : هذا ما لا اختلاف فيه [ أصلا ] وعليه الإجماع فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا القرآن ؟

قال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : أخبروني عن قول اللّه : يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ[24] فمن عنى بقوله : يس ؟ قال العلماء : يس محمد ليس فيه شك قال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : أعطى اللّه محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لم يبلغ أحد كنه وصفه لمن عقله وذلك أنّ اللّه لم يسلّم على أحد إلّا على الأنبياء [ صلوات اللّه عليهم ] فقال تبارك وتعالى : سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ[25]  وقال سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ[26] وقال : سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ[27] ولم يقل : سلام على آل نوح ولم يقل : سلام على آل إبراهيم ولا قال : سلام على آل موسى وهارون ؛ وقال عزّ وجلّ :

سَلامٌ عَلى إِل‌ْياسِينَ[28] يعني آل محمد . فقال المأمون : لقد علمت أنّ في معدن النبوة شرح هذا وبيانه . فهذه السابعة .

وأمّا الثامنة فقول اللّه عزّ وجلّ : وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى[29] فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) فهذا فصل بين الآل والامّة ، لأنّ اللّه جعلهم في حيّز وجعل الناس كلّهم في حيّز دون ذلك ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه ، وابتدأ بنفسه ثم ثنّى برسوله ثم بذي القربى في كلّ ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك مما رضيه عزّ وجل لنفسه ورضيه لهم فقال - وقوله الحقّ : - وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى فهذا توكيد مؤكد وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب اللّه الناطق الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ . وأما قوله : وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ * فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمه[30] خرج من المغانم ولم يكن له نصيب وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب في المغنم ولا يحلّ له أخذه وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغنيّ والفقير ، لأنّه لا أحد أغنى من اللّه ولا من رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) سهما ، فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيء ما رضيه لنفسه ولنبيّه ( صلّى اللّه عليه واله ) رضيه لذي القربى كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه ، ثمّ برسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ثمّ بهم ، وقرن سهم بسهم اللّه وسهم رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) وكذلك في الطاعة قال عزّ وجلّ : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[31] فبدأ بنفسه ، ثمّ برسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) ثم بأهل بيته وكذلك آية الولاية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا[32] فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقرونا بأسهمهم في الغنيمة والفيء فتبارك اللّه ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت ، فلمّا جاءت قصة الصدقة نزّه نفسه عزّ ذكره ونزّه رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) ونزّه أهل بيته عنها فقال : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ[33] فهل تجد في شيء من ذلك أنّه جعل لنفسه سهما أو لرسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) أو لذي القربى لأنّه لمّا نزّههم عن الصدقة نزّه نفسه ونزّه رسوله ونزّه أهل بيته لا بل حرّم عليهم ، لأنّ الصدقة محرّمة على محمد وأهل بيته وهي أوساخ الناس لا تحلّ لهم لأنهم طهّروا من كل دنس ورسخ ، فلمّا طهّرهم واصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه .

وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال اللّه في محكم كتابه : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ * إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ *[34] فقال العلماء[35] انما عنى بذلك اليهود والنصارى . قال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : وهل يجوز ذلك ؟ إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون :

انه أفضل من دين الاسلام . فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا يا أبا الحسن ؟ قال : نعم . الذّكر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ونحن أهله وذلك بيّن في كتاب اللّه بقوله في سورة الطلاق : فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ[36] فالذّكر رسول اللّه ونحن أهله . فهذه التاسعة .

وأمّا العاشرة فقول اللّه عزّ وجلّ في آية التحريم : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ -[37] أخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابنتي أو ما تناسل من صلبي لرسول اللّه أن يتزوّجها لو كان حيّا ؟ قالوا : لا . قال ( عليه السّلام ) : فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوّجها ؟ قالوا : بلى . قال : فقال ( عليه السّلام ) : ففي هذا بيان أنّا من آله ولستم من آله ولو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم كما حرمت عليه بناتي . لأنّا من آله وأنتم من امّته ، فهذا فرق بين الآل والامّة ، إذا لم تكن الآل فليست منه . فهذه العاشرة .

وأمّا الحادية عشرة فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل : وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ[38] فكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه . وكذلك خصّصنا نحن إذ كنا من آل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بولادتنا منه وعمّمنا الناس بدينه ، فهذا فرق ما بين الآل والأمة فهذه الحادية عشرة .

وأمّا الثانية عشرة فقوله : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها[39] فخصّنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره ، ثم خصّنا دون الأمة ، فكان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يجيء إلى باب عليّ وفاطمة ( عليهما السّلام ) بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرّات فيقول الصلاة يرحمكم اللّه ، وما أكرم اللّه أحدا من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا اللّه بها وخصّنا من جميع أهل بيته فهذا فرق ما بين الآل والامّة .

وصلّى اللّه على ذرّيته والحمد للّه رب العالمين وصلّى اللّه على محمد نبيه[40].

 


[1] سورة فاطر ( 35 ) : 32 .

[2] سورة فاطر ( 35 ) : 32 .

[3] سورة فاطر ( 35 ) : 33 .

[4] الأحزاب ( 33 ) : 33 .

[5] أي ينقل عنه : يقال أثر الحديث من بابي - ضرب ونصر - : نقله .

[6] الحديد ( 57 ) : 26 .

[7] هود ( 11 ) : 45 .

[8] هود ( 11 ) : 46 .

[9] آل عمران ( 3 ) : 33 - 34 .

[10] النساء ( 4 ) : 54 .

[11] النساء ( 4 ) : 59 .

[12] الشعراء ( 26 ) : 214 .

[13] خنس الشيء : من بابي ضرب ونصر - ستر . ومن قوله : « أمر عثمان - إلى قوله - وخنسه » ليست في العيون .

[14] آل عمران ( 3 ) : 61 ، وليس في القرآن كلمة « يا محمد » وهو تفسير وتوضيح منه ( عليه السّلام ) .

[15] بنو وليعة - كسفينة - : حيّ من كندة .

[16] يونس ( 10 ) : 87 .

[17] الإسراء ( 17 ) : 26 .

[18] الشورى ( 42 ) : 23 .

[19] هود ( 11 ) : 29 .

[20] هود ( 11 ) : 51 .

[21] الأحقاف ( 46 ) : 7 .

[22] الشورى ( 42 ) : 25 .

[23] الأحزاب ( 33 ) : 56 .

[24] يس ( 36 ) : 1 - 4 .

[25] الصافات ( 37 ) : 77 . أي سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح في العالمين من الملائكة والجن والانس .

[26] الصافات ( 37 ) : 109 .

[27] الصافات ( 37 ) : 120 .

[28] الصافات ( 37 ) : 130 .

[29] الأنفال ( 8 ) : 41 .

[30] اليتم - بالضم مصدر يتم ييتم - : الانفراد . وأيضا حالة اليتيم .

[31] النساء ( 4 ) : 59 .

[32] المائدة ( 5 ) : 55 .

[33] التوبة ( 9 ) : 60 .

[34] النحل ( 16 ) : 43 ، الأنبياء ( 21 ) : 7 .

[35] في العيون : ( نحن أهل الذكر فاسألونا ان كنتم لا تعلمون ) فقالت العلماء . . . الخ .

[36] الطلاق ( 65 ) : 10 - 11 .

[37] النساء ( 4 ) : 23 .

[38] غافر ( 40 ) : 28 .

[39] طه ( 20 ) : 132.

[40] تحف العقول : 313 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.