أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-17
883
التاريخ: 2024-08-17
490
التاريخ: 2024-08-17
429
التاريخ: 2024-09-11
264
|
أريد – في هذا الفصل - أن أشرح لك ما كان يظنُّ قدماء المصريين عن السَّماء. السَّماء، وأين توجد؟ وكيف يسكنها الناس بعد الموت؟ وأي نوع من الحياة ما هي يعيشون فيها؟ وقد كان لهم أفكار غريبة عن كل ذلك. كانوا يعتقدون مثلا أن السماء الزرقاء صحن حديدي يشمل الفضاء الموجود فوق الدنيا، وأن هذا الصحن مرفوع على جبال في أربعة أركان هي الشمال والجنوب والشرق والغرب، والنُّجوم مصابيح مُعلقة في بطن القُبَّة العظيمة، وكانوا يتصورون أن حول العالم يجرى نهر عظيم، وهو الذي تَسبَحُ فيه الشمس يومًا بعد يوم في سفينتها مرسلة الأنوار للدنيا، ونحن نستطيع رؤيتها في أثناء سيرها من الشرق إلى الغرب، أما ـ فيجري النهر خلف جبال شاهقة تحجُبُ الشَّمس عنا، وهنالك تبدأ رحلة الشمس في بعد ذلك عالم الظلام. ويتبع الشمس في سيرها القمر، وهو يُبحِرُ في سفينة خاصة، وتحرسه عينان لا تغفلان عنه أبدًا، ومما يدعو لهذه الحراسة أن القمر يصطدم كل شهرٍ بعدو لدود يظهر له في شكل خنزير، ففي بحر أسبوعين يسير القمر مطمئنا، يكبر ويستدير إلى أن ينتصف الشهر ويكون قد بلغ تمامه، فيتمكَّن الخنزير من طعنه ويُزحزحه عن مكانه، ويطرحه في النهر، فيأخذ في النقصان والزَّوال حتى مُستَهَلَّ الشَّهر الثاني؛ حيث تعود الحياة إليه رُويدًا رُوَيدًا. هذه هي أفكار قدماء المصريين عن دورة القمر وزيادته ونقصانه، وكان لهم أفكار أخرى لا تَقِلُّ عن هذه غرابةً. لا أقصد أن أقول شيئًا عن اعتقادهم في الله؛ لأنهم كانوا يعبدون آلهة كثيرة، وكان لكل إله من هذه الآلهة مذاهب ومعتقدات خاصة، وإنِّي أُتعِبُك لو حاولت أن أشرح لك كل هذه الديانات وما يتصل بها. من المعتقدات المختلفة.
ميت وأهم ما يسترعي الانتباه حقا هو اعتقاداتهم عن الحياة التي يحياها الناس في السماء بعد انتهاء حياتهم على الأرض؛ فإنَّه لم يُوجد شعبٌ من الشَّعُوب كان يُصَدِّقُ ويؤمن بخلود الأرواح بعد الموت مثل المصريين، وفوق ذلك كانوا يعتقدون بأن كل. يبدأ حياة جديدة، يسعد فيها أو يشقي تبعًا لما كان يفعله في الدنيا من الخير أو الله. وعلى العموم كانت أفكارهم عن الدنيا السفلى مختلفةً يصعب على العقل فهمها، وسأشرح لك أهم وأبسط هذه الأفكار. كانوا يظنُّون أنه في بدء تكوين الخليقة، لما كانت الأرض صغيرة، كان يحكم مصر ملك نبيل يُدعى أوزوريس، وكان مُحِبا للرعية، قضى حياته في تعليمهم أنواع المعرفة المفيدة. وكان للملك أخ شرير حسود يُدعى سيت يكرهه ويحقد عليه؛ ففي ذات يوم سيت أخاه لتناول العشاء معه، وكان قد جمع بعض رفقائه ودبَّرُوا مكيدة ضد أوزوريس النبيل. دعا وجلس الجميع، وبينهم الملك، يقصفون ويلهون، حتى قام سيت وأتى بصندوق جميل، ووعد بمنحه لمن يماثله طولا وحجما، وقام كلُّ واحدٍ منهم يقيس نفسه على الصندوق طمعا في إحرازه دون جدوى. ولما جاء دور أوزوريس انتظر المتآمِرُون حتَّى وضع نفسه في الصندوق - الذي صُنع على قده - ثم أغلقوا بابه ورموا به إلى النيل، وحملته الأمواج مسافات طويلة، حتَّى رسا بجانب الشاطئ. وكان الأوزوريس زوجةٌ مُخلصة هي إيزيس خرجت تبحث عنه في كل مكان حتَّى عثرت على الصندوق، وجلست بجانبه تبكي زوجها المحبوب. ولكن فاجأها سيت، وخطف الجنة من بين يديها، وقطَّعَها إربا إربا، ونثرها في الهواء، فزاد ذلك في حزن إيزيس حتّى هامت على وجهها تجمع ما تناثر من لحم زوجها، وتدفنه حيث تجده. وكان الإيزيس طفل يُدعى هوروس، فلما كبر وصار رجلًا تبارز مع سيت وقتله انتقاما لوالده. هنالك اجتمعت الآلهة وتبين لها من محاسبة الشقيقين ما كان أوزوريس عليه من الحق والهدى، وما كان أخوه عليه من الغَيِّ والضَّلال، ثُمَّ إِنَّهم رفعوا أوزوريس إلى مصاف الآلهة، وعيّنوه قاضيًا يُحاسب الناس بعد الموت. واستنتج المصريون من هذه القصة الاعتقاد بالحياة بعد الموت، فقالوا: إذا كان المحكمة. أوزوريس قد بعث بعد الموت، فإنَّ الذين يعبدونه يُبعثون كذلك ويعيشون معه. وتشابه هذه القصة ما ترويه الكتب المقدَّسة عن موت المسيح، وبعثه حيا بعد ذلك. وكانوا يعتقدون كذلك أنه إذا مات الإنسان على الأرض تصعد روحه - بعد تحنيطه ودفنه – إلى أبواب قصر أوزوريس في الدُّنيا الأخرى؛ حيث تُتحاسب الأرواح في المحكمة الإلهية، وكان لا بدَّ للرُّوح من معرفة أسماء الأبواب السحرية لكي : تدلها ، على وكان بالمحكمة ميزان كبير يقف بجانبه إله لتدوين نتائج حساب الأرواح، وكان يجلس في جوانب المكان اثنان وأربعون مخلوقًا مُفزعا وهم الذين يُعاقبون الخطأة الذين اقترفوا ذنوبا مُعيَّنة، فإذا دخلت روح إلى المحكمة تتقدم من هؤلاء، وتعترف لهم بأنها لم تقترف ذنبًا من الذُّنوب المنصوص بعقاب من يقترفها بعد ذلك يحضر قلب صاحب الرُّوح، ويُوضع في إحدى كفَّتَي الميزان، ويُوضع في الكفة الأخرى ريشة، وهي رمز الصدق، فإذا رجَحت كفة القلب كانت الرُّوح خاطئة، وجزاء صاحبها أن يُقذف بقلبه بين براثن وحش عظيم، يتكون نصفه من التمساح والنصف الآخر من فرس النهر، وكان دائمًا يَربضُ خلف الميزان ليلتهم القلوب الخاطئة. أما إن رجحت كفة الصدق «الريشة» فإن هوروس يقود الرَّجُل إلى حضرة أوزوريس؛ حيث يسمح له بالدخول في السماء. ولكن ما هذه السماء؟ لقد كوّن المصريون عنها عدة أفكار متباينة، منها ما هو ظريف؛ وهو أن الأرواح العادلة تصير نجومًا تُضيء العالم إلى الأبد، ومنها أن هذه الأرواح ترافق الشَّمس في سفينتها، وتسير معها في سياحتها الأزلية. ولكن الفكرة التي كانوا يُرَبِّحُونَها. هي ما يصورونه عن وجود بلد عجیب يُدعى «حقل البردي» في مكان قاص جهة الغرب؛ حيث تنمو شجرة القمح، وترتفع ثلاث ياردات ونصفًا في الهواء، وتكون سنبلتها ياردة كاملة، وتكتنف أرض الحقل القنوات الجميلة المفعمة بالأسماك حولها الغاب والبردي، فإذا تركت الروح المحكمة سارت في طرق غريبة محفوفة بالأخطار، حتَّى تصل إلى ذلك المكان الجميل حيث يقضي الميت، - وهو حينئذ حي خالد.. حياة أبدية في سعادة لا تشوبها شائبة، يزرع ويحصد أ مد، أو -يتريض في قاربه، أو يلعب في المساء تحت شجرة الجميز. ومثل هذه السماء تجذب قلوب من تعودوا الأعمال العظيمة، ومارسوا أشقّ الجرف، وكابدوا الكثير من متاعب الحياة؛ أما النبلاء فلم تستهويهم هذه السماء، فهم لا يقومون بأي عمل على الأرض، فلماذا يُكلِّفون أنفسهم ذلك في السماء؟ واعملوا الفكرة ليهتدوا إلى طريقة يستطيعون بها أن يستصحبوا معهم عبيدهم إلى السماء، وأظنُّهم حاولوا ذلك في بادئ الأمر بقتل العبيد في قبر سيدهم، حتَّى يُرافقوه إلى السماء ويقوموا بأعماله كما كانوا يفعلون في الأرض. ولكن لما كان المصريون ميالين بطبعهم إلى الرأفة، فقد نفروا من هذه الطريقة الشنيعة، ووجد الأشراف طريقة أخرى لتنفيذ فكرتهم، وهو أنهم كانوا ينحتون من الأحجار وجوها تشبه أوجه العبيد، وكانوا ينحتون مع كل عبد آلة للعمل؛ فهذا على كيفه مجرفة، وذاك في يده صندوق، وهكذا. در وكانوا يسمون هذه الوجوه المجيبين Answerers، فإذا دفن أمير دفنوا معه جملةً منها، حتَّى إذا وصل السماء ودعي للقيام بعمل في حقل البردي، ناب عنه في العمل المجيبون؛ ولهذا نجد مع الأجسام المحنطة كثيرًا من هذه الوجوه، مكتوبا عليها أسطر تخبر العبد عن العمل الذي سوف يقوم به في الدنيا السفلي، وإليك مثل منها: أيُّها المجيب، إذا دعاني أحد الأعمل أي شيء في السماء كأن أروي حقلًا أو أحمل رملا، ينبغي عليك أن تصيح «أنا هنا.» يالها من فكرة غريبة عن السماء والأغرب منها ظنُّ الأمراء بأنهم يستطيعون تجنب العمل والتَّعب في الدُّنيا الأخرى بهذه الوجوه الطينية. ولكن يجب علينا ألا ننسى أن المصريين توصلوا كذلك لمعرفة جانب عظيم من الحقيقة التي قررتها الأديان التوحيدية، فكانوا يعتقدون بأن أفعال الإنسان في الدُّنيا التي مصيره في الآخرة، وأن الشرير وإن نجا من العقاب في الدُّنيا، فالآلهة لا تُقَدِّرُ تتركه في الدنيا الأخرى بلا حساب أو عقاب. هي ومن الإنصاف أن نذكر أن هؤلاء القوم الذين دلُّوا على عبقريتهم في أحوال كثيرة، لم يكونوا إلا أطفالا بالنسبة للزمن والعلم، وهم مثل الأطفال في تكوينهم الأفكار الخاطئة المضحكة عن الأشياء التي يجهلونها ولا يستطيعون فهمها، ومثل الأطفال، أيضًا يمُدُّون أيديهم في الظُّلام يبحثون عن أبيهم المحبوب وهم يجهلون مكانه. فلا حاجة للغرابة إذا أخطئوا في ذلك الزَّمَن وضلوا الطريق. وإنَّما يَحِقُ لنا أن نعجب كيف أن الله الذي هداهم إلى تلك الأفكار السامية، وعلمهم تلك الفنون العظيمة، قد ترك لنفسه شواهد تدلُّ عليه حتى في تلك الأيام المنطوية.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|